قد يقول أحدهم، لماذا يتهجم الناس على العلماء و”لحومهم مسمومة” ؟ أليسوا بشرا يصيبون ويخطئون ؟ إذا ما على المواطن سوى حسن الظن فيهم والإصغاء لهم وطاعتهم والدعاء لهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها. هذه هي الرؤية التي يحاول المستفيدون من الوضع الراهن أن يفرضوها على الناس. فالشيخ أعلم منك بدينه وبملكه وبمصلحة عامة الناس الذين لا يفقهون شيئا في شؤون الحياة الدينية والدنيوية. هؤلاء “العلماء” يعتقدون أنهم من صفوة القوم ومن واجبهم الحيلولة دون مشاركة الناس وإبدائهم لآرائهم في الشؤون السياسية والإجتماعية فضلا عن الأمور الدينية. فاحتكار الرأي في جميع المسائل كفيل ليس فقط بحماية “تجارتهم ومناصبهم”، وإنما أيضا حماية الملوك والقادة المستبدين المحتكرين للثروة والسلطة.
هوس مشايخ السلطان بوسائل الإعلام : من أشرطة الكاسيت إلى وسائل التواصل الاجتماعي
بعد اختراع الألماني يوهان غوتنبرغ المطبعة في أواسط القرن الـ 15 م وطباعة الإنجيل تنبهت الكنيسة الكاثوليكية لأهمية الاتصال الجماهيري في الدعاية الدينية والسياسية وضرورة توظيفه للسيطرة على عقول الجماهير. وكذلك فعل المناضلون من أجل الحريات وحقوق العمال في أوروبا حتى بزوغ نجم وسائل الإتصال الجماهيرية أي السينما، في أواخر القرن الـ 19 م، ثم الراديو و التلفيزيون في القرن الـ20م. .
كذلك فعل رجال الدين في العالم العربي والإسلامي أسوة بالكتاب والصحافيين العرب بدءا بالصحافة المكتوبة إلى آخر تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي. قد يتساءل القارئ : أليس من حق الدعاة والشيوخ استعمال الوسائل الحديثة لنشر الفضيلة ؟ والإجابة: نعم. لكن المشكلة تكمن في استعمالهم لهذه الوسائل لنشر الجهل وتشويه الرسالة السمحاء للإسلام بفتاويهم “حسب الطلب” ومساندتهم للأنظمة الإستبدادية فضلا عن زجهم بالشباب المحبط في براثين العنف والإرهاب. من منا في الجزائر لا يتذكر في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي الأشرطة المغناطيسية التي تصلنا من السعودية ومصر التي تنشر الخطابات النارية والفتاوى السياسية تحت غطاء الدعوة للدين وللمنهج الصحيح ؟ ألم تتسبب بعضها في نشر الأفكار الهدامة وتحويل الشباب المحبط إلى العنف كوسيلة للتغيير ؟ وبعد أن فتحت الفضائيات السعودية منابرها للمشايخ كقوة ناعمة لنشر منهج المملكة الوهابية في سائر أنحاء العالم وجلب التأييد الشعبي لسياسات ملوك آل سعود وحلفائهم الأمريكان في الشرق الأوسط. من منا لا يتذكر الفتاوى الدينية-السياسية لإضفاء شرعية تحالف آل سعود مع الأمريكان لاحتلال العراق ؟
دس الدعاية السياسية في أحشاء التجارة الدينية
الفضائيات التلفزيونية لازالت موجودة إلى يومنا هذا، لكن المشايخ – رجال الدين وصناع الرأي – انتبهوا للإعلام الجديد منذ بداية الألفية الجديدة وفهموا توجه الشعوب للانترنيت كوسيلة اتصال تفاعلية خارجة عن سيطرة الحكومات. فحجز كل شيخ موقع له على الإنترنيت ثم على وسائل التواصل لكن المحتوى والهدف لم يتغير. فكالعادة تقرأ فيه مزيج من الدعوة للفضيلة، وهذا عمل محمود، و الرسائل السياسية المساندة لسياسات الأمراء والملوك الفاسدين، وهذا عمل مذموم.
ربنا يا من قلت لنبيك: "فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم" اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار واشملنا وولاة أمرنا بفضلك واجمع المسلمين على ما يرضيك pic.twitter.com/vVQzeKWnVL
الشيخ السعودي العريفي يتملق لملوكه وأمرائه الذين دفعوا الجزية لترامب مقابل حماية عروشهم من سخط شعوبهم
أيعتقد هؤلاء أننا نسينا الفتاوى – والتي جاءت تلبية لرغبات نفس الملوك – الداعية للجهاد المزعوم في سوريا وليبيا واليمن ؟ ألم تتسبب في تدمير البلدان وتشريد الملايين وتجويعهم ؟ أحلال دعم الجهاديين في سوريا وحرام انتقاد السلطان المحلي ؟ أي ازدواجية هذه ؟ وفي ظل الغياب التام للصحافة الحرة، ينفرد هؤلاء بالمنابر ليس فقط لنشر الفضيلة كما يزعمون، وإنما لتبرير سياسات ملوكهم وإن تعارضت مع الدين والأخلاق.
الشيخ العريفي يبرر دينيا العدوان السعودي على اليمن والذي راح ضحيته الآلاف وكأن ذلك من الجهاد
أليس هذا النفاق هو الذي يدفع بعض الشباب الذي الذي تربى على خزعبلات مشايخ الدولار إلى الإرتماء في أحضان الجماعات الإرهابية التي تعدهم بالجنة في الدنيا والآخرة ؟ أو بالعكس دفعهم للإلحاد للتخلص من أدبيات الكهنة التي عفى عنها الزمن ؟
مشايخ البترودولار والدعاية التجارية : من بيع الأرز والدفاع عن شركات التأمين إلى الترويج لتجارة العبيد
الشيخ السعودي عائض القرني في مهمة تخويف الزبائن من مغبة التحايل على شركات التأمين
هل تريدون المزيد ؟ الشيخ العريفي لا يتردد في الترويج لتجارة العبيد، أي العمالة الأجنبية، والتي تعاني من معاملة قاسية في السعودية (نظام الكفيل) لا تمت بصلة لأخلاق الإسلام وقد نددت بها العديد من المنظمات الحقوقية في العالم. هل هناك تشويه للدين ولمكانة رجل الدين أكبر من هذا؟
الشيخ العريفي يروج لاستقدام الخادمات من آسيا وباسعار معقولة !
