الداعية العريفي : ”غوبلز‘‘ آل سعود ؟

4031726172_33a75f31a8_b
الداعية السلفي السعودى العريفي (شمال) ووزير الدعاية النازي جوزيف غوبلز (يمين)

Bild 146-1968-101-20A

عنوان هذه المقالة قد يبدو للوهلة الأولى قاسيا  إذ يشبه الداعية السلفي السعودي محمد العريفي بالرجل سيئ الصيت “جوزيف غوبلز” « Joseph Goebbels » ، مهندس الدعاية النازية والذراع الأيمن لأدولف هتلر إبان الحرب العالمية الثانية. لكن المقارنة تبدو ممكنة على الأقل بين وظيفة الشيخ الداعية المقرب من أسرة آل سعود الحاكمة والخدمات التي قدمها غوبلز للزعيم النازي لسنين عديدة في القرن الماضي. فقد ترأس غوبلز “وزارة الرايخ لتوجيه الرأي العام والدعاية” « Reich Ministry of Public Enlightenment and Propaganda » من عام 1933 حتى انهيار الرايخ وانتحاره في الفاتح من شهر مايو/أيار 1945.

إقرأ المزيد عن وسائل الإعلام والدعاية منذ ظهور المطبعة إلى عصر الانترنيت


الدور الذي يؤديه اليوم شيوخ الوهابية-السعودية لا يختلف عن وزراء الحرب والبروباغندا في القرن الفائت مع اختلاف بسيط وهو أن الشيخ السلفي-الوهابي السعودي يحشد الرأي العام وراء مشاريع وحروب آل سعود باسم الدين، أو بالأحرى باسم المسلمين السنة. والحقيقة أن مهمة مشايخ السلفية الذين يغزون الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي ليس فقط “الدعاية الدينية” وإنما تمرير الرسائل السياسية لأسرة آل سعود في قالب ديني يصبح بموجبه الالتفاف حول السياسة السعودية (والأمريكية) واجبا دينيا. والحرب التي تشنها السعودية على الحوثيين في اليمن تبين بشكل جلي لغير العارف بخبايا السلفية-الوهابية- كإيديولوجية حكومية سعودية لحشد الجبهة الداخلية التي تربت على طاعة وتقديس ولي الأمر الذي يحتكر ويورث السلطة والثروة تحت غطاء ديني.

اقرأ المزيد عن الدور الدعائي لمشايخ السلفية السعوديين تبريرا للحرب الملكية السعودية في اليمن

وما إن أعلن الملك السعودي الحرب (بمباركة أمريكية) على اليمن حتى تهافت كهنة السلطان لتكثيف دعايتهم السلفية-الوهابية لإضفاء طابع مقدس على هذه الحرب بدءا بتكفير الحوثيين (الذين دعمهم أل سعود في الماضي) ثم وجوب جهادهم. ولعل الداعية العريفي هو أكثر شيوخ الوهابية حماسا لاستغلال المنبر الديني لخدمة سياسة المملكة الوهابية وحشد “الجمهور السني” وراء آل سعود. وكما أن جوزيف غوبلز استخدم وسائل الإعلام المتاحة في عصره من سينما وراديو وصحافة لخدمة المشروع النازي فكذلك العريفي يعتمد ببراعة على التلفزيون ووسائل التواصل الإجتماعي لتمرير الدعاية الوهابية-السعودية لملايين المتابعين. كما استغل بشكل مقزز خطبة الجمعة لتأليب المصلين والمشاهدين ضد الطائفة الشيعية “الكافرة” ومن ثم شرعنة الحرب ضد الحوثيين اليمنيين “الكفار”. وفي خطاب عنصري مليء بالكراهية قل نظيره، وهو بدون شك موجه أيضا ضد الأقلية الشيعية في مملكة آل سعود، قال العريفي مخاطبا اليمنيين المناصرين للحوثيين والرئيس السابق على عبد الله صالح : ” لا تدنس نفسك بقتل أهلك وتحارب التوحيد والسنة تحت راية الضلال. يا بنى.. هذا بلدك واليمنيون أهلك، ولا تكن ذراعًا وخنجرًا لدولة صفوية رافضية تستعملك لتحقيق أغراضها وطعن أهلك.. أنقذ نفسك قبل أن تموت ميتة الجاهلية… إيران دولة الفرس تعاملك مرتزقا لا يهمها نجاتك ولا مصيرك في الدنيا ولا في الآخرة… فأنت عربى وابن عرب تاريخك مشرق كتاريخ اليمن فيه عز وشجاعة ومروءة وليس تاريخًا عاديًا ولا يليق بك أن تبذل روحك تحت راية الضلال”. وأشار أن المملكة السعودية أطهر بقاع الأرض، ووصفها بأنها وديعة النبي محمد لأمتها، ففيها الحرمان الشريفان، مشيرًا إلى أن هناك من يخطط ويتآمر لإضعافها !

