البروباغندا ’’السعوهابية‘‘ في وفاة ’’ملك الإنسانية‘‘

ALWATAN
الصفحة الرئيسية لصحيفة الوطن ليوم 23 يناير 2015

تشكل حادثة وفاة ملك السعودية فرصة نادرة للمتتبعين للشأن السعودي للتوقف عند ردود أفعال السياسيين والإعلاميين ورجال الدين. فالدعاية على أشدها في وسائل الإعلام الحكومية – إذ لا توجد وسائل إعلام حرة في المملكة – لتعظيم شأن الملك الراحل الذي تصفه بكل شجاعة صحيفة الوطن “بملك الإنسانية”. تقول الصحيفة بأن السعوديين عاشوا أوقات عصيبة البارحة عندما أتاهم نبأ وفاة “ملك الإنسانية” في محاولة من الصحيفة للتأكيد على تلاحم شعبي مع الأسرة المالكة وهذا غير صحيح بالنظر للقمع الشديد الذي يتعرض له المدافعون عن حقوق الإنسان الذين يقبعون في السجون ويتعرضون لأبشع أنواع القمع. الدعاية لأسرة آل سعود تتجلي بوضوح في عناوين استفزازية مثل ” .. ورحل ملك الإنسانية”، ” رسائل الفقيد .. حكمة قائد تمزج العفوية بالوعي”، ” ملك مؤثر.. رحيل لا يشبه الرحيل”، ” بالدمع نبكيك .. ونرثيك”، الخ. 

أنا أكاد أجزم بأن كتاب هذه المقالات لا يمتون لمهنة الصحافة بصلة. هؤلاء أليس هم الذين قال عنهم أحد كهنة البلاط الملكي من علماء الوهابية “أنهم غير قادرين على حماية مؤخراتهم إذا سقط حكم آل سعود”؟ وكأي وسيلة إعلام تابعة للأنظمة الاستبدادية يتم تمجيد القائد أثناء حكمه وعند موته لضمان انتقال “عدوى” التمجيد للديكتاتور اللاحق. كما في كوريا الشمالية، آخر قلاع الإستبداد الشيوعية. هذه الدعاية السياسية المغرضة هي أهم ركائز مملكة “السعوهابية”، أغرب ديكتاتورية عربية يتحالف فيها الأميرالنفطي مع الشيخ الوهابي لأجل السلطة.

ALWATAN
الصفحة الرئيسية لقناة العربية ليوم 23 يناير 2013
ALWATAN
صفحة العربية علي موقع فايسبوك ليوم 23 يناير 2013

أما فيما يخص القنوات التلفزيونية، فقناة العربية الإخبارية (التي يسمونها في السعودية “العبرية” بسبب نهجها الليبرالي المتطرف الموالي لوجهات النظر الملكية-الأمريكية-الإسرائيلية) لم تخرج عن هذه قاعدة البروياغندا التي تذكر المتتبع بأعمال جوزيف غوبلز، المسؤول عن الدعاية النازية والذراع الأيمن لأدولف هتلر إبان الحرب العالمية. العربية خصصت حيزا هاما للحدث وبنفس لهجة صحيفة الوطن لم تخل صفحتها من العناوين الإستفزازية مثل “إلى جنة الخلد.. أبا متعب” بالرغم من أن القناة لا تكن حبا لرجال الدين ولكن إذا تعلق الأمر بولي الأمر تتغير كل القواعد. المثير للإنتباه غياب التعليقات على كل الأخبار المتعلقة بالأسرة المالكة وذلك لأن شرائح واسعة من المجتمع السعودي والعربي لا تخف فرحها برحيل “ملك الإنسانية”. ولأن السيطرة على التعليقات صعب للغاية، أرتأت القناة ألا تذكر شيئا عن وفاة الملك على صفحتها الرئيسية على موقع الفاسيبوك والإكتفاء نشر صورة للملك. هذا إن دل على شيء فإنما يدل على حقارة الديكتاتورية وعلى نذالة “صحافة الديكتاتورية” الغوبلزية. ينبغي التنويه بشجاعة قناة الجزيرة القطرية – وهذا يصب في مصلحتها – التي سمحت للمعلقين بنشر أرائهم المناهضة للبروباغندا السعودية التي تود صنع أمجاد الديكتاتور الراحل.