المسجد الأقصى أول القبلتين وثالث المسجدين شكر الله لخادم الحرمين اهتمامه ومسعاه ولا حرمه أجر ما بذل وجعله بميزان حسناته وجمع المسلمين وأعزهم pic.twitter.com/GNYnYhoOVi
وقد صرحت وسائل إعلام إسرائيلية بأن الحكومة الإسرائيلية كانت تتخوف من ازدياد الاحتقان في بعض العواصم العربية المقربة (الرياض، القاهرة، عمان) والتي قد تقود لحراك شعبي قد يهدد هذه الأنظمة الموالية لمحور واشنطن-تل أبيب. بدون شك أن هؤلاء الكهنة يعلمون أن الناس بدأت تتنبه لتجارتهم الخاسرة وهم يفقدون المصداقية شيئا فشيئا. ويبدوا أنهم يجدون صعوبة في تكميم أفواه معارضيهم والدليل على ذلك الانتقادات اللاذعة التي يتعرضون لها على وسائل التواصل، وهذا ما لم يكن ممكنا في وسائل الإعلام التقليدية المملوكة للسلطان.
بعد كل هذا، دعونا نعود للجملة الأولى في هذا المقال، ألا تزال لحوم العلماء مسمومة ؟ بالنسبة لنا لحوم الشعوب هى الأكثر سما وفتكا. وللحديث بقية.
أن يستعمل النظام السعودي أصوات المثقفين والصحفيين والشيوخ المحليين فهذا أمر معروف لكل متتبع لشؤون المملكة وإعلامها، وكذلك تفعل جل الأنظمة العربية، لكن أن نجد مثقفين جزائريين في طليعة المطبلين للنظام السعودي والأوائل في جلب رسائل الكراهية المذهبية الغريبة لبلادنا، والتي عادة ما يوظفها آل سعود لشرعنة حكمهم الوراثي، فهذا بالفعل مثير للقلق. والمتتبع لوسائل التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة يلاحظ انتشار حملة “تويترية” ضد سفير إيران في الجزائر وضد الشيعة بشكل عام (وهم يعدون على الأصابع في الجزائر) يقودها اللاجئ السياسي الجزائري المقيم في فرنسا نوار عبد المالك، المدعو “أنور مالك”.
فكيف تحول هذا العسكري اللاجيء في فرنسا والذي تصفه القنوات الإعلامية الخليجية “بالخبير والحقوقي والدكتور والإعلامي الجزائري” إلى بوق لنظام أجنبي رجعي يروج للكراهية المذهبية والتطرف للجزائر بلد الإسلام المالكي المعتدل الذي يعيش في كنفه العلمانيون والصوفيون والإباضيون والأقلية المسيحية بكل أمان ؟ وما سر تفرغ هذا اللاجئ لخدمة النظام السعودي على مواقع التواصل والفضائيات بدعم حروبه في اليمن وسوريا وحشد الدعم الجماهيري للمملكة الوهابية بالإعتماد على الخطاب الطائفي العرقي المشحون بالكراهية الذي يتبناه آل سعود لجماية عروشهم ؟ ألا نتبجج نحن في الجزائر “بالنيف” الذي لا يشترى بالمال ؟ أم أن “الأرز السعودي” أكبر من أن يقاومه أشباه مناضلي حقوق الإنسان ؟ أم أن الإنقسام الإيديولوجي والطائفي الذي تعانيه بلدان المشرق العربي والذي يغذي الحروب المدمرة في سوريا والعراق واليمن يشق طريقه لبلادنا عن طريق أبواق آل سعود المقيمين في أوروبا والذين ينعمون بديمقراطيتها وحرياتها ؟ وهل بإمكاننا التحدث عن لوبي سعودي يستهدف المثقفين الجزائريين ويسعى لتجنيدهم بعدما فشل آل سعود في جر الجزائر لحروبهم في سوريا واليمن وتبني الجزائر رسميا لموقف مستقل عن مغامرات أمراء الوهابية.
عندما يستثمر العسكري الفار في الدعاية لنظام آل سعود
دعونا نتعرض لظاهرة جديدة في الفضاء الإلكتروني الجزائري وهي انخراط شخصيات مقيمة في أوروبا ومحسوبة على الجزائر، على غرار نوار عبد المالك، في الصراع السعودي-الإيراني ورغبتهم في نقل الصراع المذهبي والقومي بين النظامين إلى الجزائر عن طريق البروباغندا الإعلامية. مخطئ من يعتقد أن ظاهرة شراء أصوات الصحافيين والمشايخ والفنانين لصالح الآلة الدعائية السعودية هي حالة خليجية بحتة وأن المثقف المغاربي – والجزائري على وجه الخصوص – سيبقى بعيدا عن التنافس المحموم على الزعامة الدينية والسياسية بين طهران والرياض. صحيح أن موقف جمهور السلفيين في الجزائر يتعارض مع موقف “ولي الأمر المحلي” (الرئيس بوتفليقة) ويقف بقوة إلى جانب ولي الأمر الأجنبي السعودي-الوهابي ويبرر إيديولوجيًا ودينيا انخراطه في سوريا واليمن والعراق وكذلك دعمه المباشر للثورات المضادة لإفشال الربيع العربي في مصر والبحرين، وهذا مفهوم بسبب العلاقة الوثيقة بين تيار السلفية-الوهابية العابر للحدود وطبيعة نظام الحكم الديني الوراثي السعودي. لكن الملفت للإنتباه هو تفطن بعض المغتربين اللاجئين من أمثال الضابط الفار أنور مالك لضرورة ركوب موجة التطبيل للسياسات السعودية من منفاهم مقابل حفنة دولارات. ربما لكسب قوتهم ؟ بدون شك فهم يدركون الصورة القاتمة للمملكة الوهابية في أوروبا بسبب اضطهادها للناشطين والنساء وسطوة الأمراء على السلطة والثروة بالتحالف مع مشايخ الوهابية النجدية والقوى الغربية. لذلك فالبروباغندا تستهدف الرأي العام العربي الخليجي بالخصوص ويتجلى محتواها في تسويق الإيرانوفوبيا والكراهية المذهبية وتبجيل أمراء آل سعود الفاسدين باعتبارهم ورثة الصحابة ! هي دعاية وهابية تقليدية ضرورية للنظام السياسي السعودي يحترفها آلاف المشايخ والصحافيين المرتزقة والتي تبدو غريبة عن المشهد الديني الجزائري والمغاربي بشكل عام الأكثر اعتدالا مقارنة بالمجتمع السعودي، من جهة، وعن مبادئ المجتمع الأوروبي الذي يعيشون فيه هؤلاء اللاجئين والمبني على الحرية الدينية والتعايش و الديمقراطية من جهة أخرى.
