السعودية وإسرائيل : تحالف الإخوة الأعداء

كاريكاتير الإيكونوميست
كاريكاتير ظهر في جريدة الإيكونوميست يوم 13 يونيو/حزيران 2015

منذ أن كشفت صحف أمريكية في أوائل الشهر الجاري النقاب عن لقاء سعودي إسرائيلي ضمن ندوة مغلقة لمجلس العلاقات الخارجية في واشنطن شارك فيها أنور عشقي ضابط الاستخبارات السعودي السابق ودوري غولد أحد كبار مساعدي رئيس الحكومة الإسرائيلية بن يامين نتنياهو، حتى عاد الحديث عن التقارب غير المعلن بين أهم حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط : “الدولة الصهيونية” و “المملكة الوهابية”.

والهدف المعلن من ذلك هو الوقوف في وجه النفوذ الإيراني الذي يشكل تهديد لإسرائيل، شرطي الشرق الأوسط الذي لا يقبل بأي دولة قوية منافسة في المنطقة تهدد مصالحه ومصالح حلفائه الغربيين. أما المملكة السعودية فهي مستعدة للتحالف مع الشيطان ليس دفاعا عن مصالح شعب الجزيرة العربية أو دينه كما يشاع -ولو كان الأمر كذلك لتفهمنا الموقف- ولكن للحفاظ على عرش آل سعود الذين يعملون جاهدين لضمان استمرارهم في الحكم بالتعاون أولا مع مشايخ الوهابية الذين يشرعنون سلطانهم ويلبسوه ثوبا إسلاميا شرعيا لا يجوز التفكير في إصلاحه أو تغييره، ثم مع الحلفاء الغربيين بناء على مبدأ “النفط مقابل الحماية” الذي أقرته معاهدة كوينسي (1945) بين مؤسس المملكة عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وأخيرا التقارب الغريب الذي خرج للعيان مع إسرائيل كحليف يمكن التعويل عليه ضد الجارة إيران.

والحقيقة أن النظام السعودي الذي يعتمد على إذكاء الحروب ضد جيرانه العرب والفرس على حد سواء، حتى يضمن بقائه بالتنسيق مع القوى الغربية، يجري اتصالات سرية مع إسرائيل منذ زمن ليس بالقصير. فقد تواصل النظام السعودي مع إسرائيل بالتعاون مع البريطانيين إبان ثورة 26 سبتمبر اليمنية (1962-1970) التي قامت ضد المملكة المتوكلية وسخر ثرواته النفطية لتسليح خصومه  الجمهوريين المدعومين من بعض القوميين العرب. وهكذا استنزفت مملكة آل سعود الجيش المصري تحت قيادة جمال عبد الناصر  الذي زج ب70 ألف جندي لدعم الجمهوريين اليمنيين مما انعكس على أدائه في حرب 1967 ضد إسرائيل. 

وفي ثمانينات القرن الماضي أجرى النظام السعودي اتصالات سرية مع المسؤولين الإسرائيليين عن طريق سفير المملكة في الولايات المتحدة سيء الصيت بندر بن سلطان المقرب من المحافظين الجمهوريين وذلك لإجراء محادثات من أجل السلم في الشرق الأوسط. وبعد الثورة الإسلامية الإيرانية (1979) التي أطاحت بنظام الشاه الموالي لإسرائيل والولايات المتحدة، انخرطت السعودية كعادتها وبعض دول الخليج في الحرب غير المباشرة ضد العدو الجديد (إيران) ودعمت النظام العراقي (البعثي !) إبان الحرب العراقية الإيرانية أو حرب الخليج الأولى (1980-1988). وانقلبت السعودية على صدام حسين، الحليف الذي حارب 8 سنوات ضد إيران عدو آل سعود، عندما غزا الكويت واقترب من حدودها. عندئد نادى آل سعود ومشايخهم بضرورة استقبال المارينز الأمريكي على الأراضي المقدسة لتحرير الكويت وتدمير الجيش العراقي كما شاركوا بعدها في الحصار الإقتصادي والذي انتهى بالغزو الأمريكي للعراق سنة 2003. وقبل ذلك بعام واحد في غمرة تداعيات أحداث 11 سبتمبر، أطلق الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز ما يسمى بمبادرة السلام العربية (2002) التي تعرض تطبيع عربي شامل للعلاقات مع الكيان الإسرائيلي مقابل انسحاب إسرائيل لحدود 1967 المعترف بها دوليا والسماح بقيام دولة فلسطينية. وقوبلت هذه المبادرة بتجاهل كلي من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى يومنا هذا.

لكن الإتصالات بين إسرائيل والمملكة السعودية لم تتوقف بل شهدت نقلة نوعية منذ اندلاع ما يسمى “الربيع العربي” وعزوف إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الإنخراط في حرب مباشرة ضد النظام السوري وسعيه لعقد اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي المثير للجدل. وتتقاسم إسرائيل والمملكة السعودية نفس المخاوف من توصل القوى الغربية الكبرى وإيران لاتفاق قد ينهي عقود من العزلة و العقوبات الإقتصادية التي أنهكت الإقتصاد الإيراني. إسرائيل باعتبارها القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط تخشى أن تتمكن الجمهورية الإسلامية من تطوير قدراتها العسكرية غير التقليدية مما سيحدث توازنا في الرعب ويطلق يد إيران في دعم الحركات المعادية لإسرائيل كحزب الله في جنوب لبنان وحماس في قطاع غزة. أما المملكة السعودية فهي في صراع إيديولوجي مع إيران منذ قيام الجمهورية الإسلامية وتخشى أن تصدر إيران ثورتها لبلدان الخليج عن طريق استغلال الأقليات الشيعية الموجودة فيها مما يشكل خطرا على نظام الحكم الملكي المطلق في السعودية المتحالف مع التيار الوهابي المتطرف. كما تخشى المملكة السعودية في إطار صراعها على زعامة العالم الإسلامي (الملك يسمى خادم الحرمين !) أن يؤدي الإتفاق حول البرنامج النووي إلى رفع العقوبات الإقتصادية على إيران وإطلاق يدها في دعم الأقليات الشيعية في المنطقة. 

وكنتيجة ليأس النظام السعودي من إمكانية زج الولايات المتحدة لجيشها في حرب جديدة في الشرق الأوسط ضد إيران بالرغم من الصفقات الطائلة لصالح شركات السلاح الأمريكية والدعم المالي لمراكز البحوث السياسية لشراء دعم الهيئات المؤثرة في قرارات واشنطن، فإن أسرة آل سعود اختارت أن تتقرب من اللوبي القوي الموالي لإسرائيل في أمريكا في محاولة لشراء دعمه ضد “الخطر الإيراني المشترك” الذي يهدد السعودية وإسرائيل معا. وأشارت مصادر استخباراتية إلى أن السعودية وفي إطار سعيها لكسب ود اللوبي الإسرائيلي في واشنطن تكون قد أنفقت في الأعوام الأخيرة ما قيمته 16 مليار دولار لدعم البنية التحتية في إسرائيل وقد استخدم جزء منها في بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

ولاريب أن ترى اليوم الإعلام الدعائي السعودي يسوق بقوة للرأي القائل بأن إيران هي الخطر الداهم على المنطقة (المشروع الصفوي) والذي لقي مساندة من المؤسسة الدينية الوهابية الرسمية التي تحذر من “حملة تشييع” مفترضة للسنة ستقضي على الإسلام الصحيح! إذ أن أغلب الوهابيين يصرحون بأن الشيعة هم في النهاية مشركون وهذا ما يتم تنفيذه على الأرض بالتصفية المذهبية التي تقرها جماعات السلفية الجهادية كالقاعدة و تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق وحتى في السعودية التي شهدت تفجيرات ضد مساجد شيعية. وكنتيجة حتمية للدعاية السياسية والدينية القوية ضد إيران والتي جعلت من إسرائيل حليفا مقبولا، فإن صورة الدولة العبرية تحسنت بشكل لافت في المجتمع السعودي المحافظ مقابل تنامي العداء لإيران والشيعة بشكل لافت. وأشارت عملية سبر للآراء أجراها مؤخرا معهد إسرائيلي بالتعاون مع إحدى الجامعات الأمريكية أن 53% من السعوديون يعتبرون إيران عدوهم الأول، و 22% يرون أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يشكل خطرا على بلادهم. أما إسرائيل فتأتي في المرتبة الأخيرة إذ أن 18% فقط من المستجوبين يعتقدون بأن إسرائيل تشكل خصما للمملكة السعودية. 

واللقاء الأخير للجنرال السعودي أنور مع دوري غولد، أحد مساعدي بن يامين نتنياهو، ما هو إلا تحضير للرأي العام لتعاون مستقبلي علني بين المملكة السعودية وإسرائيل في الشرق الأوسط لردع طهران وكل بلد عربي قد يهدد سياسات محور تل أبيب-الرياض-واشنطن. والسعودية كانت دائما ضد الدول التي تهدد مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة : فقد وقفت ضد القوميين العرب بدءا بجمال عبد الناصر إلى صدام حسين، كما وقفت ضد الإسلاميين المعتدلين (الإخوان المسلمين) لما وصلوا للحكم في مصر مؤخرا واعتبرتهم خطرا عليها ودعمت الإنقلاب العسكري ضدهم، إذ انها تخشى فقدان زعامتها للعالم السني وترى وصول إسلاميين للحكم عن طريق الاقتراع تهديدا صريحا لنظام المملكة القائم على الملكية المطلقة بتزكية مشايخ الوهابية. واليوم تسوق السعودية للخطر الشيعي الإيراني الفارسي عن طريق الدعاية الدينية والسياسية وذلك يتقاطع بالطبع مع المشروع الإسرائيلي، فالمملكة ترى القوميين العرب العلمانيين والإسلاميين غيرالتابعين لها والشيعة والفرس كلهم أعداء لها ولإسرائيل.
وقد يسألنا أحدهم قائلا لماذا لا يحق للسعودية أن تتحالف مع إسرائيل إذا كانت دول عربية أخرى كمصر والأردن وغيرها تقيم علاقات سرية أو رسمية معها؟ والجواب هو أن هذه الدول تقيم علاقاتها مع إسرائيل في إطار ثنائي براغماتي (بغض النظر عن إيجابياتها وسلبياتها) ولا تهدف إلى حروب استباقية ضد دول أخرى في المنطقة، أما التقارب السعودي الإسرائيلي فسيكلف شعوب المنطقة حروبا مذهبية وعرقية لأجيال قادمة نظرا لتحكم المملكة في التيار السلفي-الوهابي الذي ينشر الكراهية والتكفير ضد خصوم أسرة آل سعود (تسييس للدين). فالبارحة كان القوميون العرب “شيوعيون ملحدون” بالنسبة للمملكة والإسلاميون المعتدلون “مبتدعة تافهون”. أما اليوم فجاء دور الشيعة إذ يصب علماء آل سعود الوهابيون جام غضبهم على “الروافض” والفرس رغم التكلفة الباهظة للطائفية -وقد بدأت السعودية نفسها في دفع ثمنها (تفجير “داعش” لمساجد الشيعة في المملكة)- لتبرير انخراطهم في حروب سوريا واليمن والعراق. وكل الدعاية الإعلامية والدينية التي نشهدها اليوم ضد الخطر الإيراني الداهم ما هي إلا وسيلة لتحضير الرأي العام المحلي والإسلامي لقبول التحالف بين دولة إسرائيل الصهيونية (الديمقراطية) -التي تسعى للحفاظ على مصالح أجيال الشعب الإسرائيلي الصاعدة- والمملكة السعودية الوهابية (الإستبدادية) التي لا هدف لها سوى الحفاظ على مزايا أحفاد عائلة آل سعود ومشايخ الوهابية المتحالفين معهم وتعزيز سطوتهم على خيرات البقاع المقدسة.

