البروباغندا الدينية السينمائية : فيلم الداعية العريفي نموذجا

تناولنا في مقالات سابقة ظاهرة الدعاية السياسية والدينية ودورها في اغتصاب الجماهير العربية والإستيلاء على رأيها وتوجيهه لفائدة الحكام المتسلطين وحاشيتهم من أصحاب المال المرتشين و الصحافيين ورجال الدين المنتفعين. وتطرقنا لظاهرة الدعاية الدينية عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي التي يبدع فيها اليوم مشايخ السلاطين سعيا منهم لإضفاء الشرعية على الأنظمة الفاشية التي تحكم البلاد العربية. وفي هذا الصدد ضربنا مثال بالعمل الدعائي الكبير الذي يؤديه الداعية السعودي محمد العريفي وقد شبهنا ما يقوم به اليوم من بروباغندا سياسية-دينية لخدمة سياسات آل سعود بما أنجزه جوزيف غوبلز، الذراع الأيمن لأدولف هتلر الذي أبدع في الحرب النفسية والبروباغندا لصالح المشروع النازي الألماني.

وعلى غرار العشرات من مشايخ الوهابية وقادة الرأي الدينيين، يخوض هذا الشيخ – ونحن نعتبره صحافي مختص في البروباغندا الدينية-السياسية قبل أن يكون عالم دين- حربا دعائية شاملة عبر منابر المساجد والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي لحشد الرأي العام المحلي والعربي وراء العمليات العسكرية التي تقوم بها المملكة السعودية بالتعاون مع الولايات المتحدة ضد اليمن سعيا منها لفرض رئيس تابع لهما في البلاد. وعادة ما يبرر المشايخ مساندتهم لسياسات آل سعود بأسباب دينية للتأثير على الجماهير وإخفاء الأسباب السياسية التي تدفعهم لتطويع الدين حسب ما يحقق مصالح الأمراء والملوك. والكل يتذكر فتاوى الشيوخ لتبرير استقبال مماليك الخليج لقوات المارينز على أراضيها وتبرير احتلال العراق (للوقوف ضد صدام البعثي الكافر)، والحث على الجهاد في سوريا (ضد الأسد النصيري الكافر)، و دعم الإنقلاب العسكري في مصر ضد محمد مرسي (لأنه إخواني مبتدع ضال يشكل خطر على الدين، زد على ذلك فالإنتخاب حرام!) ومساندة الحرب على اليمن (لأن الحوثيين شيعة كفار مشركين) …الخ. وكل هذه الحروب تصب دائما في مصلحة الرياض وواشنطن وتل أبيب. وكما ذكرنا في مقالنا السابق عن الرسائل السياسية الخفية في معتقدات تيار السلفية-الوهابية-السعودية فإن الدين الإسلامي يواجه اليوم مشروع “سعودة” أي احتكار رسالته الأخلاقية وتحويله لمجرد إيديولوجية سياسية سعودية تخدم الأسرة المالكة والمشايخ المتحالفين معها وتحافظ على عروشهم.

ولطالما ذكرنا قرائنا الكرام بأن أغلب المشايخ الذين يطيلون اللحى ويحسنون الخطاب على المنابر و الفضائيات ويجيدون التعبير على الفيسبوك وتويتر، بل ويتباكون عند قراءة القرآن للتأثير على عواطف الناس وينشرونها في يوتيوب، هم مجرد قادة رأي ورجال بروباغندا لفائدة أنظمة رجعية تمولهم، تماما كأبطال الدعاية النازية والفاشية الستالينية، وهدفهم الوحيد هو خدمة الأنظمة السياسية التي ينتفعون منها عن طريق التجارة الرائدة وهي الدين. الإنسان العربي اليوم المنهزم الذي يعيش في الماضي لا يملك شيئا يميز وجوده بين الأمم سوى الدين ولهذا يسعى المشايخ، الذين أسميهم الصحفيين المتاجرين بالدين، للسطو على ما تبقى من هوية الإنسان العربي و”اغتصابه” والسيطرة على رأيه وتفكيره وجعله مجرد جثة بلا وعي راكعة أمام المشايخ والأمراء، منفصلة عن الحضارة والرقي ومنغلقة على نفسها بينما يقضي الأمراء والمشايخ حياتهم في قصورهم الفارهة ويمضون عطلاتهم في أوروبا وأمريكا التي طالما نعتوها بأنها كافرة منحلة لا يجوز للناس الذهاب إليها.

ونحن إذ نؤكد بأن المشايخ هم مجرد أبواق للبروباغندا السياسية وأنهم رجال إعلام لا ينبغي الإنبهار بلحاهم وقمصانهم وتقديس كلامهم فإن لدينا أدلة على ذلك. دعونا نعود للداعية السعودي محمد العريفي وهو أكثر رجال البروباغندا السياسية-الدينية شهرة في العالم العربي بل ونعتبره من أكثر المشايخ الصحفيين الدعائيين تأثيرا في الجماهير العربية لقدرته الفائقة على مزج الخطاب الديني بالتوجهات السياسية للأسرة السعودية الحاكمة وتقديمها في قالب إعلامي دعائي جذاب. ولهذا سميناه غوبلز آل سعود. الكل يعرف براعة هذا الصحفي-الديني، الذي يسمي نفسه شيخ وعالم، في استخدام القوالب الإعلامية المختلفة لتمرير البروباغندا السياسية. ولا ننس موقف هذا الداعية من الحرب الأهلية في سوريا وتشجيعه “للجهاد” ضد النظام السوري الكافر تماشيا مع موقف أمراء آل سعود الذي يسعون للإطاحة بالأسد وإحلال نظام في سوريا مقرب من محور “الإعتدال” السعودي الذي تدعمه الولايات المتحدة. ونتذكر أنه في إحدى الخطب النارية في بداية الحرب الأهلية السورية تحدث هذا الشيخ-الصحفي عن ملائكة تقاتل في سوريا إلى جانب “المجاهدين” لجذب المغفلين للقتال هناك باسم الدين.

وبالإضافة للدعاية السياسية في المساجد والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، ينتقل اليوم الداعية العريفي إلى تجربة الإنتاج السينمائي الدعائي والتي يظهر فيها الرجل كممثل ومعلق صحفي وخطيب في آن واحد، نعم يؤدي جميع الأدوار. فبعد أن قررت القيادة الملكية الجديدة في السعودية تكثيف دعمها لتنظيم القاعدة في سوريا بالتعاون مع قطر وتركيا وبعد الإنتكاسات التي تعرض لها الجيش السوري مؤخرا، أحس رجال الدعاية السعوديين بأن الوقت حان للانتقال إلى مرحلة جديدة من البروباغندا تحضر لسقوط الأسد. و أصدر في هذا الإطار الداعية العريفي فيلم دعائي عن الوضع في سوريا استلهمه على ما يبدوا من أفلام الدعاية التي ينشرها تنظيم “داعش” والتي تمزج الخطاب الديني وتقنيات الخداع السينمائية والمؤثرات الصوتية للتأثير في الرأي العام.