ومن أبطال هذه “البروباغندا” المدفوعة الأجر أنور مالك، اللاجئ حاليا في فرنسا، واسمه الحقيقي نوار عبد المالك و هو ضابط سابق في الجيش الجزائري مكلف بالإتصال (الدعاية ؟) طرد من الخدمة ثم فر إلى فرنسا طالبا اللجوء السياسي. واليوم يقدم هذا الرجل في وسائل الإعلام الخليجية بصفتة مراقب دولي لحقوق الإنسان وناشط سياسي و”خبير” في التشيع والشؤون الإيرانية !
نوار عبد المالك: من جندي شاعر في قصر العطش إلى لاجئ !
نوار عبد المالك، العسكري السابق، فر من الجزائر طالبا اللجوء في فرنسا زاعما تعرضه للتعذيب بسبب قناعاته السياسية، بينما السلطات الجزائرية تتهمه بتزوير الحقائق وأنه تم سجنه بسبب تورطه في تجارة المخدرات. الضابط أنور انضم لمؤسسة الجيش عام 1991 في عز الأزمة الأمنية واختار طواعية الإنضمام للنظام ليس حبا في المؤسسة العسكرية أو اقتناعا بضرورة المشاركة في الحرب ضد الإسلاميين الذين رفعوا السلاح ضد الدولة بعد إلغاء الإنتخابات التشريعية، لا أبدا، بل للإسترزاق ! أنور مالك يريد الحصول على المال والقضية ليست قضية قناعات ومبادئ وهكذا الحال إلى يومنا هذا إذ يغير أرائه حسب الجهة التي تدفع له.
ودون الخوض في تفاصيل تعرضه المزعوم للتعذيب علي يد وزير جزائري وطرده من الجيش وسجنه حتى تمكنه من الفرار من الجزائر، استغل أنور مالك هويته الجديدة في منفاه للهجوم على مؤسسة الجيش الوطني الشعبي سعيا للتقرب لوسائل الإعلام وتحقيق حلمه بالشهرة الإعلامية. فبعد أن كان ضابطا منخرطا في الحرب ضد الإرهاب طوال “العشرية السوداء” التي شهدتها الجزائر، تحول اللاجئ أنور مالك بعد أن وضعت الحرب أوزارها لعدو للجيش الجزائري متهما أياه باقتراف جرائم في حق الإسلاميين رغم أنه انخرط بنفسه وبمحض إرادته في الجيش طوال الحرب الأهلية ! ولجلب انتباه وسائل الإعلام شرع فور وصوله لفرنسا وحصوله على اللجوء السياسي في نشر مقالات على موقع “الحوار المتمدن” يزعم فيها كشف فظائع لإحراج الدولة الجزائرية مرتديا زي المعارض “اليساري” للنظام (انظر مثلا هنا وهنا وهنا !).
لكن كل تلك المقالات والقصص المفبركة لم تمكن العسكري نوار عبد المالك من جلب انتباه وسائل الإعلام الخليجية، لذلك توجه هذا الرجل المخادع لموقع يوتيوب في عام 2008 للكشف عن تعرضه المزعوم للتعذيب على يد وزير محاولا جلب انتباه الفضائيات الخليجية. و يحرص نوار عبد المالك على تقديم نفسه على أنه “الكاتب والصحفي المضطهد” وعلى استعمال اللغة الفصحى حتى يفهمه الإعلام الخليجي ويكتشف مهاراته الخطابية كضابط جزائري معارض وربما صحافي موهوب يستحق الاهتمام. وهذا ما تحقق إذ بدأت قناة الجزيرة في محاورته في برنامج “الصراخ” (الإتجاه المعاكس).
أنور مالك : مختص في “تفجير القنابل الإعلامية” لجلب الإعلام والمال
القنبلة الأولى : أنور مالك “الصحفي” يحاور نوار عبد المالك “الضابط الفار”. يحاور نفسه بنفسه ؟
كما أسلفنا الذكر فنوار عبد المالك يبحث عن الشهرة الإعلامية بأي ثمن ولذلك شرع في كتابة المقالات على الانترنيت باسمه المستعار “أنور مالك” تهاجم النظام الجزائري الذي خدم فيه طوال الحرب الأهلية واختلاق “قنابل إعلامية” لجلب انتباه الفضائيات الخليجية على الخصوص. ومنذ أن كان في الجزائر استعمل نوار عبد المالك اسماء مستعارة متعددة للكتابة في الصحف وللظهور في التلفزيون الحكومي دون الكشف عن مهنته الحقيقية في المؤسسة العسكرية. لذلك واصل على نفس النهج المخادع عندما وصل لفرنسا في إطار سعيه للولوج لعالم الصحافة. بل أنه حاور نفسه بنفسه عام 2009 عندما ابتكر كنيته المعروف بها اليوم “أنور مالك” وقدم نفسه على أنه “صحافي ناشط اعلامي وسياسي جزائري” حاور الضابط الفار “نوار عبد المالك” في مقال نشر في صحيفة “وطن” الأماراتية ثم تناقلته وسائل إعلام أخرى على غرار قناة الجزائرية !