وبدورهم لم يتردد علماء الوهابية باعتبارهم قادة رأي مؤثرون في شعب المملكة عن طريق وسائل الإتصال الإجتماعي  عن طلب الرحمة لولي الأمر المتوفى وطلب التوفيق للديكتاتور الجديد! فهذا الشيخ العريفي الذي كان مسجونا منذ أسابيع فقط “يعزي الأمة في وفاة الملك عبد الله” ويدعو قائلا “ربّ احفظ أمننا وولاتنا وووحّد صفنا”! هذا هو نفس العريفي الذي حرض على “الجهاد” في سوريا وقال بأنه يرى الخلافة آتية، الآن يطبل “لنعمة الأمن والأمان”!

الملكية المطلقة لم تكن يوما نظاما عادلا، هذا النوع من الأنظمة الشمولية ساد في العصور المظلمة ولكن مفكروا عصر الأنوار أطاحوا به لفائدة النظام الديمقراطي – وهو نظام يتم تحسينه باستمرار – لضمان الحرية والعدالة. ورغم أن الملك محاط بالكهنة (علماء البلاط) فهذا لم يعطيه أية مشروعية. الدين الإسلامي “جمهوري” لا يعترف بالوراثة، والحكم هو للأصلح والأكثر كفاءة ويتم اختياره من الناس وليس من “هيئة عائلية” مغلقة. التجربة السلفية-الوهابية في الحكم أثبتت إذا فشلها ويجب التوجه نحو الديمقراطية كطريق سلمي للتداول على الحكم.

على أي حال، وفاة الملك السعودي لن تغير شيئا في السياسة الخارجية للمملكة : تحالف مصيري مع الولايات المتحدة ومواصلة سياسة النفط الرخيص مقابل الحماية، دعم الانقلابات العسكرية في العالم العربي لإجهاض اي تجربة ديمقراطية، مواصلة سياسة العداء لمحور سوريا وإيران، مواصلة الحرب على الإسلام السياسي المعتدل الذي يقبل بالإنتخابات كوسيلة للوصول للسلطة، مواصلة نشر المذهب السلفي الوهابي لتوطيد زعامة المملكة للإسلام السني في العالم.

الجزائر .نت


“الهاسبارا” أوالبروباغندا : فنون الدعاية السياسية

الحديث عن الدعاية السياسية يعود بقوة في أوقات الحروب عندما تبلغ الحرب الإعلامية أوجها. وتستعمل الجماعات و الهيئات والدول وسائل الإعلام بمختلف أنواعها لنشر وشرح أفكارها وبرامجها للرأي العام الداخلي والخارجي. ولأهميتها حازت الدعاية (البروباغندا) على اهتمام واسع من طرف السياسيين والأكاديميين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية منذ فترة ما بين الحربين العالميتين التي شهدت استعمالا منقطع النظير للبروباغندا بالموازاة مع تطور وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية-البصرية. ولا تخرج الحروب الأخيرة في الشرق الأوسط عن هذه القاعدة إذ جهز كل فريق مشارك فيها آلته الدعائية لكسب “معركة القلوب” في الداخل والخارج. ولا شك أن “الهاسبارا” – التي تهتم بشرح وتوضيح سياسات الحكومات الإسرائيلية للرأي العام – تشكل أقوى آليات الدعاية التي تشهدها الحروب المعاصرة وأكثرها تعقيدا.
تلجأ الدول في أوقات الحرب إلى آليات مختلفة لتسويق وجهة نظرها للرأي العام الداخلي والخارجي. ففي حربه على العراق على سبيل المثال، ابتكر الجيش الأمريكي ما يمكن تسميته “بالصحافة المحمولة” (Embedded journalism) إذ يرافق الصحفيون العساكر على ظهر الدبابات ولا يرون إلا ما يُسمَح لهم برؤيته. ولهذا فغالبا ما تكون القصص التي ينقلونها للناس مستوحاة من روايات الضباط الذين يرافقونهم وهو ما يمكن تفسيره على انه نوع من البروباغندا. الدعاية

