يا ’’سي عبد العزيز‘‘، لماذا تصر على استغلال الصخري ؟

سؤال وجيه إذا ما أخدنا في عين الإعتبار الرفض الشعبي العارم لهذا المشروع نظرا للأضرار البيئية البالغة لتقنية التكسير الهيدروليكية والمخاوف من تلوث المياه الجوفية والتي تعني موت واحات الجنوب الكبير. فلماذا يستميت بوتفليقة ووزرائه في الدفاع عن هذا المشروع؟

136499 قال بوتفليقة (أو على الأقل قيل باسمه) متهكما في رسالة بمناسبة احتفالات ذكرى تأميم المحروقات أن “الغاز الصخري هبة من الله” وهو محق في ذلك. إلا أن استغلاله على ما نعتقد، وهنا نختلف مع “سي عبد العزيز”، ليس هبة لشركة توتال الفرنسية التي تريد تجريب تكنولوجياتها في جنوبنا الكبير كما جربت فرنسا قنابلها النووية هناك في ستينات القرن الماضي. بلدان عديدة وعلى رأسها فرنسا رفضت لحد اليوم استغلال احتياطاتها من الغاز الصخري رغم حاجتها الملحة لمصادر الطاقة وأزمتها الإقتصادية المتفاقمة. فقد أكد الخبراء بناءا على الخبرة الأمريكية والكندية في هذا المجال الأضرار البليغة التي يلحقها التكسير الهيدروليكي بالطبقات الجوفية التي تتلوث بالمواد الكيميائية المستعملة. كما أن استخراج الغاز الصخري يحتاج لكميات هائلة من المياه التي غالبا ما تفتقدها الحنفيات والتي من البديهي أن توجه لدعم المشاريع الفلاحية. ثم أن الجزائر دولة نفطية غنية ودون مديونية، فلماذا يسارع بوتفليقة إلى استغلال الغاز الصخري الآن؟

الحقيقة أن النظام الجزائري قائم منذ الإستقلال على الإقتصاد الريعي المعتمد على تصدير المحروقات واستيراد كل شيء ولم يشجع أبدا الإستثمار المنتج. فذلك يسمح من جهة للمستوردين المقربين من السلطة بالربح السريع دون استثمار و تهريب العملة الصعبة للخارج عن طريق تضخيم فاتورات الإستيراد، ومن جهة أخرى يمنع الجزائريين الوطنيين من جني الثروة بعرق جبينهم والتي ستخرجهم حتما من التبعية المالية للسلطة التي تعمل حسب مبدأ “جوع الكلب يتبعك” ! ثم أن نظام بوتفليقة غير الشرعي لا يقيم وزنا لآراء المواطنين : ألم “يربح” الإنتخابات بدون حملة انتخابية؟ ألم يتهم كالعادة معارضيه بأنهم “يد الخارج” وكأن الجزائر ملك له ؟ ألم يحتقر الصحافيين الجزائريين وسماهم “طيابات الحمام” ولم يصرح لهم بكلمة منذ سنوات وفضل التوجه للإعلاميين الفرنسيين وأصبحنا نستقي أخبارنا من لوموند ولوفيقارو؟ فلماذا ينتظر سكان الجنوب الشجعان أن يلتفت لهم بوتفليقة بعدما احتقر كل الجزائريين لسنوات؟

بوتفليقة هو الذي استعان “بيد الخارج”، متمثلة في شركة توتال الفرنسية الحاضرة في الجنوب بعدما أن منعتها السلطات الفرنسية من التنقيب في بلادها، جاءت لتلويث أراضينا وتدمير واحاتنا. “سي عبد العزيز” ضعيف وفاقد للشرعية وهو يعلم ذلك وهو ما دفعه للإذعان للوبيات الشركات النفطية الغربية دون حياء وهذا ما يغضب كل جزائري حر. نحن لسنا بحاجة للغاز الصخري اليوم والأجدر هو تطوير الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية في جنوبنا الكبير والتي ستوفر مناصب شغل وتحافظ على البيئة. نحن نريد جزائر لا تهمش سكان الجنوب الذين برهنوا أنهم هم الأقدر على فهم مصالح البلاد ومستقبلها. إخواننا في عين صالح هم الذين يكتبون تاريخ الجزائر اليوم لأنهم أوقدوا الحس الوطني بعدما فتت نظام بوتفليقة اللحمة الوطنية منذ 15 عاما من الفساد والرشوة والمحسوبية والمشاريع الباهظة غير المجدية. فواصلوا في مقاومتكم السلمية المتحضرة بلا عنف لأجل إحباط الكارثة البيئية القادمة وحماية خيراتنا من جشع توتال وخيانة الأنذال ! فلعل معركة “الغاز الصخري” ستؤسس لجزائر الغد التي يُسمَع فيها للمواطنين وتحترم آراؤهم. نحن لا نريد المس بالوحدة الوطنية والسلم الإجتماعي لأجل عيون لوبي النفط الفرنسي ولكننا لسنا بحاجة للغاز الصخري، نحن نريد جزائر متضامنة من شمالها لجنوبها، تلك الجزائر التي أمم بومدين محروقاتها في عام 1971 حفظا لكرامتنا ولثرواتنا، أفلم تعدنا يا “سي عبد العزيز” بجزائر “العزة والكرامة” ؟

الجزائر نت

الداعية العريفي : ”غوبلز‘‘ آل سعود ؟

4031726172_33a75f31a8_b
الداعية السلفي السعودى العريفي (شمال) ووزير الدعاية النازي جوزيف غوبلز (يمين)

Bild 146-1968-101-20A

عنوان هذه المقالة قد يبدو للوهلة الأولى قاسيا  إذ يشبه الداعية السلفي السعودي محمد العريفي بالرجل سيئ الصيت “جوزيف غوبلز” « Joseph Goebbels » ، مهندس الدعاية النازية والذراع الأيمن لأدولف هتلر إبان الحرب العالمية الثانية. لكن المقارنة تبدو ممكنة على الأقل بين وظيفة الشيخ الداعية المقرب من أسرة آل سعود الحاكمة والخدمات التي قدمها غوبلز للزعيم النازي لسنين عديدة في القرن الماضي. فقد ترأس غوبلز “وزارة الرايخ لتوجيه الرأي العام والدعاية” « Reich Ministry of Public Enlightenment and Propaganda » من عام 1933 حتى انهيار الرايخ وانتحاره في الفاتح من شهر مايو/أيار 1945.

إقرأ المزيد عن وسائل الإعلام والدعاية منذ ظهور المطبعة إلى عصر الانترنيت


الدور الذي يؤديه اليوم شيوخ الوهابية-السعودية لا يختلف عن وزراء الحرب والبروباغندا في القرن الفائت مع اختلاف بسيط وهو أن الشيخ السلفي-الوهابي السعودي يحشد الرأي العام وراء مشاريع وحروب آل سعود باسم الدين، أو بالأحرى باسم المسلمين السنة. والحقيقة أن مهمة مشايخ السلفية الذين يغزون الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي ليس فقط “الدعاية الدينية” وإنما تمرير الرسائل السياسية لأسرة آل سعود في قالب ديني يصبح بموجبه الالتفاف حول السياسة السعودية (والأمريكية) واجبا دينيا. والحرب التي تشنها السعودية على الحوثيين في اليمن تبين بشكل جلي لغير العارف بخبايا السلفية-الوهابية- كإيديولوجية حكومية سعودية لحشد الجبهة الداخلية التي تربت على طاعة وتقديس ولي الأمر الذي يحتكر ويورث السلطة والثروة تحت غطاء ديني.