نعم أنور مالك مستعد لفعل أي شيء للظهور في الإعلام ولو كان ذلك بمحاورة نفسه بنفسه باعتباره “الصحفي والضيف في نفس الوقت” بتقمص شخصيات متعددة واختلاق قصص وأكاذيب لخداع الجماهير. وقد انتبه مبكرا لذلك بعض القراء وكشفوا في 2009 كذب وانتهازية أنور مالك من أجل الشهرة.
القنبلة الثانية : أنور مالك يغازل المخزن المغربي وينتقد البوليساريو قبل ان ينقلب عليه !
في أولى سنوات اللجوء لفرنسا، وهو بحاجة للدعاية لقضية معينة لجلب الإهتمام والمال، ارتأى أنور مالك أن يدغدغ مشاعر اللوبي المغربي في فرنسا، وجلب أهتمام وسائل الإعلام، وهذا هو حلمه الأساسي، بمعارضة الموقف الرسمي الجزائري في ما يخص نزاع الصحراء الغربية باتهام الجزائر بخلق البوليساريو واحتجاز آلاف اللاجئين في تيندوف وصرف 200 مليار دولار على هذا النزاع.
ففي مقال تحت عنوان ” هل أتاك حديث مخيمات البوليزاريو في تندوف ؟”، والذي استهله بهذه الجملة ” أعرف أن هذه الإعترافات ستكون بمثابة القنبلة” (ألم نقل لكم بأن المخادع أنور مالك يحب “تفجير القنابل الإعلامية لشد انتباه الإعلام؟)، يؤكد أنور مالك بأن البوليزاريو صنيعة جزائرية لأجل خلق بوابة للجزائر نحو المحيط الأطلسي وهذا ما تسعى إليه الأطروحة المغربية حول هذا النزاع. بل قال أن مخيمات اللاجئين الجزائريين في تندوف “حولت لأوكار للدعارة المنظمة وسجون للتعذيب والإختطاف والحجز” ! فضلا عن أن “البوليزاريو التي تمارس سلطتها على شعب يبدو أنه مسجون في هذه المخيمات وليس فارا من جحيم الإحتلال كما يروج له”. هذا ما كتبه أنور مالك. ويحكي هذا المخادع “شهادات جنود وهميين وتسريبات استخباراتية واعترافات مصطنعة” حول الوضع في تندوف في إطار سعيه للتقرب من اللوبي المغربي في فرنسا مقابل حفنة دراهم.
وفي مقال آخر كتب أنور مالك : “حدثني يوما أحد عناصر البوليساريو (هو يكذب كالعادة، لم يحدثه أحد وإنما اخترع قصة) أنهم مستعدون لإبادة نزلاء المحتشدات لو فكروا في المغادرة الجماعية نحو الصحراء او المغرب أو حتى أعماق الجزائر، والسؤل المهم : لماذا يخون كل جزائري يرفض السياسة المنتهجة والتي يراد من خلالها تفجير المنطقة المغاربية وتدمير شعوبها بحروب وهمية قذرة؟
لماذا تحولت قضية البوليساريو إلى شيء مقدس في الجزائر وخط أحمر كل من يتجاوزه فقد جنى على نفسه؟!! ما الذي ستجنيه الشعوب المغاربية من دولة جديدة أو حتى أخر قادمة؟ ماذا سيستفيد الصحراويون من دولة تقودها جبهة تربت في ثكنات المخابرات الجزائرية”.
مخادعا كعادته، نوار عبد المالك يتبنى خطاب النظام المغربي ويريد استمالة الإعلام المغربي الذي سيستقبله بصدر رحب باعتباره مواليا لأطروحة الصحراء المغربية ومعارضا للنظام الجزائري. لكن ذلك لم يكفي لجلب الأموال والشهرة الموعودة، فاختار أنور المحتال طريقة “الانقلاب” (لخلق ضجة إعلامية أخرى) بعد زيارة لمدينة الداخلة المغربية للمشاركة في ملتقى دولي شهدته المدينة المغربية. أختار أنور مالك الإنقلاب تماما على الأطروحات السابقة فيما يخص نزاع الصحراء الغربية وكتب مقالات (أو “فجر قنابل إعلامية” كما يحب دائما) موالية للبوليساريو ومعادية للمغرب وهذا ما سبب صدمة لبعض الإعلاميين المغاربة الذين شعروا بمرارة الخديعة.
وقد انتبه المتابعون للشأن المغربي لنفاق أنور مالك وسعيه المستمر لتغيير آرائه حسب مبدأ من يدفع أكثر. وتغيير أنور مالك لموقفه ليس حبا في الصحراء الغربية بل انتقاما من عدم اهتمام السلطات المغربية به (مالا وإعلاما) رغم تبنيه لموقف كلفه الكثير أمام الرأي العام الجزائري المتعاطف مع البوليساريو. بعد فشله في الحصول على “الرز المغربي” هاهو أنور مالك يتبنى خطاب البوليساريو لترميم سمعته أمام الرأي العام الجزائري. وقد انتبه المتابعون لهذا الحرباء كيف خدع المغاربة وانقلب عليهم بسب عدم حصوله على “الرز” الذي كان يتمناه.
بالطبع هذا الموقف الجديد لأنور مالك مربح إعلاميا لأنه جلب انتباه بعض الصحف الجزائرية الموالية للنظام وعلى رأسها جريدة الشروق التي خصصت صفحاتها “للقنبلة الإعلامية الجديدة التي فجرها أنور مالك“. ألم نقل لكم بأن المخادع أنور مالك اختصاصي في القنابل الإعلامية ؟ وكما ترون فأنور مالك سواء ساند المغرب أو البوليساريو دائما بارع في خداع جمهوره في إطار سعيه للنجومية عبر وسائل الإعلام، ولو حصل هذا اللاجئ على دعم مالي من أطراف مغربية لاستثمر ذلك للنضال من أجل “وحدة التراب المغربي” وضد البوليساريو ولما انتبه للرز السعودي. نحن هنا لا نتبنى أي موقف من قضية الصحراء الغربية وإنما نبين فقط مدى انتهازية اللاجئ أنور عبد المالك وسعيه المستمر للدفاع عن قضية معينة والدعاية لها مقابل أموال وشهرة وتغيير مواقفه كلية إذا لم يحقق “استثماره” النجاح المطلوب.
