هل تأجيج التوتر الطائفي ضرورة لنظام الحكم السعودي؟ قراءة في تداعيات إعدام نمر النمر

بررت العائلة الحاكمة في السعودية إعدامها الجماعي لسبع وأربعين (47) معارضا، وعلى رأسهم رجل الدين الشيعي نمر النمر، بمحاربتها “للإرهاب” سواء كان سني أو شيعي. السعودية وجهت رسالة شديدة اللهجة ليس إلى الأقلية الشيعية وإيران كما يزعم الإعلام الدعائي السعودي والخليجي الموالي، بل إلى الأغلبية السنية التي تشكل الخطر الأكبر على حكم آل سعود. كيف ذلك؟

السعودية وإيران

عداء السعودية للزعماء القوميين العرب
نجح ملوك آل سعود منذ عشرات السنين في خوض حروب ناجحة بالوكالة ضد كل “الأشقاء” العرب المسلمين الذين يهددون سلطانهم وزعامتهم للعالمين العربي والإسلامي أو من يتجرؤون على انتقاد سياساتهم وعلاقاتهم الوثيقة بالمعسكر الغربي الإمبريالي. وسلاحهم الفتاك لتحقيق ذلك هو البترودولار والوهابية. وبعيدا عن الحرب الطائفية الحالية، فقد وقف آل سعود ضد الزعماء القوميين العرب بدءا بجمال عبد الناصر في ستينات القرن الماضي – عندما انخرطوا عسكريا ضد الثوار اليمنيين الجمهوريين المدعومين من عبد الناصر والتي خلفت عشرات الآلاف من القتلى في صفوف الجيش المصري – وختاما بصدام حسين بعد انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية والتي قاتل فيها الرئيس العراقي الجمهورية الإسلامية (الغريم الشيعي) بالنيابة عن دول الخليج قبل أن ينقلبوا عليه عندما احتل الكويت ويستقبلون المارينز الأمريكي على أراضيهم لاحتلال العراق والإطاحة به. وقبل ذلك انخرطت السعودية في الحرب السوفياتية الأفغانية عندما أعلنت الجهاد ومولته بالسلاح خدمة لمصالح الصديق الأمريكي في إطار الحرب الباردة قبل أن تنقلب مرة أخرى على الجهاديين العرب الذين أسسوا القاعدة. لا شك أن آل سعود يتمتعون بدهاء بالغ مكنهم من الحفاظ على الحكم في الجزيرة العربية واستمرار سيطرتهم على منابع النفط لما يقارب القرن من الزمن رغم كل التغيرات التي شهدها الشرق الأوسط.

… ووقوفها في صف الثورات المضادة للربيع العربي
وتمكن آل سعود من تجاوز “محنة الربيع العربي” باللجوء السلاح التقليدي الذي لا يزال فعالا للحفاظ على العرش : البترودولار والوهابية. البترودولار لإسكات الجبهة الداخلية عبر المساعدات الاجتماعية السخية، والوهابية لحث المواطنين على طاعة السلطان باعتبار ذلك من “الدين” من جهة، والتخويف من العدو الداخلي الخارجي الذي تشكله الأقلية الشيعية على الأغلبية السنية. وفي السنوات الأخيرة انخرطت السعودية في حروب ونزاعات عديدة في إطار صراعها على زعامة العالم العربي والإسلامي وبالتالي الحفاظ على حكم آل سعود للجزيرة العربية. فبالإضافة لدعمها حتى النهاية للديكتاتور حسني مبارك في مصر والزعيم التونسي الفار زين العابدين بن علي، فإنها انخرطت في الحراك السياسي في اليمن والبحرين المجاورين لها وأفشلت أي عملية تحول ديمقراطي.

… وتخوفها من رياح التغيير الداخلية
وتخوف آل سعود من تيار التغيير الذي يجتاح العالم العربي هو الذي دفعهم لإعدام 47 شخصا تتهمهم بالإرهاب، بعضهم متعاطف مع داعش وآخرون مع القاعدة وهم سنة لا يبالي أحد بحياتهم. أما إعدام رجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر فقد أشعل نيران الطائفية في الشرق الأوسط وهذا بالضبط ما تبحث عنه الأسرة المالكة في السعودية. فطالما اتهمت التنظيمات الإرهابية (السنية) كالقاعدة وداعش آل سعود بالتقاعس عن لجم النفوذ الإيراني الشيعي وقمع الجهاديين السنة. هذا موقف صحيح إلى حد ما، لأن أغلب معارضي آل سعود وأكثرهم خطرا عليه هم سنة وليس شيعة كما يحاول الإعلام الخليجي الدعائي تصويره. وقد أشار الرئيس الأمريكي، ردا على الإنتقادات التي وجهت لإدارته بعد توقيع الإتفاق حول البرناج النووي الإيراني والمزاعم حول تخلي أمريكا عن حلفائها الخليجيين العرب، بأن الخطر على هذه البلدان ليس خارجي (إيراني) بل داخلي (الجهاديين المعارضين للسلطات الحاكمة)، وأوباما يدرك جيدا ما يقول. ولذلك أطلقت السعودية مؤخرا العنان لآلتها الإعلامية والدينية لتشويه سمعة تنظيم الدولة (منافسها الوهابي العنيد) عند السعوديين الذين يناصرونه نظرا لتقارب الإيديولوجية السلفية الوهابية الرسمية وأيديولوجية داعش التي تسعى للعودة لتعاليم الحركة الوهابية الراديكالية الأصلية التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى في أواسط القرن 18.

