تشكل حادثة وفاة ملك السعودية فرصة نادرة للمتتبعين للشأن السعودي للتوقف عند ردود أفعال السياسيين والإعلاميين ورجال الدين. فالدعاية على أشدها في وسائل الإعلام الحكومية – إذ لا توجد وسائل إعلام حرة في المملكة – لتعظيم شأن الملك الراحل الذي تصفه بكل شجاعة صحيفة الوطن “بملك الإنسانية”. تقول الصحيفة بأن السعوديين عاشوا أوقات عصيبة البارحة عندما أتاهم نبأ وفاة “ملك الإنسانية” في محاولة من الصحيفة للتأكيد على تلاحم شعبي مع الأسرة المالكة وهذا غير صحيح بالنظر للقمع الشديد الذي يتعرض له المدافعون عن حقوق الإنسان الذين يقبعون في السجون ويتعرضون لأبشع أنواع القمع. الدعاية لأسرة آل سعود تتجلي بوضوح في عناوين استفزازية مثل ” .. ورحل ملك الإنسانية”، ” رسائل الفقيد .. حكمة قائد تمزج العفوية بالوعي”، ” ملك مؤثر.. رحيل لا يشبه الرحيل”، ” بالدمع نبكيك .. ونرثيك”، الخ.
أنا أكاد أجزم بأن كتاب هذه المقالات لا يمتون لمهنة الصحافة بصلة. هؤلاء أليس هم الذين قال عنهم أحد كهنة البلاط الملكي من علماء الوهابية “أنهم غير قادرين على حماية مؤخراتهم إذا سقط حكم آل سعود”؟ وكأي وسيلة إعلام تابعة للأنظمة الاستبدادية يتم تمجيد القائد أثناء حكمه وعند موته لضمان انتقال “عدوى” التمجيد للديكتاتور اللاحق. كما في كوريا الشمالية، آخر قلاع الإستبداد الشيوعية. هذه الدعاية السياسية المغرضة هي أهم ركائز مملكة “السعوهابية”، أغرب ديكتاتورية عربية يتحالف فيها الأميرالنفطي مع الشيخ الوهابي لأجل السلطة.
أما فيما يخص القنوات التلفزيونية، فقناة العربية الإخبارية (التي يسمونها في السعودية “العبرية” بسبب نهجها الليبرالي المتطرف الموالي لوجهات النظر الملكية-الأمريكية-الإسرائيلية) لم تخرج عن هذه قاعدة البروياغندا التي تذكر المتتبع بأعمال جوزيف غوبلز، المسؤول عن الدعاية النازية والذراع الأيمن لأدولف هتلر إبان الحرب العالمية. العربية خصصت حيزا هاما للحدث وبنفس لهجة صحيفة الوطن لم تخل صفحتها من العناوين الإستفزازية مثل “إلى جنة الخلد.. أبا متعب” بالرغم من أن القناة لا تكن حبا لرجال الدين ولكن إذا تعلق الأمر بولي الأمر تتغير كل القواعد. المثير للإنتباه غياب التعليقات على كل الأخبار المتعلقة بالأسرة المالكة وذلك لأن شرائح واسعة من المجتمع السعودي والعربي لا تخف فرحها برحيل “ملك الإنسانية”. ولأن السيطرة على التعليقات صعب للغاية، أرتأت القناة ألا تذكر شيئا عن وفاة الملك على صفحتها الرئيسية على موقع الفاسيبوك والإكتفاء نشر صورة للملك. هذا إن دل على شيء فإنما يدل على حقارة الديكتاتورية وعلى نذالة “صحافة الديكتاتورية” الغوبلزية. ينبغي التنويه بشجاعة قناة الجزيرة القطرية – وهذا يصب في مصلحتها – التي سمحت للمعلقين بنشر أرائهم المناهضة للبروباغندا السعودية التي تود صنع أمجاد الديكتاتور الراحل.
وبدورهم لم يتردد علماء الوهابية باعتبارهم قادة رأي مؤثرون في شعب المملكة عن طريق وسائل الإتصال الإجتماعي عن طلب الرحمة لولي الأمر المتوفى وطلب التوفيق للديكتاتور الجديد! فهذا الشيخ العريفي الذي كان مسجونا منذ أسابيع فقط “يعزي الأمة في وفاة الملك عبد الله” ويدعو قائلا “ربّ احفظ أمننا وولاتنا وووحّد صفنا”! هذا هو نفس العريفي الذي حرض على “الجهاد” في سوريا وقال بأنه يرى الخلافة آتية، الآن يطبل “لنعمة الأمن والأمان”!
الملكية المطلقة لم تكن يوما نظاما عادلا، هذا النوع من الأنظمة الشمولية ساد في العصور المظلمة ولكن مفكروا عصر الأنوار أطاحوا به لفائدة النظام الديمقراطي – وهو نظام يتم تحسينه باستمرار – لضمان الحرية والعدالة. ورغم أن الملك محاط بالكهنة (علماء البلاط) فهذا لم يعطيه أية مشروعية. الدين الإسلامي “جمهوري” لا يعترف بالوراثة، والحكم هو للأصلح والأكثر كفاءة ويتم اختياره من الناس وليس من “هيئة عائلية” مغلقة. التجربة السلفية-الوهابية في الحكم أثبتت إذا فشلها ويجب التوجه نحو الديمقراطية كطريق سلمي للتداول على الحكم.
على أي حال، وفاة الملك السعودي لن تغير شيئا في السياسة الخارجية للمملكة : تحالف مصيري مع الولايات المتحدة ومواصلة سياسة النفط الرخيص مقابل الحماية، دعم الانقلابات العسكرية في العالم العربي لإجهاض اي تجربة ديمقراطية، مواصلة سياسة العداء لمحور سوريا وإيران، مواصلة الحرب على الإسلام السياسي المعتدل الذي يقبل بالإنتخابات كوسيلة للوصول للسلطة، مواصلة نشر المذهب السلفي الوهابي لتوطيد زعامة المملكة للإسلام السني في العالم.
الجزائر .نت