اقرأ المزيد عن الدور الدعائي لمشايخ السلفية السعوديين تبريرا للحرب الملكية السعودية في اليمن

وما إن أعلن الملك السعودي الحرب (بمباركة أمريكية) على اليمن حتى تهافت كهنة السلطان لتكثيف دعايتهم السلفية-الوهابية لإضفاء طابع مقدس على هذه الحرب بدءا بتكفير الحوثيين (الذين دعمهم أل سعود في الماضي) ثم وجوب جهادهم. ولعل الداعية العريفي هو أكثر شيوخ الوهابية حماسا لاستغلال المنبر الديني لخدمة سياسة المملكة الوهابية وحشد “الجمهور السني” وراء آل سعود. وكما أن جوزيف غوبلز استخدم وسائل الإعلام المتاحة في عصره من سينما وراديو وصحافة لخدمة المشروع النازي فكذلك العريفي يعتمد ببراعة على التلفزيون ووسائل التواصل الإجتماعي لتمرير الدعاية الوهابية-السعودية لملايين المتابعين. كما استغل بشكل مقزز خطبة الجمعة لتأليب المصلين والمشاهدين ضد الطائفة الشيعية “الكافرة” ومن ثم شرعنة الحرب ضد الحوثيين اليمنيين “الكفار”. وفي خطاب عنصري مليء بالكراهية قل نظيره، وهو بدون شك موجه أيضا ضد الأقلية الشيعية في مملكة آل سعود، قال العريفي مخاطبا اليمنيين المناصرين للحوثيين والرئيس السابق على عبد الله صالح : ” لا تدنس نفسك بقتل أهلك وتحارب التوحيد والسنة تحت راية الضلال. يا بنى.. هذا بلدك واليمنيون أهلك، ولا تكن ذراعًا وخنجرًا لدولة صفوية رافضية تستعملك لتحقيق أغراضها وطعن أهلك.. أنقذ نفسك قبل أن تموت ميتة الجاهلية… إيران دولة الفرس تعاملك مرتزقا لا يهمها نجاتك ولا مصيرك في الدنيا ولا في الآخرة… فأنت عربى وابن عرب تاريخك مشرق كتاريخ اليمن فيه عز وشجاعة ومروءة وليس تاريخًا عاديًا ولا يليق بك أن تبذل روحك تحت راية الضلال”. وأشار أن المملكة السعودية أطهر بقاع الأرض، ووصفها بأنها وديعة النبي محمد لأمتها، ففيها الحرمان الشريفان، مشيرًا إلى أن هناك من يخطط ويتآمر لإضعافها !

لا شك أن خطابا تفوح منه العنصرية ضد الأعراق غير العربية والاستغلال الدنيء لحرمة البقاع المقدسة لشرعنة حكم آل سعود الفاشي وتبرير حروبهم ضد مسلمين آخرين يشكل أقذر أشكال البروباغندا الوهابية-السعودية. وإن ارتدت عباءة الدين للتغرير بالمسلمين فإنها لا تختلف عن الدعاية النازية التي ترفض الآخر وتحتكر الحقيقة والمروءة والنقاء خدمة لنظام أوتوقراطي استبدادي عفى عليه الزمن. جوزيف غوبلز كان ركنا أساسيا في النظام الفاشي النازي وجه الملايين من الشباب الألمان لاعتناق النازية وارتكاب أبشع الجرائم التي شهدتها أوروبا في تاريخها. كذلك العريفي وغيرهم من موظفي الدعاية الوهابية أفتوا للمغفلين من المسلمين منذ عقود بالجهاد ضد أبناء جلدتهم كما طلب السلطان فارتكبوا فظائع تقشعر لها الأبدان. أفتوا بالحرب على المسلمين، أسسوا القاعدة مع الأمريكان واستقبلوا المارينز في بلدانهم ودمروا البلدان. لذلك فالداعية العريفي المتلبس بالدين هو في الحقيقة رجل دعاية وهابي في خدمة السلطان ومناصر للحرب ومكفر لمن لا ينصاع لنزوات آل سعود الفاشيين وحلفائهم الأمريكان. نعم، العريفي هو “غوبلز” آل سعود.

الجزائر نت 

البروباغندا في وقت الحرب : ما دور الدعاة الإسلاميين ؟

 أضحى دور “الدعاة” الإسلاميين في زمن الفضائيات العربية العابرة للحدود ووسائل التواصل الاجتماعي أكثر أهمية من أي وقت مضى. قد نُعَرف الدعاة بأنهم رجال الدين الذين يتواصلون مع الجماهير العربية-الإسلامية عبر الفضائيات وفي وسائل الاتصال الاجتماعي لهدف في ظاهره بريء : شرح الدين الإسلامي للناس ونصحهم وإرشادهم لما فيه خير لهم في دينهم ودنياهم. ولهذا فالداعية يلعب دور المربي والأستاذ والإمام والأب والصديق، الخ. فهو رجل سخر على ما يبدو حياته لإرشاد الناس ولذلك ينبغي توقيره واحترامه. ولا ريب أن يصبح الداعية الديني نجما إعلاميا تتخاطفه الكاميرات ويتهافت عليه المعجبون في مجتمع عربي فقد الأمل في الإنعتاق والحرية و تخلى فيه المثقف والباحث عن دوره كفاعل اجتماعي. 

لكن ما لا يبديه الداعية الديني أنه إعلامي و رجل سياسي بالدرجة الأولى. فالداعية كفاعل سياسي في العالم العربي يلعب دور الموجه للشعوب وسياسي يستعمل الدين لتوجيه الرأي العام معتمدا على السمعة الطيبة التي يوفرها منصب الداعية الإسلامي الذي يجب الأخذ برأيه وعدم انتقاده باعتبار أن “لحمه مسمومة” حسب أدبياتهم. هذا الدور المزدوج للداعية المقرب من دوائر السلطة والمنتفع بها يظهر بجلاء في أوقات الحرب لحشد الجماهير للإلتفاف حول الزعيم الذي ينبغي طاعته “ولو جلد ظهرك” حسب اعتقادات الإيديولوجية الوهابية-السعودية على وجه الخصوص. فمنذ أن أعلنت السلطات السعودية بدأ هجومها الجوي على الحوثيين في اليمن حتى انهالت الفتاوى والتبريرات الدينية للدعاة والمشايخ داعمين فيها العملية العسكرية لاعتبارات “شرعية” قد تغطي نشاطهم كسياسيين تابعين للأسرة الحاكمة في الرياض.

فشيوخ الإيديولوجية الوهابية-السعودية يقدمون أنفسهم للجماهير بأنهم داعاة للمنهج السلفي الصحيح وأنهم بحكم علمهم حريصون على دينهم ويبتغون تجنيبهم النار وهديهم للدين الصحيح، أي “للسلفية-الوهابية-السعودية” التي تعتمد على الأفكار الدينية لمحمد بن عبد الوهاب والمبادئ السياسية لعائلة آل سعود الحاكمة. ولا ريب أن تكون رسائل هؤلاء الدعاة خليطا من الفتاوى الدينية و الرسائل السياسية الصريحة أحيانا والمبطنة أحيانا أخرى. ولعل شن السعودية للحرب على الحوثيين في اليمن بسبب تقاربهم مع إيران وتهديدهم للنفوذ السعودي-الوهابي بشقيه السياسي والديني أفضل فرصه لتبيان انخراط الدعاة السعوديين-الوهابيين في مهمتهم المزدوجة على الصعيدين الديني والسياسي.

فهذا  الداعية العريفي الذي يستخدم ببراعة وسائل التواصل الإجتماعي لتمرير رسائل الإيديولوجية السعودية-الوهابية يهرع في اليوم الأول للحرب بتغريدات تبرر دينيا الحرب التي شنها آل سعود على جزء من مكونات الشعب اليمني قائلا بأن الحرب المعلنة “قرارٌ حكيم من رجل حكيم”  (مساندة لقرار الملك السعودي) وداعيا “ربّ انصر جنودنا على الفئة الباغية” (رسالة دينية تطلب الوقوف وراء الجيش السعودي).

