بعد موجة التفجيرات التي طالت مساجد الطائفة الشيعية في المملكة السعودية والكويت تتوجه الأنظار إلى شيوخ التيار السلفي الذين – تحت ضغط الشارع والسلطات الحاكمة – رفضوا بحياء العمليات الإنتحارية التي تهدد النسيج الاجتماعي في دول الخليج بالخصوص في السعودية والكويت والبحرين. أعمال العنف ضد الطائفة الشيعية وغيرها من الأقليات ليست جديدة في المنطقة، فقد تعرضت الطوائف المسيحية والأزيدية والكردية والدرزية في العراق وسوريا لأعمال العنف التي يقودها تنظيمات القاعدة و “الدولة الإسلامية” ذات الخلفية الإيديولوجية السلفية الجهادية. كل العمليات الإرهابية التي شهدناها في الأيام الأخيرة في الكويت ضد المصلين الشيعة وفي تونس ضد السياح الأجانب وفي فرنسا ضد مصنع للغازات الصناعية ارتكبها متطرفون سلفيون. هذه حقيقة لا جدال فيها. وبغض النظر عن أوضاعهم الاجتماعية فالقاسم المشترك بينهم هو هذه الإيديولوجية الراديكالية التي تدين بها بعض دول الخليج الثرية – التي تنتمي جزافا لما يسمى “محور الإعتدال” الموالي للغرب – و تصدرها لكل انحاء المعمورة عن طريق الشيوخ السلفيين الذين يغزون المنابر والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي.
فهذا الشيخ الوهابي السعودي، الصحفي والنجم التلفزيوني والمدرس، محمد العريفي يتنبأ في إحدى تغريداته بأن “الرافضة” (أبناء الطائفة الشيعية) سيتخلون عند مذهبهم أو سيتم محوهم.
أما “الدكتور” الوهابي السعودي محمد البراك الذي يدرس في إحدى الجامعات السعودية أيضا فيحث على عدم التسامح مع “الرافضة” واستخدام القوة ضدهم.
من ظن أن الإكرام والتسامح ينفع في التعامل مع #الرافضة فقد أخطأ وسيكون ندمه على قدر تسامحه
فبقدر تسامحك يهينونك
لا ينفع معهم إلا العدل والقوة— د . محمد البراك (@mohamdalbarrak) ٢٤ مارس ٢٠١٥
وفي تغريدة أخرى يصرح بأن مؤسس مذهب الشيعة يهودي وأن أبناء هذه الطائفة مشركون!
أما الشيخ الوهابي والصحفي السعودي عبد العزيز الطريفي فيتحدث عن مؤامرة غربية-شيعية رافضا أي حوار أو تعايش مؤكدا بأن الشيعة ليسوا مسلمين.
دعا الغرب السنة للتقارب مع الرافضة وفي السر يدعون الرافضة للاستبداد على السنة، والله يختصر أمر الفريقين فليس للنصارى أمان وليس للرافضة إسلام
— عبدالعزيز الطريفي (@abdulaziztarefe) ١٢ مايو ٢٠١٥
وفي تغريدة أخرى يلجأ مرة أخرى لنظرية المؤامرة ويتحدث عن حلف صليبي-يهودي-شيعي على الإسلام!
لم يتواطأ اليهود والنصارى مع الرافضة على الإسلام كما هو اليوم، كانوا يتواطأون في بلدٍ واليوم في كل بلد .
— عبدالعزيز الطريفي (@abdulaziztarefe) ١٨ مايو ٢٠١٥
ويكرر تحذيره من هذا الحلف المسيحي-الشيعي المزعوم ضد الإسلام متناسيا أن ولي أمره ملك آل سعود هو أقوى حليف لأمريكا في المنطقة.
لم يكن للرافضة في التاريخ سيادة إلا بتمكين النصارى، ولن يفلح المسلمون إن ظنوا أن الغرب جزء من نصرهم، قال عمر (لا تأمنوهم وقد خوّنهم الله)
— عبدالعزيز الطريفي (@abdulaziztarefe) ٥ مايو ٢٠١٥
ويتفق معه “الدكتور” السلفي سعد البريك إذ يكرر اتهامه للشيعة بأنهم حلفاء للغرب الكافر ضد الإسلام.
أما “الدكتور” والأستاذ الجامعي السعودي الوهابي إبراهيم الفارس فهو يصرح بكل بساطة بأن الشيعة كفار دينهم مجوسي!
#الروافض_كفار_والدليل
لانحتاج لدليل على كفرهم
فالشرك الأكبر معتقدهم
والمجوسية دينهم
واليك أقوال الأئمة الأربعة فيهم
http://t.co/BJXkudGJ8N— د.إبراهيم الفارس (@ibrahim_alfares) ١٥ مارس ٢٠١٥
وبأن مذهبهم خليط من اليهودية والنصرانية والمجوسية والهندوسية.