تويت دعائي لفيلم “شام العزة” الذي أدى فيه العريفي دور البطولة

وكما يسوق منتجوا هوليوود أعمالهم السينمائية، بث العريفي قبل يوم من خروج فلمه إعلانا مقتضبا على تويتر سماه “تشويق” فيه لقطات من الفيلم لإحداث ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي في إطار التسويق لمنتوجه الإعلامي.

المحمدي 2
تغريدة العريفي لجس نبض الجماهير إزاء فيلم “شام العزة”

ومباشرة بعد طرح الفليم على الأنترنيت توجه الصحفي العريفي لجمهوره طالبا منهم أن “ينصحوه ويعطوه انطباعاتهم عن الفيلم” ويحرص على استعمال عبارات ذو خلفيات دينية عاطفية (محبكم، النصح، الخ). وفي الحقيقة هو يخادع جمهوره الديني ويجس نبضه بإجراء دراسة ميدانية للجماهير التي شاهدت الفليم حتى يتمكن من تحسين أفلامه الدعائية في المستقبل. فهو بالإضافة إلى عمله كخطيب وصحفي وممثل ومخرج، يسعى أيضا لدراسة الجمهور والإلمام بفنون التسويق الديني-الإعلامي-السياسي.

العريفي 2
تغريدة العريفي التي توضح لجمهوره وصول الفيلم الدعائي لعقر دار العدو (إيران)

كما يحرص العريفي على ترجمة أعماله الدعائية المختلفة للغة الفارسية وذلك في إطار الصراع السني-الشيعي بين طهران والرياض والذي يستعمله آل سعود والوهابيين المتحالفين معهم لتثبيت حكمهم وتخويف الناس في نجد والحجاز، بل وفي الجزائر وسائر البلاد الإسلامية، من الغزو الإيراني الداهم ونشر خطابات الكراهية التي ذاق ويلاتها المسلمين بمختلف أطيافهم بالإضافة إلى تبرير صفقات السلاح الضخمة التي تنفقها سنويا دول الخليج لفائدة شركات صناعة السلاح الأمريكية.

وعلى الرغم من الحملة الدعائية القوية للفيلم عبر وسائل التواصل الاجتماعي فإنه لم يلق نفس النجاح مقارنة بأفلام داعش الهوليودية الأكثر احترافية. ثم أن فيلم العريفي يحوي على شيء من الموسيقى – كما كانت تفعل الدعاية النازية والستالينية لحشد الرأي العام وتجنيده وراء الزعيم – رغم أن ذلك حرام حسب فتاوى السلفيين أنفسهم. وتكتفي داعش في أفلامها الدعائية ببث الأناشيد الجهادية ومزجها بالمؤثرات الصوتية (وهي حلال حسبهم) لكن يبدو أن العريفي أدرك ما للموسيقى من تأثير في أفلام الدعاية ولم يتمكن من تعويضها بالأناشيد الجهادية التي غالبا ما تنتقد آل سعود وتمجد الخليفة أبو بكر البغدادي الذي كما نعلم يكن العداء لهم في إطار الصراع على زعامة التيار السلفي الوهابي في المنطقة.

 ولا ريب أن يغرد أحد زملاء المهنة، يعني شيخ و خطيب وصحافي دعائي وسياسي مدافع عن الأسرة المالكة في نفس الوقت، الشيخ مسعود المحمدي، قائلا بأن فيلم العريفي وغيره من أعمال الدعاية السينمائية التي ينجزها مشايخ الوهابية تمثل تحديا لما سماهم “أعداء الإسلام”، يعني خصوم أمراء آل سعود والوهابيين المتحالفين معهم. 

فبعدما شهد شاهد من أهلها واعترف بالوظيفة السياسية الدعائية للشيوخ المتسترين بالدين، لماذا يصر البعض على تقديس هؤلاء الصحفيين المتاجرين بالدين الذين يسمون أنفسهم دعاة ومشايخ وعلماء لا يجوز التعرض لهم بينما هم في الحقيقة رجال إعلام ودعاية لا يختلفون عن فيصل القاسم أو داوود الشريان ؟ هؤلاء لا يمارسون الصحافة فقط لهدي الناس إلى الدين الصحيح و إنقاذهم من الجحيم كما يدعون، بل لحثهم على الإنبطاح وقبول الوضع العريبي المأساوي الراهن ورفض أي تغيير سياسي للنهوض بالأمة والتفكير فقط في الحياة الأخرى. ألم يحن الوقت لرفض بروباغندا المشايخ “الكهنة” الذين يدعون الناس للصمت وترك ملذات الدنيا للأمراء والديكتاتوريين والمشايخ الذين يحتكرون الحكم وأمواله وقصوره ويورثونه لأبنائهم؟

الجزائر نت

اغتصاب الجماهير العربية بالدعاية السياسية والدينية

عنوان المقال يذكر المختصين في تاريخ البروباغندا السياسية بكتاب الباحث الشهير “سيرج تشاكوتين” (Sergei Chakhotin)، البيولوجي وعالم الإجتماع الألماني من أصول روسية، المناهض للنازية الذي ألف كتابه الشهير حول “اغتصاب الجماهير بالبروباغندا السياسية” قبيل الحرب العالمية الثانية والذي تمت مصادرته على الفور في فرنسا وألمانيا. حاول تشاكوتين في هذا المرجع الكلاسيكي لعلم النفس الاجتماعي تفكيك آليات الدعاية السياسية التي يتم عن طريقها إخضاع الجماهير الأوروبية وتحريضها لاعتناق الأفكار الفاشية وتمجيد القادة والزعماء النازيين رغم إضرارهم بمصالح شعوبهم. بعد أكثر من نصف قرن تحولت شعوب أوروبا من أمم متناحرة مليئة بالكراهية إلى أكثر البلدان تحضرا وانفتاحا وسكت إلى غير رجعة الإعلام الدعائي الذي حشد الجماهير وراء الإيديولوجيات الفاشية. في أيامنا هذه، الشعوب العربية أحوج ما تكون لمن يزيل الستار عن الدعاية الدينية-السياسية التي “أغتصبت” الجماهير وحولتها إلى حشود متخلفة وعنصرية متناحرة، تنتشر فيما بينها خطابات الكراهية والإقصاء والإرهاب ويتحكم فيها رجال الدعاية من العسكر والزعماء و “الكهنة” من رجال الدين المتحالفين معهم.