IMG_6496IMG_6497

كما يدعو في رسالة أخرى “طاعة ولاة الأمر والكفّ عن التخديل وترك الإشاعات” (أي الإنصياع للقرار السياسي وعدم متابعة وسائل الإعلام غير المباركة للقرار الملكي).            

أما الشيخ الطريفي فدعا قائلا “اللهم نصرك على أهل الأوثان وعبّاد القبور حوثية اليمن ونصيرية الشام واثني عشرية العراق”، وهو بذلك يشرعن الحرب باعتبار أن الحوثيين “كفار” وجب قتالهم كسائر الشيعة في العراق وسوريا. كما وجه رسائل سياسية تحذر من النفوذ الإيراني. ونفس الرسائل وجهها الدعاة السعوديين-الوهابيين القرني والعرعور.

IMG_6504IMG_6500IMG_6501

والمثير للإنتباه أن وسائل الإعلام التقليدية الموالية للطرح الوهابي-السعودي فيما يخص الأزمة اليمنية تتلقف بدورها الفتاوى السياسية الوهابية-السعودية وتعيد بثها لتبرير مساندتها للحرب. وهذا ما يفسر لجوء قناة الجزيرة لبث رسائل الدعاة السعوديين لتوجيه الرأي العام وحشده وراء التحالف الخليجي المنخرط في الحرب اليمنية.

 IMG_6503IMG_6502

فإن كان دور الداعية التقليدي هو ديني فكري محض ، فهو اليوم اليوم أقرب إلى الدعاية السياسية أو البروباغندا. فالدعاة الوهابيون-السعوديون يؤدون دور الشيخ والصحافي والناشط السياسي في آن واحد. لهذا فمن الخطأ اعتبار الدعاة الوهابيين-السعوديين مجرد رجال دين يسعون لنشر الفضيلة، بل هم رجال سياسة وعلاقات عامة وقادة رأي متحالفون مع السلطات الحاكمة لشرعنة قراراتها وتحالفاتها وحراس للنظام الحاكم المسيطر على منابع النفط في نجد والحجاز والذي يستخدم أفضل أنواع الدعاية السياسية-الدينية للسيطرة على الرأي العام المحلي والإقليمي.  فلا ريب إذا إن حرم هؤلاء الدعاة الديمقراطية والإنتخاب واتهموا الناشطين في مجال الحريات السياسية بأنهم “كفار خوارج” لأن تغيير النظام حرام وينبغي الإنصياع “لولي الأمر” وعدم التفكير في إصلاحه. وخلاصة الأمر أنه ينبغي النظر إلى الدعاة المتلبسين بالدين، وقد يعتقد البعض خطأ أن “لحومهم مسمومة” ،بأنهم مجرد موظفين حكوميين ومهمتهم تقتصر على البروباغندا الدينية-السياسية للسيطرة على الرأي العام مثلهم مثل الوزراء والأمراء والصحافيين التابعين للسلطات الحاكمة.

الجزائر نت

سؤال ملح بعد هجوم متحف باردو : ما الفرق بين السلفية العلمية والسلفية الجهادية ؟

قد يتساءل القارئ عند قراءة عنوان هذا المقال : “وما دخل السلفيين في أعمال تنظيم الدولة (داعش) في العراق أو أنصار الشريعة في تونس وليبيا ؟ هؤلاء ‘خوارج’ ولا دخل لهم في السلفية التي تعد منهج إصلاحي سلمي” ! هذه إجابة السلفية التقليدية فيما يخص الإرهاب الذي تعاني منه جل الدول الإسلامية بقيادة القاعدة و”داعش” وغيرهم من المتطرفين السلفيين. فإذا كان الإرهابيون – الذين دمروا متحف الموصل والمدن التاريخية الآشورية باعتبارها “أوثانا” وجب هدمها – يبررون أعمالهم بما تمليه عليهم “عقيدتهم السلفية”، فإن السلفيين التقليديين يبررون عدم رضاهم على أعمال داعش والقاعدة بما تمليه عليهم “عقيدتهم السلفية” التي تعتبر داعش والقاعدة “خوارج”. بعبارة أخرى، سلفيو القاعدة وداعش يستلهمون حروبهم وتفجيراتهم “بفهمهم للسلف” والسلفيون التقليديون، او ما يسمى السلفية العلمية، يرتكزون في اعتراضهم على ذلك “بفهمهم للسلف”. هنالك عندئذ قراءات متعددة للسلف في داخل التيار السلفي نفسه.
والحقيقة أن السلفية التقليدية المبجلة للحاكم والمتحالفة معه على صلة وثيقة مع مشايخ البلاط الملكي السعودي الذين يتوارثون لقب “الشيخ” كما يتوارث آل سعود لقب “الأمير”. كل سلفي علمي تراه ينحني أمام مشايخ البلاط الأحياء والأموات من أمثال محمد عبد الوهاب ، بن باز ، العثيمين، المدخلي، الخ. وفهم هؤلاء الشيوخ للسلف مرهون بعلاقاتهم الوثيقة بملوك آل سعود وقد حرموا وحللوا حسب هوى ملوك النفط وهذا لا يخفى على أحد. ولذلك فموقف السلفية العلمية التي لا تتبنى الإرهاب كمنهج للتغيير يمكن تفسيره بعدم حاجتها لذلك إذ أنها طرف في الحكم. دفاع السلفيين التقليديين عن الحكام الفاسدين وتحالفهم مع القوى الغربية في الحالة السعودية تمليه مصالحهم باعتبارهم أطرافا في الحكم.
لكن ماذا لو كان السلفي خارج الحكم أو غير منتفع به؟ كيف سيؤدي دوره كمعارضة ؟ هنا المشكلة الحقيقية، فالسلفية ليست تيار براغماتي ولا تقبل الحوار بل تتجه للعنف والإرهاب لفرض أجندتها وذلك بحسب فهمها “للسلف” !  إذا لكل فهمه للسلف الصالح حسب موقعه من السلطة. وهذا ما يفسر لجوء بن لادن السعودي للإرهاب بعدما كان مجاهدا سلفيا يلقى الدعم إبان الحرب في أفغانستان ضد السوفيات وبمباركة علماء البلاط وبمساعدة وكالة الإستخبارات الأمريكية. وذلك قد يفسر اختلاف أمير داعش أبو بكر البغدادي، الذي يتبنى الإرهاب لفرض سلطته، مع السلفيين التقليديين السعوديين وأتباعهم في جميع أنحاء العالم لأنه في حالة حرب للسطو على الحكم وقد يهدد أل سعود والوهابيين المتحالفين معهم. وخلاصة القول أن السلفيين يقتصرون على الدعوة عندما يكونون مقربون من الحكم مثل مشايخ آل سعود ووهابيي الفضائيات، ويتبنون العنف والإرهاب عندما يكونون خارج السلطة كداعش والقاعدة. لذلك ففهمهم للسلف الصالح رهينة بقربهم أو بعدهم عن السلطان.
والأعمال الإرهابية التي يقترفها تنظيم الدولة والقاعدة في العراق وسوريا لا تختلف عما يفعله في ليبيا أو أفغانستان أو تونس. هذه التنظيمات السلفية في حالة حرب من أجل السلطة والإرهاب وسيلتها لأجل بلوغ ذلك. ولو استقرت دولة البغدادي لتحولت “سلفيته” إلى سلفية موالية للحاكم وتحرم العنف لأجل ضمان استقرار الحكم بيد المشايخ والأمراء، تماما كما فعل آل سعود والوهابيون المتحالفون معهم إذ ارتكبوا الفظائع لأجل السيطرة على نجد والحجاز ثم تحولوا بعد ذلك إلى “سلفية علمية” تنادي بطاعة الملك (وشيوخه) و”لو جلد ظهرك” !
والسلفية في شقها الجهادي الإرهابي الساعي للسلطة غالبا ما تبرر حربها حسب الظروف المحلية ولكنها تفضل دائما الأسباب الطائفية لتجنيد أنصارها : ففي سوريا والعراق تبرر جهادها (حسب فهمها للسلف الصالح) بضرورة إبادة الشيعة (مذهب) والأكراد (سنة ولكن ليسوا عرب) والأقليات الأخرى من أزيديين ومسيحيين. وفي بلاد المغرب العربي يبرر الإرهابيون السلفيون حروبهم بضرورة محاربة “الطغاة” (الحكام الديكتاتوريين الذين ينافسوهم هوس السلطة) أو المرتدين (المسلمين السنة المعارضين لهم).
والديمقراطية هي العدو المشترك للسلفيين “العلميين” أو “الجهاديين” والطرفان متفقان على حرمتها، فإن سألت الشيخ العريفي أو آل الشيخ أو الطريفي أو القرني (مقربون من الحاكم) أو الظواهري وأبو بكر البغدادي (ساعون للحكم)، الإجابة واحدة : الديمقراطية حرام ولا تجوز حسب “فهمهم للسلف الصالح” ! فعلماء البلاط يرفضون الديمقراطية لأنها تههد عروش أمرائهم ومناصبهم كما في السعودية، ولهذا فهم يستميتون لمنع أي تغيير والشعب وجبت عليه طاعة الملك والشيوخ والدعاء لهم ولا ينبغي أن يفكر في إمكانية اختياره لحاكمه ! أما السلفيون الجهاديون الذين يعتمدون الإرهاب لأجل الحكم فهم يحرمون الديمقراطية لأنها قد تقصيهم من السباق ولا مجال للمغامرة وهكذا حال تونس اليوم إذ تشكل الديمقراطية أكبر تحدي للسلفيين بكل اتجاهاتهم.
ثم أن الديمقراطية هي أكبر تحدي للتيار السلفي الجهادي لأنها الوحيدة القادرة على دحض الإيديولوجية الوهابية السلفية. فالجهاديون دائما يبررون إرهابهم بتسلط الملوك وانعدام العدل والحرية، وعندما يواجهون نظاما ديمقراطيا اختاره الشعب كما في تونس لا يجدون من حل سوى الإرهاب للإضرار بالإقتصاد وإفشال الدولة. هجوم الإرهابيين السلفيين على متحف باردو ليس محض صدفة بل عمل مخطط له. فهم يريدون ضرب القطاع السياحي وإفشال التجربة الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي. زد عل ذلك أن للسلفيين عداء قديم للتاريخ والآثار والفنون، فقد دمر داعش تاريخ العراق وسوريا وحرقوا متاحف وجرفوا مدنا تاريخية وهربوا كنوزا أثرية لتمويل حروبهم. كذلك فعل الوهابيون لما احتلوا مكة والمدينة إذ دمروا جميع الآثار وبيوت الصحابة واتهموا الناس بالشرك. السلفيون أينما حلوا يريدون مسح تاريخ المناطق التي يحتلونها لتسهيل السيطرة عليها وإخضاع ساكنيها لإيديولوجيتهم.
والقارئ قد يتساءل : لماذا لا يصدر مشايخ “السلفية العلمية” بيانا لإدانة الهجوم الإرهابي ؟ لماذا يلتزمون الصمت ؟! والإجابة أن ذلك قد يضر بشعبيتهم فهم يتصارعون مع أتباع “السلفية الجهادية” لكسب “معركة القلوب والعقول” ولا مجال للمجازفة بانتقاد أخطاء الفريق الآخر. كذلك يفعل السلفيون الجهاديون فهم يتحاشون انتقاد مشايخ السلاطين البارزين لأنهم يعتمدون على أدبياتهم لتبرير جهادهم. فلا عجب أن تجد أنصار داعش يستدلون بكتب محمد عبد الوهاب و بن باز والعثيمين، أكبر حلفاء آل سعود. وخلاصة القول أنه مهما اختلفت ظاهريا في صراعاتها لأجل الوصول للحكم (كداعش) أو من أجل الحفاظ عليه (السلفية السعودية)، فالإيديولوجية السلفية بمختلف تياراتها، خارج أو داخل السلطة، تتحمل الجزء الأكبر من الإرهاب الذي يسود العالم الإسلامي والذي وصل صداه للمجتمعات الغربية. وبدون إصلاح أو اجتثاث مصدر هذه الإيديولوجية الفاشية في شبه الجزيرة العربية وتوجه المجتمعات العربية نحو الديمقراطية والحريات، فإن منهج الإرهاب كوسيلة لتدمير الدول والسطو على الحكم سيستمر لعقود قادمة.

