ما حقيقة الحلف السعودي ’’الإسلامي‘‘ ضد الإرهاب ؟

ولي ولي العهد السعودي وهو يعلن عن تشكيل تحالف إسلامي بقيادة سعودية ضد الإرهاب
ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وهو يعلن عن تشكيل تحالف إسلامي بقيادة سعودية ضد الإرهاب

أعلنت المملكة العربية السعودية في الأسابيع الأخيرة عن حلف يضم 34 دولة تعتبرها “إسلامية” ضد الإرهاب وهو في الحقيقة تحالف لسد الطريق أمام تنظيم “داعش”، التنظيم الذي استولى في الأعوام الأخيرة على أجزاء واسعة من العراق وسوريا ويتمدد في اليمن ومصر وليبيا. جاء الإعلان عن هذا الحلف الجديد بالموازاة مع إعلان فاعلين آخرين من الدول الغربية، كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، والإقليمية، كالعراق وسوريا وإيران، بالإضافة لروسيا عن مزيد من التعاون في هذا المجال. كل هؤلاء أعلنوا الحرب ضد ما يسمى “الإرهاب”. وتصنيف الأطراف المتنافسة في الشرق الأوسط للمجموعات الإرهابية يختلف حسب مصالحها في المنطقة. فالنظام السوري وحلفائه يعتبرون تنظيم الدولة وجبهة النصرة (ذراع القاعدة في سوريا) وعشرات الجماعات المسلحة الأخرى منظمات إرهابية. بينما ترى السعودية وحلفائها أن تنظيم الدولة هو الخطر الداهم الأكبر رغم أنه يؤدي دورا أساسيا في الحرب ضد أعدائها في سوريا : نظام الأسد وإيران وحزب الله اللبناني. فما الذي دفع بالأسرة الحاكمة في السعودية إلى الإعلان عن حلفها “الإسلامي” ضد الإرهاب ؟ ولماذا لم يضم هذا الحلف دولا محورية كسوريا و العراق وإيران؟

الإعلان السعودي جاء في الوقت الذي تكثف فيه روسيا من جهودها العسكرية لمساعدة قوات الأسد لاستعادة زمام المبادرة في الحرب الأهلية التي تعصف بهذا البلد منذ 5 سنوات والتي أدت إلى صعود نجم المتطرفين الجهاديين وسيطرتهم على مفاصل المعارضة السورية وتحويلهم للصراع الدائر هناك إلى حرب مذهبية طائفية تكرس التنافس الإيراني-الشيعي السعودي-الوهابي على الزعامة في العالم الاسلامي. لكن “داعش”، وهو تنظيم سلفي-جهادي، كسب معركة القلوب والعقول وفرض نفسه في أوساط السلفية الجهادية كفاعل سني قوي في العراق وسوريا يمكن أن يهدد شرعية المملكة السعودية القائمة على زعامة السنة في العالم باعتبارها أرض الحرمين والدولة السنية الوحيدة التي تطبق الإسلام، حسب فهم التيار السعودي-الوهابي للشريعة.