الجزائر نت

البروباغندا الدينية السينمائية : فيلم الداعية العريفي نموذجا

تناولنا في مقالات سابقة ظاهرة الدعاية السياسية والدينية ودورها في اغتصاب الجماهير العربية والإستيلاء على رأيها وتوجيهه لفائدة الحكام المتسلطين وحاشيتهم من أصحاب المال المرتشين و الصحافيين ورجال الدين المنتفعين. وتطرقنا لظاهرة الدعاية الدينية عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي التي يبدع فيها اليوم مشايخ السلاطين سعيا منهم لإضفاء الشرعية على الأنظمة الفاشية التي تحكم البلاد العربية. وفي هذا الصدد ضربنا مثال بالعمل الدعائي الكبير الذي يؤديه الداعية السعودي محمد العريفي وقد شبهنا ما يقوم به اليوم من بروباغندا سياسية-دينية لخدمة سياسات آل سعود بما أنجزه جوزيف غوبلز، الذراع الأيمن لأدولف هتلر الذي أبدع في الحرب النفسية والبروباغندا لصالح المشروع النازي الألماني.

وعلى غرار العشرات من مشايخ الوهابية وقادة الرأي الدينيين، يخوض هذا الشيخ – ونحن نعتبره صحافي مختص في البروباغندا الدينية-السياسية قبل أن يكون عالم دين- حربا دعائية شاملة عبر منابر المساجد والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي لحشد الرأي العام المحلي والعربي وراء العمليات العسكرية التي تقوم بها المملكة السعودية بالتعاون مع الولايات المتحدة ضد اليمن سعيا منها لفرض رئيس تابع لهما في البلاد. وعادة ما يبرر المشايخ مساندتهم لسياسات آل سعود بأسباب دينية للتأثير على الجماهير وإخفاء الأسباب السياسية التي تدفعهم لتطويع الدين حسب ما يحقق مصالح الأمراء والملوك. والكل يتذكر فتاوى الشيوخ لتبرير استقبال مماليك الخليج لقوات المارينز على أراضيها وتبرير احتلال العراق (للوقوف ضد صدام البعثي الكافر)، والحث على الجهاد في سوريا (ضد الأسد النصيري الكافر)، و دعم الإنقلاب العسكري في مصر ضد محمد مرسي (لأنه إخواني مبتدع ضال يشكل خطر على الدين، زد على ذلك فالإنتخاب حرام!) ومساندة الحرب على اليمن (لأن الحوثيين شيعة كفار مشركين) …الخ. وكل هذه الحروب تصب دائما في مصلحة الرياض وواشنطن وتل أبيب. وكما ذكرنا في مقالنا السابق عن الرسائل السياسية الخفية في معتقدات تيار السلفية-الوهابية-السعودية فإن الدين الإسلامي يواجه اليوم مشروع “سعودة” أي احتكار رسالته الأخلاقية وتحويله لمجرد إيديولوجية سياسية سعودية تخدم الأسرة المالكة والمشايخ المتحالفين معها وتحافظ على عروشهم.

ولطالما ذكرنا قرائنا الكرام بأن أغلب المشايخ الذين يطيلون اللحى ويحسنون الخطاب على المنابر و الفضائيات ويجيدون التعبير على الفيسبوك وتويتر، بل ويتباكون عند قراءة القرآن للتأثير على عواطف الناس وينشرونها في يوتيوب، هم مجرد قادة رأي ورجال بروباغندا لفائدة أنظمة رجعية تمولهم، تماما كأبطال الدعاية النازية والفاشية الستالينية، وهدفهم الوحيد هو خدمة الأنظمة السياسية التي ينتفعون منها عن طريق التجارة الرائدة وهي الدين. الإنسان العربي اليوم المنهزم الذي يعيش في الماضي لا يملك شيئا يميز وجوده بين الأمم سوى الدين ولهذا يسعى المشايخ، الذين أسميهم الصحفيين المتاجرين بالدين، للسطو على ما تبقى من هوية الإنسان العربي و”اغتصابه” والسيطرة على رأيه وتفكيره وجعله مجرد جثة بلا وعي راكعة أمام المشايخ والأمراء، منفصلة عن الحضارة والرقي ومنغلقة على نفسها بينما يقضي الأمراء والمشايخ حياتهم في قصورهم الفارهة ويمضون عطلاتهم في أوروبا وأمريكا التي طالما نعتوها بأنها كافرة منحلة لا يجوز للناس الذهاب إليها.

ونحن إذ نؤكد بأن المشايخ هم مجرد أبواق للبروباغندا السياسية وأنهم رجال إعلام لا ينبغي الإنبهار بلحاهم وقمصانهم وتقديس كلامهم فإن لدينا أدلة على ذلك. دعونا نعود للداعية السعودي محمد العريفي وهو أكثر رجال البروباغندا السياسية-الدينية شهرة في العالم العربي بل ونعتبره من أكثر المشايخ الصحفيين الدعائيين تأثيرا في الجماهير العربية لقدرته الفائقة على مزج الخطاب الديني بالتوجهات السياسية للأسرة السعودية الحاكمة وتقديمها في قالب إعلامي دعائي جذاب. ولهذا سميناه غوبلز آل سعود. الكل يعرف براعة هذا الصحفي-الديني، الذي يسمي نفسه شيخ وعالم، في استخدام القوالب الإعلامية المختلفة لتمرير البروباغندا السياسية. ولا ننس موقف هذا الداعية من الحرب الأهلية في سوريا وتشجيعه “للجهاد” ضد النظام السوري الكافر تماشيا مع موقف أمراء آل سعود الذي يسعون للإطاحة بالأسد وإحلال نظام في سوريا مقرب من محور “الإعتدال” السعودي الذي تدعمه الولايات المتحدة. ونتذكر أنه في إحدى الخطب النارية في بداية الحرب الأهلية السورية تحدث هذا الشيخ-الصحفي عن ملائكة تقاتل في سوريا إلى جانب “المجاهدين” لجذب المغفلين للقتال هناك باسم الدين.

وبالإضافة للدعاية السياسية في المساجد والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، ينتقل اليوم الداعية العريفي إلى تجربة الإنتاج السينمائي الدعائي والتي يظهر فيها الرجل كممثل ومعلق صحفي وخطيب في آن واحد، نعم يؤدي جميع الأدوار. فبعد أن قررت القيادة الملكية الجديدة في السعودية تكثيف دعمها لتنظيم القاعدة في سوريا بالتعاون مع قطر وتركيا وبعد الإنتكاسات التي تعرض لها الجيش السوري مؤخرا، أحس رجال الدعاية السعوديين بأن الوقت حان للانتقال إلى مرحلة جديدة من البروباغندا تحضر لسقوط الأسد. و أصدر في هذا الإطار الداعية العريفي فيلم دعائي عن الوضع في سوريا استلهمه على ما يبدوا من أفلام الدعاية التي ينشرها تنظيم “داعش” والتي تمزج الخطاب الديني وتقنيات الخداع السينمائية والمؤثرات الصوتية للتأثير في الرأي العام.

تويت دعائي لفيلم “شام العزة” الذي أدى فيه العريفي دور البطولة

وكما يسوق منتجوا هوليوود أعمالهم السينمائية، بث العريفي قبل يوم من خروج فلمه إعلانا مقتضبا على تويتر سماه “تشويق” فيه لقطات من الفيلم لإحداث ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي في إطار التسويق لمنتوجه الإعلامي.

المحمدي 2
تغريدة العريفي لجس نبض الجماهير إزاء فيلم “شام العزة”

ومباشرة بعد طرح الفليم على الأنترنيت توجه الصحفي العريفي لجمهوره طالبا منهم أن “ينصحوه ويعطوه انطباعاتهم عن الفيلم” ويحرص على استعمال عبارات ذو خلفيات دينية عاطفية (محبكم، النصح، الخ). وفي الحقيقة هو يخادع جمهوره الديني ويجس نبضه بإجراء دراسة ميدانية للجماهير التي شاهدت الفليم حتى يتمكن من تحسين أفلامه الدعائية في المستقبل. فهو بالإضافة إلى عمله كخطيب وصحفي وممثل ومخرج، يسعى أيضا لدراسة الجمهور والإلمام بفنون التسويق الديني-الإعلامي-السياسي.

العريفي 2
تغريدة العريفي التي توضح لجمهوره وصول الفيلم الدعائي لعقر دار العدو (إيران)

كما يحرص العريفي على ترجمة أعماله الدعائية المختلفة للغة الفارسية وذلك في إطار الصراع السني-الشيعي بين طهران والرياض والذي يستعمله آل سعود والوهابيين المتحالفين معهم لتثبيت حكمهم وتخويف الناس في نجد والحجاز، بل وفي الجزائر وسائر البلاد الإسلامية، من الغزو الإيراني الداهم ونشر خطابات الكراهية التي ذاق ويلاتها المسلمين بمختلف أطيافهم بالإضافة إلى تبرير صفقات السلاح الضخمة التي تنفقها سنويا دول الخليج لفائدة شركات صناعة السلاح الأمريكية.

وعلى الرغم من الحملة الدعائية القوية للفيلم عبر وسائل التواصل الاجتماعي فإنه لم يلق نفس النجاح مقارنة بأفلام داعش الهوليودية الأكثر احترافية. ثم أن فيلم العريفي يحوي على شيء من الموسيقى – كما كانت تفعل الدعاية النازية والستالينية لحشد الرأي العام وتجنيده وراء الزعيم – رغم أن ذلك حرام حسب فتاوى السلفيين أنفسهم. وتكتفي داعش في أفلامها الدعائية ببث الأناشيد الجهادية ومزجها بالمؤثرات الصوتية (وهي حلال حسبهم) لكن يبدو أن العريفي أدرك ما للموسيقى من تأثير في أفلام الدعاية ولم يتمكن من تعويضها بالأناشيد الجهادية التي غالبا ما تنتقد آل سعود وتمجد الخليفة أبو بكر البغدادي الذي كما نعلم يكن العداء لهم في إطار الصراع على زعامة التيار السلفي الوهابي في المنطقة.

 ولا ريب أن يغرد أحد زملاء المهنة، يعني شيخ و خطيب وصحافي دعائي وسياسي مدافع عن الأسرة المالكة في نفس الوقت، الشيخ مسعود المحمدي، قائلا بأن فيلم العريفي وغيره من أعمال الدعاية السينمائية التي ينجزها مشايخ الوهابية تمثل تحديا لما سماهم “أعداء الإسلام”، يعني خصوم أمراء آل سعود والوهابيين المتحالفين معهم. 

فبعدما شهد شاهد من أهلها واعترف بالوظيفة السياسية الدعائية للشيوخ المتسترين بالدين، لماذا يصر البعض على تقديس هؤلاء الصحفيين المتاجرين بالدين الذين يسمون أنفسهم دعاة ومشايخ وعلماء لا يجوز التعرض لهم بينما هم في الحقيقة رجال إعلام ودعاية لا يختلفون عن فيصل القاسم أو داوود الشريان ؟ هؤلاء لا يمارسون الصحافة فقط لهدي الناس إلى الدين الصحيح و إنقاذهم من الجحيم كما يدعون، بل لحثهم على الإنبطاح وقبول الوضع العريبي المأساوي الراهن ورفض أي تغيير سياسي للنهوض بالأمة والتفكير فقط في الحياة الأخرى. ألم يحن الوقت لرفض بروباغندا المشايخ “الكهنة” الذين يدعون الناس للصمت وترك ملذات الدنيا للأمراء والديكتاتوريين والمشايخ الذين يحتكرون الحكم وأمواله وقصوره ويورثونه لأبنائهم؟

الجزائر نت

الرسائل السياسية الخفية في معتقدات تيار السلفية (الجزء 2)

 

نواصل في الجزء الثاني من المقال سرد الرسائل السياسية التي تخفيها الشعارات الدينية لتيار السلفية الذي تقوده المملكة السعودية. اقرأ الجزء الأول من مقال “الرسائل السياسية الخفية في معتقدات تيار السلفية”.

فشعار “التبرؤ من الإخوان المسلمين” يخدم مباشرة هيمنة آل سعود والوهابيين على الإسلام السياسي ورفضهم للفرق السنية الأخرى المنافسة لهم. السلفيون يكنون كراهية عميقة لتيار الإخوان (وكل الفرق الإسلامية الأخرى) ويتهمونهم “شرعيا” بأنهم مبتدعة وأنهم بدلوا الدين واستعملوا العقل وأنهم معتدلين وأنهم يتعايشون مع الفرق الأخرى… الخ، وهذا ما يرفضه مشايخ الوهابية الذي يؤمنون بالتفسير الحرفي (حسب فهمهم) ويرفضون الإجتهاد في القضايا التي تمس طريقة الوصول للحكم و التداول على السلطة.