الجزائر نت

شهران بعد حادثة ” شارلي إيبدو‘‘. ما الذي تغير؟

لا شك أن الهجوم الدموي الذي تعرضت له صحيفة “شارلي إيبدو” سيترك آثارا عميقة على الجدل القديم المتجدد في الأوساط السياسية والإعلامية والثقافية الفرنسية حول وضعية الإسلام في هذا البلد العلماني. لا توجد إحصائية دقيقة لعدد المسلمين في فرنسا اليوم بسبب منع القانون الفرنسي لأي إحصاء يقوم على خلفية دينية أو عرقية، لكن بعض الأوساط تقدر الأقلية المسلمة بحوالي 6 ملايين شخص ينحدر معظمهم من أصول مغاربية وإفريقية. ويختلط أحيانا التفكير حول وضع الإسلام في فرنسا بالجدل حول سياسات الهجرة وقدرة المجتمع الفرنسي على استيعاب المهاجرين الجدد من أصول غير أوروبية.

شهدت فرنسا قبيل أحداث باريس جدلا واسعا حول وضعية الإسلام في الجمهورية الفرنسية اللائكية خصوصا بعد نشر كتاب “الإنتحار الفرنسي” للكاتب والصحفي المثير للجدل إيريك زمور، المقرب من أفكار اليمين الفرنسي الأكثر تشددا، والذي يطرح للنقاش “مشكلة” تواجد الإسلام في فرنسا والغرب والتحدي الذي سيواجهه البلد بعد فشل كل من اليساريين والمحافظين الذين تناوبوا على السلطة في درأ “الحرب الأهلية” القادمة كما يزعم. ولقى تصريح هذا الكاتب لدورية إيطالية – ومفاده أنه لا مناص من تهجير ملايين المسلمين الفرنسيين إلى بلدانهم الأصلية لعدم توافق معتقداتهم مع الديمقراطية الغربية وقيمها – تنديدا واسعا من الطبقة السياسية والجمعيات المناهضة للعنصرية أدى لقرار إنهاء العقد الذي يجمعه مع القناة اللإخبارية “إي ثيلي” والذى لقى استنكارا شديدا من بعض الجهات المحافظة باعتباره مسا بحرية الرأي والفكر التي يضمنها الدستور الفرنسي.

وما إن بدأ الجدل حول هذا الكتاب في الهدوء حتى بدأ الروائي الفرنسي الشهير “ميشال ويلبك” في الظهور على وسائل الإعلام للترويج لروايته السياسية “استسلام” التي تدور أحداثها في فرنسا عام 2022 والتي يفوز في انتخاباتها الرئاسية لأول مرة رجل مسلم مدعوم من اليسار وذلك لقطع الطريق أمام مرشحة الجبهة الوطنية (اليمين المتشدد). وتصور الرواية التحول النهائي للمجتمع الفرنسي نحو الإسلام والانهيار المأساوي للقيم الليبرالية التي عرفها البلد منذ قرون. وزاد صعود نجم حركة “وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب” (بيجيدا) في ألمانيا ونجاح مظاهراتها المناهضة للإسلام من تأجيج الجدال حول رواية ويلبك وانقسم المشهد الإعلامي بين مؤيد ومستنكر لما تتنبأ به هذه الرواية. وتشاء الأقدار أن تصدر في الأكشاك في نفس اليوم الذي شهد الهجوم الدموي على مجلة “شارلي إيبدو” التي اشتهرت بنشرها المتكرر للرسوم الساخرة من الإسلام تحت ذريعة حرية التعبير وانتقاد الأديان التي يكفلها الدستور الفرنسي. 

