ما إن ضجت وسائل الإعلام الدولية بخبر التوصل إلى اتفاق مبدئي بين القوى العالمية الكبرى وإيران حول البرنامج النووي المثير للجدل حتى أصيب الأعراب وإسرائيل بالصدمة وخيبة الأمل. الموقف الإسرائيلي مفهوم ولم يتبدل منذ عقود إذ ترى تل أبيب في طهران منافس حقيقي لها في المنطقة يشكل خطرا على نفوذها خصوصا أن الجمهورية الإسلامية تساند جماعات معادية لإسرائيل كحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين وحزب الله اللبناني. لكن الموقف العربي-الخليجي هو المثير للتساؤلات، وحتى قبل الإتفاق المبدئي بين إيران والقوى الكبرى الذي سيجنب المنطقة حرب إضافية لمحت دول الخليج، وعلى رأسها المملكة السعودية، إلى تخوفها من الاتفاق رغم تطمينات الإدارة الأمريكية. بل أن معلومات سربت لوسائل إعلام في الأعوام الأخيرة كشفت عن دعوة آل سعود لأمريكا لتوجيه ضربة لإيران وعن استعدادها لفسح مجالها الجوي أمام المقاتلات الإسرائيلية إن هي أرادت قصف المفاعلات النووية الإيرانية.
هذا إن دل على شيء فإنما يدل على استعداد مملكة آل سعود لضرب منافسيها في المنطقة وتشجيع الحروب إن أمكنها ذلك بدلا من التنافس الشريف للنهوض باقتصادها ومواردها البشرية وفرض نفسها في منطقة الشرق الأوسط. وللمملكة تاريخ طويل في “العمالة” لصالح الولايات المتحدة منذ “معاهدة كوينسي” الموقعة في فبراير 1945 على الطرّادة الأمريكية كوينسي بين الملك عبد العزيز بن سعود، مؤسس المملكة، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، كان في الطريق إلى يالطا لحضور القمة السوفييتية الأمريكية حول تقاسم العالم إلى مناطق نفوذ. إقامة تحالفات وعلاقات تعاون لا بأس به ولا عتاب عليه، المشكل أن العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة ليست للتعاون لفائدة البلدين بل علاقة تبعية على مبدأ “النفط مقابل الحماية”، أي حماية عرش آل سعود ومدهم بشيء من الزعامة الإقليمية وتبعية شاملة في النواحي الإقتصادية والأمنية مقابل نفط رخيص للإقتصاد الأمريكي. والكل يعلم حجم صفقات الأسلحة، وما يليها من رشاوى، التي يعقدها دوريا آل سعود مع الولايات المتحدة والتي تنتهي في الغالب صدئة أويتم بها دعم الجماعات الإرهابية التي تخدم المصالح الأمريكية-السعودية.
ووقفت المملكة السعودية بقوة في وجه منافسيها في المنطقة بدءا بعدائها الشديد تحت ذرائع مختلفة للزعماء القوميين العرب من أمثال جمال عبد الناصر، ثم عدائها للثورة الإيرانية (منافسة دينية على الزعامة في العالم الإسلامي)، ثم دعمها لصدام حسين في الحرب العراقية-الإيرانية (لإضعاف إيران)، ثم دعمها بالتعاون مع الولايات المتحدة “للمجاهدين الأفغان” وإنشائها للقاعدة في أفغانستان وتجنيدها لآلاف العرب السلفيين لدحر التدخل السوفياتي في أفغانستان، ثم لجوئها للتحالف الغربي واستقبالها للمارينز لردع صدام حسين الذي تدخل في للكويت (والحديث يطول هنا عن أسباب حرب الخليج وتداعياتها)، ثم دعمها لحصار العراق لسنوات والذي راح ضحيته مئات الآلاف من أطفال العراق، ثم انخراطها مرة أخرى بجانب الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 والذي بسببه لا يزال البلد ممزقا إلى يومنا هذا، ثم دعمها للتدخل الأمريكي في أفغانستان ضد الحلفاء القدامى (طالبان) الذين حاربوا السوفيات.
