لا شك أن الإعلام لعب منذ زمن طويل دورا بارزا في خلق الرأي العام وتوجيهه وخصوصا إبان الحروب. وكما اهتمت الدول بالإعلام لحشد الجبهة الداخلية للحرب ضد الأعداء، اهتمت منظمات وجماعات مختلفة بالدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام في نشر إيديولوجياتها وأفكارها. فبعد ظهور المطبعة في القرن الخامس عشر، ارتأى مخترعها الألماني يوهان غوتنبرغ أن يقوم بطباعة الإنجيل لضمان تحقيق أرباح باعتباره الكتاب الأكثر شهرة عند الجماهير بفضل جهود الكنيسة التبشيرية. وسرعان ما أدركت الكنيسة أهمية المطبعة كقفزة تقنية هائلة مكنتها من طباعة ملايين الكتب بأقل التكاليف لنشر تعاليم المسيحية في المستعمرات الأوروبية. وقد أدى تطور الطباعة إلى ازدهار الصحافة المكتوبة التي تم استغلالها في حروب الدعاية (البروباغندا) في أوقات السلم والحرب في البلدان الصناعية. وساهم ظهور السينما في أواخر القرن التاسع عشر ثم الراديو والتلفزيون في القرن الماضي إلى ازدهار فنون الدعاية السياسية التي بلغت أوجها في الثلاثينات من القرن ثم أثناء الحرب العالمية لحشد الجبهات الداخلية لدعم الحرب ولإرباك العدو عن طريق الحرب النفسية. وقد ازدهرت الأبحاث الأكاديمية في الولايات المتحدة وأوروبا حول فنون الدعاية السياسية و تأثير وسائل الإعلام في الرأي العام وبالخصوص أثناء الحملات الانتخابية والحروب. فبالإضافة لدورها في التسلية والتثقيف، لعبت وسائل الإتصال الجماهيري منذ قرون دورا بارزا في الإعلام والدعاية.
ومنذ ظهور الأنترنيت كوسيلة لتخزين وتبادل المعلومات ثم نشأة الويب الاجتماعي منذ حوالي عشر سنوات، أزداد اهتمام صانعي القرار والأكاديميين في الدول المتقدمة بالدور الجديد الذي يمكن أن تؤديه وسائل الإتصال الإجتماعية التفاعلية – على غرار الفيسبوك وتويتر- في تشكيل الرأي العام والدعاية السياسية.
يعتقد الكثيرون اليوم بأن الإنترنيت يقف كمنافس جديد لوسائل الإعلام التقليدية وإن كان من الضروري عدم تضخيم قدرة هذه الوسيلة على التأثير على الرأي العام على غرار تنبؤ بعض الباحثين إبان العصر الذهبي للتلفزيون بتغييرات اجتماعية عميقة معتمدين على تحليل العوامل التقنية لهذه الأداة. فقد رافقت وسائل الاتصال الجماهيري التحولات الاجتماعية والسياسية العميقة التي شهدتها البلدان الصناعية في أوروبا وأمريكا. وتاريخ وسائل الإعلام يرتبط كما أشرنا في بداية المقال بتحولات تقنية واقتصادية جذرية منذ ظهور المطبعة إلى عصر الراديو والتلفزيون والإنترنيت. وساهم تطور التقنيات الرقمية للاتصال في تراجع “المشهد العام المشترك” الذي يميز وسائل الإعلام التقليدية وبروز ظاهرة “تفريد” المعلومات والأخبار تماشيا مع متطلبات تيار النزعة الفردية السائد في البلدان الصناعية الذي يختلف عن “القرية الصغيرة” التي تنبأ بها عالم الإجتماع الكندي مارشال مكلوهان في ستينات القرن الماضي. وإذا كانت شبكة الإنترنيت مساحة هامة للتعبير عن الرأي ونشر العلوم والأفكار فإنها تشكل كذلك أرضية خصبة لنشر الإشاعات لأن كل مستعمل يصبح بدوره مُرسِل للمحتويات وهذا ما يسمح له بنشر المعلومات المظللة على نحو واسع.
وليس بغريب أن تجد اليوم رجال الدين و مشاهير السياسة والفن والرياضة يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة إعلامية لإيصال أفكارهم ومعتقداتهم للجماهير. وكأي وسيلة إعلامية أخرى، أضحت شبكات التواصل الاجتماعي على الأنترنيت – خصوصا فيسبوك وتويتر– مسرحا للحرب الإعلامية والدعاية السياسية. وكان للجيش الإسرائيلي الريادة في فهم ثقل الإعلام الاجتماعي لتبرير الحرب في غزة وحشد الرأي العام الداخلي والدولي لصالح إسرائيل. وهذا ما سنتطرق له في مقالة لاحقة.
الجزائر.نت
4 تعليقات على “وسائل الإعلام والدعاية. من المطبعة إلى الانترنيت.”