الوهابية والليبرالية كأدوات للسياسات الداخلية والخارجية

من المعلوم أن شرعية النظام الحاكم في الرياض مبني على تطبيق العائلة المالكة الصارم لتعاليم الوهابية، وهي تيار سني ينشد العودة “للإسلام الصافي النقي” حسب فهم السلف للشريعة وضع أركانه الشيخ محمد عبد الوهاب في القرن الثامن عشر في الجزيرة العربية بالتعاون مع محمد بن سعود كحجر أساس للدولة السعودية الأولى عام 1744. ولا تختلف إيديولوجية الدولة السعودية الحديثة، التي أسسها عبد العزيز بن سعود في أوائل القرن العشرين بدعم بريطاني على أنقاض الخلافة العثمانية، عن الأفكار ألأولى للوهابية-السعودية باعتبارها حركة دعوية سلفية (غطاء إيديولوجي) من جهة، وحكم ملكي مطلق (نظام سياسي) يتوارث فيه آل سعود المناصب السياسية وآل الشيخ (محمد عبد الوهاب) المناصب الدينية من جهة أخرى. ويبرر النظام السعودي-الوهابي (بشقيه السياسي والديني) مشروعيته عند جمهور المسلمين باعتباره خادم وحيد للأماكن المقدسة وحامي الشريعة الإسلامية (السنية) عن طريق مئات من الدعاة والمشايخ. ويتوفر رجال الدين الموالون للسلطة على أفضل المنابر الإعلامية في العالم الإسلامي للدفاع عن الدعوة الوهابية النجدية باعتبارها “الإسلام الصحيح” والنظام الحاكم باعتباره “حتمية دينية” لا يجوز الخروج عنه أو انتقاده أو حتى التفكير في إصلاحه “ما لم يعلن كفر بواح ويمنع الصلاة”، وهذا بالطبع لن يحدث مما يضمن استمرار الحكم الوراثي تحت غطاء ديني.

أما على الجبهة الخارجية، أي على الساحة الدولية، فيعتمد النظام السعودي-الوهابي المعاصر على علاقاته الوثيقة بالمعسكر الغربي الليبرالي منذ نشأته وتحالفه التاريخي مع الولايات المتحدة منذ اتفاقية كوينسي (1945) الشهيرة (النفط مقابل الحماية) التي تربط مصير العائلة السعودية المالكية والمشايخ الوهابيين المتحالفين معهم بأكبر قوة عسكرية وسياسية في التاريخ الحديث. ورغم التناقض الصارخ بين الخطاب السعودي-الوهابي المحافظ المعادي للحداثة الموجه لجمهور المسلمين داخل وخارج حدود المملكة، والسياسة الخارجية الموالية للمعسكر الليبرالي الأنجلوساكسوني ، فإن المملكة لا تزال تدير بشكل بارع الحرب الإيديولوجية على المستويين الداخلي والخارجي للحفاظ على النظام السياسي-الديني القائم.

فيديو دعائي يتعرض لاتفاقية كوينسي
لقطة من فيديو دعائي لتنظيم داعش الإرهابي يتعرض لاتفاقية كوينسي بين بن سعود وفرانكلين روزفلت عام 1945

غيرة المملكة السعودية من “دولة الخلافة” الفتية

لكن إعلان أبو بكر بكر البغدادي في شهر جوان/حزيران 2014 عن قيام دولة “الخلافة الإسلامية” دق ناقوس الخطر في الرياض باعتبار أن هذه الخطوة هي تهديد واضح لأركان الدولة السعودية التي تحتكر “التراث الوهابي” الذي يشكل حجر الأساس للنظام القائم في الجزيرة العربية منذ الدولة السعودية الأولى. تنظيم “الدولة الإسلامية” لا ينتقد الإيديولوجية الوهابية التي تقوم عليها المملكة كما يفعل خصوم آل سعود، لا، بل يستولي عليها و “يصفيها” من الشوائب التي علقت بها على مر السنين، وهنا مكمن الخطر بالنسبة للنظام السعودي. فتنظيم الدولة الإسلامية لا يعترف بالنظام السعودي الحالي ولا بمشايخه وعلمائه ويعتبره “خائنا” للدعوة الوهابية النجدية الأصلية بسبب ارتمائه في أحضان المعسكر الغربي وخدمته لمصالح “أعداء الإسلام” حسب اعتقاده.