لا شك أن خطابا تفوح منه العنصرية ضد الأعراق غير العربية والاستغلال الدنيء لحرمة البقاع المقدسة لشرعنة حكم آل سعود الفاشي وتبرير حروبهم ضد مسلمين آخرين يشكل أقذر أشكال البروباغندا الوهابية-السعودية. وإن ارتدت عباءة الدين للتغرير بالمسلمين فإنها لا تختلف عن الدعاية النازية التي ترفض الآخر وتحتكر الحقيقة والمروءة والنقاء خدمة لنظام أوتوقراطي استبدادي عفى عليه الزمن. جوزيف غوبلز كان ركنا أساسيا في النظام الفاشي النازي وجه الملايين من الشباب الألمان لاعتناق النازية وارتكاب أبشع الجرائم التي شهدتها أوروبا في تاريخها. كذلك العريفي وغيرهم من موظفي الدعاية الوهابية أفتوا للمغفلين من المسلمين منذ عقود بالجهاد ضد أبناء جلدتهم كما طلب السلطان فارتكبوا فظائع تقشعر لها الأبدان. أفتوا بالحرب على المسلمين، أسسوا القاعدة مع الأمريكان واستقبلوا المارينز في بلدانهم ودمروا البلدان. لذلك فالداعية العريفي المتلبس بالدين هو في الحقيقة رجل دعاية وهابي في خدمة السلطان ومناصر للحرب ومكفر لمن لا ينصاع لنزوات آل سعود الفاشيين وحلفائهم الأمريكان. نعم، العريفي هو “غوبلز” آل سعود.

الجزائر نت 

البروباغندا في وقت الحرب : ما دور الدعاة الإسلاميين ؟

 أضحى دور “الدعاة” الإسلاميين في زمن الفضائيات العربية العابرة للحدود ووسائل التواصل الاجتماعي أكثر أهمية من أي وقت مضى. قد نُعَرف الدعاة بأنهم رجال الدين الذين يتواصلون مع الجماهير العربية-الإسلامية عبر الفضائيات وفي وسائل الاتصال الاجتماعي لهدف في ظاهره بريء : شرح الدين الإسلامي للناس ونصحهم وإرشادهم لما فيه خير لهم في دينهم ودنياهم. ولهذا فالداعية يلعب دور المربي والأستاذ والإمام والأب والصديق، الخ. فهو رجل سخر على ما يبدو حياته لإرشاد الناس ولذلك ينبغي توقيره واحترامه. ولا ريب أن يصبح الداعية الديني نجما إعلاميا تتخاطفه الكاميرات ويتهافت عليه المعجبون في مجتمع عربي فقد الأمل في الإنعتاق والحرية و تخلى فيه المثقف والباحث عن دوره كفاعل اجتماعي. 

