عن شَعبية ’’الخطاب الشعبوي‘‘ في الجَزائر وانتشاره على شبكات التوَاصل الاجتماعي

فكرة هذا المقال ترجع لخبر نشرته جريدة “الخبر” الجزائرية والذي يعرض شريط فيديو لجندي جزائري يتوعد فيه القوات الإسرائيلية “بالقتل والذبح” معلنا مساندته اللامشروطة للشعب الفلسطيني. إلى هذه اللحظة الخبر يبدو عاديا إذ أن الجندي يعبر بدون شك عن غضبه من الوضع المزري الذي يعيشه الفلسطينيون تحت الإحتلال ويأسه من رد الفعل العربي الرسمي المتخاذل اتجاه “انتفاضة السكاكين”. لا شك أن معظم الشعوب العربية وغير العربية التي تساند المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني في الحرية تتفهم غضب هذا الجندي، لكن تعليقنا على مضمون الرسالة التي بثها الجندي هو الذي أشعل النقاش على صفحة جريدة الخبر على موقع فيسبوك.

فقد علقنا باسم الجزائر.نت على الخبر قائلين : أن خطاب “الجندي شعبوي لا يدرك أنه يجب تحرير البلاد (أي الجزائر) وإقامة دولة القانون قبل تحرير الآخرين. هو لا يدري أن جيش إسرائيل أقوى من جميع الجيوش العربية مجتمعة وهذا ليس صدفة، بل لأن إسرائيل دولة ديمقراطية (للإسرائيليين) يحكم فيها القانون بلا رشوة ولا نهب للمال العام وجامعاتها قوية ومجتمعها متماسك. أما العرب فمجرد ديكتاتوريات بلا مستقبل ينتشر فيها الجهل والفقر…”. ( اضغط على رابط منشور جريدة الخبر على موقع فيسبوك).

ما لاحظناه للوهلة هو الأولى هم عدم تقبل بعض المعلقين لردنا وعجزهم عن فهم الفكرة التي أردنا إيصالها ومفادها أنه ينبغي علينا في الجزائر – وهذا ينطبق على المجتمعات العربية الأخرى – تحرير أنفسنا وتطوير بلداننا أولا قبل أن نفكر فعلا في مساعدة الآخرين لأننا لحد الساعة عاجزين عن توفير أبسط اختياجاتنا من الغذاء والدواء واقتصادنا نفطي ريعي وجامعاتنا ضعيفة فضلا عن انتشار الفساد وانعدام الحريات ودولة القانون. وبدون إصلاح بيتنا الداخلي فليس بإمكاننا مد يد العون للفلسطينيين سواء في وقت السلم أو الحرب. فمن المعلقين من اتهمنا “بالخوف من الإسرائيليين” أو أننا “نئن تحت وطأة الدعاية الصهيونية وجيشها المزعوم الذي لا يقهر” ومنهم من يؤكد أنه لو اجتمعت الجيوش العربية لأصبحت قوة عظمى قادرة على ترجيح الكفة للعرب في أي صراع مع الإسرائيليين. وهنا بيت القصيد لأن هذه الجيوش لن تجتمع في الظروف الحالية إلا لقمع الشعوب العربية نفسها.

هشاشة البيت الداخلي العربي

فالدول العربية بأنظمتها الحالية لا يمكنها أبدا التوافق على سياسية خارجية موحدة لأن أنظمتها فردية ديكتاتورية تهمها مصلحتها الذاتية وليس مصالح شعوبها، فهل ستفكر يوما في مصالح الشعب الفلسطيني الذي يعاني تحت الإحتلال منذ عقود ؟ لا، أبدا. ولذلك فلن يكون هناك أي توجه عربي رسمي حقيقي لدعم الشعب الفلسطيني وتمكينه من حقه في إقامة دولته المستقلة. ولذلك أشرنا إلى أن إصلاح البيت الداخلي العربي وإقامة أنظمة ديمقراطية يشكل أول خطوة في الطريق الطويل لإصلاح الوضع الكارثي الذي تعيشه المجتمعات العربية على جميع المستويات. فلو ضربنا مثال ببلادنا الجزائر فإن الوضع الإقتصادي كارثي لاعتماد السلطات المطلق على النفط وفشلها في إقامة إقتصاد صناعي وزراعي متنوع ولو توقفنا عن إستيراد القمح لبضعة شهور فإن الشعب مهدد بالمجاعة. أما الوضع الاجتماعي فهو هش بسبب انتشار الفساد وانعدام الثقة في الدولة وانتشار الجريمة والمخدرات. أما على مستوى البحث العلمي، وهو قطاع حيوي لتطوير البلاد، فيكاد يكون منعدم نظرا للوضع الكارثي الذي تعيشه الجامعة الجزائرية جراء انخفاض أجور الباحثين وانتشار المحسوبية وفرار الباحثين للخارج سعيا لحياة أفضل. وكذلك الحال بالنسبة لقطاعات الصحة أو الثقافة. بالله عليكم، أليس من الأولى “تحرير” أنفسنا قبل التفكير في تحرير الآخرين (الفلسطينيين) ؟