هذا منهجيلكن الرسالة السياسية الخفية لهذا العداء هي رفض آل سعود والوهابيين المتحالفين معهم لأي فرقة إسلامية سنية تنافسهم على قيادة العالم الإسلامي أو التأثير فيه (ولهذا يكرهون الشيعة وإيران أيضا). الإخوان رغم مساوئهم وأخطائهم كما رأينا في مصر وتونس يقبلون مبدئيا بالإنتخاب للوصول للحكم وهذا يهدد طريقة حكم آل سعود والوهابيين الموالين لهم المستمدة من التراث السلفي والذين يؤمنون بالوراثة المطلقة للمناصب الدينية والسياسية لحماية مناصبهم وثرواتهم. والكل يعلم أن السعودية هي أول من حرض ضد الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي ذو التوجه الإخواني ومولت الإنقلاب العسكري ضده خوفا من تنامي نفوذ هذه الفرقة عند المسلمين السنة مما قد يهمش دور الوهابيين وآل سعود الذين نصبوا أنفسهم قادة على العالم الإسلامي. كما وقفت السعودية ضد الإخوان في تونس وفي اليمن وأدرجت حركة حماس الفلسطينية أيضا – كما فعلت إسرائيل – في قائمة الإرهاب لمجرد أنهم غير وهابيين. فكراهية الإخوان التي يعتقد السلفيين البسطاء أنها من الدين لا تعدو سوى استراتيجية سياسية لإبعاد منافسي الوهابيين عن الساحة.

وهنا نصل إلى مبدأ “التبرؤ من الديمقراطية والعلمانية” الذي ينادي به آل سعود والوهابيين التابعين لهم. هم يبررون “دينيا” لأتباعهم رفضهم للعلمانية لأن ذلك يعني فصل الدين عن الدولة وهو مبدأ غربي “سيقضي على الدين” وبما أن آل سعود يريدون الحفاظ على الإسلام فأنهم سيعارضون العلمانية. والحقيقة السياسية المخفية هي أن آل سعود و”كهنتهم” الوهابيين يستمدون مشروعيتهم وتوارثهم للسلطة باستغلالهم للدين وبأنهم “خادمين للحرمين”. هم يستعملون الدين لتسويغ توارثهم للحكم والعلمانية بكل تأكيد ستنزع عنهم ذلك ويصبح كل السعوديين بإمكانهم الوصول للسلطة وهذا ما يخشاه آل سعود والوهابيين المتحالفين معهم الذين يستمتعون بحياتهم الفارهة وينهبون أموال النفط الطائلة بدون محاسبة.

لذات السبب يحرمون أيضا الديمقراطية إذ يفتون لجمهورهم السلفي بأن الديمقراطية حرام لأنها تعني حكم الشعب لنفسه والحكم ينبغي أن يكون لله وحده. وبما أنهم نصبوا أنفسهم حراسا للدين وخلفاء لله في الأرض فإنهم هم الأولى بتطبيق شرعه. وهذه خدعة لا مثيل لها لأن الشعب المسلم إذا أتيحت له فرصة الإختيار لن يكون ضد مبادئ دينه كما يخشى الوهابيون بل سيختار الأفضل لقيادة البلد وتوفير حياة أفضل للناس. ثم هل تضمن ديكتاتورية الملكية المطلقة الحفاظ على الشرع حقا ؟ لا بالطبع، فالكل يعلم فساد آل سعود وسرقتهم للمال العام وتحالفهم مع الدول الغربية ضد مصالح شعوبهم وتمويلهم للحروب ونشرهم للإرهاب وتكميمهم للأفواه واعتقال للمعارضين، الخ. فرفض العلمانية والديمقراطية هدفه سياسي هو عدم المس بشرعية آل سعود والوهابيين في الحكم وأحقيتهم في توارثه والتمتع بخيراته ورفضهم إشراك الشعب (غير المؤهل أصلا للإختيار والذي يُشكل حسبهم خطر على الدين) في تسيير شؤونه واختيار حكامه.

وهنا نفهم جيدا المغزى من شعار “التبرؤ من الثورات والمظاهرات والإعتصامات” الذي يدين به الوهابيون وأتباعهم. فهو مبدأ تم “ابتداعه” خصوصا بعد أحداث الربيع العربي. فتفسيره الديني كما أفتى مشايخ السلطان الوهابيين في السعودية هو أن انتقاد السلطان حرام ولو سرق المال ولو ضرب الناس في الشوارع وزج بهم في السجون. و بما أنه لا يمنع الناس من الصلاة فيجب طاعته هو وأولاده وأحفاده مدى الحياة. نحن نعلم أنه لا يوجد حاكم في العالم (حتى من غير المسلمين) يمنع الصلاة فلا مجال إذا لتهديد عرش الملك وكهنته الإستبداديين. والخروج عن السلطان في أدبيات الوهابية ليس فقط إعلان الحرب عليه كما كان في القدم، لا، بل أن مجرد انتقاده في الصحافة أو سؤاله لماذا يسرق المال العام هو خروج عليه ولا يجوز ويتعرض من اقترف هذا “الذنب” لعقوبات قاسية. والتظاهر أيضا حرام (رغم سلميته) لأنه تقليد للغرب “الكافر” وهو بذلك لا يجوز أيضا. والرسالة السياسية المبطنة لهذا الشعار الإنبطاحي هي منع أي ثورة شعبية أو مظاهرة تهدد سلطة آل سعود والوهابيين الذين لا يقبلون بوجود معارضة، كما لا يقبلون أن يحاسبهم الشعب على ما يفعلون فهم في “خدمة الحرمين” والشعب ما عليه إلا الإنصياع لهم إذا أراد الدخول للجنة. أما شؤون الدنيا فهي ليس من صلاحياته.

وحتى لا نطيل يتبين مما سبق أن شعارات السلفية الستة التي أوردناها والتي يطبل لها السلفيون في الجزائر وغيرها هي في الحقيقة مبادئ سياسية تخدم السلطة السعودية القائمة – تماما كما تحالف كهنة الكنيسة مع ملوك العصور الوسطى في أوروبا – على تحالف بين الملوك ورجال الدين للسطو على الحكم والحفاظ عليه وتخويف الناس من مغبة المساس بقدسيتهم. السلفيون عندنا يؤمنون بالفتاوى السياسية التي تخدم آل سعود وهم يعتقدون أنها جزء من الدين، وكأن الإسلام اصبح مسألة سعودية. ونحن نعتقد أن الدين الإسلامي في أساسه جمهوري وهو قائم على مبدأ الشورى (اي الإختيار) وليس الوراثة وهذا ما لا يحبذه آل سعود وكهنة الوهابية المتحالفين معهم. وكجميع الملوك، عندما استولى آل سعود والوهابيون على نجد والحجاز أفسدوها وتحالفوا مع القوى الغربية لحماية عروشهم وقهر شعوبهم وذلك لا يخفى على أحد. وهذا بالذات ما دفع السلفيين-الوهابيين غير الموالين للآل سعود من أنصار القاعدة وداعش، الذين يريدون بدورهم الحكم والثروة باسم السلفية، إلى حمل السلاح ضد الشعوب والدول المسلمة في محاولة لحكمها. وهم في الحقيقة يريدون تكرار تجربة آل سعود ومشايخهم حسب مبدأ السلفية الجهادية الذي يؤمن بالعنف والإرهاب للوصول للسلطة ثم بعد ذلك يحكمون بيد من حديد لمنع الناس من التغيير ويفرضون طاعة الحاكم وذريته مدى الحياة. وكأن التاريخ يعيد نفسه وللحديث بقية.

الجزائر نت

الرسائل السياسية الخفية في معتقدات تيار السلفية (الجزء 1)

كغيره من التيارات الأيديولوجية، يتضمن الخطاب السلفي الديني رسائل سياسية خفية تضمن مصالح الجهات التي تعتمده لتعزيز سيطرتها على الجماهير وتأثيرها على محيطها الإقليمي. هذا منهجي

وكما يعلم الجميع فإن تيار السلفية (أو الوهابية إذا أردنا حصره في دوره السياسي) الذي تعتمده المملكة السعودية حاليا وتصدره للعالم يتغذى على التحالف التاريخي الذي أُقيم في أواسط القرن 18 في الجزيرة العربية بين الشيخ محمد عبد الوهاب وأحفاده من بعده (خطاب ديني) وبن سعود وأحفاده من بعده (خطاب سياسي) والقائم إلى يومنا هذا. ولهذا فإن حماية سلطة هذا التحالف و زيادة نفوذه في الداخل و الخارج يعتمد على تسويق هذه الإيديولوجية الدينية-السياسية، التي نسميها “الوهابية-السعودية” أو “السعوهابية”، بالتخفي تحت خطاب ديني خالص خال في ظاهره من المصالح السياسية الدنيوية للتأثير في الجماهير العربية والإسلامية.

ولاريب أن تجد السلفيين في الجزائر وغيرها من البلاد العربية يبررون انضمامهم لهذا التيار عن قناعة دينية  معتقدين بأن السلفية السعودية هي المنهج الذي يمثل الإسلام الصحيح النقي كما قيل لهم، الخالي من البدع والأقرب لإسلام الأولين، غير آبهين بالأهداف السياسية المتعلقة بالحكم والتي يخفيها عنهم المشايخ ولكنها تصب دائما في مصلحة المنتفعين من هذا التيار، أي ملوك المملكة السعودية وحلفائهم الدينيين من أحفاد محمد عبد الوهاب وأتباعهم. ويعتقد المنضمون لهذه الإيديولوجية أن هدف مشايخ السلفية السعوديين وغيرهم هو نصرة الإسلام الصحيح وهداية الناس للدين الحق – وهو هدف نبيل في ظاهره – وأنهم لا يخدمون أية أجندة سياسية وهدفهم هو هداية الناس فقط. والحقيقة أن وظائف هؤلاء المشايخ ليست دينية خالصة بل سياسية أيضا لكن الخطاب السياسي غالبا ما يتم إخفاؤه عن عامة الناس لتجنب أي “تمرد” قد يتعرض لمصداقية الأمراء والمشايخ الحاكمين ويُنقص من هيبتهم. فالدين بصفة عامة، وليس التيار السلفي فحسب، قد يُوظَف لخدمة الحاكم وشرعنة سلطته (مصالح سياسية دنيوية) رغم أن شيوخه وكهنته يؤكدون للناس بأن هدفهم نبيل لوجه الله تعالى (رسالة دينية خالصة) وهو تعليم الناس دينهم وهدايتهم للطريق الصحيح.

ولتبيان ذلك، أرتأينا أن نعلق على لافتة يتبادلها السلفيون على وسائل التواصل الإجتماعي تلخص المبادئ الأساسية التي ينبغى على أي سلفي الإيمان بها إن أراد الإنضمام إلى هذا “المنهج” الذي ينادي به ملوك آل سعود والمشايخ الوهابيين المتحالفين معهم منذ عقود. ولطالما اتهمنا منتقدونا بأننا نركز على التيار السلفي في مقالاتنا ونتناسى التيارات الأخرى، والإجابة هي أن هذا التيار هو الأكثر انتشارا في بلادنا والأخطر برأينا لأنه يرفض رفضا قاطعا الديمقراطية كنظام سياسي و يفضل التعايش مع الديكتاتوريات الفاسدة بينما نحن لا نؤمن بالملكية المطلقة كنظام حكم ونعتقد أن الديمقراطية، رغم عيوبها، هي اليوم الوسيلة الأفضل للنهوض والتحضر ونشر قيم العدالة والحرية التي لا تتناقض مع ثقافتنا وتاريخنا.