لكن ما لا يبديه الداعية الديني أنه إعلامي و رجل سياسي بالدرجة الأولى. فالداعية كفاعل سياسي في العالم العربي يلعب دور الموجه للشعوب وسياسي يستعمل الدين لتوجيه الرأي العام معتمدا على السمعة الطيبة التي يوفرها منصب الداعية الإسلامي الذي يجب الأخذ برأيه وعدم انتقاده باعتبار أن “لحمه مسمومة” حسب أدبياتهم. هذا الدور المزدوج للداعية المقرب من دوائر السلطة والمنتفع بها يظهر بجلاء في أوقات الحرب لحشد الجماهير للإلتفاف حول الزعيم الذي ينبغي طاعته “ولو جلد ظهرك” حسب اعتقادات الإيديولوجية الوهابية-السعودية على وجه الخصوص. فمنذ أن أعلنت السلطات السعودية بدأ هجومها الجوي على الحوثيين في اليمن حتى انهالت الفتاوى والتبريرات الدينية للدعاة والمشايخ داعمين فيها العملية العسكرية لاعتبارات “شرعية” قد تغطي نشاطهم كسياسيين تابعين للأسرة الحاكمة في الرياض.

فشيوخ الإيديولوجية الوهابية-السعودية يقدمون أنفسهم للجماهير بأنهم داعاة للمنهج السلفي الصحيح وأنهم بحكم علمهم حريصون على دينهم ويبتغون تجنيبهم النار وهديهم للدين الصحيح، أي “للسلفية-الوهابية-السعودية” التي تعتمد على الأفكار الدينية لمحمد بن عبد الوهاب والمبادئ السياسية لعائلة آل سعود الحاكمة. ولا ريب أن تكون رسائل هؤلاء الدعاة خليطا من الفتاوى الدينية و الرسائل السياسية الصريحة أحيانا والمبطنة أحيانا أخرى. ولعل شن السعودية للحرب على الحوثيين في اليمن بسبب تقاربهم مع إيران وتهديدهم للنفوذ السعودي-الوهابي بشقيه السياسي والديني أفضل فرصه لتبيان انخراط الدعاة السعوديين-الوهابيين في مهمتهم المزدوجة على الصعيدين الديني والسياسي.

فهذا  الداعية العريفي الذي يستخدم ببراعة وسائل التواصل الإجتماعي لتمرير رسائل الإيديولوجية السعودية-الوهابية يهرع في اليوم الأول للحرب بتغريدات تبرر دينيا الحرب التي شنها آل سعود على جزء من مكونات الشعب اليمني قائلا بأن الحرب المعلنة “قرارٌ حكيم من رجل حكيم”  (مساندة لقرار الملك السعودي) وداعيا “ربّ انصر جنودنا على الفئة الباغية” (رسالة دينية تطلب الوقوف وراء الجيش السعودي).

IMG_6496IMG_6497

كما يدعو في رسالة أخرى “طاعة ولاة الأمر والكفّ عن التخديل وترك الإشاعات” (أي الإنصياع للقرار السياسي وعدم متابعة وسائل الإعلام غير المباركة للقرار الملكي).            

أما الشيخ الطريفي فدعا قائلا “اللهم نصرك على أهل الأوثان وعبّاد القبور حوثية اليمن ونصيرية الشام واثني عشرية العراق”، وهو بذلك يشرعن الحرب باعتبار أن الحوثيين “كفار” وجب قتالهم كسائر الشيعة في العراق وسوريا. كما وجه رسائل سياسية تحذر من النفوذ الإيراني. ونفس الرسائل وجهها الدعاة السعوديين-الوهابيين القرني والعرعور.

IMG_6504IMG_6500IMG_6501

والمثير للإنتباه أن وسائل الإعلام التقليدية الموالية للطرح الوهابي-السعودي فيما يخص الأزمة اليمنية تتلقف بدورها الفتاوى السياسية الوهابية-السعودية وتعيد بثها لتبرير مساندتها للحرب. وهذا ما يفسر لجوء قناة الجزيرة لبث رسائل الدعاة السعوديين لتوجيه الرأي العام وحشده وراء التحالف الخليجي المنخرط في الحرب اليمنية.