الفاشية تبدأ عندما يعتقد طرف أنه يملك الحقيقة المطلقة وأنه ينوي “إبادة” خصومه باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للدين أو السياسة. والمجتمعات العربية اليوم تسير في هذا الإتجاه “الإنتحاري” إذ تجند الأنظمة الديكتاتورية جيشا من الإعلاميين المأجورين والمشايخ “الكهنة” الذين يشرعنون الديكتاتورية السياسية والدينية وينشرون الكراهية والإقصاء الديني والسياسي في المجتمع. ولعل ظهور حركات فاشية كتنظيم الدولة “داعش” أو القاعدة لخير دليل على انهيار المجتمعات العربية والإسلامية واستسلامها للدعاية التي ترى في مشروع “الديكتاتورية الدينية”، التي يسمونها “خلافة” لإغراء الجماهير، حلا مثاليا للخروج من التخلف والضياع الذي تعيشه كل المجتمعات العربية. ولو انتصار البروباغندا السلفية الجهادية لما تمكنت الحركات الإرهابية الأصولية من التوغل في أوساط الجماهير وتجنيد أجيال من الجهاديين الذين يموتون في سبيل مشروع سياسي ديكتاتوري مزين بالفتاوى الدينية. بالمقابل تستعمل الأنظمة الشمولية العربية الدعاية السياسية لإقناع الجماهير بضرورة الإنصياع للمستبدين المتبججين بالوطنية والقومية والذين لا يقبلون بمبدأ التداول السلمي على السلطة.

ففي الديكتاتوريات الدينية، كالسعودية مثلا، يتم اغتصاب الجماهير عن طريق الدعاية في وسائل الإعلام التي يحتكرها أل سعود وحلفائهم من مشايخ الوهابية. ولاقتناعهم بتنوع أذواق الجماهير يسعى هؤلاء لتنويع موادهم الدعائية للمتدينين السلفيين وللعلمانيين على حد سواء. فتجد في الإعلام المرئي على سبيل المثال القنوات التلفزيونية الموجهة للجمهور السلفي المتدين، على غرار قنوات صفا و وصال، والتي تنشر الفكر الإنهزامي الإنبطاحي المنادي لطاعة آل سعود وعلمائهم “الربانيين” وإلهاء الناس بفتاوى جانبية لإشغالهم عن السياسة. بينما القنوات الموجهة للجمهور العلماني ذو الثقافة الغربية، على غرار مجموعةMBC ، تعمل على نشر القيم الغربية عن طريق بث المنتوجات الثقافية المستوردة، وبالخصوص منتوجات السينما والموسيقى الأمريكية، لإبعاد الجماهير عن قضاياها المحلية وجعلها تعيش في عالم افتراضي لثنيها عن أية محاولة للمطالبة بنظام ديمقراطي محلي باعتبار أن ذلك معناه انتشار الرذيلة والفساد الأخلاقي. في السعودية كل التيارات العلمانية أو الدينية الوهابية تسعى بإعلامها، رغم اختلافها الإيديولوجي، إلى تثبيت الوضع القائم ومنع أي تهديد فكري لنظام الملكية المطلقة السعودي والذي يستفيد منه آل سعود وحلفائهم الوهابيين والعلمانيين على حد سواء.

[رسالة دعائية للشيخ السلفي السعودي محمد العريفي المقرب من العائلة الحاكمة تحرض الرأي العام في إطار الحرب الإعلامية ضد إيران وتدعوه لدعم قنوات البروباغندا السعودية. في الصورة المرفقة خارطة تقسم إيران عرقيا لتبيان وجود أقلية عربية يجب دعمها لتفتيت الفسيفساء الإجتماعية لدولة إيران، أكبر منافس للمملكة السعودية في المنطقة]

أما في الأنظمة العسكرية الشمولية، كما في الجزائر مثلا، فاغتصاب الجماهير يتم عن طريق الإعلام الحكومي و”الخاص” على حد سواء. إذ بالرغم من انتشار الفساد وسرقة المال العام وانعدام استراتيجية واضحة للنهوض بالبلد، فإن جل وسائل الإعلام تسعى لتشتيت الرأي العام المحلي وتوجيهه لقضايا جانبية، كأخبار فريق كرة القدم الوطني أو ظاهرة المسيحية أو التشيع مثلا، أو لإشغاله بقضية مصيرية مفبركة أو بعدو خارجي وهمي،  كالجار المغربي فيما يخص قضية الصحراء الغربية والتي يستعملها النظام العلوي المغربي بدوره لذات الغرض. ولطالما حذر المسؤولون الحكوميون في الجزائر من وجود “أياد خارجية” تريد العبث بأمن البلاد لمجرد خروج مظاهرة للفقراء أو البطالين المطالبين بحياة أفضل. واستراتيجية تخويف الشعب الجزائري من الأيادي الخارجية تمهد في الحقيقة لتخوين أي معارض سياسي للحكومة ونزع رداء الوطنية عنه باعتبار ان “النظام” يحتكر الوطنية والغيرة على البلاد رغم أن الجميع يقر بمسؤوليته عن الفساد الذي أغرق البلاد في الفقر والإستبداد. وفي  الوقت ذاته يتهافت أعوان النظام الشمولي في الجزائر على شراء الفيلات بأموال الشعب في أوروبا تحسبا لانهيار نظامهم وفقدان امتيازاتهم وضمانا لمستقبل أفضل لأبنائهم، لا يزال العديد من الناس الذين تم “اغتصابهم” عن طريق الدعاية السياسية يعتقدون أن البلاد بخير وأن النظام القائم هو الأمثل لحمايتها من “الأيادي الخارجية اللعينة” وأن الجزائر فوق كل اعتبار.

ومما سبق يتبين إذا للقارئ أن الوقت لا يزال مبكرا للحديث عن الديمقراطية في الوطن العربي إذا كان الرأي العام “مغتصب” بالبروباغندا السياسية والدينية التي حولت المواطن إلى شريك للأنظمة الشمولية، يقدس جلاديه من الزعماء المتسترين بالوطنية والقومية ومشايخ الدجل والخنوع الذين جردوا المواطن من آدميته وحولوه إلى إمعة يتحكمون فيه “بالريموت كونترول”. فما الحل إذا أردنا تحرير العقل العربي من تبعات الدعاية السياسية والدينية ؟ هذا ما سنتعرض له في مقالات لاحقة.