هل تعلم أن
الرافضة..الشيعة..الإمامية..الإثني عشرية..الجعفرية..كلها أسماء لدين واحد خليط من الإسلام والمجوسية واليهودية والنصرانية والهندوسية— د.إبراهيم الفارس (@ibrahim_alfares) ١٣ أبريل ٢٠١٥
وبأن الجهاد ضدهم من أفضل الطاعات!
[سعي المسلمين في قهر الروافض من أعظم الطاعات والعبادات]…ابن تيمية
فجهادهم وبيان خطرهم والتحذير منهم ورد شبهاتهم من الجهاد…فهلم للتكاتف ضدهم— د.إبراهيم الفارس (@ibrahim_alfares) ١٠ أبريل ٢٠١٥
ونختم هذا العرض الموجز لتصريحات مشايخ الإيديولوجية السلفية الوهابية بتصريح للشيخ الوهابي السعودي محمد البراك الذي يدعو فيه علنا إلى تدمير مساجد الشيعة وهذا ما طبقه داعش في السعودية والكويت.
لا شك أن هجومات داعش ضد المساجد والكنائس في العراق وسوريا يتوافق حرفيا مع فتاوى هؤلاء الشيوخ الذين يمثلون التيار الوهابي-السعودي الرسمي الذي يُدرس في المساجد والجامعات وينشر عبر الفضائيات والكتب والمطويات “الدعوية” التي توزع مجانا في أنحاء العالم الإسلامي. المثير للإشمئزاز أنه ما إن وصلت موجة التفجيرات الإرهابية إلى مساجد الأقليات الشيعية في السعودية والكويت حتى تهافت هؤلاء الشيوخ المنافقين للتبرؤ من هذه الأعمال البربرية التي تضر “باللحمة الوطنية” كما أمرهم أمراؤهم. بعبارة أخرى، فتاواهم السياسية المتطرفة صالحة للخارج كالعراق وسوريا وباكستان وإيران – خدمة للسياسة الخارجية للملكة السعودية – و غير قابلة للتطبيق في الداخل السعودي لأن ذلك يهدد عرش آل سعود والوهابيين المتحالفين معهم. بالله عليكم، ألا يتحمل هؤلاء جزءا من المسؤولية عن مسلسل التفجيرات الإرهابية الذي تعيشه الدول العربية والإسلامية اليوم من باكستان إلى الجزائر فضلا عن الأعمال الإرهابية في الدول الغربية التي تُرتكب باسم المسلمين؟
نحن لا ننفي وجود خطاب متطرف عند الطوائف الأخرى لكنه ليس بذلك التأثير مقارنة بالخطاب السلفي الذي يتحدث باسم السنة وهم يشكلون الأغلبية من المسلمين. ثم إن الخطاب السلفي لا يكن العداء للشيعة فحسب، بل يقف بقوة ضد جميع الطوائف الأخرى من الصوفيين والإباضيين والإخوان المسلمين وقد لاحظنا تداول لهذه الأفكار المتطرفة أثناء الإشتباكات الطائفية-العرقية التي شهدتها مدينة غرداية في الجنوب الجزائري. وكلنا يتذكر تصريحات الشيخ السلفي الجزائري عبد الفتاح حمداش، قائد جبهة السلفية الحرة غير المعتمدة، الذي أهدر دم الكاتب كمال داوود ثم دعا مؤخرا للإعتراف بدولة “داعش” ومرحبا بسفارة لها في الجزائر. ومن المعلوم أن كل الحركات الجهادية المتطرفة اليوم من القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وحركة الشباب الصومالية وبوكو حرام وطالبان كلها تستلهم مبرراتها الإيديولوجية من الموروث السلفي. وبالإضافة لعدائها ضد جميع الطوائف الإسلامية وغير الإسلامية الأخرى، فهي تتقاتل فيما بينها وتكفر بعضها بعضا في إطار صراعها على السلطة مثل النزاع بين سلفيي القاعدة و سلفيي داعش في سوريا وبين طالبان وداعش في أفغانستان. وإذ نضم صوتنا لصوت الكاتب الفلسطيني عبد الباري عطوان الذي يتساءل عن نفاق الشيوخ السلفيين الخليجييين،
كانوا يقولون عنهم رافضه ومجوس وصفويين وبعد تفجير الكويت يتبارون بالترحم على قتلاهم والتأكيد على اخوتهم كيف تفسرون هذا؟ افيدونا من فضلكم
— عبد الباري عطوان (@abdelbariatwan) ٢٦ يونيو ٢٠١٥
فنحن نتوجه بالسؤال لمسؤولينا : ألم يحن الوقت للإعتراف بكل شجاعة بمسؤولية الخطاب السلفي-الوهابي-السعودي في نشر العنف والكراهية في مجتمعاتنا واتخاذ التدابير اللازمة للجمه بدلا من الإستمرار في دس الرؤوس في الرمال ؟ إلى متى سيستمر غض الطرف عن خطابات شيوخ الكراهية؟
الجزائر نت