 IMG_6503IMG_6502

فإن كان دور الداعية التقليدي هو ديني فكري محض ، فهو اليوم اليوم أقرب إلى الدعاية السياسية أو البروباغندا. فالدعاة الوهابيون-السعوديون يؤدون دور الشيخ والصحافي والناشط السياسي في آن واحد. لهذا فمن الخطأ اعتبار الدعاة الوهابيين-السعوديين مجرد رجال دين يسعون لنشر الفضيلة، بل هم رجال سياسة وعلاقات عامة وقادة رأي متحالفون مع السلطات الحاكمة لشرعنة قراراتها وتحالفاتها وحراس للنظام الحاكم المسيطر على منابع النفط في نجد والحجاز والذي يستخدم أفضل أنواع الدعاية السياسية-الدينية للسيطرة على الرأي العام المحلي والإقليمي.  فلا ريب إذا إن حرم هؤلاء الدعاة الديمقراطية والإنتخاب واتهموا الناشطين في مجال الحريات السياسية بأنهم “كفار خوارج” لأن تغيير النظام حرام وينبغي الإنصياع “لولي الأمر” وعدم التفكير في إصلاحه. وخلاصة الأمر أنه ينبغي النظر إلى الدعاة المتلبسين بالدين، وقد يعتقد البعض خطأ أن “لحومهم مسمومة” ،بأنهم مجرد موظفين حكوميين ومهمتهم تقتصر على البروباغندا الدينية-السياسية للسيطرة على الرأي العام مثلهم مثل الوزراء والأمراء والصحافيين التابعين للسلطات الحاكمة.