فكما ورد في اللافتة أعلاه، يبدأ السلفي بشرح “منهجه” (التيار السلفي) بأنه “مسلم متبع للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة”. ذلك معناه أن السلفي يفهم الإسلام حسب ما كان سائدا في القرون الأولى الثلاثة المفضلة، يعني قبل أن يطرأ على الدين التجديد والبدع. هذا مبدأ جذاب ولا أحد ينكره، فلا يوجد مسلم ينكر التراث الذي جاء به الصحابة والخلفاء الأوائل والتابعين لكن فهمه وتفسيره هو الذي يختلف فيه الناس. فالكثير من المفكرين الإسلاميين يضعون هذا التراث في سياقه التاريخي. فما حدث في القرن التاسع مثلا يجب أن يُفهم حسب الأوضاع الاجتماعية والثقافية السائدة آنذاك وهذا يدعوا لاستخدام للعقل وللعلوم الإنسانية والإجتماعية لفهم التراث الديني حسب ظروف نشأته. بينما يصر أصحاب الفكر النقلي (ومنهم السلفيون) على الفهم الحرفي المجرد للنصوص بدون الرجوع لسياقها التاريخي ولظروفها المكانية والزمانية وهذا ما قد يختلف فيه المفسرون. ثم أن سلف الأمة ماتوا جميعهم، ألا يرجع السلفيون إذا إلى النصوص التي وصلتنا إلى يومنا هذا ويفسروها حسب ظروفهم الحالية ؟ ومن يقرأ هذه النصوص ويفسرها اليوم ؟ أليسوا علماء لم يعاصروا هذه القرون المفضلة بل قرؤوا ما وجدوا من نصوص ؟ ولذلك فمبدأ “إتباع الكتاب والسنة حسب فهم سلف الأمة” الذي ينادي به أتباع السلفية السعودية قد لا يعدوا سوى ” إتباع الكتاب والسنة حسب فهم علماء آل سعود الحاليين لسلف الأمة” والفرق كبير بين المبدئين.

ثم إن فهم علماء اليوم مرهون بوضعهم الإجتماعي والسياسي، ففهم رجل دين في السعودية قد يختلف عن آخر في الجزائر في بعض القضايا المجتمعية وسأضرب مثالا : في السعودية قيادة المرأة للسيارة حرام حسب فتاوى السلفيين هناك مراعاة لطبيعة مجتمعهم القبلي الذي لا يتقبل فكرة إمكانية قيادة المرأة لسيارتها، بينما في الجزائر ومصر لا يرى علماء الدين ضرورة لتحريم قيادة السيارة. إذا فالإجتهادات الدينية مرهونة بالنصوص و الظروف الاجتماعية في آن واحد . وفهم الناس في الماضي للسلف قد يختلف عن فهمهم اليوم أو في المستقبل وهكذا، هذه سنة الحياة. ونحن نعتقد أن وقوف مشايخ السلفية السعوديين، وهم شركاء في الحكم، في وجه أي تغيير اجتماعي يسعى في الحقيقة لمنع الناس في بلادهم من التحرر من النظام القبلي الملكي الديني والتوجه لنظام اجتماعي وسياسي حداثي مغاير قد يهدد سيطرتهم على المجتمع وتوارثهم للسلطة والأموال. ثم هل أمر السلف الصالح بالحكم الملكي الوراثي المطلق الذي تقوم عليه المملكة السعودية-الوهابية ؟ لا، أبدا.بل هو بدعة !

أما مبدأ “التبرؤ من الخوارج وأهل التكفير” فيحوي رسالة سياسية مبطنة رغم أنه يحاول اتهام المعارضين لحكم آل سعود والوهابيين المتحالفين معهم، وإن كانوا سلميين، بأنهم خوارج تكفيريين في إشارة لأولئك الذين خرجوا ضد حكم الأمويين وغيرهم. وكأن حكام السعودية يعتبرون أنفسهم خلفاء و بأنهم أحق بالحكم رغم فسادهم وطغيانهم وينزعون الشرعية عن أية معارضة تهدد عروشهم. واعتمادا على الشرعية الدينية التي وهبها أياهم الوهابيون، فإن أي انتقاد لتصرفات الملوك والمشايخ ممنوع وقد يُرمى صاحبه بتهمة الخروج عن الحاكم والتي تستدعي عقوبات صارمة.وكذلك الأمر بالنسبة لشعار “التبرؤ من سفك دماء المسلمين” فهو إن كان في ظاهره ينشد السلام فإنه يُستعمل للتصدي للسلفيين الجهاديين الذين يعارضون حكم آل سعود وعلمائهم (كالقاعدة أو داعش مثلا) واتهامهم بقتل المسلمين وبأنهم خوارج وجب سحقهم.

وفي الواقع يشارك آل سعود بمباركة علمائهم في سفك دماء المسلمين منذ زمن طويل بالتحالف مع القوى الغربية ولعل البعض يتذكر فتاوى الوهابيين إبان حرب الخليج التي رحبت بقوات المارينز الأمريكية في البقاع المقدسة وشرعنت احتلالها للعراق الذي راح ضحيته الملايين من المسلمين. ولا يخفى على أحد دعم الوهابيين للإرهاب في الدول العربية غير الموالية لآل سعود (سوريا والعراق وليبيا). و يقصف آل سعود اليمن منذ أسابيع بمباركة مشايخ السلفية وراح ضحية ذلك الآلاف من المسلمين اليمنيين. ونستنتج من ذلك أن شعارات السلفية هي لحماية سلطة الأمراء والمشايخ الذين لا يترددون في سفك دماء المسلمين لخدمة مصالحهم. وكذلك الأمر بالنسبة لمبادئ “التبرؤ من الإخوان المسلمين” و من “الديمقراطية والعلمانية”  و “الثورات والمظاهرات والإعتصامات”، الخ. كل هذه الشعارات التي تتستر وراء الدين تحمل في طياتها مصالح سياسية دنيوية يستفيد منها السلاطين والشيوخ في تثبيت حكمهم وتوارثه. هذا ما سنتعرض له في الجزء الثاني من المقال. اقرأ الجزء الثاني من مقال “الرسائل السياسية الخفية في معتقدات تيار السلفية”.

الجزائر نت

’’الأمة العربية‘‘، هذا الكيان الخرافي

“الأمة العربية”، عبارة نسمعها كثيرا لما يتعلق الأمر بهذا الإنتماء الحضاري لأمة افتراضية مجروحة يقول أنصارها بأن الإستعمار الغربي هو الذي فتتها ثم خرج ليتركها أوطانا مقسمة وضعيفة يديرها أمراء وعساكر موالون للمستعمرين القدامى. البعض يلقي باللوم على الدولة العثمانية التي كرست لقرون طويلة إقصاء “العرب” من شرف قيادة دولة الخلافة الإسلامية. اخبار-الامة-العربية-620x330لذلك يرى المؤرخون أن الثورة العربية الكبرى (1916-1918) التي أعلنها الحسين بن علي الهاشمي، حاكم مكة آنذاك، ضد الدولة العثمانية بالتعاون مع الإنجليز والفرنسيين تؤسس للقومية العربية المعاصرة كتيار إيديولوجي يريد إيقاظ أمجاد العرب و”تحرير” بلادهم من النفوذ العثماني. وبالتوازي مع الإنتصارات التي حققها الحسين بن علي ضد العثمانيين ارسلت بريطانيا جيشها المرابط في مصر لاحتلال فلسطين بالتعاون مع العرب الذين سئموا على ما يبدو سياسة “التتريك” العثمانية. وفي هذا الوقت عقدت بريطانيا مع فرنسا اتفاقية سايكس-بيكو لتقاسم النفوذ في المنطقة ونصبوا الملوك الهاشميين العرب الموالين لهم (والمعادين للعثمانيين) في المنطقة قبل أن يقدموا ما سُمي وعد بلفور للحركة الصهيونية يقضي بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، آخر الأراضي التي تم انتزاعها من الإمبراطورية العثمانية المتهالكة وبمساعدة “القوميين العرب”.

وكما أوردنا، فالقومية العربية التي أطلق شرارتها الهاشميون من مكة ضد العثمانيين اشتد عودها بعد الحرب العالمية الثانية ولكن هذه المرة ضد الإمبريالية الغربية بعدما أدرك العرب خطأ تحالفهم مع مستعمريهم للإطاحة بالعثمانيين. وانبثق من الحركات التحررية زعماء عرب قوميين من أمثال عبد الناصر في مصر وبومدين في الجزائر وصدام في العراق والأسد في سوريا، الخ. وكما رضي الهاشميون في أوائل القرن العشرين ببضع كراسي ملكية تحت هيمنة الإمبرياليين الغربيين، استغل القوميون الجمهوريون سعي الشعوب للتخلص من النفوذ الغربي للسطو على السلطة وتهميش وقمع معارضيهم في الداخل. ثم واصلوا سعيهم لتحرير هذه “الأمة العربية” بإقامة تحالفات مع المعسكر الشرقي (الأجنبي) لمواجهة الإمبريالية الغربية كما تحالف القوميون الأوائل مع فرنسا وبريطانيا (أجانب أيضا) لوضع حد للنفوذ العثماني.

وبعد عقود من المشاريع الفاشلة و الحروب الخاسرة والنزاعات بين العرب أنفسهم وتحالف بعضهم مع نفس الإمبرياليين للإطاحة بآخر الأنظمة القومية العربية في العراق وليبيا سوريا خرجت موضة التيار “العروبي الإسلامي” للضحك مرة على ذقون العرب من مماليك الخليج الذين كما فعل الهاشميون قبل قرن من الزمان، في أول “خلافة عربية ” لهم من مكة، قبل أن يطردهم الوهابيون-السعوديون في عشرينات القرن الماضي لإنشاء الدولة السعودية الثالثة القائمة إلى اليوم على تحالف رجال الدين الوهابيين وآل سعود العروبيين والقوى الغربية والتي تسعى لزعامة ما سموه “الأمة العربية السنية”. والقاسم المشترك بين كل زعماء التيار العروبي القومي منذ قرن من الزمان هو سعيهم للتحالف مع القوى الخارجية لتدعيم حكمهم وتوريثه وقمعهم لمعارضيهم وهذا كله باسم “الأمة العربية” الموعودة وربما ذلك سبب فشلهم. إذا بدلا من توجيه الشعوب نحو التحرر داخليا والإنعتاق من الهيمنة الغربية والشرقية على حد سواء، سقط القوميون العرب في فخ “حب السلطة” وقمع بني جلدتهم بالتعاون مع أعداء “الأمة العربية” الموعودة. وها نحن نرى اليوم نتيجة التيارات القومية التي تتغذى على الوعود بتكوين “كيان خيالي” يجمع الشعوب العربية قبل أن تستيقظ على الواقع المر الذي نعيشه اليوم.

على الرغم من ذلك لازلنا نسمع أصوات تتكلم باسم الأمة العربية وتأمل في تحقيق مشروع حضاري عابر للحدود تتقاسم فيه الشعوب اللغة و العادات والمصير المشترك تارة باسم القومية العربية وأحيانا تحت مظلة الدين. الواقع أثبت ان هذا الكيان المسمى الأمة العربية لا وجود له في الواقع : كيف نتحدث عن الأمة العربية ونحن نرى ان الدول التي تنتمي لها تتبادل العداء وتتحالف مع القوى الخارجية ضد بعضها البعض؟ كيف نتحدث عن أمة عربية من المغرب للمشرق والأسلاك الشائكة تفصل بين المغرب والجزائر ومصر وغزة والسعودية والعراق واليمن؟ ما هذه الأمة العربية التي تتحارب دولها فيما بينها وتدعوا القوى الغربية للتدخل فيها؟ من دفع الناتو للتدخل العراق ثم في ليبيا؟ من دفع الناس في سوريا لحمل السلاح ضد بعضهم البعض؟ من أفتى للقاعدة وداعش للإطاحة بالأنظمة “الكافرة” ؟ أين هذه الأمة عندما تدخلت السعودية بطائراتها في اليمن وقتلت وجرحت الآلاف؟ ما مصير هذه الأمة التي ترفض الديمقراطية وتدعم الانقلاب في مصر لإقامة نظام عسكري قمعي يتشدق بالعروبة؟ أين هذه الأمة العربية من المآسي الفلسطينية والسورية والعراقية والليبية؟ لماذا لا تساعد هذه الأمة في إيجاد حلول بالحوار وتستقبل القليل من اللاجئين المشردين بدلا من تركهم يموتون غرقا في قوارب الموت المتجهة لأوروبا؟ هذه ليست أمة متماسكة بالمعنى المتعارف عليه بل مجرد أنظمة غير شرعية متناحرة تابعة للقوى الخارجية تتشدق بالعروبة وأحيانا بالدين للضحك على شعوبها وابتزازها بحلم الوحدة القديم والذي كان ولا يزال أداة للديكتاتوريين العرب لإلهاء شعوبهم وحكمهم بالحديد والنار.