وفي مجتمع فرنسي تحت الصدمة، تبدو الأفكار التي تروج لها مؤلفات “إيريك زمور” و ” ميشال ويلبك” وغيرهم من الكتاب والأدباء المؤثرين في الساحة الإعلامية الفرنسية أكثر جاذبية من أي وقت مضى وذلك رغم تحذير الكثير من السياسيين والإعلاميين من خطر الوقوع في الإسلاموفوبيا والخلط بين الإسلام كدين و”الإسلاماوية” كإيديولوجية سياسية التي تتبنى العنف للتعبير.
وتلتقي الآراء المناوئة للإسلام بالأفكار التي ينادي بها اليمين المتطرف المعادي للهجرة منذ زمن طويل. وصرحت “مارين لوبان” رئيسة حزب “الجبهة الوطنية” لجريدة “لوبوان” بأنها كانت الوحيدة التي حذرت من “التطرف الإسلامي” الذي يهدد المجتمع الفرنسي وجددت مطالبها للحزب الحاكم بضرورة تنصل فرنسا من “اتفاقية شنغن” التي تسمح بتنقل الأشخاص بكل حرية في دول الإتحاد الأوروبي وخلع الجنسية عن الإسلاميين الذين سافروا للقتال في سوريا والعراق والذين قد يرتكبوا أعمالا إرهابية عند عودتهم لفرنسا. وردا على حملة التضامن الدولي الواسعة مع فرنسا والتي حملت شعار “أنا شارلي” تضامنا مع الصحيفة الساخرة، صرح الأب الروحي لليمين المتشدد في فرنسا “جون ماري لوبان” بأنه ليس “شارلي” وإنما “شارل مارتيل” في إشارة للقائد العسكري الذي حكم إمبراطورية الفرنجة في أوائل القرن الثامن الميلادي. وتحت صدمة هجوم باريس الذي أشارت إليه بعض الصحف “بالحادي عشر سبتمبر الفرنسي”، استثمر اليمين المتشدد المعادي لسياسات الهجرة الحادثة للتأكيد على صحة فرضياته التي أهملها تياري اليسار واليمين الذين تناوبوا على سدة الحكم في فرنسا منذ عقود.

وشهدت الأيام التي تلت أحداث باريس هجمات انتقامية عديدة على مساجد ومحلات يملكها مهاجرون كإشارة لتفشي ظاهرة الخلط بين الإسلام والإرهاب وتنامي مشاعر العداء للمسلمين والمهاجرين رغم تحذيرات الرئيس الفرنسي الذي دعا إلى الوحدة الوطنية وحماية التنوع الثقافي والعرقي للمجتمع الفرنسي كرد أفضل على ظاهرة الإرهاب. كما تهافت قادة الجالية الإسلامية لإدانة الهجوم مطالبين المسلمين بالخروج للمظاهرات تنديدا بالهجوم الذي يتنافى مع مبادئ التسامح والتعايش التي يدعو إليها الإسلام. وصرح حسان شلغومي، رئيس “الجمعية الثقافية لمسلمي درانسي” المثير للجدل، بأن”رسول مرتكبي جريمة شارلي إيبدو هو الشيطان” وأنه يخشى تبعات هذه العملية على مسلمي فرنسا. كما أدان دليل بوبكر عميد مسجد باريس العملية الإرهابية قائلا بأنها تشكل طعنة لكل المسلمين الفرنسيين مطالبنا منهم الإنضمام إلى “المسيرات الجمهورية” المنددة بهذه العملية الإرهابية.
وبعد مرور أكثر من شهرين على الهجوم الإرهابي الذي شهدته باريس يبدوا أن الأمور هدأت قليلا لكن مشكلة اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي بقيت تراوح مكانها. كما أن رجوع بعض المقاتلين الذين انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية لبلادهم قد يطرح على الطاولة مشكلة التطرف والأخطار المحدقة بعد أن دعا أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة، أنصاره أينما وجدوا لضرب المصالح الغربية. التحدي الذي يواجه صانعي القرار الآن هو إيجاد حلول عاجلة للمشاكل الإجتماعية والإقتصادية التي تعاني منها شرائح واسعة من المجتمع الفرنسي، وبالخصوص سكان الضواحي، لتفويت الفرصة أمام الدعاية الإعلامية التي تستهدف الشباب اليائس على وسائل التواصل الإجتماعي والتي باتت حجر الأساس لعمليات التنجيد في صفوف الجماعات المتطرفة كالقاعدة وتنظيم الدولة. ومن الخطأ الإعتماد كليا على استراتيجية أمنية للقضاء على التطرف وعدم معالجة أسباب نجاعة “عمليات التجنيد الإيديولوجي” التي تعتمدها الجماعات المتطرفة والتي تعتمد في أغلبها على زرع بذور العنف والحاجة للانتقام من المجتمع في نفوس “المقصيين إجتماعيا” من الشباب ووعدهم بحياة أفضل هنا أو في العالم الآخر. وبعد شهرين من حادثة “شارلي إيبدو”، يبدو أن الأمور عادت إلى ما قبل “السابع من يناير”، في انتظار القضاء على تنظيم الدولة الذي تمدد للجهة الأخرى من المتوسط والذي لا يزال يراهن على “الذئاب المنفردة” لتنفيذ هجمات وإحداث الصدمة في المجتمعات الأوروبية التي تشارك دولها في الحلف الذي يقصفه في سوريا والعراق ..

الجزائر.نت

 

 

 

ما جدوى الحرب الإعلامية بين الإسلاميين والعلمانيين في الجزائر؟

بمجرد مشاهدتي للحوار الذي أجرته قناة الشروق التلفزيونية بين الإسلامي العروبي عبد المنعم شيتور والعلماني الفرنكفوني عبدو سمار، تبادر إلى ذهني السؤالي الآتي : لماذا أضحى الحوار مستحيلا بين المتطرفين الإسلاميين والعلمانيين على حد سواء في الجزائر والعالم العربي بشكل عام ؟ لا أحد يشك في الشرخ الكبير الذي يفصل بين المثقفين العلمانيين الفرانكفونيين والإسلاميين العروبيين في الجزائر ويتجلى هذا يوميا في الحرب المعلنة بين الفريقين في المؤسسات الإعلامية والجامعات والمساجد، الخ.

عبد المنعم شيتو (يمين) وعبدو سمار (يسار)

يعتقد الإسلاميون بمختلف أطيافهم في الجزائر أن الحفاظ على الهوية الوطنية الجزائرية يمر حتما بترقية استعمال اللغة العربية وفسح مجال أوسع لتدريس العلوم الإسلامية لسد الطريق أمام فريق “التغريب” الذي يقوده العلمانيون المتفرنسون. هذه النظرة المحافظة للمجتمع الجزائري تجد آذانا صاغية وامتدادا إيديولوجيا في المشرق العربي الذي يزخر بالدعاة والعلماء ” النجوم” الحاضرين في منازل كل الجزائريين عبر القنوات التلفزيونية الفضائية ووسائل التواصل الإجتماعي. وإلى جانب العودة إلى الإرث العربي الإسلامي، ينادي التيار الإسلامي العروبي بإقصاء الموروث الثقافي واللغوي الفرنسي من البلاد باعتباره تهديد للهوية الجزائرية التي مات لأجلها ملايين الشهداء بعد أكثر من قرن من المقاومة ضد الإستعمار الفرنسي.