الجزائر نت

ما سر نعيق العربان غداة الإتفاق النووي مع إيران؟

ما إن ضجت وسائل الإعلام الدولية بخبر التوصل إلى اتفاق مبدئي بين القوى العالمية الكبرى وإيران حول البرنامج النووي المثير للجدل حتى أصيب الأعراب وإسرائيل بالصدمة وخيبة الأمل. الموقف الإسرائيلي مفهوم ولم يتبدل منذ عقود إذ ترى تل أبيب في طهران منافس حقيقي لها في المنطقة يشكل خطرا على نفوذها خصوصا أن الجمهورية الإسلامية تساند جماعات معادية لإسرائيل كحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين وحزب الله اللبناني. لكن الموقف العربي-الخليجي هو المثير للتساؤلات، وحتى قبل الإتفاق المبدئي بين إيران والقوى الكبرى الذي سيجنب المنطقة حرب إضافية لمحت دول الخليج، وعلى رأسها المملكة السعودية، إلى تخوفها من الاتفاق رغم تطمينات الإدارة الأمريكية. بل أن معلومات سربت لوسائل إعلام في الأعوام الأخيرة كشفت عن دعوة آل سعود لأمريكا لتوجيه ضربة لإيران وعن استعدادها لفسح مجالها الجوي أمام المقاتلات الإسرائيلية إن هي أرادت قصف المفاعلات النووية الإيرانية. ksa-usa

هذا إن دل على شيء فإنما يدل على استعداد مملكة آل سعود لضرب منافسيها في المنطقة وتشجيع الحروب إن أمكنها ذلك بدلا من التنافس الشريف للنهوض باقتصادها ومواردها البشرية وفرض نفسها في منطقة الشرق الأوسط. وللمملكة تاريخ طويل في “العمالة” لصالح الولايات المتحدة منذ “معاهدة كوينسي” الموقعة في فبراير 1945 على الطرّادة الأمريكية كوينسي بين الملك عبد العزيز بن سعود، مؤسس المملكة، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، كان في الطريق إلى يالطا لحضور القمة السوفييتية الأمريكية حول تقاسم العالم إلى مناطق نفوذ. إقامة تحالفات وعلاقات تعاون لا بأس به ولا عتاب عليه، المشكل أن العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة ليست للتعاون لفائدة البلدين بل علاقة تبعية على مبدأ “النفط مقابل الحماية”، أي حماية عرش آل سعود ومدهم بشيء من الزعامة الإقليمية وتبعية شاملة في النواحي الإقتصادية والأمنية مقابل نفط رخيص للإقتصاد الأمريكي. والكل يعلم حجم صفقات الأسلحة، وما يليها من رشاوى، التي يعقدها دوريا آل سعود مع الولايات المتحدة والتي تنتهي في الغالب صدئة أويتم بها دعم الجماعات الإرهابية التي تخدم المصالح الأمريكية-السعودية.

ووقفت المملكة السعودية بقوة في وجه منافسيها في المنطقة بدءا بعدائها الشديد تحت ذرائع مختلفة للزعماء القوميين العرب من أمثال جمال عبد الناصر، ثم عدائها للثورة الإيرانية (منافسة دينية على الزعامة في العالم الإسلامي)، ثم دعمها لصدام حسين في الحرب العراقية-الإيرانية (لإضعاف إيران)، ثم دعمها بالتعاون مع الولايات المتحدة “للمجاهدين الأفغان” وإنشائها للقاعدة في أفغانستان وتجنيدها لآلاف العرب السلفيين لدحر التدخل السوفياتي في أفغانستان، ثم لجوئها للتحالف الغربي واستقبالها للمارينز لردع صدام حسين الذي تدخل في للكويت (والحديث يطول هنا عن أسباب حرب الخليج وتداعياتها)، ثم دعمها لحصار العراق لسنوات والذي راح ضحيته مئات الآلاف من أطفال العراق، ثم انخراطها مرة أخرى بجانب الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 والذي بسببه لا يزال البلد ممزقا إلى يومنا هذا، ثم دعمها للتدخل الأمريكي في أفغانستان ضد الحلفاء القدامى (طالبان) الذين حاربوا السوفيات.

وعند قدوم ما أصبح يسمى “بالربيع العربي” وقفت السعودية بقوة بجانب الديكتاتوريات المقربة منها فدعمت حسني مبارك في مصر وعلي عبد الله صالح في اليمن واستقبلت على أراضيها زين العابدين بن علي الهارب من تونس وتدخلت عسكريا في البحرين لحماية الأسرة الملكية الحاكمة الرافضة لأي إصلاح وسندت التدخل الغربي في ليبيا للإطاحة بالقذافي. وبسبب خوفها من الديمقراطية ولرفضها لأي منافس ديني أو إيديولوجي لها في المنطقة، دعم آل سعود الإنقلاب العسكري في مصر بعشرات المليارات من الدولارات لمنع تيار الإخوان المسلمين في مصر بقيادة محمد مرسي من الإستمرار في السلطة باعتباره منافسا سنيا خطيرا لزعامة مملكة آل سعود في العالم العربي الإسلامي وتخوفا من تقربه من إيران إذ أن المملكة الوهابية ترفض أي تقارب وحوار بين السنة والشيعة وتراه تهديدا لها. بالمقابل دعمت السعودية الجماعات الإرهابية المقربة من السلفية الجهادية في سوريا والعراق لاستنزاف الأنظمة الحاكمة هناك، ليس دعما لتطلعات شعوبها للحرية والعدالة وإنما للإنتقام منهم بسبب تقاربهم مع إيران. ومنذ أيام هاهي مملكة آل سعود تشن حربا أخرى في اليمن ضد حلفائها القدامى، علي عبد الله صالح والحوثيين، بسبب تقاربهم مع إيران وسعيا لتثبيت ديكتاتور تابع لها هناك. والحديث يطول عن التاريخ الطويل لمملكة آل سعود في دعمها للتيار السلفي الجهادي في العالم للمحاربة بالوكالة عن أمريكا ضد خصومهما من أفغانستان إلى الشيشان وسوريا والعراق واليمن وليبيا.

منذ عقود استثمرت السعودية علاقاتها القوية مع الولايات المتحدة ومواردها المالية النفطية الهائلة في دعم الحروب الأمريكية ضد العرب وتسليط الإيديولوجية الوهابية التي ألهمت القاعدة ثم داعش على رقاب الشعوب العربية والإسلامية من إسلاماباد إلى تومبوكتو، مرورا بأحداث الحادي عشر سبتمبر والتي لايزال المسلمون يذوقون من ويلاتها إلى يومنا هذا. مملكة آل سعود لم تستثمر أموالها وعلاقاتها المتينة مع واشنطن في ترقية البلاد وإرساء الحريات التي هي أساس أي إبداع وتقدم كما فعل حلفاء أمريكا بعد الحرب العالمية في ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية. لا، آل سعود لم يفعلوا شيئا سوى تجهيل شعب نجد والحجاز وعزله عن الحضارة عن طريق الإيديولوجية السلفية-الوهابية حتى يتمكنوا من الحفاظ على سلطانهم بالتحالف مع رجال الدين المتزمتين. لكن إن هم رفضوا التحضر والرقي بل شوهوا المعاني السامية للإسلام بجرائمهم وطغيانهم وإرهابهم، فإنهم لا يريدون لدول الجوار أن تتقدم وأن تنهض بشعوبها سعيا للحفاظ على الزعامة الدينية والسياسية في المنطقة وخوفا من وصول أنوار الحرية والديمقراطية لهم. وغالبا ما يلجأ آل سعود لشيوخ الوهابية لشرعنة سياسياتهم الطائفية بدءا بحث الناس على الجهاد في أفغانستان ضد “الملحدين السوفيات”، ثم جواز استقبال “المارينز” في المملكة لاحتلال العراق والإطاحة بصدام “البعثي الكافر”، ثم الحث على الجهاد في سوريا للقضاء على الأسد ونظامه “النصيري الكافر”، ثم تحليل الهجوم الأخير على اليمن لتأديب اليمنيين الحوثيين “اليزيدين الكفار”.