عدم جدوى الخطاب الشعبوي

الخطابات الرنانة والحماسية التي أعتاد عليها الإنسان الجزائري تدغدغ فقط مشاعر الناس وتلهيهم عن واقعهم المزري. أليس من المعقول الشروع في إصلاح بيتنا الداخلي الآن قبل الغد إذا أردنا مساعدة الشعب الفلسطيني – وتلك مهمة نبيلة – في كفاحه للتحرر ؟ البعض يصدق “الخطاب الشعبوي الديماغوجي” الممزوج أحيانا بالخطاب الديني للترويح عن النفس لا غير، لكننا واثقون من أن الخطاب العقلاني هو القادر على تفسير أسباب ضعفنا ووضع الأصبع على الجرح. هذا ليس فكر انهزامي كما يعتقد بعض المعلقين على الخبر المذكور أعلاه، بل على العكس تماما. فقول الحقيقة هو أول خطوة للتغيير ومحاولة النهوض. الفكر الإنهزامي هو ما يردده الخطاب الشعبوي الديماغوجي الذي يكذب على الشعب والذات في نفس الوقت. فنحن متخلفون في جميع المجالات وعلينا العمل للنهوض أما الشعارات الجوفاء فهي لا تفيد. ولو رجعنا لثورة نوفمبر الخالدة لوجدنا أن الذين أشعلوها هم رجال مثقفون عقلانيون لم يعتمدوا فقط على الكمائن المسلحة والشعارات الرنانة لإقناع فرنسا بالخروج من البلاد، بل أستعملوا بذكاء المنابر السياسية المتاحة في الخارج للضغط على الديبلوماسية الفرنسية وإقناعها بضرورة التفكير في إعطاء الشعب الجزائري الحق في تقرير مصيره، وهذا ما حدث بالفعل. ولو اقتصرت جهود جبهة التحرير على الشعارات الحماسية والكمائن في الداخل ضد جيش محتل مدجج بالسلاح لما أقتنع الفرنسيون بضرورة مغادرة البلاد.

الديمقراطية كوسيلة للنهوض

وهكذا الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية، فالخصم الإسرائيلي أكثر تسلحا من جميع الجيوش العربية مجتمعة. زد على ذلك أنه شديد الفعالية في جهوده الديبلوماسية في الخارج لضمان مساندة دولية له تضاف لتفوقه العسكري والإقتصادي والعلمي وتلاحم الجبهة الداخلية وراء قيادته السياسية. وهذا ما لا نجده عند العرب المتخاصمين المتحاربين، بل وعند الفلسطينيين أنفسهم الذين ينقسمون بين مؤيد لفتح ولحماس، الخ. فهل ذلك هو محض صدفة ؟ لا. لأن المجتمع الإسرائيلي يعيش في ظل نظام ديمقراطي تعددي غير شمولي وذلك ما لا يريد البعض تقبله. نعم الديمقراطية ينعم بخيراتها الإسرائيليون وحدهم دون الفلسطينيين وتكرس بواسطتها إرادة الشعب الإنتخابية وتصون حرية الإعلام والرأي وتضمن استقلالية القضاء ودولة القانون. لكن ذلك لا يمنعها من أن تكون دولة احتلال لأن الديمقراطية وسيلة لتسيير المجتمع الإسرائيلي حتى تضمن له الرفاه والتفوق في جميع المجالات الإقتصادية والعلمية والعسكرية والسياسية على جيرانه العرب وهذا ما يحدث بالفعل. أليس ذلك ما ينقص المجتمعات العربية، ونحن في الجزائر على وجه الخصوص، لأن مقوماتها الإقتصادية والبشرية أكبر بكثير ولو أتيحت لها الفرصة لاختيار زعمائها وإقامة دول الحريات والعدالة والقانون لقطعت أشواطا في التطور ولتمكنت من تقديم مساعدة حقيقية وفعالة – وليست مجرد شعارات – للشعب الفلسطيني الجريح. الدعم بالخطابات الشعبوية الدعائية لم يفد الشعب الفلسطيني أبدا. وضعف الدعم العربي للشعب الفلسطيني هو من ضعف المجتمعات العربية التي ترزح تحت وطأة الديكتاتوريات التي تدعمها – وذا يجب ألا يغيب عن الأذهان – الدول الغربية الديمقراطية نفسها وهي التي تدري جيدا مدى خطورة عدوى الديمقراطية على مصالحها. فلوا جنحت الأنظمة العربية للديمقراطية فإن ذلك سيحرر الشعوب ويفجر طاقاتها الإبداعية ويقضي على الديكتاتوريات الفاسدة التي جمدت روح النهضة والإبداع في روح الإنسان العربي لعقود طويلة.