دعونا نعود للعلاقات الوثيقة بين النظام السعودي والمجاهدين العرب الأفغان إبان الحرب السوفيتية-الأفغانية (1979-1989)، فقد قاد النظام السعودي بشقيه السياسي والديني بالتعاون مع الولايات المتحدة – في إطار الحرب الباردة – “الجهاد” ضد السوفييت “الملاحدة”. وقام أسامة بن لادن، بدعم من العائلة المالكة وعلمائها الرسميين، بدور مهم في قيادة الجهاديين العرب وتمويلهم إبان الحرب. وبعد انتهاء الحرب عاد أسامة إلى بلاده وبدأ في انتقاد سياسيات العائلة المالكة، لا سيما بعد إفتاء علماء البلاط بجواز الإستعانة بالجنود الأمريكان واستضافتهم في أرض الحرمين لشن الحرب ضد قوات صدام حسين التي غزت الكويت. ومنذ ذلك الحين أصبح بن لادن، زعيم القاعدة التي تأسست في أفغانستان في أواخر الثمانيات، خصما لآل سعود ولعلمائهم. كذلك يفعل “تنظيم الدولة الإسلامية”، وهو وريث تنظيم القاعدة، فلا يعترف ليس بشرعية النظام السعودي فحسب، بل بجميع الأنظمة العربية.

فيديو دعائي لتنظيم الدولة 36
لقطة من فيديو دعائي لتنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي – يظهر فيه الملك فيصل والرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون – ينتقد فيه النظام السعودي ويندد بتحالفه التاريخي مع الأمريكان

لكن خطره الإيديولوجي تضاعف بعدما أعلن الخلافة الإسلامية عام 2014 في تحد واضح لزعامة تنظيم القاعدة للتيار السلفي الجهادي من جهة، ومن جهة أخرى للنظام الملكي السعودي الذي يتزعم ويستغل التيار السلفي-الوهابي للحفاظ على الحكم كما أسلفنا الذكر. هناك إذا ما يشبه “غيرة” سعودية من تنظيم الدولة الإسلامية الذي يتبنى الرسالة الوهابية الأصلية ولا يأبه – كما يفعل آل سعود – لمقتضيات العصر وما تمليه من تنازلات سياسية لصالح القوى الغربية.

الحلف “الإسلامي” السعودي يواجه مشروع الخلافة

إعلان المملكة السعودية على لسان ولي ولي العهد عن تكوين حلف إسلامي (سني) تحت قيادة سعودية ليس ضد الإرهاب بمفهومه الشائع، كما يبدو للمتتبع للشأن السعودي، وإنما ضد القوى الجهادية التي تسعى لإحياء “مشروع الخلافة” الذي يقوده تنظيم الدولة في أيامنا هذه. فمفهوم الإرهاب غير واضح المعالم ويتغير بتغير الظروف ومصالح الدول : فالمجاهدين العرب الأفغان الذين أسسوا تنظيم القاعدة في أواخر الثمانينات كانوا “ثوار حرية” بالنسبة للقوى الغربية المعادية للسوفييت قبل أن يتحولوا لإرهابيين عندما وجهت القاعدة بنادقها ضد المصالح السعودية والغربية. وتنظيم “الدولة الإسلامية” لم يتعرض له أحد عندما كان يقترف المجازر ضد الأقليات الدينية والعرقية في العراق منذ 2006 ويفجر يوميا الشوارع والأسواق باعتباره سد منيعا أمام النفوذ الإيراني المتزايد في البلاد، لكنه أضحى “إرهابيا” عندما أعلن خلافته المزعومة وأصبح يهدد الدول العربية “السنية”.

