في الأسابيع الماضية تم تكليف ماتّيو رينتسي ذو التاسعة والثلاثين عاما بتشكيل الحكومة الجديدة بصفته رئيسا للوزراء في إيطاليا. ويتمتع منصب رئيس الوزراء الإيطالي بصلاحيات تنفيذية واسعة إذ يعيّن الوزراء ويقود السياسة الحكومية للدولة الإيطالية، تاسع أكبر اقتصاد في العالم و الرابع في الإتحاد الأوروبي. ورغم أهمية مسؤولية المنصب على الساحة الإيطالية والدولية فإنه كما يبدو ليس من المستحيل على القوى الشابة في أوروبا الوصول للمناصب القيادية وتولي مسؤولية الحفاظ على مصالح بلدانهم في عالم شديد التنافس. أما في بلادنا المستقلة منذ أكثر من خمسين عاما، لا يزال جيل ثلاثينات القرن الماضي الطاعن في السن يتحكم في دواليب الحكم ولم يتسن بعد لجيل الإستقلال التطلع لقيادة البلاد والتفكير في مستقبل الجزائر.
فبعد 15 عاما من الحكم الذي شابه التزوير والرشوة وتبذير المال العام، فاجأ عبد العزيز بوتفليقة الجزائريين بعزمه الترشح لعهدة رابعة رغم سنه المتقدمة ومرضه وفشله في تحقيق العدالة الإجتماعية والنمو الإقتصادي لأغنى بلد في إفريقيا. الرئيس المشلول لم يوجه كلمة للجزائريين منذ ما يقارب العامين بعد تعرضه لجلطة دماغية أقعدته الفراش لشهور طويلة. فبماذا يمكن تفسير الهوة الشاسعة بين خيارات الشعب الإيطالي التي تثق في الشباب لقيادة الحكومة وممارسات السلطة في الجزائر التي تهين الجزائريين وتحتكر السلطة لفائدة الشيح الهرم بوتفليقة وزمرته من العجزة الطفيليين المرتشين ؟ ما فائدة الإستقلال إذا كان جيل الحرية مكبل الأيدي لا يمكنه تقديم أي مبادرة لتطوير البلاد؟ وما الحل لطرد هؤلاء العجزة الجاثمين على صدور الجزائريين إلى غير رجعة؟
الفرق بين الحالتين الإيطالية والجزائرية هي أن إيطاليا بلد ديموقراطي يتنافس فيه السياسيون للوصول للسلطة بتقديم أجود الحلول لضمان العيش الراقي للإيطاليين والحفاظ على البلاد كقوة عظمى في الساحة الدولية. في البلدان الأوروبية المتحضرة لا يمكن الوصول للسلطة إلا بموافقة أغلبية أصوات الشعب وإذا لم يرض الشعب بسياسات حكومته سيتمكن من تغييرها في الإنتخابات القادمة. هذه الشفافية تضمن إذا وصول أحسن المواهب السياسية والإقتصادية لمركز القرار وتضمن بذلك استقرار هذه البلدان وتطورها المستمر.
أما في بلادنا فالأمر مختلف. إذ أن كل من وصلوا للحكم منذ الإستقلال لا يملكون أي تزكية شعبية و لا يقيمون وزنا لآمال الملايين من الجزائريين رغم تبججهم بحبهم للجزائر. في الحقيقة، هؤلاء العجزة المتحكمون في سلطة القرار في الجزائر لا يملكون أي شعور بالغيرة على مستقبل الجزائر كما أن أحوال الجزائريين لا تحرك لهم ساكنا. لماذا؟ لأنهم وصلوا للحكم بتزوير أصوات الناخبين وبالرشوة ولذلك فهم لا يقيمون وزنا لتطلعات الجزائريين ولا يشعرون بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم ولا يهمهم مستقبل البلاد والعباد. وهذا هو حال الرئيس المعوق بوتفليقة المتشبث بالحكم حتى آخر رمق في حياته. فالرجل الذي ذاق ملذات السلطة أيام الرئيس الراحل هواري بومدين ثم عاد في سنة 1999 بتزكية من الجيش لإخراج الجزائر من عزلتها بعد عشرية دامية من الحرب الأهلية يبدوا متشبثا بكرسي الحكم أكثر من أي وقت مضى رغم تجاوزه 77 عاما ورغم مرضه الذي فرض عليه المكوث لشهور في المستشفيات الفرنسية. الرئيس الهرم غير قادر حتى على توجيه كلمة للجزائريين منذ عامين، لكنه بديماغوجية منقطعة النظير يبرر عزمه البقاء في الحكم بأن الجزائريين هم من طلبوا منه ذلك.
الشيء المؤكد اليوم هو أن العجزة الذين يديرون الجزائر لا ينوون على الإطلاق تمرير الشعلة لجيل الإستقلال حبا في السلطة بالطبع، لكن ذلك يضمن لهم بالتأكيد ولأبنائهم وأصدقائهم الإفلات من أي تحقيق حول الأموال المنهوبة في الداخل والملايير المهربة للبنوك الأوروبية. هؤلاء العجزة يخشون الديموقراطية والشفافية لأنها السبيل الأوحد لقطع الطريق أمام الإنتهازيين والأميين القابعين في قصر المرادية ورميهم إلى مزبلة التاريخ لأنهم خانوا رسالة أول نوفمبر.
بوتفليقة رجل من الماضي يعتقد أننا نعيش في أيام هواري بومدين وأن الديكتاتورية على الطريقة السوفيتية يمكن تطبيقها في 2014 بتغليط الرأي العام عن طريق الخطابات الديماغوجية البائسة التي تضع الجزائريين بين خيارين : ديكتاتورية شيوخ الماضي أو الفوضى. لكن الرجل الهرم لا يعلم أن عصر ديكتاتورية جيل الثلاثينات لم يعد مقبولا اليوم حتى في دول الجنوب ولو نظر إلى تداعيات “الربيع العربي” لسلّم مقاليد السلطة قبل يصله لهيب “صيف الجزائر”. فإن كان الجهل هو الذي أعمى بصيرة زعيم الماضي وزمرته ليتركه جاثما على مستقبل شباب الجزائر، فليتوقع مصيرا كمصير القذافي وزين العابدين أو حسني مبارك … وإن كانت ثقتنا كبيرة في مؤسسات الدولة للوقوف إلى جانب الشعب وتفويت الفرصة على أعداء الجزائر … شيوخ الماضي.
الجزائر نت