هؤلاء العربان الفاشيون الذين هدموا البلاد العربية يتجرؤون اليوم على التنديد باسم العرب عبر أبواقهم الإعلامية بالإتفاق المبدئي بين القوى الكبرى وإيران وكأنهم يتحسرون لعدم انخراط أمريكا في حرب أخرى هذه المرة ضد إيران تأتي على الأخضر واليابس في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة. لا أحد سيقبل بتهديد إيران لجيرانها سواء بالأسلحة التقليدية أو النووية، لكن الوقوف ضد حق الدول في الحصول على التكنولوجيا النووية ومنعها من النهوض والتطور وشن الحروب ودعم الطائفية و الإرهاب لم يعد كافيا اليوم للحفاظ على الزعامة في المنطقة. عمالة آل سعود وتبججهم بالدين والعروبة لم تعد تنطلي على أحد وينبغي عليهم الآن التشمير على سواعدهم والعمل على ترقية شعوبهم والسماع لانشغالاتهم إن هم أرادوا أن يحجزوا مقعدا لهم بين الأمم. لكن إن هم اختاروا مواصلة دور الخادم الوفي للولايات المتحدة، الرافض لأي تغيير في معادلات المنطقة والخصم العنيد لأي تحول ديمقراطي في بلاد العرب، فإن ما فعلوه منذ عقود لتكريس سطوة أمراء النفط والوهابيين على شعب نجد والحجاز وما زرعوه من إرهاب وتطرف وتخلف ويأس في نفوس الشعوب قد ينقلب عليهم ويجرفهم إلى غير رجعة. وإن غدا لناظره قريب.

الجزائر نت

الداعية العريفي : ”غوبلز‘‘ آل سعود ؟

4031726172_33a75f31a8_b
الداعية السلفي السعودى العريفي (شمال) ووزير الدعاية النازي جوزيف غوبلز (يمين)

Bild 146-1968-101-20A

عنوان هذه المقالة قد يبدو للوهلة الأولى قاسيا  إذ يشبه الداعية السلفي السعودي محمد العريفي بالرجل سيئ الصيت “جوزيف غوبلز” « Joseph Goebbels » ، مهندس الدعاية النازية والذراع الأيمن لأدولف هتلر إبان الحرب العالمية الثانية. لكن المقارنة تبدو ممكنة على الأقل بين وظيفة الشيخ الداعية المقرب من أسرة آل سعود الحاكمة والخدمات التي قدمها غوبلز للزعيم النازي لسنين عديدة في القرن الماضي. فقد ترأس غوبلز “وزارة الرايخ لتوجيه الرأي العام والدعاية” « Reich Ministry of Public Enlightenment and Propaganda » من عام 1933 حتى انهيار الرايخ وانتحاره في الفاتح من شهر مايو/أيار 1945.

إقرأ المزيد عن وسائل الإعلام والدعاية منذ ظهور المطبعة إلى عصر الانترنيت


الدور الذي يؤديه اليوم شيوخ الوهابية-السعودية لا يختلف عن وزراء الحرب والبروباغندا في القرن الفائت مع اختلاف بسيط وهو أن الشيخ السلفي-الوهابي السعودي يحشد الرأي العام وراء مشاريع وحروب آل سعود باسم الدين، أو بالأحرى باسم المسلمين السنة. والحقيقة أن مهمة مشايخ السلفية الذين يغزون الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي ليس فقط “الدعاية الدينية” وإنما تمرير الرسائل السياسية لأسرة آل سعود في قالب ديني يصبح بموجبه الالتفاف حول السياسة السعودية (والأمريكية) واجبا دينيا. والحرب التي تشنها السعودية على الحوثيين في اليمن تبين بشكل جلي لغير العارف بخبايا السلفية-الوهابية- كإيديولوجية حكومية سعودية لحشد الجبهة الداخلية التي تربت على طاعة وتقديس ولي الأمر الذي يحتكر ويورث السلطة والثروة تحت غطاء ديني.

اقرأ المزيد عن الدور الدعائي لمشايخ السلفية السعوديين تبريرا للحرب الملكية السعودية في اليمن

وما إن أعلن الملك السعودي الحرب (بمباركة أمريكية) على اليمن حتى تهافت كهنة السلطان لتكثيف دعايتهم السلفية-الوهابية لإضفاء طابع مقدس على هذه الحرب بدءا بتكفير الحوثيين (الذين دعمهم أل سعود في الماضي) ثم وجوب جهادهم. ولعل الداعية العريفي هو أكثر شيوخ الوهابية حماسا لاستغلال المنبر الديني لخدمة سياسة المملكة الوهابية وحشد “الجمهور السني” وراء آل سعود. وكما أن جوزيف غوبلز استخدم وسائل الإعلام المتاحة في عصره من سينما وراديو وصحافة لخدمة المشروع النازي فكذلك العريفي يعتمد ببراعة على التلفزيون ووسائل التواصل الإجتماعي لتمرير الدعاية الوهابية-السعودية لملايين المتابعين. كما استغل بشكل مقزز خطبة الجمعة لتأليب المصلين والمشاهدين ضد الطائفة الشيعية “الكافرة” ومن ثم شرعنة الحرب ضد الحوثيين اليمنيين “الكفار”. وفي خطاب عنصري مليء بالكراهية قل نظيره، وهو بدون شك موجه أيضا ضد الأقلية الشيعية في مملكة آل سعود، قال العريفي مخاطبا اليمنيين المناصرين للحوثيين والرئيس السابق على عبد الله صالح : ” لا تدنس نفسك بقتل أهلك وتحارب التوحيد والسنة تحت راية الضلال. يا بنى.. هذا بلدك واليمنيون أهلك، ولا تكن ذراعًا وخنجرًا لدولة صفوية رافضية تستعملك لتحقيق أغراضها وطعن أهلك.. أنقذ نفسك قبل أن تموت ميتة الجاهلية… إيران دولة الفرس تعاملك مرتزقا لا يهمها نجاتك ولا مصيرك في الدنيا ولا في الآخرة… فأنت عربى وابن عرب تاريخك مشرق كتاريخ اليمن فيه عز وشجاعة ومروءة وليس تاريخًا عاديًا ولا يليق بك أن تبذل روحك تحت راية الضلال”. وأشار أن المملكة السعودية أطهر بقاع الأرض، ووصفها بأنها وديعة النبي محمد لأمتها، ففيها الحرمان الشريفان، مشيرًا إلى أن هناك من يخطط ويتآمر لإضعافها !