الجزائر نت

سؤال ملح بعد هجوم متحف باردو : ما الفرق بين السلفية العلمية والسلفية الجهادية ؟

قد يتساءل القارئ عند قراءة عنوان هذا المقال : “وما دخل السلفيين في أعمال تنظيم الدولة (داعش) في العراق أو أنصار الشريعة في تونس وليبيا ؟ هؤلاء ‘خوارج’ ولا دخل لهم في السلفية التي تعد منهج إصلاحي سلمي” ! هذه إجابة السلفية التقليدية فيما يخص الإرهاب الذي تعاني منه جل الدول الإسلامية بقيادة القاعدة و”داعش” وغيرهم من المتطرفين السلفيين. فإذا كان الإرهابيون – الذين دمروا متحف الموصل والمدن التاريخية الآشورية باعتبارها “أوثانا” وجب هدمها – يبررون أعمالهم بما تمليه عليهم “عقيدتهم السلفية”، فإن السلفيين التقليديين يبررون عدم رضاهم على أعمال داعش والقاعدة بما تمليه عليهم “عقيدتهم السلفية” التي تعتبر داعش والقاعدة “خوارج”. بعبارة أخرى، سلفيو القاعدة وداعش يستلهمون حروبهم وتفجيراتهم “بفهمهم للسلف” والسلفيون التقليديون، او ما يسمى السلفية العلمية، يرتكزون في اعتراضهم على ذلك “بفهمهم للسلف”. هنالك عندئذ قراءات متعددة للسلف في داخل التيار السلفي نفسه.
والحقيقة أن السلفية التقليدية المبجلة للحاكم والمتحالفة معه على صلة وثيقة مع مشايخ البلاط الملكي السعودي الذين يتوارثون لقب “الشيخ” كما يتوارث آل سعود لقب “الأمير”. كل سلفي علمي تراه ينحني أمام مشايخ البلاط الأحياء والأموات من أمثال محمد عبد الوهاب ، بن باز ، العثيمين، المدخلي، الخ. وفهم هؤلاء الشيوخ للسلف مرهون بعلاقاتهم الوثيقة بملوك آل سعود وقد حرموا وحللوا حسب هوى ملوك النفط وهذا لا يخفى على أحد. ولذلك فموقف السلفية العلمية التي لا تتبنى الإرهاب كمنهج للتغيير يمكن تفسيره بعدم حاجتها لذلك إذ أنها طرف في الحكم. دفاع السلفيين التقليديين عن الحكام الفاسدين وتحالفهم مع القوى الغربية في الحالة السعودية تمليه مصالحهم باعتبارهم أطرافا في الحكم.
لكن ماذا لو كان السلفي خارج الحكم أو غير منتفع به؟ كيف سيؤدي دوره كمعارضة ؟ هنا المشكلة الحقيقية، فالسلفية ليست تيار براغماتي ولا تقبل الحوار بل تتجه للعنف والإرهاب لفرض أجندتها وذلك بحسب فهمها “للسلف” !  إذا لكل فهمه للسلف الصالح حسب موقعه من السلطة. وهذا ما يفسر لجوء بن لادن السعودي للإرهاب بعدما كان مجاهدا سلفيا يلقى الدعم إبان الحرب في أفغانستان ضد السوفيات وبمباركة علماء البلاط وبمساعدة وكالة الإستخبارات الأمريكية. وذلك قد يفسر اختلاف أمير داعش أبو بكر البغدادي، الذي يتبنى الإرهاب لفرض سلطته، مع السلفيين التقليديين السعوديين وأتباعهم في جميع أنحاء العالم لأنه في حالة حرب للسطو على الحكم وقد يهدد أل سعود والوهابيين المتحالفين معهم. وخلاصة القول أن السلفيين يقتصرون على الدعوة عندما يكونون مقربون من الحكم مثل مشايخ آل سعود ووهابيي الفضائيات، ويتبنون العنف والإرهاب عندما يكونون خارج السلطة كداعش والقاعدة. لذلك ففهمهم للسلف الصالح رهينة بقربهم أو بعدهم عن السلطان.
والأعمال الإرهابية التي يقترفها تنظيم الدولة والقاعدة في العراق وسوريا لا تختلف عما يفعله في ليبيا أو أفغانستان أو تونس. هذه التنظيمات السلفية في حالة حرب من أجل السلطة والإرهاب وسيلتها لأجل بلوغ ذلك. ولو استقرت دولة البغدادي لتحولت “سلفيته” إلى سلفية موالية للحاكم وتحرم العنف لأجل ضمان استقرار الحكم بيد المشايخ والأمراء، تماما كما فعل آل سعود والوهابيون المتحالفون معهم إذ ارتكبوا الفظائع لأجل السيطرة على نجد والحجاز ثم تحولوا بعد ذلك إلى “سلفية علمية” تنادي بطاعة الملك (وشيوخه) و”لو جلد ظهرك” !