في المقابل يعتقد المثقفون الفرانكفونيون بأن الهوية الجزائرية قد تمت مصادرتها بعد الإستقلال من طرف أنصار سياسة التعريب في المدرسة والإعلام وأنه لا يمكن اختزالها في ثقافة عربية-إسلامية مستوردة من السعودية أو مصر. للجزائر إذا إرثها الحضاري الخاص والذي يشمل حسب بعضهم اللغة الأمازيغية ولكن بالخصوص الإرث الثقافي واللغوي “الإستعماري” ولهذا ينبغي الحفاظ على استعمال اللغة الفرنسية في الجزائر باعتبارها “غنيمة حرب” . إيديولوجيا يؤمن هذا التيار بضرورة المضي في سياسة العلمانية – على الطريقة الفرنسية – للرقي بحقوق الإنسان في الجزائر وإقامة نظام ديمقراطي يميل إلى النموذج الفرنسي القائم على الفصل الراديكالي بين المؤسسة الدينية والدولة.
وكمؤشر لغياب ثقافة الحوار في البلاد، يؤمن المثقفون والسياسيون المنتمون لكلا التيارين إيمانا قاطعا بأنهم يمثلون المشروع الأصلح للمجتمع الجزائري ويرفضون تقديم أي تنازلات للفريق الخصم للوصول لأرضية مشتركة. فالإسلاميون العروبيون المتشددون يتهمون الفرانكفونيين بالخيانة وبأنهم “عملاء فرنسا” وأنهم أصحاب “مشروع تغريبي صهيوصليبي” يمثل خطرا وجوديا على الهوية الجزائرية. أما الفرانكفونيين المتطرفين فيرون في الإسلاميين العروبيين أصحاب مشروع رجعي يشكلون عقبة أمام التقدم والديمقراطية وأنهم يحملون أفكارا عفى عنها الزمن لا تحترم الحريات الفردية وتؤدي إلى التخلف والعنف.

ويحاول كل فريق تقديم نفسه للرأي العام الجزائري – في إطار هذه الحرب الإيديولوجية – أنه ضحية الفريق الآخر وإعلامه. فالإسلاميون يقدمون أنفسهم بأنهم حماة الدين والهوية وأنهم ضحية الحملات التغريبية “الصليبية” وأعوانهم التي تود تشويههم ورميهم بالرجعية والإرهاب وأنهم في الحقيقة حماة للدين والعروبة وأنهم “شوكة في حلق العلمانيين” المتنفذين في الإعلام.
أما المتشددون العلمانيون فيؤكدون من جهتهم بأنهم ضحية التطرف الإسلامي-العروبي الرجعي الذي لا يقبل الحرية وينادي للكراهية والعنف والإستبداد. ويجد العلمانيون آذانا صاغية في الغرب الذي يخوض حروبا عديدة في العالم العربي-الإسلامي وسرعان ما يتم استضافتهم وتكريمهم لشجاعتهم في مقاومة “المد الإسلامي الظلامي” الذي يشكل حسبهم عدوا مشتركا للحريات وحقوق المرأة و الديمقراطية.

مما سبق نرى إذا أن الحرب الإيديولوجية بين الفريقين لا تخدم تطلعات اغلب الجزائريين الذين لا يهمهم سوى إقامة دولة الحقوق والحريات التي تضمن العيش الكريم لكل المواطنين باختلاف آرائهم وثقافاتهم. فالجزائريون يجدون أنفسهم في نهاية المطاف رهائن لصناع الرأي المتطرفين من كلا الفريقين. فإقامة مجتمع إسلامي-عروبي أو علماني فرنكفوني خالص غير ممكن اليوم في البلاد لأنه كما لا يمكن مسح تركة مائة وثلاثين عاما من الإحتلال الفرنسي فإنه لا يمكن أبدا تهميش إرث ألف عام من الحضور العربي الإسلامي في شمال إفريقيا. صحيح أنه ينبغي الحفاظ على موروثنا الثقافي الإسلامي-العربي لكن ذلك لا يمنع من الإنفتاح على محيطنا المتوسطي الأوروبي فالحضارات والثقافات دائما تتغذى من بعضها البعض. ثم إن أولوية الجزائريين اليوم هي الانتقال من النظام السياسي الشمولي – الذي يضم بكل غرابة الفرانكفونيين العلمانيين والعروبيين المحافظين على حد سواء – إلى مجتمع العدل والحريات الذي تحارب فية الرشوة والفساد وتوزع فيه الثروة بشفافية وتحترم فيه الحقوق ، الخ. ألا تشكل هذه المطالب أرضية مشتركة يمكن أن يجتمع عليها أي إسلامي إصلاحي غير متزمت أو ديمقراطي منفتح غير متطرف ؟

على أية حال، الجدل غير المجدي بين الفريقين لا يخدم إلا مصلحة النظام الشمولي الذي أهدر خيرات البلاد منذ الإستقلال – والذي يضم في أعوانه منتفعين من كلا الطرفين المتخاصمين – ولن يطيل عمره إلا هذه الخرجات الإعلامية التي تحول أنظار الجزائريين من المشكلة الأساسية التي تهدد البلاد ( الديكتاتورية ) إلى معضلات جانبية لا تعدو أن تكون سوى قضايا اختلاف في الرأي عادية كما هو سائد في سائر المجتمعات البشرية.

الجزائر نت

البروباغندا ’’السعوهابية‘‘ في وفاة ’’ملك الإنسانية‘‘

ALWATAN
الصفحة الرئيسية لصحيفة الوطن ليوم 23 يناير 2015

تشكل حادثة وفاة ملك السعودية فرصة نادرة للمتتبعين للشأن السعودي للتوقف عند ردود أفعال السياسيين والإعلاميين ورجال الدين. فالدعاية على أشدها في وسائل الإعلام الحكومية – إذ لا توجد وسائل إعلام حرة في المملكة – لتعظيم شأن الملك الراحل الذي تصفه بكل شجاعة صحيفة الوطن “بملك الإنسانية”. تقول الصحيفة بأن السعوديين عاشوا أوقات عصيبة البارحة عندما أتاهم نبأ وفاة “ملك الإنسانية” في محاولة من الصحيفة للتأكيد على تلاحم شعبي مع الأسرة المالكة وهذا غير صحيح بالنظر للقمع الشديد الذي يتعرض له المدافعون عن حقوق الإنسان الذين يقبعون في السجون ويتعرضون لأبشع أنواع القمع. الدعاية لأسرة آل سعود تتجلي بوضوح في عناوين استفزازية مثل ” .. ورحل ملك الإنسانية”، ” رسائل الفقيد .. حكمة قائد تمزج العفوية بالوعي”، ” ملك مؤثر.. رحيل لا يشبه الرحيل”، ” بالدمع نبكيك .. ونرثيك”، الخ. 

أنا أكاد أجزم بأن كتاب هذه المقالات لا يمتون لمهنة الصحافة بصلة. هؤلاء أليس هم الذين قال عنهم أحد كهنة البلاط الملكي من علماء الوهابية “أنهم غير قادرين على حماية مؤخراتهم إذا سقط حكم آل سعود”؟ وكأي وسيلة إعلام تابعة للأنظمة الاستبدادية يتم تمجيد القائد أثناء حكمه وعند موته لضمان انتقال “عدوى” التمجيد للديكتاتور اللاحق. كما في كوريا الشمالية، آخر قلاع الإستبداد الشيوعية. هذه الدعاية السياسية المغرضة هي أهم ركائز مملكة “السعوهابية”، أغرب ديكتاتورية عربية يتحالف فيها الأميرالنفطي مع الشيخ الوهابي لأجل السلطة.

