سؤال وجيه إذا ما أخدنا في عين الإعتبار الرفض الشعبي العارم لهذا المشروع نظرا للأضرار البيئية البالغة لتقنية التكسير الهيدروليكية والمخاوف من تلوث المياه الجوفية والتي تعني موت واحات الجنوب الكبير. فلماذا يستميت بوتفليقة ووزرائه في الدفاع عن هذا المشروع؟
قال بوتفليقة (أو على الأقل قيل باسمه) متهكما في رسالة بمناسبة احتفالات ذكرى تأميم المحروقات أن “الغاز الصخري هبة من الله” وهو محق في ذلك. إلا أن استغلاله على ما نعتقد، وهنا نختلف مع “سي عبد العزيز”، ليس هبة لشركة توتال الفرنسية التي تريد تجريب تكنولوجياتها في جنوبنا الكبير كما جربت فرنسا قنابلها النووية هناك في ستينات القرن الماضي. بلدان عديدة وعلى رأسها فرنسا رفضت لحد اليوم استغلال احتياطاتها من الغاز الصخري رغم حاجتها الملحة لمصادر الطاقة وأزمتها الإقتصادية المتفاقمة. فقد أكد الخبراء بناءا على الخبرة الأمريكية والكندية في هذا المجال الأضرار البليغة التي يلحقها التكسير الهيدروليكي بالطبقات الجوفية التي تتلوث بالمواد الكيميائية المستعملة. كما أن استخراج الغاز الصخري يحتاج لكميات هائلة من المياه التي غالبا ما تفتقدها الحنفيات والتي من البديهي أن توجه لدعم المشاريع الفلاحية. ثم أن الجزائر دولة نفطية غنية ودون مديونية، فلماذا يسارع بوتفليقة إلى استغلال الغاز الصخري الآن؟
الحقيقة أن النظام الجزائري قائم منذ الإستقلال على الإقتصاد الريعي المعتمد على تصدير المحروقات واستيراد كل شيء ولم يشجع أبدا الإستثمار المنتج. فذلك يسمح من جهة للمستوردين المقربين من السلطة بالربح السريع دون استثمار و تهريب العملة الصعبة للخارج عن طريق تضخيم فاتورات الإستيراد، ومن جهة أخرى يمنع الجزائريين الوطنيين من جني الثروة بعرق جبينهم والتي ستخرجهم حتما من التبعية المالية للسلطة التي تعمل حسب مبدأ “جوع الكلب يتبعك” ! ثم أن نظام بوتفليقة غير الشرعي لا يقيم وزنا لآراء المواطنين : ألم “يربح” الإنتخابات بدون حملة انتخابية؟ ألم يتهم كالعادة معارضيه بأنهم “يد الخارج” وكأن الجزائر ملك له ؟ ألم يحتقر الصحافيين الجزائريين وسماهم “طيابات الحمام” ولم يصرح لهم بكلمة منذ سنوات وفضل التوجه للإعلاميين الفرنسيين وأصبحنا نستقي أخبارنا من لوموند ولوفيقارو؟ فلماذا ينتظر سكان الجنوب الشجعان أن يلتفت لهم بوتفليقة بعدما احتقر كل الجزائريين لسنوات؟
بوتفليقة هو الذي استعان “بيد الخارج”، متمثلة في شركة توتال الفرنسية الحاضرة في الجنوب بعدما أن منعتها السلطات الفرنسية من التنقيب في بلادها، جاءت لتلويث أراضينا وتدمير واحاتنا. “سي عبد العزيز” ضعيف وفاقد للشرعية وهو يعلم ذلك وهو ما دفعه للإذعان للوبيات الشركات النفطية الغربية دون حياء وهذا ما يغضب كل جزائري حر. نحن لسنا بحاجة للغاز الصخري اليوم والأجدر هو تطوير الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية في جنوبنا الكبير والتي ستوفر مناصب شغل وتحافظ على البيئة. نحن نريد جزائر لا تهمش سكان الجنوب الذين برهنوا أنهم هم الأقدر على فهم مصالح البلاد ومستقبلها. إخواننا في عين صالح هم الذين يكتبون تاريخ الجزائر اليوم لأنهم أوقدوا الحس الوطني بعدما فتت نظام بوتفليقة اللحمة الوطنية منذ 15 عاما من الفساد والرشوة والمحسوبية والمشاريع الباهظة غير المجدية. فواصلوا في مقاومتكم السلمية المتحضرة بلا عنف لأجل إحباط الكارثة البيئية القادمة وحماية خيراتنا من جشع توتال وخيانة الأنذال ! فلعل معركة “الغاز الصخري” ستؤسس لجزائر الغد التي يُسمَع فيها للمواطنين وتحترم آراؤهم. نحن لا نريد المس بالوحدة الوطنية والسلم الإجتماعي لأجل عيون لوبي النفط الفرنسي ولكننا لسنا بحاجة للغاز الصخري، نحن نريد جزائر متضامنة من شمالها لجنوبها، تلك الجزائر التي أمم بومدين محروقاتها في عام 1971 حفظا لكرامتنا ولثرواتنا، أفلم تعدنا يا “سي عبد العزيز” بجزائر “العزة والكرامة” ؟
الجزائر نت