لا شك أن خطابا تفوح منه العنصرية ضد الأعراق غير العربية والاستغلال الدنيء لحرمة البقاع المقدسة لشرعنة حكم آل سعود الفاشي وتبرير حروبهم ضد مسلمين آخرين يشكل أقذر أشكال البروباغندا الوهابية-السعودية. وإن ارتدت عباءة الدين للتغرير بالمسلمين فإنها لا تختلف عن الدعاية النازية التي ترفض الآخر وتحتكر الحقيقة والمروءة والنقاء خدمة لنظام أوتوقراطي استبدادي عفى عليه الزمن. جوزيف غوبلز كان ركنا أساسيا في النظام الفاشي النازي وجه الملايين من الشباب الألمان لاعتناق النازية وارتكاب أبشع الجرائم التي شهدتها أوروبا في تاريخها. كذلك العريفي وغيرهم من موظفي الدعاية الوهابية أفتوا للمغفلين من المسلمين منذ عقود بالجهاد ضد أبناء جلدتهم كما طلب السلطان فارتكبوا فظائع تقشعر لها الأبدان. أفتوا بالحرب على المسلمين، أسسوا القاعدة مع الأمريكان واستقبلوا المارينز في بلدانهم ودمروا البلدان. لذلك فالداعية العريفي المتلبس بالدين هو في الحقيقة رجل دعاية وهابي في خدمة السلطان ومناصر للحرب ومكفر لمن لا ينصاع لنزوات آل سعود الفاشيين وحلفائهم الأمريكان. نعم، العريفي هو “غوبلز” آل سعود.

الجزائر نت 

البروباغندا ’’السعوهابية‘‘ في وفاة ’’ملك الإنسانية‘‘

ALWATAN
الصفحة الرئيسية لصحيفة الوطن ليوم 23 يناير 2015

تشكل حادثة وفاة ملك السعودية فرصة نادرة للمتتبعين للشأن السعودي للتوقف عند ردود أفعال السياسيين والإعلاميين ورجال الدين. فالدعاية على أشدها في وسائل الإعلام الحكومية – إذ لا توجد وسائل إعلام حرة في المملكة – لتعظيم شأن الملك الراحل الذي تصفه بكل شجاعة صحيفة الوطن “بملك الإنسانية”. تقول الصحيفة بأن السعوديين عاشوا أوقات عصيبة البارحة عندما أتاهم نبأ وفاة “ملك الإنسانية” في محاولة من الصحيفة للتأكيد على تلاحم شعبي مع الأسرة المالكة وهذا غير صحيح بالنظر للقمع الشديد الذي يتعرض له المدافعون عن حقوق الإنسان الذين يقبعون في السجون ويتعرضون لأبشع أنواع القمع. الدعاية لأسرة آل سعود تتجلي بوضوح في عناوين استفزازية مثل ” .. ورحل ملك الإنسانية”، ” رسائل الفقيد .. حكمة قائد تمزج العفوية بالوعي”، ” ملك مؤثر.. رحيل لا يشبه الرحيل”، ” بالدمع نبكيك .. ونرثيك”، الخ. 

أنا أكاد أجزم بأن كتاب هذه المقالات لا يمتون لمهنة الصحافة بصلة. هؤلاء أليس هم الذين قال عنهم أحد كهنة البلاط الملكي من علماء الوهابية “أنهم غير قادرين على حماية مؤخراتهم إذا سقط حكم آل سعود”؟ وكأي وسيلة إعلام تابعة للأنظمة الاستبدادية يتم تمجيد القائد أثناء حكمه وعند موته لضمان انتقال “عدوى” التمجيد للديكتاتور اللاحق. كما في كوريا الشمالية، آخر قلاع الإستبداد الشيوعية. هذه الدعاية السياسية المغرضة هي أهم ركائز مملكة “السعوهابية”، أغرب ديكتاتورية عربية يتحالف فيها الأميرالنفطي مع الشيخ الوهابي لأجل السلطة.

ALWATAN
الصفحة الرئيسية لقناة العربية ليوم 23 يناير 2013
ALWATAN
صفحة العربية علي موقع فايسبوك ليوم 23 يناير 2013

أما فيما يخص القنوات التلفزيونية، فقناة العربية الإخبارية (التي يسمونها في السعودية “العبرية” بسبب نهجها الليبرالي المتطرف الموالي لوجهات النظر الملكية-الأمريكية-الإسرائيلية) لم تخرج عن هذه قاعدة البروياغندا التي تذكر المتتبع بأعمال جوزيف غوبلز، المسؤول عن الدعاية النازية والذراع الأيمن لأدولف هتلر إبان الحرب العالمية. العربية خصصت حيزا هاما للحدث وبنفس لهجة صحيفة الوطن لم تخل صفحتها من العناوين الإستفزازية مثل “إلى جنة الخلد.. أبا متعب” بالرغم من أن القناة لا تكن حبا لرجال الدين ولكن إذا تعلق الأمر بولي الأمر تتغير كل القواعد. المثير للإنتباه غياب التعليقات على كل الأخبار المتعلقة بالأسرة المالكة وذلك لأن شرائح واسعة من المجتمع السعودي والعربي لا تخف فرحها برحيل “ملك الإنسانية”. ولأن السيطرة على التعليقات صعب للغاية، أرتأت القناة ألا تذكر شيئا عن وفاة الملك على صفحتها الرئيسية على موقع الفاسيبوك والإكتفاء نشر صورة للملك. هذا إن دل على شيء فإنما يدل على حقارة الديكتاتورية وعلى نذالة “صحافة الديكتاتورية” الغوبلزية. ينبغي التنويه بشجاعة قناة الجزيرة القطرية – وهذا يصب في مصلحتها – التي سمحت للمعلقين بنشر أرائهم المناهضة للبروباغندا السعودية التي تود صنع أمجاد الديكتاتور الراحل.

وبدورهم لم يتردد علماء الوهابية باعتبارهم قادة رأي مؤثرون في شعب المملكة عن طريق وسائل الإتصال الإجتماعي  عن طلب الرحمة لولي الأمر المتوفى وطلب التوفيق للديكتاتور الجديد! فهذا الشيخ العريفي الذي كان مسجونا منذ أسابيع فقط “يعزي الأمة في وفاة الملك عبد الله” ويدعو قائلا “ربّ احفظ أمننا وولاتنا وووحّد صفنا”! هذا هو نفس العريفي الذي حرض على “الجهاد” في سوريا وقال بأنه يرى الخلافة آتية، الآن يطبل “لنعمة الأمن والأمان”!

الملكية المطلقة لم تكن يوما نظاما عادلا، هذا النوع من الأنظمة الشمولية ساد في العصور المظلمة ولكن مفكروا عصر الأنوار أطاحوا به لفائدة النظام الديمقراطي – وهو نظام يتم تحسينه باستمرار – لضمان الحرية والعدالة. ورغم أن الملك محاط بالكهنة (علماء البلاط) فهذا لم يعطيه أية مشروعية. الدين الإسلامي “جمهوري” لا يعترف بالوراثة، والحكم هو للأصلح والأكثر كفاءة ويتم اختياره من الناس وليس من “هيئة عائلية” مغلقة. التجربة السلفية-الوهابية في الحكم أثبتت إذا فشلها ويجب التوجه نحو الديمقراطية كطريق سلمي للتداول على الحكم.