وخلاصة القول أن الطريق لا يزال طويلا أمامنا لتحرير أنفسنا أولا من الأنظمة الديكتاتورية الجاثمة على صدورنا والتي اثبتت فشلها وعدم قدرتها (أو رغبتها) في النهوض ببلداننا وإسماع صوتها بين الأمم بسبب افتقادها للشرعية وارتباط مصيرها بالقوى الخارجية التي يرى البعض بسذاجة – ومنهم الجندي الجزائري المتحمس لنصرة الفلسطينيين – أننا بإمكاننا الوقوف في طريقها وهزمها وتحرير الشعب الفلسطيني من ويلاتها ببعض الشعارات العاطفية البراقة. إن مسيرتنا الطويلة نحو الإصلاح لن تبدأ فعلا إلا بإتاحة الفرصة لشعوبنا المقهورة للتعبير عن آرائها واختيار ممثليها القادرين على بناء دول القانون والحريات المتماسكة داخليا و القوية خارجيا، فهي الوحيدة القادرة على مساعدة الشعب الفلسطيني وإنهاء مأساته بالأفعال وليس بالأقوال دون الحاجة للإعتماد على الخطاب الشعبوي غير العقلاني الذي لم يغير شيئا في واقعنا المرير.

الجزائر نت

 

بين سوريا اليوم وأفغانستان الأمس : ما أشبه اليوم بالبارحة !

المُتأمل للصراع الدائر اليوم في سوريا بين النظام الحاكم وحلفائه الروس والإيرانيين من جهة والجهاديين “ثوار الحرية ؟” المدعومين من بعض دول الخليج وحليفهم الأمريكي من جهة أخرى يستحضر بدون شك أول تصادم بين الروس والجهاديين في أفغانستان وما خلفه من إفرازات  على تيار السلفية الجهادية. فقد شكلت الحرب السوفياتية في أفغانستان في سنوات الثمانينات من القرن الماضي حلقة حاسمة في الصراع البارد بين المعسكرين الشيوعي الشرقي والليبرالي الديمقراطي الغربي الذي ميز النصف الثاني من القرن الماضي والذي انتهى كما هو معلوم بانتصار المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة وانهيار الإتحاد السوفياتي.

حلاوة الجهاد مع الروس
في إشارة لصراعهم القديم، جهاديون في سوريا يرحبون بالتدخل الروسي الأخير في سوريا

السوفيات تدخلوا عسكريا في أفغانستان لمساندة حليفهم الشيوعي الذي يقود البلاد ولكنهم تفاجؤوا بحرب غير تقليدية يقودها جهاديون ذو بأس شديد عازمين على الموت لأجل قضية تبدو عادلة : طرد المحتل الشيوعي “الملحد” وتحكيم الشريعة. تعثرت الآلة العسكرية السوفياتية الضخمة المُعدة أصلا لحرب تقليدية مع غريمها الغربي أمام تكتيكات الجهاديين متعددي الجنسيات المدعومين إيديولوجيا وماليا من دول الخليج الثرية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وعسكريا من الولايات المتحدة وأذرعها الإستخباراتية المختلفة.