وحسب اعتقادنا فإن القرار السعودي بإنشاء وتزعم حلف إسلامي ضد الإرهاب يمكن قراءته من زوايا متعددة : أولا، أن هذا التحالف النظري في الوقت الراهن هو بمثابة رد على الأصوات المتزايدة في الدول الغربية بشأن مسؤولية المملكة السعودية عن انتشار التيار الجهادي بسبب تطابق الإيديولوجية الوهابية-السعودية الرسمية مع إيديولوجية “داعش” ، على الأقل من الناحية النظرية، إضافة لغض السلطات الطرف عن الأثرياء السعوديين الذين يتبرعون بالأموال للتنظيمات الجهادية المختلفة في سوريا والعراق. ثانيا، محاولة إثبات الدور السعودي الضروري في إطار ما يسمى “الحرب على الإرهاب” بالنظر لتزعم المملكة للتيار السني في العالم وخشيتها من تقارب غربي أكبر مع إيران، غريمها الشيعي، في إطار الحرب الشاملة ضد التطرف والإرهاب. ثالثا، إيصال رسالة قوية لتنظيم الدولة الإسلامية لثنيه عن استهداف المملكة ونظامها الديني-السياسي وحثه على توجيه سهامه نحو أعداء السعودية في المنطقة (طهران، بغداد، دمشق). وبغض النظر عن جدوى الحلف “الإسلامي” السعودي ضد الإرهاب، والذي لا يضم العراق وسوريا وإيران والجزائر لأسباب سياسية معروفة، وهي دول محورية في الحرب ضد الإرهاب، فإن سلطات الرياض لا تنوي القضاء فعلا على من يحارب أعدائها في دمشق وبغداد وإنما تريد تقليص خطرهم والاحتماء من عدوى “الخلافة” التي ينشرها تنظيم الدولة والتي تلقى ترحيبا شعبيا متزايدا في الأوساط السنية ليس في العراق وسوريا فحسب وإنما على أراضي المملكة نفسها، وهذا الخطر الداخلي يشكل أكبر تحد لنظام الحكم السعودي-الوهابي الحالي في الجزيرة العربية. ونحن ننتهي من كتابة مقالنا هذا، خرج علينا اليوم أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي، منددا في خطاب صوتي بالحلف السعودي الجديد ضد الإرهاب ومعترفا بأن دولته هي المستهدفة من وراء هذا القرار … وللحديث بقية.

الجزائر نت

 


 

المسلمون في الغرب : بين مطرقة داعش وسندان اليمين المتطرف

المتتبع لخطابات الجهاديين الموالين لتنظيمي القاعدة وداعش اتجاه المسلمين المقيمين في الغرب يكتشف أنها تنطبق في كثيرا من الأحيان مع آراء اليمين الغربي المتطرف الذي يرى في الجاليات المسلمة طابورا خامسا يهدد الديمقراطيات الغربية في عقر دارها. الجهاديون بُخرجون من الملة المسلمين الغربيين الذين لا يوافقونهم الرأي ويرفضون أعمالهم الإرهابية ضد العزل باسم الإسلام ويتهمونهم بالخيانة والردة. بينما يغتنم اليمين المتطرف المعادي للمسلمين الفرصة عند كل عملية إرهابية ليتهم المواطنين المسلمين بعدم الاكتراث لما يرتكبه المتطرفون الجهاديون من جرائم باسمهم وأن ذلك ينم عن “رضى خفي” عما يجري. وبين هذا ذاك يجد المسلم الغربي أو المقيم في الغرب نفسه بين مطرقة داعش وسندان اليمين المتطرف.