لكن الحروب الأخيرة أثبتت أنه بات من الصعب الإعتماد على الصحفيين الذين يرافقون الجيش لإثبات الرواية الرسمية التي يريد المتحاربون إيصالها للجماهير بالنظر للتطور الهائل لوسائل الاتصال المتاحة للناس في ساحات المعارك. وكغيرها من الدول والجماعات المنخرطة في الحرب، تعمد القوى الفاعلة في إسرائيل على تحريك جهاز “الهاسبارا” أو “العلاقات العامة” لكسف التعاطف الدولي. أما الجديد في الحروب الحالية فهو صعوبة إجراء تعتيم كلي لمجريات الأحداث نظرا للاهتمام البالغ الذي تحتله الفلسطينية في المؤسسات الإعلامية من جهة، ومن جهة أخرى التطور الكبير لوسائل الإعلام السمعية-البصرية ووسائل الاتصال الاجتماعي عبر الأنترنيت التي جعلت من كل مواطن ناقلا للأحداث والصور من ساحات الحرب.  فبالإضافة إلى الدعاية التقليدية عبر الصحف وقنوات الراديو والتلفزيون، لجأت إسرائيل إلى تفعيل ماكينة “الهاسبارا” عبر وسائل الاتصال الاجتماعي كتويتر وفايسبوك. والجيش الإسرائيلي من الجيوش الأوائل في العالم التي فتحت حسابات لها على هذه المواقع للتوجه مباشرة للجماهير ولوسائل الإعلام الأخرى. وفي حربها الأخيرة على غزة لجأت الحكومة الإسرائيلية إلى تسويق مكثف للرواية الرسمية في جميع وسائل الإعلام وغزا “جنود الهاسبارا” كل وسائل الاتصال الاجتماعي لإيصال أفكار يمكن تلخيصها في أن “حماس منظمة إرهابية لا تقبل السلام – الفصائل الفلسطينية تتخذ من المدنيين ذروعا بشرية وهذا ما يفسر الأعداد الهائلة للضحايا المدنيين – الفلسطينيين إرهابيين يحاولون إزالة إسرائيل من الخارطة – إسرائيل تدافع عن نفسها وعلى الجميع مساندتها لأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” … الخ.

لكن الفصائل الفلسطينية لها أيضا استراتيجيتها الخاصة لمواجهة “الهاسبارا” الإسرائيلية. فهي تسمح للصحفيين الأجانب بتغطية الحرب في غزة مما يساهم بصيغة غير مباشرة في إعطاء وجهة نظر أخرى للأحداث الجارية هناك عن طريق المؤسسات الإعلامية الدولية التي تملك مراسلين في القطاع. ونظرا لطبيعة الحرب هناك – إذ أن الفصائل المقاتلة تقود حرب عصابات غير تقليدية – فإنه من غير الممكن لهذه الجماعات أن تلجأ في حربها الدعائية لما يسمى “بالصحافة المحمولة” لنشر روايتها للحرب. لكن صور الضحايا المدنيين والتدمير الهائل للأحياء السكنية كان لها تأثيرا بالغا على الرأي العام الدولي وساهم في التقليل من فعالية “الهاسبارا” الإسرائيلية وربما دفعت الأطراف المتحاربة إلى إيجاد مخرج عن طريق التفاوض.

والدعاية عبر وسائل الإعلام ليست حكرا على الدول والجماعات المتحاربة، بل تجري على الدوام وبسلاسة عبر وسائل الإعلام، خصوصا في الدول غير الديمقراطية التي لا تسمح بالتعددية الإعلامية والسياسية. أما أبطالها فقد يكونوا شخصيات نافذة في الإعلام أوالدين أوالسياسة أوالفنون. وهذا ما سنتعرض له في مقال لاحق.