على أي حال، وفاة الملك السعودي لن تغير شيئا في السياسة الخارجية للمملكة : تحالف مصيري مع الولايات المتحدة ومواصلة سياسة النفط الرخيص مقابل الحماية، دعم الانقلابات العسكرية في العالم العربي لإجهاض اي تجربة ديمقراطية، مواصلة سياسة العداء لمحور سوريا وإيران، مواصلة الحرب على الإسلام السياسي المعتدل الذي يقبل بالإنتخابات كوسيلة للوصول للسلطة، مواصلة نشر المذهب السلفي الوهابي لتوطيد زعامة المملكة للإسلام السني في العالم.

الجزائر .نت


“الهاسبارا” أوالبروباغندا : فنون الدعاية السياسية

الحديث عن الدعاية السياسية يعود بقوة في أوقات الحروب عندما تبلغ الحرب الإعلامية أوجها. وتستعمل الجماعات و الهيئات والدول وسائل الإعلام بمختلف أنواعها لنشر وشرح أفكارها وبرامجها للرأي العام الداخلي والخارجي. ولأهميتها حازت الدعاية (البروباغندا) على اهتمام واسع من طرف السياسيين والأكاديميين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية منذ فترة ما بين الحربين العالميتين التي شهدت استعمالا منقطع النظير للبروباغندا بالموازاة مع تطور وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية-البصرية. ولا تخرج الحروب الأخيرة في الشرق الأوسط عن هذه القاعدة إذ جهز كل فريق مشارك فيها آلته الدعائية لكسب “معركة القلوب” في الداخل والخارج. ولا شك أن “الهاسبارا” – التي تهتم بشرح وتوضيح سياسات الحكومات الإسرائيلية للرأي العام – تشكل أقوى آليات الدعاية التي تشهدها الحروب المعاصرة وأكثرها تعقيدا.
تلجأ الدول في أوقات الحرب إلى آليات مختلفة لتسويق وجهة نظرها للرأي العام الداخلي والخارجي. ففي حربه على العراق على سبيل المثال، ابتكر الجيش الأمريكي ما يمكن تسميته “بالصحافة المحمولة” (Embedded journalism) إذ يرافق الصحفيون العساكر على ظهر الدبابات ولا يرون إلا ما يُسمَح لهم برؤيته. ولهذا فغالبا ما تكون القصص التي ينقلونها للناس مستوحاة من روايات الضباط الذين يرافقونهم وهو ما يمكن تفسيره على انه نوع من البروباغندا. الدعاية

لكن الحروب الأخيرة أثبتت أنه بات من الصعب الإعتماد على الصحفيين الذين يرافقون الجيش لإثبات الرواية الرسمية التي يريد المتحاربون إيصالها للجماهير بالنظر للتطور الهائل لوسائل الاتصال المتاحة للناس في ساحات المعارك. وكغيرها من الدول والجماعات المنخرطة في الحرب، تعمد القوى الفاعلة في إسرائيل على تحريك جهاز “الهاسبارا” أو “العلاقات العامة” لكسف التعاطف الدولي. أما الجديد في الحروب الحالية فهو صعوبة إجراء تعتيم كلي لمجريات الأحداث نظرا للاهتمام البالغ الذي تحتله الفلسطينية في المؤسسات الإعلامية من جهة، ومن جهة أخرى التطور الكبير لوسائل الإعلام السمعية-البصرية ووسائل الاتصال الاجتماعي عبر الأنترنيت التي جعلت من كل مواطن ناقلا للأحداث والصور من ساحات الحرب.  فبالإضافة إلى الدعاية التقليدية عبر الصحف وقنوات الراديو والتلفزيون، لجأت إسرائيل إلى تفعيل ماكينة “الهاسبارا” عبر وسائل الاتصال الاجتماعي كتويتر وفايسبوك. والجيش الإسرائيلي من الجيوش الأوائل في العالم التي فتحت حسابات لها على هذه المواقع للتوجه مباشرة للجماهير ولوسائل الإعلام الأخرى. وفي حربها الأخيرة على غزة لجأت الحكومة الإسرائيلية إلى تسويق مكثف للرواية الرسمية في جميع وسائل الإعلام وغزا “جنود الهاسبارا” كل وسائل الاتصال الاجتماعي لإيصال أفكار يمكن تلخيصها في أن “حماس منظمة إرهابية لا تقبل السلام – الفصائل الفلسطينية تتخذ من المدنيين ذروعا بشرية وهذا ما يفسر الأعداد الهائلة للضحايا المدنيين – الفلسطينيين إرهابيين يحاولون إزالة إسرائيل من الخارطة – إسرائيل تدافع عن نفسها وعلى الجميع مساندتها لأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” … الخ.

لكن الفصائل الفلسطينية لها أيضا استراتيجيتها الخاصة لمواجهة “الهاسبارا” الإسرائيلية. فهي تسمح للصحفيين الأجانب بتغطية الحرب في غزة مما يساهم بصيغة غير مباشرة في إعطاء وجهة نظر أخرى للأحداث الجارية هناك عن طريق المؤسسات الإعلامية الدولية التي تملك مراسلين في القطاع. ونظرا لطبيعة الحرب هناك – إذ أن الفصائل المقاتلة تقود حرب عصابات غير تقليدية – فإنه من غير الممكن لهذه الجماعات أن تلجأ في حربها الدعائية لما يسمى “بالصحافة المحمولة” لنشر روايتها للحرب. لكن صور الضحايا المدنيين والتدمير الهائل للأحياء السكنية كان لها تأثيرا بالغا على الرأي العام الدولي وساهم في التقليل من فعالية “الهاسبارا” الإسرائيلية وربما دفعت الأطراف المتحاربة إلى إيجاد مخرج عن طريق التفاوض.

والدعاية عبر وسائل الإعلام ليست حكرا على الدول والجماعات المتحاربة، بل تجري على الدوام وبسلاسة عبر وسائل الإعلام، خصوصا في الدول غير الديمقراطية التي لا تسمح بالتعددية الإعلامية والسياسية. أما أبطالها فقد يكونوا شخصيات نافذة في الإعلام أوالدين أوالسياسة أوالفنون. وهذا ما سنتعرض له في مقال لاحق.

الجزائر.نت

 

ا

 

وسائل الإعلام والدعاية. من المطبعة إلى الانترنيت.