لتحقيق حلم “الأمة العربية” ينبغي برأينا الشروع أولا في إقامة دول عربية ديمقراطية “قابلة للحياة” تقبل بالتعدد العرقي و اللغوي والديني والثقافي قبل التفكير في تكوين كيان موحد عابر للقارات. الديكتاتورية غير قادرة على تحقيق الوحدة في البلد الواحد فكيف لها أن تؤسس لمشروع أمة؟ دعونا ننظر على مشروع “إتحاد المغرب العربي” ، ما الذي تم إنجازه لصالح الشعوب المغاربية منذ تأسيسه؟ لا شيء. وكذلك الأمر بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي الذي لا يعدوا سوى آلية لحماية عروش مشيخات النفط. هذه الكيانات الورقية غير مجدية لأنها مجرد تجمع لديكتاتوريات تابعة للقوى الخارجية ولا تملك قراراتها. لماذا لا ننظر إلى تجربة الإتحاد الأوروبي الذي على الرغم من الفوارق اللغوية والثقافية تمكن من تكوين هوية أوروبية تؤمن بالمصير المشترك. قيام هذا الكيان جاء بعد حروب مريرة كنتيجة حتمية لتيارات القومية والفاشية التي وصلت للحكم في القرن الماضي. لكن الأوروبيين أدركوا بعدها أن بناء كيان أوروبي عابر للحدود يشعر فيه المواطن بالانتماء لأوروبا الجديدة لا يمكن أن ينجح بدون ديمقراطية وما تعنيه من سلام ورقي و حرية الرأي والتنقل والإستثمار والعدالة النزيهة، الخ. ولهذا فإن انضمام أي بلد إلى الإتحاد الأوروبي مرهون باحترام هذه المبادئ الأساسية التي غابت للأسف عن كل القوميين العرب.

وخلاصة القول أن مشروع الأمة العربية الذي رفعه الزعماء منذ ما يقرب قرنا من الزمان لا يعدوا أن يكون مجرد إيديولوجية سياسية للكذب على الشعوب وللسطو على للسلطة واحتكارها وقد أثبت التاريخ ما نقوله إذ فشل جميع القوميون العرب في تحقيق حلم الأمة العربية بعدما قمعوا شعوبهم وتآمروا على بعضهم البعض وتحاربوا فيما بينهم وتحالفوا مع أعداء هذه الأمة. وإن كان التيار القومي العربي الفاشل في أساسه علماني لا يعترف بالفوارق الدينية، فإننا نرى اليوم بزوغ نجم مشروع قومي عربي جديد يسخر الدين لزعامة كيان جديد يدعى “الأمة العربية الإسلامية” يتنازع حوله الإسلاميون المتطرفون بمختلف مشاربهم ويعدون أنصارهم بخلافة عربية-إسلامية لا تعترف بالأقليات (داعش كمثال حي). وبدون شك سيكون هذا المشروع أسوء من سابقيه إذ بالإضافة إلى تهديده للتنوع المذهبي والعرقي فإنه يحرم دينيا الديمقراطية ويلغي حق الشعوب في اختيار زعمائها. وكسائر الإيديولوجيات الفاشية غير الديمقراطية، فإن مآل مشاريعها هو المزيد من التشرذم والضياع للعرب. وإذا أثبتت الديمقراطية أنها حجر الأساس لتحقيق الوحدة الوطنية والرقي والعدل في البلد الواحد، فلماذا يصر القوميون العروبيون والإسلاميون على الديكتاتورية لإقامة كيان عابر للأوطان؟

الجزائر نت

كيف تجند السعودية الإعلام والوهابية لسياساتها الخارجية ؟

منذ اندلاع العدوان العسكري السعودي على اليمن، الذي سماه آل سعود “عاصفة الحزم” تيمنا بالعملية العسكرية الأمريكية ضد العراق عام 1991 والتي سميت آنذاك “عاصفة الصحراء”، حتى بدأت الآلة الدعاية الإعلامية-السلفية السعودية في عملها لتبرير حربها ضد أفقر وأضعف البلدان العربية رغم أنها تقع بين أغنى مشيخات النفط “الشقيقة”. وكسائر الحروب المعاصرة تلعب وسائل الإعلام حجر الأساس لتبرير العملية العسكرية وحشد الرأي العام المحلي والدولي لصالحها. لكن المملكة السعودية تتوفر على وسيلة أخرى للدعاية وهي الإيديولوجية السلفية-الوهابية (السنية) التي تغلغت في سائر البلاد العربية والإسلامية عن طريق الدعاة السلفيين الوهابيين الذين يغزون الفضاء الإعلامي العربي.

ففي مجال الإعلام التلفزيوني أعتمدت المملكة السعودية على قنواتها الإخبارية المتعددة لإقناع الجماهير بجدوى حربها على اليمن وبالخصوص قناة “العربية” التي تعد الناطق الإعلامي الرسمي لآل سعود والمدافع الشرس عن السياسات الأمريكية في المنطقة. واعتماد السعوديين على البروباغندا لأقناع الجماهير والتاثير على الحكومات العربية والإسلامية (خصوصا مصر وباكستان) لجلبها لصفها في حربها سببه عدم امتلاك المملكة لجيش قادر على خوض حرب تقليدية برية في اليمن رغم صفقات السلاح الهائلة التي تعقدها سنويا مع الولايات المتحدة. والحقيقة أن عدم امتلاك السعودية لجيش وطني قوي كسائر البلدان يعود لخوف الأسرة المالكة من تنامي قوة هذا الجيش وتهديده لعرشها. ولهذا تمتلك السعودية ميليشيا موازية تسمى “الحرس الوطني”، وهو أكثر كفاءة ويتكون خصوصا من أفراد القبائل المقربة من آل سعود، ومهمته الأساسية هي حماية الأسرة المالكة من الأخطار الداخلية كالإنقلابات العسكرية و الجماعات المقربة من القاعدة. وبسبب عدم كفاءة الجيش السعودي لجأت المملكة لمحاولة “كراء” الجيشين المصري والباكستاني للتدخل بريا في اليمن لكن طلبها قوبل بالرفض إلى الآن على الرغم من وعود ببلايين الدولارات ولا زالت مصر وباكستان ترفضان الزج بجيشهما في الحرب.

واعتماد السعودية على الإعلام والإيديولوجية الوهابية كأدوات في سياساتها الخارجية ليس جديد، فمنذ سنوات الخمسينات بدأ آل سعود في تمويل الصحف اللبنانية ثم استقبلوا في لندن جيشا من الصحفيين اللبنانيين الفارين من الحرب الأهلية في منتصف السبعينات من القرن الماضي وتم توظيفهم في المؤسسات الإعلامية التابعة لآل سعود في الخارج. وبعد إنشاء مجموعة MBC في عام 1991 سيطر آل سعود كليا على المشهد التلفزيوني و الرأي العام العربيين بالإعتماد على الصحفيين اللبنانيين المارونيين. وبعد دخول قناة الجزيرة القطرية سنة 1996، التي اعتمدت على صحفيين من أصول فلسطينية وأردنية ومغاربية، كمنافس للآلة الإعلامية السعودية في العالم العربي ثم أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أدرك آل سعود ضرورة إنشاء قناة إخبارية عربية أكثر احترافية لمكافحة النفوذ القطري المتنامي في الرأي العام العربي. وهكذا تم إنشاء قناة “العربية” الإخبارية بالإعتماد كالعادة على اللوبي اللبناني المسيحي المحافظ للتسويق لوجهة النظر السعودية الموالية للسياسات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.

ولطالما مزج آل سعود وظائف الإعلام التقليدية بالرسالة الوهابية للتصدي لخصومهم في البلاد العربية بدءا بالقوميين الناصريين والبعثيين بالإعتماد على شيوخ التيار السلفي-الوهابي الذين استغلوا الطابع اللائكي والجذور المسيحية لهذا التيار لنزع الشرعية عنه في أوساط الجماهير الإسلامية. وقد يبدوا متناقضا دعم المملكة السعودية لحركة الإخوان المسلمين في الستينات من القرن الماضي لإضعاف عدوها القومي جمال عبد الناصر رغم الإختلاف الإيديولوجي بين هذه الحركة ومبادئ الوهابية، لكن ذلك يفسر بالتقاء مصالح التياران. لكن الوهابيين وآل سعود انقلبوا جذريا على الإخوان، أعدائهم السنة، منذ اندلاع ما يسمى “الربيع العربي” ودعموا الإنقلاب العسكري ضدهم في مصر ومنعوهم من الوصول للسلطة في اليمن، ثم أدرجوهم في قائمة الإرهاب خوفا من وصول عدوى الحراك السياسي للمملكة السعودية التي تدين بالوهابية المنادية بالطاعة المطلقة لأسرة آل سعود وتحريم التظاهر والإنتخاب.

ولعل الحرب الحالية ضد اليمن قد كشفت للجميع وظيفة المؤسسة الإعلامية-الدينية السعودية وقد شاءت الأقدار أن تتحالف مع منافستها قطر وجزيرتها لتكوين حلف إعلامي- إيديولوجي-وهابي لشرعنة الحرب سياسيا ودينيا. ففي وسائل الإعلام التلفزيونية تمتنع قنوات “الجزيرة” و”العربية” تماما عن تقديم صور للقتلى المدنيين أو لحجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في اليمن رغم أن الأمم المتحدة تحدثت عن آلاف القتلى والجرحى المدنيين. وهي إذ تسوق “للحرب النظيفة” فإنها تستلهم هذه الصيغة الجديدة من البروباغندا الإعلامية من الحروب الإسرائيلية في جنوب لبنان وغزة والتي لا تخلف، حسب الروايات الإسرائيلية، سوى القتلى العسكريين وأن الضحايا المدنيين كانوا مجرد ذروع بشرية يستخدمها خصومها للإحتماء من الضربات الجوية. وتكتفي “الجزيرة” و”العربية” على حد سواء ببث تصريحات الناطق الرسمي السعودي باسم “عاصفة الحزم” في مؤتمره اليومي حول مجريات عمليات القصف بدون أدنى إشارة للضحايا المدنيين ولمعاناة مئات الآلاف من اللاجئين المشردين.

أما مشايخ الوهابية، وهم في الحقيقة صحفيون مختصون في الدعاية السياسية-الدينية، فقد تهافتوا على القنوات التلفزيونية ووسائل التواصل الإجتماعي لتكفير أنصار الرئيس اليمني السابق وحلفائه الحوثيين وتأجيج الحرب الطائفية التي طالما استخدمها وهابيو آل سعود لحشد أنصارهم السلفيين في العالم لإظهار آل سعود كزعماء للسنة والعرب ضد الشيعة والفرس. فهذا الوهابي الدعائي عبد العزيز الطريفي يتهم الحوثيين، كما اتهم من قبل شيعة العراق وسوريا، بعبادة الأوثان (وكفرهم إذا) لتبرير الحرب فيتوجه لجمهوره السلفي داعيا ” اللهم نصرك على أهل الأوثان وعبّاد القبور حوثية اليمن ونصيرية الشام واثني عشرية العراق “.  

أما الشيخ الصحفي السلفي محمد العريفي فيدعوا لطاعة آل سعود والدعاء لهم بالنصر ضد اليمنيين كما يتهم الإعلاميين الذين لا يتبنون الرواية الرسمية بأنهم “شياطين” . وأيد من جهتهم خطباء الحرم المكي الوهابيين الحملة العسكرية مستغلين مشاعر المسلمين اتجاه البقاع المقدسة لحشدهم ضد ابناء الشعب اليمني بتهمة الكفر والتقارب مع إيران.