الإرهاب ليس من الإسلام
متظاهر مسلم يدعو لعدم الخلط بين الإرهاب والإسلام

عندما تلتقي إيديولوجية الجهاديين بخطاب اليمين المتطرف

تسعى الحركات الجهادية المتطرفة التى ترفع راية داعش كمؤشر لهويتها الإيديولوجية لتأليب الرأي العام الغربي ضد المواطنين المسلمين وخلق بيئة “حرب أهلية” تمكن التنظيم من نقل الحرب الدائرة في سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن، الخ، الى عقر دار الدول الغربية التي يعيش فيها ملايين المسلمين. قد يقول البعض أن ذلك متوقع بسبب انخراط هذه الدول في الحروب الأهلية الدائرة في العالم الإسلامي ودعمها لأطراف ضد أخرى ولأنظمة عربية ديكتاتورية عفى عنها الزمن، لكن ارتكاب جرائم القتل الجماعي للمدنيين في فرنسا وأمريكا باسم الإسلام والمسلمين وباسم “الخليفة” البغدادي وضع الجالية المسلمة في وضع لا تحسد عليه. فأنصار تنظيم داعش هللوا لهذه العمليات الإرهابية الإستعراضية انطلاقا من مبدأ “السن بالسن” وأغتنموا الفرصة لدعوة المسلمين من جديد بمغادرة “ديار الكفر” والهجرة “لدولة الخلافة”. هؤلاء الناس يقسمون العالم إلى ديار كفر وردة وديار خلافة وإسلام ويعتقدون جازمين في عصر العولمة الإقتصادية والثقافية والمالية أنهم بإمكانهم إقامة دولة منغلقة على العالم يتحكم فيها “خليفة” مدى الحياة بالإعتماد على الرؤية السلفية الوهابية لكيفية الوصول للحكم وإدارة الدولة. هم يرددون دائما بان ذلك هو “الإسلام الحقيقي” وغير ذلك بدع وردة. كذلك يفعل أنصار اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا إذ يرون في داعش “الإسلام الحقيقي” الذي يخيف المجتمعات الغربية الليبرالية وأن المسلمين غير الموالين للتنظيمات الجهادية، أو كما يصفونهم “بالمعتدلين”، لا يعرفون هذا “الإسلام الحقيقي” أو يمارسون “التقية”.

سعادة الجهاديين بفوز اليمين المتشدد الفرنسي

ولعل الفوز الأنتخابي الساحق لليمين المتطرف في فرنسا، والذي استفاد كثيرا من موجة الغضب التي عقبت مجازر باريس التي ارتكبها موالون لتنظيم الدولة الشهر الماضي، لأكبر دليل على نجاح استراتيجية داعش اتجاه الدول الديمقراطية والتي تسعى لتأليب الرأي العام الفرنسي ضد المسلمين ودفعهم للتقوقع والإنسحاب من الفضاء العمومي. نعم، هذا غريب لكن أنصار التيار الجهادي يريدون فوز اليمين المتطرف في فرنسا. وقد صرح أحدهم للصحفي الفرنسي دافيد ثومسون المختص في الحركات الجهادية والذي سأله : “لماذا ستكونون سعداء بفوز الجبهة الوطنية (حزب اليمين المتطرف) الفرنسية ؟” فأجاب الجهادي : “لأن ذلك سيشكل إهانة لأشباه المسلمين (الفرنسيين) الذين يدافعون عن مبادئ العلمانية” وأن ذلك “سيدفع المسلمين الحقيقيين للهجرة (لدولة الخلافة التي أعلنها البغدادي)”.

وبعد نشر نتائج الإنتخابات في فرنسا والتي أفرزت تقدما ساحقا لليمين المعادي للمهاجرين صرح أحد الجهاديين الموالين لداعش بأنه “مسرور لفوز الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) لأن هذا الحزب هو الأقل نفاقا (بالمقارنة مع الأحزاب الأخرى التي حكمت في فرنسا). إنهم صريحون فيما يعتقدون (بخصوص المسلمين) وأنهم مختلفون عن الحزب الإشتراكي (الحاكم) الذي يقول بأنه يحترم المسلمين وأنه الأقل ضررا على المسلمين (وهذا ما يردده بعض الدعاة في فرنسا) ولكنه يقصف المسلمين في بلادهم (يقصد التدخل الفرنسي في سوريا ومالي) ولذلك فهو أسوء للمسلمين من الأحزاب الأخرى. حزب الجبهة الوطنية هو الأقل ضررا على المسلمين لأنه سيوقظهم من غفلتهم وسيدفعهم لحزم أمتعتهم (والهجرة لدولة الخلافة).”