وعند قدوم ما أصبح يسمى “بالربيع العربي” وقفت السعودية بقوة بجانب الديكتاتوريات المقربة منها فدعمت حسني مبارك في مصر وعلي عبد الله صالح في اليمن واستقبلت على أراضيها زين العابدين بن علي الهارب من تونس وتدخلت عسكريا في البحرين لحماية الأسرة الملكية الحاكمة الرافضة لأي إصلاح وسندت التدخل الغربي في ليبيا للإطاحة بالقذافي. وبسبب خوفها من الديمقراطية ولرفضها لأي منافس ديني أو إيديولوجي لها في المنطقة، دعم آل سعود الإنقلاب العسكري في مصر بعشرات المليارات من الدولارات لمنع تيار الإخوان المسلمين في مصر بقيادة محمد مرسي من الإستمرار في السلطة باعتباره منافسا سنيا خطيرا لزعامة مملكة آل سعود في العالم العربي الإسلامي وتخوفا من تقربه من إيران إذ أن المملكة الوهابية ترفض أي تقارب وحوار بين السنة والشيعة وتراه تهديدا لها. بالمقابل دعمت السعودية الجماعات الإرهابية المقربة من السلفية الجهادية في سوريا والعراق لاستنزاف الأنظمة الحاكمة هناك، ليس دعما لتطلعات شعوبها للحرية والعدالة وإنما للإنتقام منهم بسبب تقاربهم مع إيران. ومنذ أيام هاهي مملكة آل سعود تشن حربا أخرى في اليمن ضد حلفائها القدامى، علي عبد الله صالح والحوثيين، بسبب تقاربهم مع إيران وسعيا لتثبيت ديكتاتور تابع لها هناك. والحديث يطول عن التاريخ الطويل لمملكة آل سعود في دعمها للتيار السلفي الجهادي في العالم للمحاربة بالوكالة عن أمريكا ضد خصومهما من أفغانستان إلى الشيشان وسوريا والعراق واليمن وليبيا.
منذ عقود استثمرت السعودية علاقاتها القوية مع الولايات المتحدة ومواردها المالية النفطية الهائلة في دعم الحروب الأمريكية ضد العرب وتسليط الإيديولوجية الوهابية التي ألهمت القاعدة ثم داعش على رقاب الشعوب العربية والإسلامية من إسلاماباد إلى تومبوكتو، مرورا بأحداث الحادي عشر سبتمبر والتي لايزال المسلمون يذوقون من ويلاتها إلى يومنا هذا. مملكة آل سعود لم تستثمر أموالها وعلاقاتها المتينة مع واشنطن في ترقية البلاد وإرساء الحريات التي هي أساس أي إبداع وتقدم كما فعل حلفاء أمريكا بعد الحرب العالمية في ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية. لا، آل سعود لم يفعلوا شيئا سوى تجهيل شعب نجد والحجاز وعزله عن الحضارة عن طريق الإيديولوجية السلفية-الوهابية حتى يتمكنوا من الحفاظ على سلطانهم بالتحالف مع رجال الدين المتزمتين. لكن إن هم رفضوا التحضر والرقي بل شوهوا المعاني السامية للإسلام بجرائمهم وطغيانهم وإرهابهم، فإنهم لا يريدون لدول الجوار أن تتقدم وأن تنهض بشعوبها سعيا للحفاظ على الزعامة الدينية والسياسية في المنطقة وخوفا من وصول أنوار الحرية والديمقراطية لهم. وغالبا ما يلجأ آل سعود لشيوخ الوهابية لشرعنة سياسياتهم الطائفية بدءا بحث الناس على الجهاد في أفغانستان ضد “الملحدين السوفيات”، ثم جواز استقبال “المارينز” في المملكة لاحتلال العراق والإطاحة بصدام “البعثي الكافر”، ثم الحث على الجهاد في سوريا للقضاء على الأسد ونظامه “النصيري الكافر”، ثم تحليل الهجوم الأخير على اليمن لتأديب اليمنيين الحوثيين “اليزيدين الكفار”.
هؤلاء العربان الفاشيون الذين هدموا البلاد العربية يتجرؤون اليوم على التنديد باسم العرب عبر أبواقهم الإعلامية بالإتفاق المبدئي بين القوى الكبرى وإيران وكأنهم يتحسرون لعدم انخراط أمريكا في حرب أخرى هذه المرة ضد إيران تأتي على الأخضر واليابس في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة. لا أحد سيقبل بتهديد إيران لجيرانها سواء بالأسلحة التقليدية أو النووية، لكن الوقوف ضد حق الدول في الحصول على التكنولوجيا النووية ومنعها من النهوض والتطور وشن الحروب ودعم الطائفية و الإرهاب لم يعد كافيا اليوم للحفاظ على الزعامة في المنطقة. عمالة آل سعود وتبججهم بالدين والعروبة لم تعد تنطلي على أحد وينبغي عليهم الآن التشمير على سواعدهم والعمل على ترقية شعوبهم والسماع لانشغالاتهم إن هم أرادوا أن يحجزوا مقعدا لهم بين الأمم. لكن إن هم اختاروا مواصلة دور الخادم الوفي للولايات المتحدة، الرافض لأي تغيير في معادلات المنطقة والخصم العنيد لأي تحول ديمقراطي في بلاد العرب، فإن ما فعلوه منذ عقود لتكريس سطوة أمراء النفط والوهابيين على شعب نجد والحجاز وما زرعوه من إرهاب وتطرف وتخلف ويأس في نفوس الشعوب قد ينقلب عليهم ويجرفهم إلى غير رجعة. وإن غدا لناظره قريب.
الجزائر نت
تعليق واحد على “ما سر نعيق العربان غداة الإتفاق النووي مع إيران؟”