تأجيج الطائفية كضرورة للنظام الحاكم
ويؤكد في هذا الإطار الباحث الفرنسي فرانسوا بورغات بأن تأجيج الطائفية المذهبية في المنطقة هو “مشكل سعودي داخلي” وأن توتر العلاقات الدبلوماسية مع إيران هو نتيجة صراع داخلي يخص نظام الحكم في السعودية نفسها وليس لأسباب دينية أو إقليمية كما يصوره البعض. فالعائلة الحاكمة في المملكة تتخوف بدون شك من الأكثرية السنية في البلاد وليس من الأقلية الشيعية التي تتهمها بالولاء لإيران. إن الإعدام الجماعي لـ 47 معارضا يحمل في طياته رسالة للأغلبية السنية في البلاد وشعور بخطر داهم من السنة الموالين لتنظيم الدولة والذي يلقى حسب بعض المصادر تعاطفا واسعا في الشارع السعودي. هذه الفرضية يدعمها التوجه الأخير لتنظيم الدولة الذي بات يهدد آل سعود عبر عشرات الفيديوهات الدعائية ويتهمهم ليس بمساعدة الأمريكان والأوروبيين الذين يقصفونه في سوريا والعراق فحسب، بل وبموالاة الإيرانيين والشيعة العراقيين الذين يقاتلونه في العراق وسوريا.

مواطنة سعودية متعاطفة مع تنظيم الدولة الإسلامية (المصدر تويتر)
مواطنة سعودية متعاطفة مع تنظيم الدولة الإسلامية (المصدر تويتر)

الأسرة المالكة في السعودية تتعامل بجدية مع تهديدات داعش وكذلك تفعل حينما تشعر بصعود نجم جماعات إسلامية تنافسها الزعامة على العالم السني التي تشكل التجارة الرابحة لآل سعود منذ عشرات السنين. فإذا كان الملك السعودي الراحل عبد الله قد تمكن من الإطاحة بالتيار الإخواني (السني) في مصر ودافع بالبترودولار وأعلام الوهابية عن شرعية الحكم العسكري في مصر وعن “حرمة” الإنتخاب والديمقراطية في العالم العربي، فإن الملك سلمان يتكفل حاليا بالحرب ضد تنظيم الدولة الذي ينافسه الزعامة على التيار السلفي الوهابي في العالم الإسلامي.

… وكوسيلة لسحب البساط من تحت قدمي تنظيم الدولة
وإذا كان تنظيم الدولة لا يخف رغبته في القضاء على الوجود الشيعي (والأقليات الدينية الأخرى) في الجزيرة العربية منتهجا سياسة التطهير العرقي، فإن النظام السعودي (الراعي الرسمي للوهابية والناطق الرسمي باسم السنة في العالم) يبدو أحوج من أي وقت مضى لتلميع صورته في أوساط الجماهير والظهور كنظام يعول عليه لردع الشيعة وإيران. ويبدو أن الآلة الإعلامية الدعائية السعودية-الخليجية قد نجحت في تمرير هذه الرسالة إذ تناست أكثر من 40 معارض سني تم إعدامهم وركزت على إظهار إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر كدليل على حزم آل سعود ضد الشيعة وإيران لكسب تضامن الجمهور السني المحلي والإقليمي، واصطفافه وراء آل سعود، وسحب البساط من تحت تنظيم الدولة، “بطل” الجهاد ضد الشيعة في المنطقة. وانطلاقا من هذه الرؤية يمكن أيضا رؤية الحرب السعودية في اليمن ضد الحوثيين ودعمها للسلفيين الجهاديين الموالين لها في سوريا ضد الأسد وحليفه حزب الله كأداة لحماية سمعة النظام السعودي الذي يسعى للظهور كبطل المقاومة السنية ضد النفوذ الإيراني الشيعي المتزايد في المنطقة. فإن كان آل سعود في السابق يواجهون عسكريا وإيديولوجيا جناح تنظيم القاعدة الذي لا يواليهم في الجزيرة العربية، فإن لهم اليوم منافس آخر أكثر خطرا وهو تنظيم الدولة ذو الإيديولوجية السلفية-الوهابية الذي لا يعترف بشرعية آل سعود ولا بعلمائهم ومشايخهم ويسعى لإقامة دولة (خلافة) تنهي سيطرة آل سعود على الجزيرة العربية وعلى الأماكن المقدسة. إنه تنافس سعودي-“داعشي” على زعامة العالم الإسلامي وصراع على السلطة بتفعيل تعاليم التيار السلفي-الوهابي الذي يتغذى على الشحن الطائفي لجلب المؤيدين، فمن سيكسب هذه المعركة ؟

الجزائر نت