ALWATAN
الصفحة الرئيسية لقناة العربية ليوم 23 يناير 2013
ALWATAN
صفحة العربية علي موقع فايسبوك ليوم 23 يناير 2013

أما فيما يخص القنوات التلفزيونية، فقناة العربية الإخبارية (التي يسمونها في السعودية “العبرية” بسبب نهجها الليبرالي المتطرف الموالي لوجهات النظر الملكية-الأمريكية-الإسرائيلية) لم تخرج عن هذه قاعدة البروياغندا التي تذكر المتتبع بأعمال جوزيف غوبلز، المسؤول عن الدعاية النازية والذراع الأيمن لأدولف هتلر إبان الحرب العالمية. العربية خصصت حيزا هاما للحدث وبنفس لهجة صحيفة الوطن لم تخل صفحتها من العناوين الإستفزازية مثل “إلى جنة الخلد.. أبا متعب” بالرغم من أن القناة لا تكن حبا لرجال الدين ولكن إذا تعلق الأمر بولي الأمر تتغير كل القواعد. المثير للإنتباه غياب التعليقات على كل الأخبار المتعلقة بالأسرة المالكة وذلك لأن شرائح واسعة من المجتمع السعودي والعربي لا تخف فرحها برحيل “ملك الإنسانية”. ولأن السيطرة على التعليقات صعب للغاية، أرتأت القناة ألا تذكر شيئا عن وفاة الملك على صفحتها الرئيسية على موقع الفاسيبوك والإكتفاء نشر صورة للملك. هذا إن دل على شيء فإنما يدل على حقارة الديكتاتورية وعلى نذالة “صحافة الديكتاتورية” الغوبلزية. ينبغي التنويه بشجاعة قناة الجزيرة القطرية – وهذا يصب في مصلحتها – التي سمحت للمعلقين بنشر أرائهم المناهضة للبروباغندا السعودية التي تود صنع أمجاد الديكتاتور الراحل.

وبدورهم لم يتردد علماء الوهابية باعتبارهم قادة رأي مؤثرون في شعب المملكة عن طريق وسائل الإتصال الإجتماعي  عن طلب الرحمة لولي الأمر المتوفى وطلب التوفيق للديكتاتور الجديد! فهذا الشيخ العريفي الذي كان مسجونا منذ أسابيع فقط “يعزي الأمة في وفاة الملك عبد الله” ويدعو قائلا “ربّ احفظ أمننا وولاتنا وووحّد صفنا”! هذا هو نفس العريفي الذي حرض على “الجهاد” في سوريا وقال بأنه يرى الخلافة آتية، الآن يطبل “لنعمة الأمن والأمان”!

الملكية المطلقة لم تكن يوما نظاما عادلا، هذا النوع من الأنظمة الشمولية ساد في العصور المظلمة ولكن مفكروا عصر الأنوار أطاحوا به لفائدة النظام الديمقراطي – وهو نظام يتم تحسينه باستمرار – لضمان الحرية والعدالة. ورغم أن الملك محاط بالكهنة (علماء البلاط) فهذا لم يعطيه أية مشروعية. الدين الإسلامي “جمهوري” لا يعترف بالوراثة، والحكم هو للأصلح والأكثر كفاءة ويتم اختياره من الناس وليس من “هيئة عائلية” مغلقة. التجربة السلفية-الوهابية في الحكم أثبتت إذا فشلها ويجب التوجه نحو الديمقراطية كطريق سلمي للتداول على الحكم.

على أي حال، وفاة الملك السعودي لن تغير شيئا في السياسة الخارجية للمملكة : تحالف مصيري مع الولايات المتحدة ومواصلة سياسة النفط الرخيص مقابل الحماية، دعم الانقلابات العسكرية في العالم العربي لإجهاض اي تجربة ديمقراطية، مواصلة سياسة العداء لمحور سوريا وإيران، مواصلة الحرب على الإسلام السياسي المعتدل الذي يقبل بالإنتخابات كوسيلة للوصول للسلطة، مواصلة نشر المذهب السلفي الوهابي لتوطيد زعامة المملكة للإسلام السني في العالم.

الجزائر .نت


“الهاسبارا” أوالبروباغندا : فنون الدعاية السياسية

الحديث عن الدعاية السياسية يعود بقوة في أوقات الحروب عندما تبلغ الحرب الإعلامية أوجها. وتستعمل الجماعات و الهيئات والدول وسائل الإعلام بمختلف أنواعها لنشر وشرح أفكارها وبرامجها للرأي العام الداخلي والخارجي. ولأهميتها حازت الدعاية (البروباغندا) على اهتمام واسع من طرف السياسيين والأكاديميين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية منذ فترة ما بين الحربين العالميتين التي شهدت استعمالا منقطع النظير للبروباغندا بالموازاة مع تطور وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية-البصرية. ولا تخرج الحروب الأخيرة في الشرق الأوسط عن هذه القاعدة إذ جهز كل فريق مشارك فيها آلته الدعائية لكسب “معركة القلوب” في الداخل والخارج. ولا شك أن “الهاسبارا” – التي تهتم بشرح وتوضيح سياسات الحكومات الإسرائيلية للرأي العام – تشكل أقوى آليات الدعاية التي تشهدها الحروب المعاصرة وأكثرها تعقيدا.
تلجأ الدول في أوقات الحرب إلى آليات مختلفة لتسويق وجهة نظرها للرأي العام الداخلي والخارجي. ففي حربه على العراق على سبيل المثال، ابتكر الجيش الأمريكي ما يمكن تسميته “بالصحافة المحمولة” (Embedded journalism) إذ يرافق الصحفيون العساكر على ظهر الدبابات ولا يرون إلا ما يُسمَح لهم برؤيته. ولهذا فغالبا ما تكون القصص التي ينقلونها للناس مستوحاة من روايات الضباط الذين يرافقونهم وهو ما يمكن تفسيره على انه نوع من البروباغندا. الدعاية

لكن الحروب الأخيرة أثبتت أنه بات من الصعب الإعتماد على الصحفيين الذين يرافقون الجيش لإثبات الرواية الرسمية التي يريد المتحاربون إيصالها للجماهير بالنظر للتطور الهائل لوسائل الاتصال المتاحة للناس في ساحات المعارك. وكغيرها من الدول والجماعات المنخرطة في الحرب، تعمد القوى الفاعلة في إسرائيل على تحريك جهاز “الهاسبارا” أو “العلاقات العامة” لكسف التعاطف الدولي. أما الجديد في الحروب الحالية فهو صعوبة إجراء تعتيم كلي لمجريات الأحداث نظرا للاهتمام البالغ الذي تحتله الفلسطينية في المؤسسات الإعلامية من جهة، ومن جهة أخرى التطور الكبير لوسائل الإعلام السمعية-البصرية ووسائل الاتصال الاجتماعي عبر الأنترنيت التي جعلت من كل مواطن ناقلا للأحداث والصور من ساحات الحرب.  فبالإضافة إلى الدعاية التقليدية عبر الصحف وقنوات الراديو والتلفزيون، لجأت إسرائيل إلى تفعيل ماكينة “الهاسبارا” عبر وسائل الاتصال الاجتماعي كتويتر وفايسبوك. والجيش الإسرائيلي من الجيوش الأوائل في العالم التي فتحت حسابات لها على هذه المواقع للتوجه مباشرة للجماهير ولوسائل الإعلام الأخرى. وفي حربها الأخيرة على غزة لجأت الحكومة الإسرائيلية إلى تسويق مكثف للرواية الرسمية في جميع وسائل الإعلام وغزا “جنود الهاسبارا” كل وسائل الاتصال الاجتماعي لإيصال أفكار يمكن تلخيصها في أن “حماس منظمة إرهابية لا تقبل السلام – الفصائل الفلسطينية تتخذ من المدنيين ذروعا بشرية وهذا ما يفسر الأعداد الهائلة للضحايا المدنيين – الفلسطينيين إرهابيين يحاولون إزالة إسرائيل من الخارطة – إسرائيل تدافع عن نفسها وعلى الجميع مساندتها لأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” … الخ.