والسلفية في شقها الجهادي الإرهابي الساعي للسلطة غالبا ما تبرر حربها حسب الظروف المحلية ولكنها تفضل دائما الأسباب الطائفية لتجنيد أنصارها : ففي سوريا والعراق تبرر جهادها (حسب فهمها للسلف الصالح) بضرورة إبادة الشيعة (مذهب) والأكراد (سنة ولكن ليسوا عرب) والأقليات الأخرى من أزيديين ومسيحيين. وفي بلاد المغرب العربي يبرر الإرهابيون السلفيون حروبهم بضرورة محاربة “الطغاة” (الحكام الديكتاتوريين الذين ينافسوهم هوس السلطة) أو المرتدين (المسلمين السنة المعارضين لهم).
والديمقراطية هي العدو المشترك للسلفيين “العلميين” أو “الجهاديين” والطرفان متفقان على حرمتها، فإن سألت الشيخ العريفي أو آل الشيخ أو الطريفي أو القرني (مقربون من الحاكم) أو الظواهري وأبو بكر البغدادي (ساعون للحكم)، الإجابة واحدة : الديمقراطية حرام ولا تجوز حسب “فهمهم للسلف الصالح” ! فعلماء البلاط يرفضون الديمقراطية لأنها تههد عروش أمرائهم ومناصبهم كما في السعودية، ولهذا فهم يستميتون لمنع أي تغيير والشعب وجبت عليه طاعة الملك والشيوخ والدعاء لهم ولا ينبغي أن يفكر في إمكانية اختياره لحاكمه ! أما السلفيون الجهاديون الذين يعتمدون الإرهاب لأجل الحكم فهم يحرمون الديمقراطية لأنها قد تقصيهم من السباق ولا مجال للمغامرة وهكذا حال تونس اليوم إذ تشكل الديمقراطية أكبر تحدي للسلفيين بكل اتجاهاتهم.
ثم أن الديمقراطية هي أكبر تحدي للتيار السلفي الجهادي لأنها الوحيدة القادرة على دحض الإيديولوجية الوهابية السلفية. فالجهاديون دائما يبررون إرهابهم بتسلط الملوك وانعدام العدل والحرية، وعندما يواجهون نظاما ديمقراطيا اختاره الشعب كما في تونس لا يجدون من حل سوى الإرهاب للإضرار بالإقتصاد وإفشال الدولة. هجوم الإرهابيين السلفيين على متحف باردو ليس محض صدفة بل عمل مخطط له. فهم يريدون ضرب القطاع السياحي وإفشال التجربة الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي. زد عل ذلك أن للسلفيين عداء قديم للتاريخ والآثار والفنون، فقد دمر داعش تاريخ العراق وسوريا وحرقوا متاحف وجرفوا مدنا تاريخية وهربوا كنوزا أثرية لتمويل حروبهم. كذلك فعل الوهابيون لما احتلوا مكة والمدينة إذ دمروا جميع الآثار وبيوت الصحابة واتهموا الناس بالشرك. السلفيون أينما حلوا يريدون مسح تاريخ المناطق التي يحتلونها لتسهيل السيطرة عليها وإخضاع ساكنيها لإيديولوجيتهم.
والقارئ قد يتساءل : لماذا لا يصدر مشايخ “السلفية العلمية” بيانا لإدانة الهجوم الإرهابي ؟ لماذا يلتزمون الصمت ؟! والإجابة أن ذلك قد يضر بشعبيتهم فهم يتصارعون مع أتباع “السلفية الجهادية” لكسب “معركة القلوب والعقول” ولا مجال للمجازفة بانتقاد أخطاء الفريق الآخر. كذلك يفعل السلفيون الجهاديون فهم يتحاشون انتقاد مشايخ السلاطين البارزين لأنهم يعتمدون على أدبياتهم لتبرير جهادهم. فلا عجب أن تجد أنصار داعش يستدلون بكتب محمد عبد الوهاب و بن باز والعثيمين، أكبر حلفاء آل سعود. وخلاصة القول أنه مهما اختلفت ظاهريا في صراعاتها لأجل الوصول للحكم (كداعش) أو من أجل الحفاظ عليه (السلفية السعودية)، فالإيديولوجية السلفية بمختلف تياراتها، خارج أو داخل السلطة، تتحمل الجزء الأكبر من الإرهاب الذي يسود العالم الإسلامي والذي وصل صداه للمجتمعات الغربية. وبدون إصلاح أو اجتثاث مصدر هذه الإيديولوجية الفاشية في شبه الجزيرة العربية وتوجه المجتمعات العربية نحو الديمقراطية والحريات، فإن منهج الإرهاب كوسيلة لتدمير الدول والسطو على الحكم سيستمر لعقود قادمة.