القنبلة الثالثة : البعبع الشيعي الإيراني للدعاية لنظام آل سعود والاستمتاع بأرزه !
بعدما فشل نوار عبد المالك في استمالة المال والأعلام المغربي عبر الاتجار بقضية الصحراء الغربية أدرك هذا المخادع بأن الوقت قد حان للتودد للإعلام الخليجي وركب موجة العداء للشيعة وإيران وحزب الله تقربا من آل سعود وطمعا في “مكرماتهم” السخية. نوار عبد المالك الذي خدم في مكتب الاتصال عندما كان عسكريا في الجيش يعرف الدعاية الإعلامية – حسب تعاليم المدرسة السوفييتية التقليدية – ويسخرها للاسترزاق، لذلك انتبه إلى تصاعد التوتر الطائفي في الخليج على خلفية التنافس السعودي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط داعيا لركوب موجة المحذرين من تنامي التيار الشيعي والتحذير من “الخطر الداهم” على الجزائر أولا لخلق ضجة إعلامية تضعه تحت أضواء القنوات التلفزيونية الخليجية، وهذا هدف أساسي، وأيضا لاستمالة الأطراف الخليجية الثرية المنخرطة في الصراع الإعلامي والسياسي بين إيران والسعودية، ويالها من تجارة رابحة.
بدأ انور عبد المالك الإستثمار في “مشروع البعبع الشيعي” عبر نشر مقالات تحكي صراعات وقصص شبيهة فأفلام الإثارة يلفقها كعادته لجلب انتباه الرأي العام والإعلام. وجميع القصص التي اخترعها عبد المالك بدءا بتعرضه للتعذيب من طرف وزير جزائري إلى احوال اللاجئين الصحراويين في تندوف إلى الغزو الشيعي المزعوم في الجزائر لا يمكن التحقق منها. دائما تحقيقات أنور مالك تعتمد على أوراق استخباراتية مسربة (يكتبها بنفسه) واعترافات وصلته من أصدقاء وهميين له في النظام الفلاني وهكذا. وربما ذلك ما دفعه عن التنازل عن الدعوى القضائية التي رفعها ضد سلطات بلاده الجزائر في المحاكم الدولية ومزاعمه حول التعذيب التي تعرض له. فلقد حصل على اللجوء السياسي وضمن الإقامة في فرنسا وأصبح مشهورا ولم تعد هناك حاجة لاختلاق المزيد من مسلسلات التعذيب المزعومة التي تمنحه الحق في اللجوء والشهرة والمال.
حان الوقت إذا لأنور مالك، كغيره من أشباه الصحفيين المرتزقة الذين لا يمتون بصله لمهنة الإعلام، للاستثمار في الدعاية لصالح المملكة السعودية عن طريق التخويف من إيران والشيعة والدعوة للالتفاف حول آل سعود باعتبارهم قادة “للأمة العربية” وأصدقاء للثوار العرب في سوريا والكل يعلم أن آل سعود وقفوا دوما ضد الثورات العربية وضد القوميين وضد الديمقراطية في مصر واليمن والبحرين وتونس. موقف أنور مالك باختصار يتماشى مع الرؤية السعودية ولذلك مثلا يتحاشى انتقاد نظام السيسي العسكري في مصر باعتباره حليفا قويا للسعودية. لكن ما هو موقف نوار عبد المالك من العرب قبل اندلاع الربيع العربي؟ وهل كان مدافعا عن حقوقهم في الحرية والديمقراطية كما يدعي اليوم ؟ لا، أبدا.
أنور مالك قبل الربيع العربي : العرب متخلفون ولصوص ولا يصلحون أصلا للحضارة !
دعونا نعود قليلا لما قاله أنور مالك عن العرب في 2009 على قناة الجزيرة قبل الربيع العربي وقبل تورط السعودية في الحربين السورية واليمنية، بل وقبل أن يصبح “ناشطا حقوقيا مزيفا”. ماذا قال أنور مالك عن العرب ؟ ونقصد الشعوب وليس الأنظمة. قال في حوار مع فيصل القاسم : “أن العرب مصابون بداء الفانتازيا وأنهم اخترعوا الصفر فمنهم من جلس عليه، ويوجد من وضعه على رأسه – وهو يستهزء بالعقال الذي يضعه العرب على رؤوسهم في الشام ودول الخليج قبل أنه يضعه هو بنفسه على رأسه تيمنا “بالرز السعودي” كما يبدو في الصورة أعلاه – وهناك من حزم به وراح يهز الصدر والبطن والورك حتى يثبت للعالم بأن الإنسان العربي قادر على فعل شيء ما (يقصد الرقص الشرقي باعتباره تراثا عربيا) … الإنسان العربي متخلف متخلف متخلف ولا يصلح أصلا للحضارة”. هذا ما قاله قال أنور مالك عندما كان يريد الظهور بمظهر الثائر في الفضائيات العربية. بالتأكيد أن الشعوب العربية اليوم مهزومة ومتخلفة ولكن من المسؤول عن هذا الوضع ؟ أليست الأنظمة العربية الإستبدادية التي قتلت روح الإبداع في الإنسان العربي؟ بالنسبة للانتهازي أنور مالك “الشعوب العربية هي المسؤولة عن ذلك لأن الحاكم العربي خرج منها”. أنور مالك قال هذا قبل اندلاع الربيع العربي عندما تحول فجأة لمدافع عن حقوق الإنسان العربي ! ويضيف أن “أي مواطن عربي لو وصل إلى الحكم فسيفعل أسوء مما يفعل الحكام الحاليين ولا فرق بين الحكام والمحكومين كلهم في سلة واحدة مادام عنوانهم العرب” وهو بذلك لا يقف بجانب الشعوب المظلومة التي تستحق حسبه كل هذا القمع والتخلف ! وبعد عامين تحول أنور مالك لصديق للشعوب وركب موجة الربيع العربي حسب وجهة نظر القنوات الخليجية التي تستضيفه.