عندما ينقلب الجهاديون على حلفائهم القدامى

كان الجهاديون، ومنهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، يظهرون في الإعلام الغربي كجنود “خير” يقاتلون لأجل التحرر من “شر” الإستبداديين الشيوعيين. لكن هؤلاء هم من شكلوا في أواخر الثمانينات نواة تنظيم “قاعدة الجهاد” وانقلبوا على الأمريكان بعد أن وضعت الحرب أوزارها ثم على ملوك ومشايخ آل سعود، حلفائهم السابقين، بسبب احتمائهم بجنود المارينز الأمريكان وفتح الأراضي المقدسة لهم لغزو العراق وطرد جنود صدام حسين من الكويت. هؤلاء الجهاديون هم من استهدفوا في سنوات التسعينات المصالح السعودية و الأمريكية قبل أن يحوزوا على شرف تنظيم وتنفيذ مؤامرة 11/9 والتي مكنت في النهاية الحليف السابق، الولايات المتحدة، من غزو أفغانستان والعراق في ظل تراجع لدور الغريم الروسي الغارق في تسيير تركة الإتحاد السوفيتي المنهار. وابتكر جورج بوش ما يسمى “الحرب على الإرهاب” كوسيلة لكبت الحريات في الداخل وتحقيق مطامع أمريكا في الخارج وابتزاز الأنظمة العربية الموالية لها وتهديد تلك التي لا تدور في فلكها.

انهار نظام طالبان الذين كانت تعترف به السعودية وحليفها الباكستاني وتمت الإطاحة بصدام حسين الذي هدد العائلات الحاكمة في الخليج المتحالفة مع الولايات المتحدة. ظن الأمريكان أن بإمكانهم بسط سيطرتهم على العراق وإقامة نظام “كرزاني” في بغداد، لكن المحتل اصطدم بمقاومة الشعب العراقي التي سرعان ما استثمرها الجهاديون السلفيون لإقامة فرع “القاعدة في العراق” بقيادة الجهادي السلفي من أصل أردني أبو مصعب الزرقاوي الذي حارب السوفيات في أفغانستان قبل أن يؤسس تنظيم “التوحيد والجهاد” في تسعينات القرن الماضي. وفي عام 2006 تم الإعلان عن تأسيس ما سمي “بدولة العراق الإسلامية” التي تمددت إلى سوريا في غمرة أحداث الربيع العربي واغتنمت فرصة الفوضى السائدة هناك لإنشاء فرع لها في سوريا تم تسويقه لجمهور السلفية الجهادية تحت تسمية “جبهة النصرة” كفرع للقاعدة ولكنه سرعان ما انفصل عنه بسبب التنافس الشديد بين قادة الجهاديين حول زعامة تيار السلفية الجهادية. تحول تنظيم الجهاديين السلفيين في العراق من “الدولة الإسلامية في العراق والشام” إلى “الدولة الإسلامية” بقيادة أبو بكر البغدادي الذي أعلن عن نفسه “خليفة” في جوان/حزيران 2014 ساحبا البساط من تحت قدمي زعيم القاعدة أيمن الظواهري. 

ما أشبه اليوم بالبارحة !

الجميع يعلم مدى انخراط تركيا أردوغان وقطر والسعودية في الحرب الدائرة في سوريا بين نظام الأسد ومئات التنظيمات الجهادية وكل ذلك بمباركة أمريكية. وكمنافس للأسد وحلفائه اللبنانيين والإيرانيين والروس، يقف الحلف التقليدي الخليجي الأمريكي وراء الدعم الذي تتلقاه التنظيمات الجهادية “المعتدلة” في سوريا والتي تعرفها جيدا المخابرات الأمريكية والخليجية إذ سبق أن حركتها في الماضي ضد العدو السوفياتي قبل أن تنقلب عليها وتحاربها بدورها. ورغم تيقن العائلات الخليجية الحاكمة من خطورة دعم تيار السلفية الجهادية الذي سينقلب عليها عندما تحين الفرصة، فإنها سمحت للمشايخ والدعاة بتأجيج الصراع في سوريا وتصويره للناس بأنه حرب مقدسة لنصرة المسلمين ليس ضد “الشيوعيين الملحدين” كما كان الأمر في أفغانستان، بل هذه المرة ضد “الكفار الشيعة والنصيريين”.