الجزائر نت

شهران بعد حادثة ” شارلي إيبدو‘‘. ما الذي تغير؟

لا شك أن الهجوم الدموي الذي تعرضت له صحيفة “شارلي إيبدو” سيترك آثارا عميقة على الجدل القديم المتجدد في الأوساط السياسية والإعلامية والثقافية الفرنسية حول وضعية الإسلام في هذا البلد العلماني. لا توجد إحصائية دقيقة لعدد المسلمين في فرنسا اليوم بسبب منع القانون الفرنسي لأي إحصاء يقوم على خلفية دينية أو عرقية، لكن بعض الأوساط تقدر الأقلية المسلمة بحوالي 6 ملايين شخص ينحدر معظمهم من أصول مغاربية وإفريقية. ويختلط أحيانا التفكير حول وضع الإسلام في فرنسا بالجدل حول سياسات الهجرة وقدرة المجتمع الفرنسي على استيعاب المهاجرين الجدد من أصول غير أوروبية.

شهدت فرنسا قبيل أحداث باريس جدلا واسعا حول وضعية الإسلام في الجمهورية الفرنسية اللائكية خصوصا بعد نشر كتاب “الإنتحار الفرنسي” للكاتب والصحفي المثير للجدل إيريك زمور، المقرب من أفكار اليمين الفرنسي الأكثر تشددا، والذي يطرح للنقاش “مشكلة” تواجد الإسلام في فرنسا والغرب والتحدي الذي سيواجهه البلد بعد فشل كل من اليساريين والمحافظين الذين تناوبوا على السلطة في درأ “الحرب الأهلية” القادمة كما يزعم. ولقى تصريح هذا الكاتب لدورية إيطالية – ومفاده أنه لا مناص من تهجير ملايين المسلمين الفرنسيين إلى بلدانهم الأصلية لعدم توافق معتقداتهم مع الديمقراطية الغربية وقيمها – تنديدا واسعا من الطبقة السياسية والجمعيات المناهضة للعنصرية أدى لقرار إنهاء العقد الذي يجمعه مع القناة اللإخبارية “إي ثيلي” والذى لقى استنكارا شديدا من بعض الجهات المحافظة باعتباره مسا بحرية الرأي والفكر التي يضمنها الدستور الفرنسي.

وما إن بدأ الجدل حول هذا الكتاب في الهدوء حتى بدأ الروائي الفرنسي الشهير “ميشال ويلبك” في الظهور على وسائل الإعلام للترويج لروايته السياسية “استسلام” التي تدور أحداثها في فرنسا عام 2022 والتي يفوز في انتخاباتها الرئاسية لأول مرة رجل مسلم مدعوم من اليسار وذلك لقطع الطريق أمام مرشحة الجبهة الوطنية (اليمين المتشدد). وتصور الرواية التحول النهائي للمجتمع الفرنسي نحو الإسلام والانهيار المأساوي للقيم الليبرالية التي عرفها البلد منذ قرون. وزاد صعود نجم حركة “وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب” (بيجيدا) في ألمانيا ونجاح مظاهراتها المناهضة للإسلام من تأجيج الجدال حول رواية ويلبك وانقسم المشهد الإعلامي بين مؤيد ومستنكر لما تتنبأ به هذه الرواية. وتشاء الأقدار أن تصدر في الأكشاك في نفس اليوم الذي شهد الهجوم الدموي على مجلة “شارلي إيبدو” التي اشتهرت بنشرها المتكرر للرسوم الساخرة من الإسلام تحت ذريعة حرية التعبير وانتقاد الأديان التي يكفلها الدستور الفرنسي. 

وفي مجتمع فرنسي تحت الصدمة، تبدو الأفكار التي تروج لها مؤلفات “إيريك زمور” و ” ميشال ويلبك” وغيرهم من الكتاب والأدباء المؤثرين في الساحة الإعلامية الفرنسية أكثر جاذبية من أي وقت مضى وذلك رغم تحذير الكثير من السياسيين والإعلاميين من خطر الوقوع في الإسلاموفوبيا والخلط بين الإسلام كدين و”الإسلاماوية” كإيديولوجية سياسية التي تتبنى العنف للتعبير.
وتلتقي الآراء المناوئة للإسلام بالأفكار التي ينادي بها اليمين المتطرف المعادي للهجرة منذ زمن طويل. وصرحت “مارين لوبان” رئيسة حزب “الجبهة الوطنية” لجريدة “لوبوان” بأنها كانت الوحيدة التي حذرت من “التطرف الإسلامي” الذي يهدد المجتمع الفرنسي وجددت مطالبها للحزب الحاكم بضرورة تنصل فرنسا من “اتفاقية شنغن” التي تسمح بتنقل الأشخاص بكل حرية في دول الإتحاد الأوروبي وخلع الجنسية عن الإسلاميين الذين سافروا للقتال في سوريا والعراق والذين قد يرتكبوا أعمالا إرهابية عند عودتهم لفرنسا. وردا على حملة التضامن الدولي الواسعة مع فرنسا والتي حملت شعار “أنا شارلي” تضامنا مع الصحيفة الساخرة، صرح الأب الروحي لليمين المتشدد في فرنسا “جون ماري لوبان” بأنه ليس “شارلي” وإنما “شارل مارتيل” في إشارة للقائد العسكري الذي حكم إمبراطورية الفرنجة في أوائل القرن الثامن الميلادي. وتحت صدمة هجوم باريس الذي أشارت إليه بعض الصحف “بالحادي عشر سبتمبر الفرنسي”، استثمر اليمين المتشدد المعادي لسياسات الهجرة الحادثة للتأكيد على صحة فرضياته التي أهملها تياري اليسار واليمين الذين تناوبوا على سدة الحكم في فرنسا منذ عقود.