وعداء أنور مالك لحزب الله ليس بسبب تدخله في سوريا إلى جانب الأسد كما يزعم اليوم، فقد أعتبر في حواره على الجزيرة حرب 2006 مع إسرائيل مجرد “مؤامرة فارسية” تتحمل وزرها إيران وليست إسرائيل. وختم أنور مالك انتقاده للعرب بهجوم على المهاجرين العرب الذين يعيشون في الغرب (أنسي أنه واحد منهم ؟) جميعهم بلا استثناء ووصفهم بأنهم على خلاف شعوب العالم الأخرى “لصوص، يطاردون النساء في الشوارع، وكل الأخلاق السيئة موجودة في الإنسان العربي” ! فبعد كل ما قاله، كيف لنا أن نصدق تحول أنور مالك اليوم لمدافع عن الشعب السوري ضد الديكتاتورية ؟ ألم يقل بأن الشعوب ستكون أسوء لو سمح لها باختيار حاكميها ؟ كيف نصدق دعوته العرب للاصطفاف وراء الملك السعودي – ديكتاتور رجعي آخر– لإنقاذ الإنسان العربي ؟ اتهامات أنور مالك للشعوب العربية جارحة شديدة التعميم ولا ضير إن تلقفتها مؤسسة “ميمري” الإسرائلية الدعائية، وهي مختصة في تشويه صورة العرب عند الرأي العام الغربي، فقامت بترجمتها للإنجليزية وبثها للجماهير الغربية وكأنها تقول لهم “وشهد شاهد من أهلها، هذه هي صورة العرب الحقيقية كما وردت على لسان “مثقف” عربي”.
أنور مالك : قواد آل سعود وخصم للموقف الجزائري
بقدرة قادر، أغتنم أنور مالك فرصة اندلاع أحداث الربيع العربي ليتبنى موقف السعودية في سوريا واليمن والبحرين ومصر لأن ذلك سيفتح له الطريق للقنوات التلفزيونية الخليجية وهو الذي يحب الظهور في الإعلام منذ أن كان ضابطا في الجيش الجزائري باسماء متعددة ومستعارة. نشاط أنور مالك على مواقع التواصل الاجتماعي يقتصر في أيامنا هذه على البروباغندا لفائدة العائلة الحاكمة في السعودية ويبدو أن الرسائل موجهة في جوهرها للجمهور السعودي لتجنيده وحشده وراء العائلة المالكة وتخويفه من “المد الشيعي الجارف” الذي يتهدد المملكة وإثارة عواطفه.
أنور مالك يدرك أن رسائله الدعائية لصالح آل سعود وانتقاده لمواقف وطنه السابق (الجزائر) الرافضة للحرب السعودية في اليمن وسوريا، وتجاهل حكومة بوتفليقة للحلف “الإسلامي” السعودي ضد الإرهاب، لا يلقى اهتماما في الشارع الجزائري. لذلك ارتأى غوبلز آل سعود الجديد تحريك الطائفية، وهي الوصفة السحرية التي يتقنها آل سعود ومشايخهم لتخويف الرأي الداخلي من الخطر الإيراني الداهم وإشغاله عن همومه اليومية، متهما سفير طهران في الجزائر بنشر التشيع في البلاد. وانتشرت “الحملة التويترية الخليجية” كالنار في الهشيم مطالبة بطرد السفير الإيراني وإرجاع الجزائر للحضن السعودي وقد تبنتها القنوات السعودية الطائفية كقناة “وصال” للضغط على الرأي العام الجزائري لكنها فشلت في تحقيق ذلك.
هذا الإتهام هو بحد ذاته احتقار للشعب الجزائري لأن من يعتقد أن الجزائريين سيغيرون دينهم ومذهبهم وتقاليدهم لمجرد وجود سفير إيراني في الجزائر يشكك في عبقرية هذا الشعب الذي حافظ على ثقافته وهويته بالرغم من 132 عاما من الإحتلال الفرنسي. ثم أن السعودية لا تشكل بالنسبة لأي جزائري نموذجا للنهوض وللحرية والديمقراطية حتى ينساق وراء سياساتها وحروبها المذهبية، فقد عانت الجزائر من الإرهاب الإسلاماوي، ولا تزال إلى يومنا هذا بقايا تنظيم القاعدة تهدد أمن البلد، وهي ليست بحاجة لنقل الحرب المذهبية الداعشية التي تعاني منها شعوب الشرق الأوسط إلى عقر دارها. إذا كان اللاجئ أنور مالك يخشى انتشار التشيع في الجزائر، وهذا غير حقيقي وبروباغندا فاشلة، فإننا نخشى أكثر انتشار التيار السلفي-الوهابي-السعودي في البلاد (وهذا أمر واقعي ويراه يوميا كل الجزائريين) والذي قد يهدد التعايش في المجتمع الجزائري، ليس بسبب الشيعة فهم يعدون على الأصابع وأغلب الجزائريين لم يصادفوا شيعيا في حياتهم، ولكن بسبب تمسك الناس بالتراث المالكي المغاربي المعتدل الذي يعيش في كنفه المتصوفة والإباضيين والعلمانيين العرب والأمازيغ بسلام منذ قرون طويلة.
وأحداث مدينة غرداية الأخيرة تثبت ما نقول وبينت وجود تيار سلفي متطرف يكيل الشتائم للأقلية الإباضية ويتهمهم بالخوارج وهم أبناء البلد وتاريخهم أصيل وتقاليدهم وتراثهم يشرف كل جزائري. زد على ذلك فكل جزائري يتذكر التهديدات بالقتل التي أطلقها الناشط السلفي المتطرف عبد الفتاح زراوي حمداش، قائد “جبهة الصحوة الحرة الإسلامية السلفية الجزائرية”، ضد الصحفي كمال داود و دعوته من سماهم “أهل السنة في العالم” إلى حرق كتب ورسائل وديوان الشاعر السوري أدونيس.