هذا التصريح الخطير يلخص وجة نظر الجهاديين اتجاه الجالية المسلمة المقيمة في الغرب والتي يراها كعائق للحرب الكونية المزعومة بين الغرب والشرق، بين الإسلام والأديان والأمم الأخرى.  المسلمون الغربيون يراهم داعش كخزان بشري بعدم أن تمكن من تجنيد آلاف الشباب الأوروبيين للالتحاق به في سوريا والعراق. الكل يتذكر الغضب الشديد الذي انتاب أنصار تنظيم الدولة على مواقع التواصل وهم يرون مئات الآلاف من السوريين والعراقيين يغادرون بلادهم طالبين اللجوء في الدول الغربية “الكافرة” فكالوا لهم الشتائم بل وهناك من اتهمهم بالخروج من الملة بسبب تركهم لدولة الخلافة المزعومة والتوجه نحو “ديار الكفر”. المواطنون في سوريا والعراق وغيرهم ذاقوا مرارة العيش تحت سلطة الجهاديين السلفيين وأدركوا أن الحياة لا تطاق تحت حكم هذه الجماعة الفاشية ولذلك فضلوا ترك أوطانهم طمعا في حياة أفضل في أوروبا. دولة الخلافة البغدادية” لا تجذب في أوروبا إلا المغفلين من الشباب العربي الضائع والذي يصدق البروباغندا الجهادية على الأنترنيت التي تصور الحياة في الرقة والموصل على أنها أشبه ما تكون بالسياحة في المنتجعات الراقية وبصبغة إسلامية تحت رعاية الخليفة المزعوم.

كذلك فرح المتطرفون الإسلاميون الموالون لداعش والقاعدة بالتصريحات العنيفة التي أطلقها مؤخرا المرشح الجمهوري للانتخابات الأمريكية دونالد ترامب ضد المسلمين والتي دعا فيها إلى منع هؤلاء من الدخول للولايات المتحدة لتفادي الهجمات الإرهابية. وقرأنا على مواقع التواصل دعوات جديدة أطلقها المتعاطفون مع داعش للمسلمين يحثوهم على ضرورة مغادرة أوروبا وأمريكا والإلتحاق بصفوف داعش. والحقيقة أن أستراتيجية هذا التنظيم للتوسع سواء في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والدول الغربية واضحة : نشر الكراهية ضد المسلمين (السنة) بارتكاب أعمال إرهابية باسمهم وتأليب المجتمعات والطوائف التي يعيشون فيها ضدهم لدفعهم للانضمام لجماعة داعش التي تسعى في نهاية المطاف للظهور بمظهر المدافع الشرعي عن العرب والسنة بالتحديد والمحارب الوحيد ضد أعدائهم من الطوائف والقوميات الأخرى (السنة غير الجهاديين، الشيعة، الأكراد، الفرس، الغربيين، الخ). داعش يقسم العالم إلى قسمين : المسلمون العرب السنة ذوي التوجه السلفي الجهادي وبقية العالم، وهذا ما يريده المتطرفون اليمينيون في الغرب الذي يستعملون فزاعة التيار الجهادي لتخويف المجتمعات الغربية من الإسلام والمسلمين لحصد المزيد من الأصوات الإنتخابية.

وهذا ما حدث في فرنسا إذ حصل حزب الجبهة الوطنية (اليمين المتشدد) المعادي للمهاجرين على أكبر فوز انتخابي في تاريخه في الانتخابات المحلية التي جرت هذا الأسبوع بعدما قدم له داعش على طبق من ذهب أصوات ملايين الفرنسيين الغاضبين من العمليات الإرهابية المرتكبة باسم الإسلام والمسلمين في باريس. كما دفعت هذه العمليات الإرهابية إلى تشديد المراقبة على اللاجئين الهاربين من جحيم الحرب في سوريا والعراق وغلق الحدود أمامهم مخافة أن يتمكن داعش من الدفع ببعض أفراده للتسلل لأوروبا بين حشود اللاجئين. وهذا ما يخطط له داعش في الحقيقة إذ يسعى لثني السوريين والعراقيين عن الهروب لأوروبا بالإرهاب والعنف في دول اللجوء بعدما فشلت دعايته حول “الخلافة الفاضلة” في الميدان وأدرك الجميع بأنها ساحة يسود فيها القتل والذبح والسبي والصلب، والمسلمون هم ضحاياه الأوائل، باسم الدين ولأجل الخلافة (السلطة).