الجزائر.نت

 

ا

 

الديمقراطية… أو الغائب الأهم في المأساة السورية

      

منذ اندلاع المظاهرات الشعبية في سوريا في غمرة الربيع العربي عام 2011 ثم تحولها إلى حرب أهلية مأساوية لا تزال الديمقراطية هي المصطلح الأكثر غيابا في قاموس المعارضة والنظام المتخاصمين على حد سواء.  فالنظام السوري الذي أساء التعامل مع أوائل المتظاهرين واقترف على ما يبدو مجازر في محاولة لإسكات الأصوات المعارضة هو الأكثر معاداة لهذا الشكل من الحكم الذي يستمد مشروعيته من الشعب.  فقد عودتنا الأنظمة العربية “الجملوكية” على إضافة مصطلح الديمقراطية في وصفها لنظام الحكم في محاولة لتزيين الوجه القبيح لهذه الديكتاتوريات البائسة. أما المعارضة السورية التي تضم المئات من الجماعات المسلحة المدعومة في الغالب من جهات خارجية متعددة فتطلق في الغالب تسميات “إسلامية” على مشاريع الحكم التي تنوي إقامتها في حال الإطاحة بنظام الأسد.

فجماعة “داعش” الموالية للقاعدة تتبع الإيديولوجية السلفية-الجهادية للوصول للحكم والقائمة على القتال بشراسة حتى الإطاحة بالخصم ثم فرض “أمير المؤمنين” الذي تمت مبايعته مسبقا خليفة على الشعب الذي توجب له الطاعة المطلقة ما دام مسلما ولا يمكن للمواطن البسيط مساءلته. وهذا ما تفعله في سوريا والعراق اليوم إذ تحتول فرض “البغدادي”، وهو شخص مجهول، على عامة الناس وهم لم يروه أو يسمعو شيئا عن “مشروعه الإنتخابي”. ففي هذا النظام يتولى “الخليفة” الحكم مدى الحياة وهو غير مُلزم بتوضيح سياساته للعامة. ورغم الوعود بأن هذا الشكل من الحكم سيكون أكثر عدلا من الأنظمة الحالية فإن الواقع لطالما كذّب هذا الإدعاء. فالجماعات التي تستلهم أفكارها من القراءة المبسطة والسطحية لتاريخ الحكم في القرون الأولى للدولة الإسلامية غالبا ما تقترف بدورها مجازر في حق معارضيها السياسيين بحجة “الردة” أو “الخروج على ولي الأمر” لتثبيت حكمها وسحق معارضيها.

أما الجماعات الإسلامية الأخرى الأكثر “اعتدالا” فتقول بأنها تنوي إقامة حكم إسلامي مبني على الشورى كما كان الأمر عند المسلمين الأوائل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح يخص شكل الشورى التي تنوي إقامتها لاختيار الحاكم. فالمجموعات السلفية الجهادية (مثل داعش والنصرة) تتبنى أيضا “شورتها” الضيقة التي تنحصر في بعض الأعيان وأصحاب النفوذ السياسي و الديني والمالي ولا تقيم وزنا لرأي عامة الناس بحجة أنهم غير مؤهلين لأمور السياسة والدين. ففي السعودية ذات الحكم السلفي التقليدي مثلا هناك مجلس شورى ولكنه مُعين من طرف الملك وليس له صلاحيات تُذكر. هذا المثال يوضح أن مبدأ الشورى فضفاض ويُستعمل من طرف الجماعات المتطرفة خصيصا لإضفاء بعض الشرعية على حكمها الموعود.

فإن كانت المعارضة المعتدلة السورية تعني فتح مبدأ الشورى للشعب كله فهذا يتطلب إجراء انتخابات وهذا هو الطريق إلى الديمقراطية. لهذا وجب على المعارضة السورية أن تتبنى علنا المشروع الديمقراطي الوحيد القادر على تحقيق آمال الشعب السوري وإن كان لا يروق لبعض الجماعات المتطرفة المتحالفة معها التي ترفض مبدأ الديمقراطية رغم قربها من نظام الشورى الموسع الذي يستشير عامة الشعب. فإن كانت المعارضة الأقوى ميدانيا في سوريا اليوم ترفض الديمقراطية، فما الفرق بين ديكتاتورية الأسد الحالية وديكتاتورية الجهاديين السلفيين المستقبلية؟

بل إن الديكتاتورية الدينية أشد قمعا لأنها تستمد مشروعيتها من الاستغلال الفاحش للنصوص الشرعية والقراءة المبسطة لشكل وتاريخ الحكم في الحضارة الإسلامية لتبرير سلطتها السياسية وهذا موضوع مقالنا اللاحق.

الجزائر نت