لا شك أن الإعلام لعب منذ زمن طويل دورا بارزا في خلق الرأي العام وتوجيهه وخصوصا إبان الحروب. وكما اهتمت الدول بالإعلام لحشد الجبهة الداخلية للحرب ضد الأعداء، اهتمت منظمات وجماعات مختلفة بالدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام في نشر إيديولوجياتها وأفكارها. فبعد ظهور المطبعة في القرن الخامس عشر، ارتأى مخترعها الألماني يوهان غوتنبرغ أن يقوم بطباعة الإنجيل لضمان تحقيق أرباح باعتباره الكتاب الأكثر شهرة عند الجماهير بفضل جهود الكنيسة التبشيرية. وسرعان ما أدركت الكنيسة أهمية المطبعة كقفزة تقنية هائلة مكنتها من طباعة ملايين الكتب بأقل التكاليف لنشر تعاليم المسيحية في المستعمرات الأوروبية. وقد أدى تطور الطباعة إلى ازدهار الصحافة المكتوبة التي تم استغلالها في حروب الدعاية (البروباغندا) في أوقات السلم والحرب في البلدان الصناعية. وساهم ظهور السينما في أواخر القرن التاسع عشر ثم الراديو والتلفزيون في القرن الماضي إلى ازدهار فنون الدعاية السياسية التي بلغت أوجها في الثلاثينات من القرن ثم أثناء الحرب العالمية لحشد الجبهات الداخلية لدعم الحرب ولإرباك العدو عن طريق الحرب النفسية. وقد ازدهرت الأبحاث الأكاديمية في الولايات المتحدة وأوروبا حول فنون الدعاية السياسية و تأثير وسائل الإعلام في الرأي العام وبالخصوص أثناء الحملات الانتخابية والحروب. فبالإضافة لدورها في التسلية والتثقيف، لعبت وسائل الإتصال الجماهيري منذ قرون دورا بارزا في الإعلام والدعاية. وسائل الإعلام

ومنذ ظهور الأنترنيت كوسيلة لتخزين وتبادل المعلومات ثم نشأة الويب الاجتماعي منذ حوالي عشر سنوات، أزداد اهتمام صانعي القرار والأكاديميين في الدول المتقدمة بالدور الجديد الذي يمكن أن تؤديه وسائل الإتصال الإجتماعية التفاعلية – على غرار الفيسبوك وتويتر- في تشكيل الرأي العام والدعاية السياسية.

يعتقد الكثيرون اليوم بأن الإنترنيت يقف كمنافس جديد لوسائل الإعلام التقليدية وإن كان من الضروري عدم تضخيم قدرة هذه الوسيلة على التأثير على الرأي العام على غرار تنبؤ بعض الباحثين إبان العصر الذهبي للتلفزيون بتغييرات اجتماعية عميقة معتمدين على تحليل العوامل التقنية لهذه الأداة. فقد رافقت وسائل الاتصال الجماهيري التحولات الاجتماعية والسياسية العميقة التي شهدتها البلدان الصناعية في أوروبا وأمريكا. وتاريخ وسائل الإعلام يرتبط كما أشرنا في بداية المقال بتحولات تقنية واقتصادية جذرية منذ ظهور المطبعة إلى عصر الراديو والتلفزيون والإنترنيت. وساهم تطور التقنيات الرقمية للاتصال في تراجع “المشهد العام المشترك” الذي يميز وسائل الإعلام التقليدية وبروز ظاهرة “تفريد” المعلومات والأخبار تماشيا مع متطلبات تيار النزعة الفردية السائد في البلدان الصناعية الذي يختلف عن “القرية الصغيرة” التي تنبأ بها عالم الإجتماع الكندي مارشال مكلوهان في ستينات القرن الماضي. وإذا كانت شبكة الإنترنيت مساحة هامة للتعبير عن الرأي ونشر العلوم والأفكار فإنها تشكل كذلك أرضية خصبة لنشر الإشاعات لأن كل مستعمل يصبح بدوره مُرسِل للمحتويات وهذا ما يسمح له بنشر المعلومات المظللة على نحو واسع.

وليس بغريب أن تجد اليوم رجال الدين و مشاهير السياسة والفن والرياضة يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة إعلامية لإيصال أفكارهم ومعتقداتهم للجماهير. وكأي وسيلة إعلامية أخرى، أضحت شبكات التواصل الاجتماعي على الأنترنيت – خصوصا فيسبوك وتويتر– مسرحا للحرب الإعلامية والدعاية السياسية. وكان للجيش الإسرائيلي الريادة في فهم ثقل الإعلام الاجتماعي لتبرير الحرب في غزة وحشد الرأي العام الداخلي والدولي لصالح إسرائيل. وهذا ما سنتطرق له في مقالة لاحقة.

الجزائر.نت

 

جريدة “النهار” الجزائرية… أو مكتب الدعاية الأول للعهدة الرابعة

في الوقت الذي استنكرت فيه أغلب الصحف الجزائرية الحرة ترشح بوتفليقة المعتل لعهدة رابعة تماشيا مع الرفض الشعبي الواسع لهذا القرار، تتفنن صحف النظام التي تدعي بأنها خاصة وحرة كجريدة “النهار” في تبرير المهزلة الإنتخابية. إذ يظهر للقارئ جليا ومن خلال قراءة الصفحة الاولى للجريدة بأن الأمر يتعلق بالبروباغندا لصالح بوتفليقة.

ففي العنوان الرئيسي “بوتفليقة المترشح رقم 132” تحاول الجريدة الصفراء إيهام القارئ بأن الرئيس العجوز هو مترشح عادي من بين 132 متسابق للرئاسيات، وهذا بالطبع غير صحيح لأن جل المترشحين أعلنوا مقاطعة الإنتخابات التي سيشوبها التزوير كما جرت العادة لمجرد نية الرئيس المريض في الترشح. ولا داعي لقراءة المقالات لأن كل طاقم الجريد يبذل قصارى جهده لتبرير “المهزلة البوتفليقية”.

أما العنوان الآخر في الصفحة الأولى بالبنط العريض فيعلن “زيادة 90 في المائة أجور العمال” وكأن القائمين على جريدة “النهار” الصفراء يريدون شد انتباه القارئ بأن خبر ترشح بوتفليقة سيقابله خبر “سار” يخص رفع الأجور للضعف. الجريدة تعرف جيدا “النظام البوتفليقي” الذي يطبق دوما سياسة شراء الضمائر وتبذير المال العام قبل أي موعد انتخابي وكأن المال العام هو ملك له ولأعوانه المرتشين.

وخلاصة القول أن جريدة “النهار” (المظلم) ليست بمؤسسة إعلامية عادية أيا كان اتجاهها السياسي، إنما هي مكتب للبروباغاندا الرخيصة التي تذكرنا بصحافة ديكتاتوريات القرن الماضي في أوروبا والتي تطبل وتمجد للشخصيات الحاكمة، إذ تحاول تشتيت انتباه القارئ وإقناعه بجدوى العهدة الرابعة مقابل الأمل في حفنة من الدنانير.

الجزائر نت