لكن الفصائل الفلسطينية لها أيضا استراتيجيتها الخاصة لمواجهة “الهاسبارا” الإسرائيلية. فهي تسمح للصحفيين الأجانب بتغطية الحرب في غزة مما يساهم بصيغة غير مباشرة في إعطاء وجهة نظر أخرى للأحداث الجارية هناك عن طريق المؤسسات الإعلامية الدولية التي تملك مراسلين في القطاع. ونظرا لطبيعة الحرب هناك – إذ أن الفصائل المقاتلة تقود حرب عصابات غير تقليدية – فإنه من غير الممكن لهذه الجماعات أن تلجأ في حربها الدعائية لما يسمى “بالصحافة المحمولة” لنشر روايتها للحرب. لكن صور الضحايا المدنيين والتدمير الهائل للأحياء السكنية كان لها تأثيرا بالغا على الرأي العام الدولي وساهم في التقليل من فعالية “الهاسبارا” الإسرائيلية وربما دفعت الأطراف المتحاربة إلى إيجاد مخرج عن طريق التفاوض.

والدعاية عبر وسائل الإعلام ليست حكرا على الدول والجماعات المتحاربة، بل تجري على الدوام وبسلاسة عبر وسائل الإعلام، خصوصا في الدول غير الديمقراطية التي لا تسمح بالتعددية الإعلامية والسياسية. أما أبطالها فقد يكونوا شخصيات نافذة في الإعلام أوالدين أوالسياسة أوالفنون. وهذا ما سنتعرض له في مقال لاحق.

الجزائر.نت

 

ا

 

وسائل الإعلام والدعاية. من المطبعة إلى الانترنيت.

لا شك أن الإعلام لعب منذ زمن طويل دورا بارزا في خلق الرأي العام وتوجيهه وخصوصا إبان الحروب. وكما اهتمت الدول بالإعلام لحشد الجبهة الداخلية للحرب ضد الأعداء، اهتمت منظمات وجماعات مختلفة بالدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام في نشر إيديولوجياتها وأفكارها. فبعد ظهور المطبعة في القرن الخامس عشر، ارتأى مخترعها الألماني يوهان غوتنبرغ أن يقوم بطباعة الإنجيل لضمان تحقيق أرباح باعتباره الكتاب الأكثر شهرة عند الجماهير بفضل جهود الكنيسة التبشيرية. وسرعان ما أدركت الكنيسة أهمية المطبعة كقفزة تقنية هائلة مكنتها من طباعة ملايين الكتب بأقل التكاليف لنشر تعاليم المسيحية في المستعمرات الأوروبية. وقد أدى تطور الطباعة إلى ازدهار الصحافة المكتوبة التي تم استغلالها في حروب الدعاية (البروباغندا) في أوقات السلم والحرب في البلدان الصناعية. وساهم ظهور السينما في أواخر القرن التاسع عشر ثم الراديو والتلفزيون في القرن الماضي إلى ازدهار فنون الدعاية السياسية التي بلغت أوجها في الثلاثينات من القرن ثم أثناء الحرب العالمية لحشد الجبهات الداخلية لدعم الحرب ولإرباك العدو عن طريق الحرب النفسية. وقد ازدهرت الأبحاث الأكاديمية في الولايات المتحدة وأوروبا حول فنون الدعاية السياسية و تأثير وسائل الإعلام في الرأي العام وبالخصوص أثناء الحملات الانتخابية والحروب. فبالإضافة لدورها في التسلية والتثقيف، لعبت وسائل الإتصال الجماهيري منذ قرون دورا بارزا في الإعلام والدعاية. وسائل الإعلام

ومنذ ظهور الأنترنيت كوسيلة لتخزين وتبادل المعلومات ثم نشأة الويب الاجتماعي منذ حوالي عشر سنوات، أزداد اهتمام صانعي القرار والأكاديميين في الدول المتقدمة بالدور الجديد الذي يمكن أن تؤديه وسائل الإتصال الإجتماعية التفاعلية – على غرار الفيسبوك وتويتر- في تشكيل الرأي العام والدعاية السياسية.

يعتقد الكثيرون اليوم بأن الإنترنيت يقف كمنافس جديد لوسائل الإعلام التقليدية وإن كان من الضروري عدم تضخيم قدرة هذه الوسيلة على التأثير على الرأي العام على غرار تنبؤ بعض الباحثين إبان العصر الذهبي للتلفزيون بتغييرات اجتماعية عميقة معتمدين على تحليل العوامل التقنية لهذه الأداة. فقد رافقت وسائل الاتصال الجماهيري التحولات الاجتماعية والسياسية العميقة التي شهدتها البلدان الصناعية في أوروبا وأمريكا. وتاريخ وسائل الإعلام يرتبط كما أشرنا في بداية المقال بتحولات تقنية واقتصادية جذرية منذ ظهور المطبعة إلى عصر الراديو والتلفزيون والإنترنيت. وساهم تطور التقنيات الرقمية للاتصال في تراجع “المشهد العام المشترك” الذي يميز وسائل الإعلام التقليدية وبروز ظاهرة “تفريد” المعلومات والأخبار تماشيا مع متطلبات تيار النزعة الفردية السائد في البلدان الصناعية الذي يختلف عن “القرية الصغيرة” التي تنبأ بها عالم الإجتماع الكندي مارشال مكلوهان في ستينات القرن الماضي. وإذا كانت شبكة الإنترنيت مساحة هامة للتعبير عن الرأي ونشر العلوم والأفكار فإنها تشكل كذلك أرضية خصبة لنشر الإشاعات لأن كل مستعمل يصبح بدوره مُرسِل للمحتويات وهذا ما يسمح له بنشر المعلومات المظللة على نحو واسع.

وليس بغريب أن تجد اليوم رجال الدين و مشاهير السياسة والفن والرياضة يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة إعلامية لإيصال أفكارهم ومعتقداتهم للجماهير. وكأي وسيلة إعلامية أخرى، أضحت شبكات التواصل الاجتماعي على الأنترنيت – خصوصا فيسبوك وتويتر– مسرحا للحرب الإعلامية والدعاية السياسية. وكان للجيش الإسرائيلي الريادة في فهم ثقل الإعلام الاجتماعي لتبرير الحرب في غزة وحشد الرأي العام الداخلي والدولي لصالح إسرائيل. وهذا ما سنتطرق له في مقالة لاحقة.

الجزائر.نت

 

المومياء والعهدة الرابعة في ويب الجزائر 2.0

 يبدوا أنه لا مناص من فوز “المومياء” في انتخابات السابع عشر من أبريل الجاري، فقد شاهدنا على التلفزيون الرئيس المعوق وعائلته فرحين ومتيقنين بالفوز عبر التزوير وتهديد الجزائريين واتهامهم بالإرهاب إن عارضوا العهدة الرابعة. لا شك أن كل جزائري حر وغير منتفع من حكم “بوتسريقة” ولا من ريع البترودولار يشعر بالأسى لما آلت له البلاد تحكم حكم الديكتاتور المعوق وحاشيته المرتشين. لكن الأمل في جزائر ديمقراطية لا يزال قائما مادام هناك جزائريون يحبون الجزائر ويأملون في التغيير السلمي مهما طال الزمن. وبدلا من الحسرة على حالنا نحن كارهي المعوق وأصحابه سارقي المال العام، ارتأيت أن أدعوا القراء الكرام للإبتسام  بمشاهدة بعض الصور الساخرة التي تعج بها المواقع الإجتماعية لجزائريين أرادوا أن يعارضوا  العهدة الرابعة على طريقتهم الخاصة.

اضغط على الصورة لمشاهدتها بحجمها الحقيقي.

الجزائر نت