وقد نجح أل سعود وشيوخ الوهابية لحد بعيد في حشد السلفيين الأجانب لصالح الحرب وتبريرها “حسب فهمهم للسلف” إذ أن الإيديولوجية الوهابية-السعودية، التي أسميها “السعوهابية”، هي خليط من الدين حسب فهم محمد عبد الوهاب ومشايخ آل سعود الذين توارثوا إيديولوجيته والمواقف السياسية للأسرة المالكة. ولا ريب إن وجدت جماهير السلفيين في العالم يتبعون الرأي السياسي لشيوخهم “الربانيين” ويدعمون الحرب. وقد تناقشت مع إحدى السلفيين الجزائريين وسألته لماذا يساند الملك السعودي في حربه ضد اليمن فقال لي أنه ينبغي محاربة الشيعة الكفار وإطاعة ولي الأمر (أي الملك السعودي) الذي أمر بالحرب. ولما قلت له بأن النظام في الجزائر لم يساند الحملة العسكرية وأنه دعا للحوار بين اليمنيين فلماذا لم تطع “ولي أمرك” في الجزائر وأطعت ولي أمر السعوديين ؟ فلم يجد السلفي-الوهابي الجزائري من رد إلا السكوت. والحقيقة أن السلفي أينما كان يتبع فتاوى شيوخ الوهابية السعوديين والآراء السياسية لآل سعود قبل ولي امره “المحلي”. وإذا تمكن الوهابيون السعوديون ووسائل إعلامهم من حشد أتباعهم السلفيين في سوريا و العراق ضد “الأنظمة الكافرة ” ومولوهم وسلحوهم بالتعاون مع الولايات المتحدة، أليس من حقنا التساؤل عن خطر هذا التيار على الوطن لو توترت العلاقات السياسية بين الجزائر والسعودية ونادى مشايخ الوهابية كعادتهم تلاميذهم السلفيين المحليين “بالجهاد” ضد بني جلدتهم غير التابعين لآل سعود؟

الجزائر نت

لماذا تخلفنا نحن بينما هم يتطورون؟

تكثر التفسيرات عندما يتعلق الأمر بأسباب تخلف البلدان العربية في جميع المجالات على الرغم من ثرائها وتوفرها على طاقات بشرية هائلة. جميع الأقطار العربية، وبدرجات متفاوتة، هي بلدان متخلفة لا يطيق العيش فيها إلا المقربون من السلطات الحاكمة أو المنتفعين منها. وعندما نتحدث عن التخلف فإننا لا نقصد فقط الجانب المادي من سكن وصحة وشغل، بل نعني أيضا البيئة المعيشية والأمن والحريات العامة وكلها عوامل أساسية للشعور بالحياة السعيدة. صورة

المتدينون من الناس يقولون أن السبب في ذلك بكل بساطة هو تخلينا عن الدين وأنه لا مجال للتطور طالما أن الناس لم يرجعوا “للدين الصحيح” ودليلهم في ذلك أن العرب والعجم بنوا حضارة راقية عندما كانوا متدينين وما إن تركوا دينهم حتى تكالبت عليهم الأمم. يبدوا هذا الطرح جذابا للوهلة الأولى لكنه سرعان ما يصطدم بالواقع المعيش وهو أن التدين – بمفهومه التعبدي – لا يمطر أموالا بل ينبغي على الإنسان التشمير على سواعده لجلب قوت يومه. ثم أن الكثير من البلدان العلمانية في عصرنا هذا تطورت بدون تدين. دعونا نبقى في العالم الإسلامي، أيهما أكثر تدينا السعودية أم تركيا؟ السعودية بدون شك. فلماذا تتطور تركيا في جميع المجالات بدون أية موارد نفطية بينما لا تجد السعودية ما تفعل بمواردها من المحروقات ولم تجد حلولا للفقر والبطالة وأزمة السكن ؟ والشيء نفسه في الجزائر إذ بالرغم من الثروات الهائلة والأراضي الشاسعة واليد العاملة الشابة لا يزال البلد غير قادر على توفير منتوج البطاطا لمواطنيه. هل ينقصنا تدين ؟ لا. أعتقد أن مشكل التخلف الذي نعانيه لا يعود للدين بمعناه التعبدي.

بعض الناس “الوطنيين” يبررون التخلف الذي نعانيه، في الجزائر على الخصوص، بالتركة الإستعمارية الثقيلة إذ عانت البلاد لقرون من السياسات العنصرية الإستعمارية التي حرمت أجيالا من التعليم كما أن الإقتصاد الوطني كان منهارا بعيد الاستقلال وزاد الأمر تعقيدا هجرة اليد العاملة الأوروبية المدربة التي كانت تتحكم في الإقتصاد إبان الإستعمار. هذا التفسير قد يبدوا مقنعا إذا تكلمنا عن فترة الستينات والسبعينات لكنه لا يصلح لتبرير وضعنا الحالي بعد أكثر من 50 عاما من الإستقلال. فدول ككوريا الجنوبية وماليزيا تمكنت من تغيير جذري لوضعها الإقتصادي والإجتماعي في بضعة عقود وانتقلت إلى مصاف الدول الراقية. فلماذا لم نتمكن نحن، رغم مواردنا الطبيعية الهائلة، من توفير السلة الغذائية للشعب الجزائري ولازلنا نستورد كل احتياجاتنا من أوروبا وكندا و الصين ؟ في أكثر من نصف قرن من الإستقلال لم ننجح إلا في شيء واحد : تصدير النفط الخام وإستيراد كل شيء. بعبارة أخرى، إننا لم ننجح في استثمار استقلالنا لتطوير أنفسنا وبلادنا وها نحن نعلق فشلنا على شماعة الإستعمار. أليس كذلك؟

أما “اليائسون” فيرمون بالمسؤولية على الشعب قائلين أنه “كسول” لا يحب العمل ويسعى للربح السريع بلا تعب ولهذا يلجأ للطرق غير المشروعة للكسب. صحيح أن الكثير من الناس في الجزائر على وجه المثال يرفضون العمل في الفلاحة والأعمال اليدوية  ولكن البيئة الإقتصادية في بلادنا لا تسمح على كل حال بالكسب المشروع إذ تغيب الشروط الأساسية للمنافسة الحقيقية. فالعديد من المحاصيل الفلاحية تترك في المزارع بسبب انخفاض سعر المنتوج في السوق وانعدام وسائل التخزين ناهيك عن المنافسة الشديدة من المنتوجات الأجنبية المستوردة. والحال نفسها بالنسبة للمنتجين الصناعيين الذين يعانون من منافسة المنتوجات الأجنبية والعراقيل التي تضعها الدولة أمام التصدير إضافة للضرائب الباهضة. وباختصار فالبيئة الإقتصادية لا تشجع على العمل والإنتاج بل على “الكسل” وانتظار إعانات الدولة. ولهذا فرمي المسؤولية على عاتق الشعب خطأ فادح إذ أنه هو بنفسه ضحية السياسات الفاشلة.

إلا أن آخرين يعتقدون أن التخلف الذي نعيشه تتحمل مسؤوليته السلطات الحاكمة التي “تداولت” (أو لم تتداول أبدا) على الحكم منذ الإستقلال. ما الذي منع أنظمة بن بلة وبومدين والشاذلي وبوتفليقة من النهوض بالبلاد ؟ حسنا، قد يقول البعض بأنهم ليسوا أكفاء وكلهم حاولوا بطريقتهم الخاصة ولم يفلحوا في إيجاد حل لجعل الجزائر بلدا “قابل للحياة”. أصحاب نظرية المؤامرة يقولون بأن القوى الغربية تمنعنا من التطور عن طريق الحكام الفاقدين للشرعية. هذا صحيح لحد ما، فالبلدان الديمقراطية لا تهتم سوى بمصالح مواطنيها فإن وجدت أنظمة فاسدة تتعامل معها فإنها ستفعل طالما أن مصالحها مضمونة. لكنها بالمقابل لا يمكنها أبدا منع شعب من تنصيب سلطة ديمقراطية تحافظ على مصالحه إن هو أراد ذلك. وهذا هو بيت القصيد، ففي الأنظمة الديمقراطية الحاكم يُنتخَب لأجل برنامج إقتصادي واجتماعي وعد به شعبه ولفترة زمنية محددة. فإن أفلح في تنفيذه سينتخب مرة أخرى وإن فشل سيترك منصبه لسياسي وشروع آخر وهكذا. المنافسة بين البرامج السياسية هي وحدها الكفيلة بالكشف عن الوصفة السحرية للتطور. ثم أن النظام الديمقراطي يحارب الرشوة والمحسوبية ويوفر بيئة أمثل للإستثمار ويضمن حيادية الدولة ودفاعها عن المصالح العامة. هذا هو أساس تطور الأمم. أما نحن فلا يزال الرئيس المريض في سدة الحكم منذ 15 عاما وقد جرب (أو لم يجرب أبدا) كل السبل بلا فائدة. وبدلا من ترك المسؤولية لشخص آخر فإنه لا يزال متشبثا بالحكم وها نحن نخسر سنوات من عمر البلد ولم نفعل شيئا وهاهم الشباب الأكفاء يغادرون البلد ومن لم يغادر سيبقى بلا مسؤولية و بلا عمل.

سبب تخلفنا ليس ديني أو استعماري كما لا يعود لطبيعة الشعب وإنما لغياب الديمقراطية التي تحاسب المسؤول أمام مواطنيه قبل أن يحاسبه خالقه. النظام الشمولي غير الشرعي السائد عندنا جربته الأمم المتحضرة قبلنا وتركته لأنه يعني غياب الحريات العامة، انعدام الشفافية، انتشار الفساد، غياب آليات الرقابة، احتقار الشعب، سرقة المال العام، الفقر، عدم الإستقرار، الإرهاب، التبعية للخارج، الخ. وكل ما نعانيه اليوم هو أننا لم نتجاوز بعد مشكلة التداول السلمي على السلطة ولا يزال المستبدون في الألفية الثالثة يستميتون في الحفاظ على كراسيهم وقهر شعوبهم. ولذلك فإن تخلف البلاد من تخلف حكامها الفاقدين للشرعية. أليس هم في الحقيقة المُتخلفون؟ 

الجزائر نت

اغتصاب الجماهير العربية بالدعاية السياسية والدينية

عنوان المقال يذكر المختصين في تاريخ البروباغندا السياسية بكتاب الباحث الشهير “سيرج تشاكوتين” (Sergei Chakhotin)، البيولوجي وعالم الإجتماع الألماني من أصول روسية، المناهض للنازية الذي ألف كتابه الشهير حول “اغتصاب الجماهير بالبروباغندا السياسية” قبيل الحرب العالمية الثانية والذي تمت مصادرته على الفور في فرنسا وألمانيا. حاول تشاكوتين في هذا المرجع الكلاسيكي لعلم النفس الاجتماعي تفكيك آليات الدعاية السياسية التي يتم عن طريقها إخضاع الجماهير الأوروبية وتحريضها لاعتناق الأفكار الفاشية وتمجيد القادة والزعماء النازيين رغم إضرارهم بمصالح شعوبهم. بعد أكثر من نصف قرن تحولت شعوب أوروبا من أمم متناحرة مليئة بالكراهية إلى أكثر البلدان تحضرا وانفتاحا وسكت إلى غير رجعة الإعلام الدعائي الذي حشد الجماهير وراء الإيديولوجيات الفاشية. في أيامنا هذه، الشعوب العربية أحوج ما تكون لمن يزيل الستار عن الدعاية الدينية-السياسية التي “أغتصبت” الجماهير وحولتها إلى حشود متخلفة وعنصرية متناحرة، تنتشر فيما بينها خطابات الكراهية والإقصاء والإرهاب ويتحكم فيها رجال الدعاية من العسكر والزعماء و “الكهنة” من رجال الدين المتحالفين معهم.