وشهدت الأيام التي تلت أحداث باريس هجمات انتقامية عديدة على مساجد ومحلات يملكها مهاجرون كإشارة لتفشي ظاهرة الخلط بين الإسلام والإرهاب وتنامي مشاعر العداء للمسلمين والمهاجرين رغم تحذيرات الرئيس الفرنسي الذي دعا إلى الوحدة الوطنية وحماية التنوع الثقافي والعرقي للمجتمع الفرنسي كرد أفضل على ظاهرة الإرهاب. كما تهافت قادة الجالية الإسلامية لإدانة الهجوم مطالبين المسلمين بالخروج للمظاهرات تنديدا بالهجوم الذي يتنافى مع مبادئ التسامح والتعايش التي يدعو إليها الإسلام. وصرح حسان شلغومي، رئيس “الجمعية الثقافية لمسلمي درانسي” المثير للجدل، بأن”رسول مرتكبي جريمة شارلي إيبدو هو الشيطان” وأنه يخشى تبعات هذه العملية على مسلمي فرنسا. كما أدان دليل بوبكر عميد مسجد باريس العملية الإرهابية قائلا بأنها تشكل طعنة لكل المسلمين الفرنسيين مطالبنا منهم الإنضمام إلى “المسيرات الجمهورية” المنددة بهذه العملية الإرهابية.
وبعد مرور أكثر من شهرين على الهجوم الإرهابي الذي شهدته باريس يبدوا أن الأمور هدأت قليلا لكن مشكلة اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي بقيت تراوح مكانها. كما أن رجوع بعض المقاتلين الذين انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية لبلادهم قد يطرح على الطاولة مشكلة التطرف والأخطار المحدقة بعد أن دعا أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة، أنصاره أينما وجدوا لضرب المصالح الغربية. التحدي الذي يواجه صانعي القرار الآن هو إيجاد حلول عاجلة للمشاكل الإجتماعية والإقتصادية التي تعاني منها شرائح واسعة من المجتمع الفرنسي، وبالخصوص سكان الضواحي، لتفويت الفرصة أمام الدعاية الإعلامية التي تستهدف الشباب اليائس على وسائل التواصل الإجتماعي والتي باتت حجر الأساس لعمليات التنجيد في صفوف الجماعات المتطرفة كالقاعدة وتنظيم الدولة. ومن الخطأ الإعتماد كليا على استراتيجية أمنية للقضاء على التطرف وعدم معالجة أسباب نجاعة “عمليات التجنيد الإيديولوجي” التي تعتمدها الجماعات المتطرفة والتي تعتمد في أغلبها على زرع بذور العنف والحاجة للانتقام من المجتمع في نفوس “المقصيين إجتماعيا” من الشباب ووعدهم بحياة أفضل هنا أو في العالم الآخر. وبعد شهرين من حادثة “شارلي إيبدو”، يبدو أن الأمور عادت إلى ما قبل “السابع من يناير”، في انتظار القضاء على تنظيم الدولة الذي تمدد للجهة الأخرى من المتوسط والذي لا يزال يراهن على “الذئاب المنفردة” لتنفيذ هجمات وإحداث الصدمة في المجتمعات الأوروبية التي تشارك دولها في الحلف الذي يقصفه في سوريا والعراق ..

الجزائر.نت