والأمر مفهوم إذ من المستحيل تجنيد المقاتلين وبث الحماس فيهم دون الإعتماد على الوصفة الساحرة للبروباغندا السلفية الجهادية التي تعد الشباب المجندين بالنصر أو الشهادة. سمح ذلك لخصوم نظام الأسد بعسكرة الثورة السورية المطالبة أصلا بالحرية والديمقراطية وتحويلها لحرب دينية لتحكيم الشريعة بمفهومها السلفي تستوجب الجهاد بالمال والنفس تماما كما كان الأمر في الحرب السوفياتية الأفغانية. وبعد قرابة الخمس سنوات من الحرب التي راح ضحيتها مئات الآلاف من السوريين من المعارضين والموالين للنظام والأجانب المتطوعين، المدفوعين بفتاوى الجهاد، تتدخل روسيا بوتين رسميا في النزاع الدائر دفاعا عن آخر حليف لها في منطقة الشرق الأوسط في حرب جديدة “ضد الإرهاب“. وكأن التاريخ يعيد نفسه إذ نجد التنظيمات السلفية الجهادية “المعتدلة” المدعومة من دول الخليج والولايات المتحدة من جهة، ونظام مقرب من موسكو من جهة أخرى. فما أشبه اليوم بالبارحة !

الفروق الجوهرية بين الأمس واليوم

لكن برأينا الوضع يختلف بعض الشيء عن الحروب السابقة بالوكالة بين الروس والأمريكان. فالدول الخليجية التي توفر الغطاء الإيديولوجي والدعم المالي “للمجاهدين” تجد نفسها في منطقة الخطر إذ أنه من الصعب اليوم السيطرة كليا على الخطاب السلفي الجهادي وتوجيهه لمصلحتها ومصلحة الحليف الأمريكي. فتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) السلفي الجهادي خارج عن سيطرة مشايخ السلطان السلفيين ولا يعترف بالأنظمة الخليجية التابعة لواشنطن وهو بذلك يشكل خطرا أكبر عليها، فهل ستخاطر هذه الأنظمة بمواصلة دعم “الجهاد” في سوريا الذي يصب في مصلحة الجهاديين “غير المعتدلين” ؟ ثم أن النظام السوري يملك حليفا إقليميا لا يستهان به، ويتمثل في إيران، والذي بإمكانه التأثير في الأقليات الشيعية المهمشة التي تعيش في دول الخليج، فمن بيته من زجاج سيتجنب بدون شك رمي بيوت الآخرين بالحجارة ! فهل تعي العائلات الحاكمة في الخليج ذلك ؟ بالإضافة إلى أن بعض الدول الخليجية منخرطة في حرب أخرى في اليمن وقد كلفتها الكثير من الأموال في عز الأزمة النفطية المستمرة منذ عام. كما أن أمريكا اليوم ليست أمريكا الأمس وهي لا تريد الإنخراط في حروب جديدة في الشرق الأوسط بعد تجاربها المريرة في العراق وأفغانستان في الوقت الذي تنمي فيه الصين من قدراتها الإقتصادية والعسكرية في شرق آسيا.

كلا الفريقان المتخاصمان في سوريا لم يقولا كلمتهما الأخيرة، لكن الخاسر الوحيد في هذه الحرب هم العرب أنفسهم وعلى رأسهم الشعب السوري. لا يمكن أبدا تخيل صراع بين موسكو وواشنطن في شكل حرب باردة جديدة، فالحرب السورية تشكل صراع مصالح بين قوى كبرى وليست حرب فيما بينها ولن تجن منها الدول العربية التي تدعم الإقتتال إلا الإرهاب وعدم الإستقرار والمزيد من التبعية لواشنطن وموسكو على حد سواء.لقد انهار الإتحاد السوفياتي في الماضي وتمكن الجهاديون من إقامة دولتهم الطالبانية في أفغانستان لفترة، وهذا ما لا يمكن قبول حدوثه في سوريا ليس من طرف نظام الأسد وحلفائه فحسب، بل من خصومه العرب في الخليج الذين يدركون حجم الخطر الذي يداهم أنظمتهم الأوتوقراطية الهشة قبل أن يهدد موسكو أو واشنطن. وفي شرق أوسط مليء بالمفاجآت، قد تكلف الحرب الدائرة في سوريا والانهزام المحتمل للجهاديين فيها انتقال “عدوى الجهاد” إلى بعض دول الخليج المعروفة بتصديرها لهم ولإيديولوجيتهم. ولن تحميها واشنطن عندئد، فقد أسر باراك أوباما في إحدى تصريحاته بأن الخطر الذي يداهم دول الخليج داخلي وليس خارجي … واللبيب بالإشارة يفهم.

الجزائر نت