الفاشية تبدأ عندما يعتقد طرف أنه يملك الحقيقة المطلقة وأنه ينوي “إبادة” خصومه باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للدين أو السياسة. والمجتمعات العربية اليوم تسير في هذا الإتجاه “الإنتحاري” إذ تجند الأنظمة الديكتاتورية جيشا من الإعلاميين المأجورين والمشايخ “الكهنة” الذين يشرعنون الديكتاتورية السياسية والدينية وينشرون الكراهية والإقصاء الديني والسياسي في المجتمع. ولعل ظهور حركات فاشية كتنظيم الدولة “داعش” أو القاعدة لخير دليل على انهيار المجتمعات العربية والإسلامية واستسلامها للدعاية التي ترى في مشروع “الديكتاتورية الدينية”، التي يسمونها “خلافة” لإغراء الجماهير، حلا مثاليا للخروج من التخلف والضياع الذي تعيشه كل المجتمعات العربية. ولو انتصار البروباغندا السلفية الجهادية لما تمكنت الحركات الإرهابية الأصولية من التوغل في أوساط الجماهير وتجنيد أجيال من الجهاديين الذين يموتون في سبيل مشروع سياسي ديكتاتوري مزين بالفتاوى الدينية. بالمقابل تستعمل الأنظمة الشمولية العربية الدعاية السياسية لإقناع الجماهير بضرورة الإنصياع للمستبدين المتبججين بالوطنية والقومية والذين لا يقبلون بمبدأ التداول السلمي على السلطة.

ففي الديكتاتوريات الدينية، كالسعودية مثلا، يتم اغتصاب الجماهير عن طريق الدعاية في وسائل الإعلام التي يحتكرها أل سعود وحلفائهم من مشايخ الوهابية. ولاقتناعهم بتنوع أذواق الجماهير يسعى هؤلاء لتنويع موادهم الدعائية للمتدينين السلفيين وللعلمانيين على حد سواء. فتجد في الإعلام المرئي على سبيل المثال القنوات التلفزيونية الموجهة للجمهور السلفي المتدين، على غرار قنوات صفا و وصال، والتي تنشر الفكر الإنهزامي الإنبطاحي المنادي لطاعة آل سعود وعلمائهم “الربانيين” وإلهاء الناس بفتاوى جانبية لإشغالهم عن السياسة. بينما القنوات الموجهة للجمهور العلماني ذو الثقافة الغربية، على غرار مجموعةMBC ، تعمل على نشر القيم الغربية عن طريق بث المنتوجات الثقافية المستوردة، وبالخصوص منتوجات السينما والموسيقى الأمريكية، لإبعاد الجماهير عن قضاياها المحلية وجعلها تعيش في عالم افتراضي لثنيها عن أية محاولة للمطالبة بنظام ديمقراطي محلي باعتبار أن ذلك معناه انتشار الرذيلة والفساد الأخلاقي. في السعودية كل التيارات العلمانية أو الدينية الوهابية تسعى بإعلامها، رغم اختلافها الإيديولوجي، إلى تثبيت الوضع القائم ومنع أي تهديد فكري لنظام الملكية المطلقة السعودي والذي يستفيد منه آل سعود وحلفائهم الوهابيين والعلمانيين على حد سواء.

[رسالة دعائية للشيخ السلفي السعودي محمد العريفي المقرب من العائلة الحاكمة تحرض الرأي العام في إطار الحرب الإعلامية ضد إيران وتدعوه لدعم قنوات البروباغندا السعودية. في الصورة المرفقة خارطة تقسم إيران عرقيا لتبيان وجود أقلية عربية يجب دعمها لتفتيت الفسيفساء الإجتماعية لدولة إيران، أكبر منافس للمملكة السعودية في المنطقة]

أما في الأنظمة العسكرية الشمولية، كما في الجزائر مثلا، فاغتصاب الجماهير يتم عن طريق الإعلام الحكومي و”الخاص” على حد سواء. إذ بالرغم من انتشار الفساد وسرقة المال العام وانعدام استراتيجية واضحة للنهوض بالبلد، فإن جل وسائل الإعلام تسعى لتشتيت الرأي العام المحلي وتوجيهه لقضايا جانبية، كأخبار فريق كرة القدم الوطني أو ظاهرة المسيحية أو التشيع مثلا، أو لإشغاله بقضية مصيرية مفبركة أو بعدو خارجي وهمي،  كالجار المغربي فيما يخص قضية الصحراء الغربية والتي يستعملها النظام العلوي المغربي بدوره لذات الغرض. ولطالما حذر المسؤولون الحكوميون في الجزائر من وجود “أياد خارجية” تريد العبث بأمن البلاد لمجرد خروج مظاهرة للفقراء أو البطالين المطالبين بحياة أفضل. واستراتيجية تخويف الشعب الجزائري من الأيادي الخارجية تمهد في الحقيقة لتخوين أي معارض سياسي للحكومة ونزع رداء الوطنية عنه باعتبار ان “النظام” يحتكر الوطنية والغيرة على البلاد رغم أن الجميع يقر بمسؤوليته عن الفساد الذي أغرق البلاد في الفقر والإستبداد. وفي  الوقت ذاته يتهافت أعوان النظام الشمولي في الجزائر على شراء الفيلات بأموال الشعب في أوروبا تحسبا لانهيار نظامهم وفقدان امتيازاتهم وضمانا لمستقبل أفضل لأبنائهم، لا يزال العديد من الناس الذين تم “اغتصابهم” عن طريق الدعاية السياسية يعتقدون أن البلاد بخير وأن النظام القائم هو الأمثل لحمايتها من “الأيادي الخارجية اللعينة” وأن الجزائر فوق كل اعتبار.

ومما سبق يتبين إذا للقارئ أن الوقت لا يزال مبكرا للحديث عن الديمقراطية في الوطن العربي إذا كان الرأي العام “مغتصب” بالبروباغندا السياسية والدينية التي حولت المواطن إلى شريك للأنظمة الشمولية، يقدس جلاديه من الزعماء المتسترين بالوطنية والقومية ومشايخ الدجل والخنوع الذين جردوا المواطن من آدميته وحولوه إلى إمعة يتحكمون فيه “بالريموت كونترول”. فما الحل إذا أردنا تحرير العقل العربي من تبعات الدعاية السياسية والدينية ؟ هذا ما سنتعرض له في مقالات لاحقة.

الجزائر نت

عن دور التيار السلفي في شعبية تنظيم ’’داعش‘‘

على الرغم من التنديد الدولي الواسع بجرائم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق وليبيا وتجنيد رجال الدين والإعلاميين لفضح ممارساته، لا يزال هذا التنظيم يستحوذ على تعاطف جماهير واسعة من الإسلاميين في مختلف أنحاء العالم. ولعل نجاح هذا التنظيم في كسب معركة “العقول والقلوب” في أوساط الشباب الإسلاميين مرده إلى طبيعة إيديولوجية هذا التنظيم والأوضاع الجيوسياسية في العالم العربي والتي أدت إلى تراجع بريق نجم أصحاب المشروع الديمقراطي. وسنلخص أسباب نجاح تنظيم داعش في حشد التعاطف الجماهيري في عاملين أساسيين: فعالية الخطاب-السلفي في الأوساط الإسلامية وغياب الديمقراطية في الوطن العربي. داعش7

أولا، دعونا نتحدث عن قوة الخطاب السلفي-الوهابي كمصدر إيديولوجي لشرعنة مشروع داعش المجتمعي في العالم العربي. فكما لا يخف على أحد فإن منهج تنظيم داعش سلفي جهادي خالص يهدف إلى إحياء المشروع السلفي-الوهابي الأول في القرن 18 والذي أدى إلى إقامة الدولة السعودية الأولى. وإن كان المشروع السلفي-الجهادي “الداعشي” يصرح في ظاهره أنه ينوي إقامة خلافة إسلامية على منهاج النبوة وإزاحة الحدود بين الدول الموروثة منذ الحقبة الإستعمارية، فإنه في الحقيقة يشكل حلقة صراع تقليدي على السلطة تحت غطاء ديني مطابقا للمشروع الوهابي-السعودي الذي تشكل السعودية صورته الحالية والقائم على توارث الحكم والمناصب الدينية بين أفراد عائلة آل سعود وآل الشيخ (محمد عبد الوهاب) وتقاسم ثروات النفط والسلطتين السياسية والدينية فيما بينهم. و يحرص الوهابيون-السعوديون في السعودية، وكذلك داعش في العراق وسوريا، على إقامة الحدود وفرض نظام أخلاقي صارم لمراقبة الحياة اليومية لعامة الشعب، بينما يتم إعفاء الأمراء والشيوخ من أية متابعة قضائية إذ أن إسلام الشعب ليس هو إسلام الأمراء والشيوخ وأعيان القبائل. فالتيار السلفي-الوهابي يكرس الطبقية ويطبق فهمه الصارم للدين على البسطاء من الشعب الذي تتم مراقبته عن طريق الشرطة الدينية (الحسبة) بينما يُسمَح لأفراد الأسرة المالكة بنمط حياة غربي متحرر في قصورهم التي لا تدخلها الشرطة الدينية، كما يسمح لهم بالاستحواذ على الأراضي وبناء القصور وتبذير أموال النفط في الأسفار والملاهي في أوروبا وأمريكا. والمشروع الداعشي الذي يتبجح بالدين ويعد الناس بالخلافة والعدل ينشد بدوره السلطة باستعمال الإيديولوجية الوهابية تماما كما فعل آل سعود ويمهد لذلك بالإستيلاء على آبار النفط في العراق وسوريا لإقامة “خلافة ملكية” يتحالف فيها “الخليفة” أبو بكر البغدادي مع مشايخ الوهابية المحليين لبسط “الشريعة الوهابية” على عامة الشعب. وجرائم داعش التي نراها اليوم اقترفها كذلك الوهابيون عندما استولوا على نجد والحجاز لإخضاع معارضيهم من الشعب بالقوة في القرون الفائتة كما أشار لذلك المؤرخون.

ورغم فشل مملكة أل سعود وآل الشيخ (محمد عبد الوهاب) في الوفاء بوعودها لإرساء العدل والحرية كما وعد أمراء آل سعود ومشايخ الوهابية وتحولها إلى أداة إمبريالية تابعة للولايات المتحدة ينتشر فيها الفساد وسرقة المال العام لصالح صفوة القوم، من المشايخ والأمراء، فإن المشروع الوهابي-الداعشي الذي يتبنى نفس الخطاب ويعتمد نفس المراجع تمكن من خداع شريحة واسعة من الإسلاميين اليائسين الذين لا يزالوا يحلمون بدولة العدل والخلافة كما اعتقد الناس في نجد والحجاز عندما ساندوا آل سعود وآل الشيخ للإستيلاء على أراضيهم. المشروع الوهابي السعودي أو الداعشي بسيط للغاية : إقامة دولة إسلامية حسب “فهم السلف الصالح” لضمان العدل والتطور. والحقيقة أن هذا المشروع يعني إقامة مملكة وراثية حسب “فهم الأمراء ومشايخ الوهابية” المتحالفين معهم للتراث الإسلامي وحسب تأويلاتهم لضمان البقاء في السلطة وتوريثها وقمع معارضيهم وتكفيرهم. ولذلك فالتناوب على السلطة أو الإنتخاب من أشد المحرمات عند الوهابية سواء في السعودية اليوم أو في دولة داعش. وإن سألت أي سلفي سواء كان تابع لآل سعود ومشايخهم أو لداعش ومشايخهم سيجزم بحرمة الإنتخاب والديمقراطية كما أفتى شيوخه الذين لا يقبلون فقدان السلطة عن طريق الإنتخاب. وهنا نصل إلى العامل الأساسي الثاني الذي يفسر شعبية الخطاب السلفي-الوهابي-السعودي-الداعشي : انعدام الديمقراطية.