كل من يعيش في الجزائر يعلم اليوم أن الخطر الشيعي المزعوم لا يتعدى مواقع التواصل الاجتماعي التي يديرها متعاطفون مع الوهابية السعودية وأن التيار الديني الأكثر نشاطا في الجزائر هو التيار السلفي السعودي الذي يستولي على المساجد ويضغط على الجزائريين لثنيهم عن ممارسة عاداتهم وثقافتهم وإخضاعهم لمبادئ الوهابية السعودية المتشددة. بل أن وزير الشؤون الدينية الجزائري دق ناقوس الخطر محاولا استرجاع المساجد من قبضة السلفيين الذين استولوا على المنابر عندما كانت الجزائر مشغولة بالحرب ضد الجماعات الجهادية المسلحة.
قد يقول أحدهم، أليس من حق العسكري الفار نوار عبد المالك الوقوف بجانب السعودية ودعمها في حروبها في اليمن وسوريا ووقوفها ضد النفوذ الإيراني المتزايد في الشرق الأوسط ؟ والجواب نعم. لكن أن ينخرط في نشر الكراهية الطائفية والمذهبية التي يعتمد عليها النظام السعودي لتفتيت شعوب المنطقة وتقديم نفسه باعتباره “زعيم المسلمين” والمدافع عن حقوقهم فهذا أمر مثير للإستغراب. ليس فقط لأن حقوق الإنسان في السعودية نفسها في أسوء الحالات كغيرها من ديكتاتوريات الشرق الأوسط، ولكن لأن تبني الصراع المذهبي الذي راح ضحيته الآلاف في سوريا والعراق وباكستان واليمن ووصل للسعودية نفسها ونقله للجزائر مقابل حفنة دولارات تعتبر خيانة ممن يقدم نفسه على أنه مدافع على مصالح وحقوق العرب والجزائريين على وجه الخصوص. ثم ألم يغير المجتمع الفرنسي المبني على الحريات الدينية والديمقراطية والعيش المشترك الذي يحتضن هذا اللاجئ (الهارب من القمع السياسي كما يدعي) شيئا في أفكاره ؟ هذا هو الواقع، فهل يصدق أحد دعاية اللاجئ أنور مالك وتصريحات وفتاوى مشايخه السعوديين؟ ومن يصدق أحد حرصه على أمن الجزائر وخوفها على أمنها وهو الذي فر منها قاصدا اللجوء لفرنسا (المحتل السابق) ومن ثم حاول رفع دعوات قضائية دولية ضد مؤسستها العسكرية ؟ بإمكان هذا الحرباء امتطاء تيار الطائفية وحشد الرأي العام السعودي وراء ولي أمره لقبض دولاراتهم، هذا شأنه، لكن الأولى له أن يترك الجزائر بعيدة عن مغامرات مملكة الوهابية وحروبها المذهبية.
للإشارة فإن أنور مالك لا يكن الود لآل سعود وإنما لدولاراتهم. فقد كتب في مقال في السابق، أي قبل أن ينضم لصف لاعقي أحذية آل سعود، منتقدا ملك آل سعود ومشايخ الوهابية الذين اعتبرهم يهود خيبر : “الملك السعودي عبدالله صار منشغلا بولاية عهده لأن الحالة الصحية للأمير سلطان حرجة، وفي سياسته وأطروحاته الوضيعة يباركها ثلّة من علماء يتقنون لعق الصحون بأصابعهم والزحف على بطونهم في قصر جلالته، يمجدون ويخيطون فتاوى على مقاس حذاء يستعمله الملك لدخول بيت الخلاء، أو يكتبونها على ورق يستعمل في مراحيضه المزخرفة بالذهب الخالص !!… وطبعا لا ينتظر الخير من يهود خيبر أبدا“.
اليوم انقلب أنور مالك عما كتبه وغير رأيه بعدما تذوق حلاوة دولارات آل سعود وأصبح من أكبر المدافعين عن سياساتهم، أكثر من السعوديين أنفسهم. أنور مالك ليس وحده من يطبل لآل سعود، مؤخرا انضم له المحامي القادم لتوه من الجزائر “إسماعيل خلف الله” الذي أصبح بسرعة فائقة “ناشط في حقوق الإنسان” ومعارض للنظام الجزائري وخبير بالشأن الإيراني ومناهض للتشيع عبر رابطة أصدقاء السعودية “التويترية” و “المرصد الدولي لتوثيق وملاحقة جرائم إيران” الذي تم إنشاؤه في فرنسا مقابل دولارات سعودية. وهذا الحرباء كان منذ قصير مسؤول الإعلام والاتصال في حزب جبهة التحرير الوطني بفرنسا ودافع بكل شراسة عن حزب السلطة على قناة فرانس 24 قبل أن يعتنق النفاق ويصبح معارض للنظام وخبير في حقوق الإنسان وصديق مقرب لأنور مالك وبوق لآل سعود. وقبل أن ننهي المقال …
“قنبلة” أخرى فجرها أنور مالك كهدية للقارئ
لا ننوي الإطالة أكثر و نذكركم بالضجة التي أحدثها المراوغ نوار عبد المالك عندما أعلن في 2012، بعد مسرحيته في سوريا وانسحابه من البعثة التي زارت سوريا والتي ادعى فيها كاذبا كعادته بأن نظام الأسد أراد إغوائه بالحسناوات السوريات في الفندق الذي يؤوي البعثة، عندما تعرض للضرب في فرنسا وصرح لأحدى القنوات الموالية للمال الخليجي بأن جهات ما (يعني استخباراتية كما يردد دائما) تنوي قتله وأنه تلقي رسائل تهدده (رسائل كتبها بنفسه بدون شك). هدفه بدون شك خلق بلبلة وجلب تعاطف الرأي العام معه.
والحقيقة أن الذي تشاجر معه ليس عميل سوري كا يوحي نوار عبد المالك وإنما صهره المقيم في فرنسا والذي شرح للرأي العام لتوه بأن أنور مالك كاذب ويريد إحداث ضجة إعلامية لخدمة صورته وأجندته التي توالي المال الخليجي. وفي الفيديو أدناه لقاء مطول مع صهره الذي قدم للرأي العام حقائق مذهلة عن شخصية نوار عبد المالك منذ وصوله لفرنسا ونترك للقارئ الحكم بنفسه.