مسلمون غربيون ضد المتطرفين و لأجل إسلام الأنوار

المسلمون الفرنسيون سارعوا للنأي بأنفسهم عما ارتكبه المتطرفون باسمهم ونددوا بالإرهاب الذي شوه الدين. وخلف نداء المثقف الفرنسي المسلم محمد شيراني على تلفزيون “إي ثيلي” صدى واسع في الأوساط الإعلامية الفرنسية إذ توجه لداعش مباشرة بالفرنسية والعربية على الشاشة داعيا المسلمين إلى “جهاد الروح والمواطنة” ضد الإرهابيين الذين سرقوا الإسلام المتعايش والمتسامح وحولوه لإيديولوجية عنف وكراهية.

و لم يمر هذا التدخل الشجاع من مسلم فرنسي ألجم المشككين من اليمين المتطرف في وطنيته ومعارضته للإرهاب. فقد انهالت عليه فورا رسائل تضامن من الفرنسيين من مختلف الطوائف من جهة، وخطابات التهديد والوعيد من أنصار داعش الذين يرون في من لا يوافقهم الرأي من المسلمين بأنه خائن بائع لدينه وموالي للكفار من جهة أخرى. فهل ينذر ذلك بأن الحرب ضد إيديولوجية تنظيم الدولة سيقودها مسلمون غربيون ؟ لا شك أن المسلمين في الغرب يتمتعون بهامش حرية تفكير ونقد لا مثيل له في العالم الإسلامي ولذلك فمن الطبيعي أن يتصدوا للحركات الجهادية التي تريد فرض إيديولوجياتهم بالدم وتسعى للعيش في زمن آخر لا يوجد إلا في مخيلاتهم وفي مخيلات المشايخ الذين درسوهم. بالله عليكم، ما هي مصداقية شيخ سعودي عندما يقف ضد تنظيم الدولة والقاعدة ويصفهم بالخوارج؟ ألا يدري بأن الناس كلهم يعلمون أنه مجرد ناطق باسم القصر الملكي وأنه يفتي بما يحقق مصالح هذا الأخير ؟ وكذلك الأمر بالنسبة لكل علماء السلطان في كل مكان. المفكرون والمشايخ في العالم العربي لا يتمتعون بأية استقلالية عن السلطات السياسية التي توظفهم ففقدوا مصداقيتهم عند الرأي العام وفتحوا المجال للتنظيمات الجهادية المتأسلمة للظهور بمظهر الثائر المقاوم ضد الأنظمة العربية الديكتاتورية والغطرسة الغربية في آن واحد. وبالنظر لاحتكاك المسلمين الغربيين بالحداثة وتمتعهم بحرية الفكر والرأي، فذلك سيمكنهم بتشكيل نواة “إسلام الأنوار” – كما سماه المفكر مالك شبال – الذي لا يروق لا للجهاديين السلفيين ولا لليمين المتطرف الذي يتغذى على أعمالهم الإجرامية ؟ ذلك هو السبيل للعودة إلى المبادئ الإسلامية السمحة التي مكنت من تعايش العرب والفرس وغيرهم من الشعوب من إنقاذ وتطوير المعارف اليونانية في بغداد وبناء حضارة فريدة في الأندلس. عندئد سينتقل المسلمون من زمن الظلمات الذي يعيشونه اليوم إلى عصر الأنوار والحداثة.

الجزائر نت