ثانيا، فانعدام الديمقراطية في الوطن العربي يشكل عاملا أساسيا لنشر الفكر السلفي-الوهابي للوصول للسلطة أو للمحافظة عليها. فالبلدان الشمولية التي ينخرها الفساد والفقر والظلم هي البيئة المواتية لنشر الفكر السلفي-الوهابي إذ يسهل على المشايخ الوهابيين التوغل في المجتمع بأفكاره البسيطة “عودوا إلى الدين الصحيح وسيزول عنكم الظلم ويكثر الرزق وينتشر العدل”. بعبارة أخرى، على الشعوب اعتناق الفكر السلفي-الوهابي إن هم أرادوا أن تتحسن أحوالهم الإجتماعية والإقتصادية، وإن لم تتحسن أحوالهم فهم سيضمنون على أية حال الجنة ! وبما أن السعودية تقود الفكر السلفي-الوهابي في العالم فإن التعامل مع الأنظمة غير الديمقراطية التي تم غزوها بهذا الفكر يختلف حسب طبيعة العلاقة التي تربطهم بآل سعود. ففي البلدان غير التابعة لآل سعود يتم تنجيد السلفيين-الوهابيين المحليين ضد النظام الحاكم للإطاحة به وتحويلهم لجهاديين كما نرى اليوم في سوريا والعراق. أما في البلدان المقربة من آل سعود فيتم تحويل الوهابيين المحليين إلى دعاة لإطاعة الحاكم ولو كان سارق وغير عادل لضمان استقرار الدول المقربة من السعودية كدول الخليج مثلا. وهنا يتبين أن الوهابية-السعودية كإيديولوجية سياسية لها استعمال مزدوج للإطاحة بأعداء آل سعود وتدمير بلدانهم أو للحفاظ على الديكتاتوريات القائمة إن كانت مقربة منهم. فلا ريب أن ترى الوهابيين يتغاضون عن جرائم داعش في سوريا والعراق لسنوات ثم لجأوا مؤخرا لقصفهم بالتعاون مع الولايات المتحدة عندما اقتربوا من الحدود السعودية وهددوا مهد الوهابية. فالوهابيون-السعوديون أو الداعشيون متنافسون على السلطة والزعامة فيما بينهم أيضا.

وخلاصة القول أن شعبية داعش من شعبية الوهابية-السعودية كإيديولوجية سياسية تستمد قوتها من الخطاب السلفي المدعوم من المملكة السعودية في الإعلام والمدارس والجامعات من جهة، ومن الأوضاع المأساوية التي تعيشها المجتمعات العربية في ظل الديكتاتوريات القائمة التي تدفعها لاعتناق الفكر الوهابي-الجهادي على أمل إقامة دولة العدل المثالية التي يزخر بها التراث الوهابي الرافض لأي مشروع ديمقراطي. وما دامت الديمقراطية غائبة والسلفية-السعودية سائدة فإن كل الجماعات الجهادية-الوهابية، من أمثال داعش أو القاعدة أو بوكو حرام، ستظل تهيمن على أي محاولة للتغيير كما ستمنع بالإرهاب أية محاولة لإقامة أي نظام ديمقراطي في العالم العربي، فالديمقراطية حرام ولا تجوز، لأنها تشكل أكبر تهديد لسلطة المشروع السلفي-الوهابي الإستبدادي القائم في المملكة السعودية ولأنها البيئة الوحيدة التي يستعصي فيها وعد الناس بالدولة الوهابية العادلة إذ أن الديمقراطية كفيلة بتحقيق هذه الأمنية.

الجزائر نت

ما سر نعيق العربان غداة الإتفاق النووي مع إيران؟

ما إن ضجت وسائل الإعلام الدولية بخبر التوصل إلى اتفاق مبدئي بين القوى العالمية الكبرى وإيران حول البرنامج النووي المثير للجدل حتى أصيب الأعراب وإسرائيل بالصدمة وخيبة الأمل. الموقف الإسرائيلي مفهوم ولم يتبدل منذ عقود إذ ترى تل أبيب في طهران منافس حقيقي لها في المنطقة يشكل خطرا على نفوذها خصوصا أن الجمهورية الإسلامية تساند جماعات معادية لإسرائيل كحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين وحزب الله اللبناني. لكن الموقف العربي-الخليجي هو المثير للتساؤلات، وحتى قبل الإتفاق المبدئي بين إيران والقوى الكبرى الذي سيجنب المنطقة حرب إضافية لمحت دول الخليج، وعلى رأسها المملكة السعودية، إلى تخوفها من الاتفاق رغم تطمينات الإدارة الأمريكية. بل أن معلومات سربت لوسائل إعلام في الأعوام الأخيرة كشفت عن دعوة آل سعود لأمريكا لتوجيه ضربة لإيران وعن استعدادها لفسح مجالها الجوي أمام المقاتلات الإسرائيلية إن هي أرادت قصف المفاعلات النووية الإيرانية. ksa-usa

هذا إن دل على شيء فإنما يدل على استعداد مملكة آل سعود لضرب منافسيها في المنطقة وتشجيع الحروب إن أمكنها ذلك بدلا من التنافس الشريف للنهوض باقتصادها ومواردها البشرية وفرض نفسها في منطقة الشرق الأوسط. وللمملكة تاريخ طويل في “العمالة” لصالح الولايات المتحدة منذ “معاهدة كوينسي” الموقعة في فبراير 1945 على الطرّادة الأمريكية كوينسي بين الملك عبد العزيز بن سعود، مؤسس المملكة، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، كان في الطريق إلى يالطا لحضور القمة السوفييتية الأمريكية حول تقاسم العالم إلى مناطق نفوذ. إقامة تحالفات وعلاقات تعاون لا بأس به ولا عتاب عليه، المشكل أن العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة ليست للتعاون لفائدة البلدين بل علاقة تبعية على مبدأ “النفط مقابل الحماية”، أي حماية عرش آل سعود ومدهم بشيء من الزعامة الإقليمية وتبعية شاملة في النواحي الإقتصادية والأمنية مقابل نفط رخيص للإقتصاد الأمريكي. والكل يعلم حجم صفقات الأسلحة، وما يليها من رشاوى، التي يعقدها دوريا آل سعود مع الولايات المتحدة والتي تنتهي في الغالب صدئة أويتم بها دعم الجماعات الإرهابية التي تخدم المصالح الأمريكية-السعودية.

ووقفت المملكة السعودية بقوة في وجه منافسيها في المنطقة بدءا بعدائها الشديد تحت ذرائع مختلفة للزعماء القوميين العرب من أمثال جمال عبد الناصر، ثم عدائها للثورة الإيرانية (منافسة دينية على الزعامة في العالم الإسلامي)، ثم دعمها لصدام حسين في الحرب العراقية-الإيرانية (لإضعاف إيران)، ثم دعمها بالتعاون مع الولايات المتحدة “للمجاهدين الأفغان” وإنشائها للقاعدة في أفغانستان وتجنيدها لآلاف العرب السلفيين لدحر التدخل السوفياتي في أفغانستان، ثم لجوئها للتحالف الغربي واستقبالها للمارينز لردع صدام حسين الذي تدخل في للكويت (والحديث يطول هنا عن أسباب حرب الخليج وتداعياتها)، ثم دعمها لحصار العراق لسنوات والذي راح ضحيته مئات الآلاف من أطفال العراق، ثم انخراطها مرة أخرى بجانب الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 والذي بسببه لا يزال البلد ممزقا إلى يومنا هذا، ثم دعمها للتدخل الأمريكي في أفغانستان ضد الحلفاء القدامى (طالبان) الذين حاربوا السوفيات.

وعند قدوم ما أصبح يسمى “بالربيع العربي” وقفت السعودية بقوة بجانب الديكتاتوريات المقربة منها فدعمت حسني مبارك في مصر وعلي عبد الله صالح في اليمن واستقبلت على أراضيها زين العابدين بن علي الهارب من تونس وتدخلت عسكريا في البحرين لحماية الأسرة الملكية الحاكمة الرافضة لأي إصلاح وسندت التدخل الغربي في ليبيا للإطاحة بالقذافي. وبسبب خوفها من الديمقراطية ولرفضها لأي منافس ديني أو إيديولوجي لها في المنطقة، دعم آل سعود الإنقلاب العسكري في مصر بعشرات المليارات من الدولارات لمنع تيار الإخوان المسلمين في مصر بقيادة محمد مرسي من الإستمرار في السلطة باعتباره منافسا سنيا خطيرا لزعامة مملكة آل سعود في العالم العربي الإسلامي وتخوفا من تقربه من إيران إذ أن المملكة الوهابية ترفض أي تقارب وحوار بين السنة والشيعة وتراه تهديدا لها. بالمقابل دعمت السعودية الجماعات الإرهابية المقربة من السلفية الجهادية في سوريا والعراق لاستنزاف الأنظمة الحاكمة هناك، ليس دعما لتطلعات شعوبها للحرية والعدالة وإنما للإنتقام منهم بسبب تقاربهم مع إيران. ومنذ أيام هاهي مملكة آل سعود تشن حربا أخرى في اليمن ضد حلفائها القدامى، علي عبد الله صالح والحوثيين، بسبب تقاربهم مع إيران وسعيا لتثبيت ديكتاتور تابع لها هناك. والحديث يطول عن التاريخ الطويل لمملكة آل سعود في دعمها للتيار السلفي الجهادي في العالم للمحاربة بالوكالة عن أمريكا ضد خصومهما من أفغانستان إلى الشيشان وسوريا والعراق واليمن وليبيا.

منذ عقود استثمرت السعودية علاقاتها القوية مع الولايات المتحدة ومواردها المالية النفطية الهائلة في دعم الحروب الأمريكية ضد العرب وتسليط الإيديولوجية الوهابية التي ألهمت القاعدة ثم داعش على رقاب الشعوب العربية والإسلامية من إسلاماباد إلى تومبوكتو، مرورا بأحداث الحادي عشر سبتمبر والتي لايزال المسلمون يذوقون من ويلاتها إلى يومنا هذا. مملكة آل سعود لم تستثمر أموالها وعلاقاتها المتينة مع واشنطن في ترقية البلاد وإرساء الحريات التي هي أساس أي إبداع وتقدم كما فعل حلفاء أمريكا بعد الحرب العالمية في ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية. لا، آل سعود لم يفعلوا شيئا سوى تجهيل شعب نجد والحجاز وعزله عن الحضارة عن طريق الإيديولوجية السلفية-الوهابية حتى يتمكنوا من الحفاظ على سلطانهم بالتحالف مع رجال الدين المتزمتين. لكن إن هم رفضوا التحضر والرقي بل شوهوا المعاني السامية للإسلام بجرائمهم وطغيانهم وإرهابهم، فإنهم لا يريدون لدول الجوار أن تتقدم وأن تنهض بشعوبها سعيا للحفاظ على الزعامة الدينية والسياسية في المنطقة وخوفا من وصول أنوار الحرية والديمقراطية لهم. وغالبا ما يلجأ آل سعود لشيوخ الوهابية لشرعنة سياسياتهم الطائفية بدءا بحث الناس على الجهاد في أفغانستان ضد “الملحدين السوفيات”، ثم جواز استقبال “المارينز” في المملكة لاحتلال العراق والإطاحة بصدام “البعثي الكافر”، ثم الحث على الجهاد في سوريا للقضاء على الأسد ونظامه “النصيري الكافر”، ثم تحليل الهجوم الأخير على اليمن لتأديب اليمنيين الحوثيين “اليزيدين الكفار”.

هؤلاء العربان الفاشيون الذين هدموا البلاد العربية يتجرؤون اليوم على التنديد باسم العرب عبر أبواقهم الإعلامية بالإتفاق المبدئي بين القوى الكبرى وإيران وكأنهم يتحسرون لعدم انخراط أمريكا في حرب أخرى هذه المرة ضد إيران تأتي على الأخضر واليابس في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة. لا أحد سيقبل بتهديد إيران لجيرانها سواء بالأسلحة التقليدية أو النووية، لكن الوقوف ضد حق الدول في الحصول على التكنولوجيا النووية ومنعها من النهوض والتطور وشن الحروب ودعم الطائفية و الإرهاب لم يعد كافيا اليوم للحفاظ على الزعامة في المنطقة. عمالة آل سعود وتبججهم بالدين والعروبة لم تعد تنطلي على أحد وينبغي عليهم الآن التشمير على سواعدهم والعمل على ترقية شعوبهم والسماع لانشغالاتهم إن هم أرادوا أن يحجزوا مقعدا لهم بين الأمم. لكن إن هم اختاروا مواصلة دور الخادم الوفي للولايات المتحدة، الرافض لأي تغيير في معادلات المنطقة والخصم العنيد لأي تحول ديمقراطي في بلاد العرب، فإن ما فعلوه منذ عقود لتكريس سطوة أمراء النفط والوهابيين على شعب نجد والحجاز وما زرعوه من إرهاب وتطرف وتخلف ويأس في نفوس الشعوب قد ينقلب عليهم ويجرفهم إلى غير رجعة. وإن غدا لناظره قريب.

الجزائر نت