بررت العائلة الحاكمة في السعودية إعدامها الجماعي لسبع وأربعين (47) معارضا، وعلى رأسهم رجل الدين الشيعي نمر النمر، بمحاربتها “للإرهاب” سواء كان سني أو شيعي. السعودية وجهت رسالة شديدة اللهجة ليس إلى الأقلية الشيعية وإيران كما يزعم الإعلام الدعائي السعودي والخليجي الموالي، بل إلى الأغلبية السنية التي تشكل الخطر الأكبر على حكم آل سعود. كيف ذلك؟
عداء السعودية للزعماء القوميين العرب
نجح ملوك آل سعود منذ عشرات السنين في خوض حروب ناجحة بالوكالة ضد كل “الأشقاء” العرب المسلمين الذين يهددون سلطانهم وزعامتهم للعالمين العربي والإسلامي أو من يتجرؤون على انتقاد سياساتهم وعلاقاتهم الوثيقة بالمعسكر الغربي الإمبريالي. وسلاحهم الفتاك لتحقيق ذلك هو البترودولار والوهابية. وبعيدا عن الحرب الطائفية الحالية، فقد وقف آل سعود ضد الزعماء القوميين العرب بدءا بجمال عبد الناصر في ستينات القرن الماضي – عندما انخرطوا عسكريا ضد الثوار اليمنيين الجمهوريين المدعومين من عبد الناصر والتي خلفت عشرات الآلاف من القتلى في صفوف الجيش المصري – وختاما بصدام حسين بعد انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية والتي قاتل فيها الرئيس العراقي الجمهورية الإسلامية (الغريم الشيعي) بالنيابة عن دول الخليج قبل أن ينقلبوا عليه عندما احتل الكويت ويستقبلون المارينز الأمريكي على أراضيهم لاحتلال العراق والإطاحة به. وقبل ذلك انخرطت السعودية في الحرب السوفياتية الأفغانية عندما أعلنت الجهاد ومولته بالسلاح خدمة لمصالح الصديق الأمريكي في إطار الحرب الباردة قبل أن تنقلب مرة أخرى على الجهاديين العرب الذين أسسوا القاعدة. لا شك أن آل سعود يتمتعون بدهاء بالغ مكنهم من الحفاظ على الحكم في الجزيرة العربية واستمرار سيطرتهم على منابع النفط لما يقارب القرن من الزمن رغم كل التغيرات التي شهدها الشرق الأوسط.
… ووقوفها في صف الثورات المضادة للربيع العربي
وتمكن آل سعود من تجاوز “محنة الربيع العربي” باللجوء السلاح التقليدي الذي لا يزال فعالا للحفاظ على العرش : البترودولار والوهابية. البترودولار لإسكات الجبهة الداخلية عبر المساعدات الاجتماعية السخية، والوهابية لحث المواطنين على طاعة السلطان باعتبار ذلك من “الدين” من جهة، والتخويف من العدو الداخلي الخارجي الذي تشكله الأقلية الشيعية على الأغلبية السنية. وفي السنوات الأخيرة انخرطت السعودية في حروب ونزاعات عديدة في إطار صراعها على زعامة العالم العربي والإسلامي وبالتالي الحفاظ على حكم آل سعود للجزيرة العربية. فبالإضافة لدعمها حتى النهاية للديكتاتور حسني مبارك في مصر والزعيم التونسي الفار زين العابدين بن علي، فإنها انخرطت في الحراك السياسي في اليمن والبحرين المجاورين لها وأفشلت أي عملية تحول ديمقراطي.
… وتخوفها من رياح التغيير الداخلية
وتخوف آل سعود من تيار التغيير الذي يجتاح العالم العربي هو الذي دفعهم لإعدام 47 شخصا تتهمهم بالإرهاب، بعضهم متعاطف مع داعش وآخرون مع القاعدة وهم سنة لا يبالي أحد بحياتهم. أما إعدام رجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر فقد أشعل نيران الطائفية في الشرق الأوسط وهذا بالضبط ما تبحث عنه الأسرة المالكة في السعودية. فطالما اتهمت التنظيمات الإرهابية (السنية) كالقاعدة وداعش آل سعود بالتقاعس عن لجم النفوذ الإيراني الشيعي وقمع الجهاديين السنة. هذا موقف صحيح إلى حد ما، لأن أغلب معارضي آل سعود وأكثرهم خطرا عليه هم سنة وليس شيعة كما يحاول الإعلام الخليجي الدعائي تصويره. وقد أشار الرئيس الأمريكي، ردا على الإنتقادات التي وجهت لإدارته بعد توقيع الإتفاق حول البرناج النووي الإيراني والمزاعم حول تخلي أمريكا عن حلفائها الخليجيين العرب، بأن الخطر على هذه البلدان ليس خارجي (إيراني) بل داخلي (الجهاديين المعارضين للسلطات الحاكمة)، وأوباما يدرك جيدا ما يقول. ولذلك أطلقت السعودية مؤخرا العنان لآلتها الإعلامية والدينية لتشويه سمعة تنظيم الدولة (منافسها الوهابي العنيد) عند السعوديين الذين يناصرونه نظرا لتقارب الإيديولوجية السلفية الوهابية الرسمية وأيديولوجية داعش التي تسعى للعودة لتعاليم الحركة الوهابية الراديكالية الأصلية التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى في أواسط القرن 18.
تأجيج الطائفية كضرورة للنظام الحاكم
ويؤكد في هذا الإطار الباحث الفرنسي فرانسوا بورغات بأن تأجيج الطائفية المذهبية في المنطقة هو “مشكل سعودي داخلي” وأن توتر العلاقات الدبلوماسية مع إيران هو نتيجة صراع داخلي يخص نظام الحكم في السعودية نفسها وليس لأسباب دينية أو إقليمية كما يصوره البعض. فالعائلة الحاكمة في المملكة تتخوف بدون شك من الأكثرية السنية في البلاد وليس من الأقلية الشيعية التي تتهمها بالولاء لإيران. إن الإعدام الجماعي لـ 47 معارضا يحمل في طياته رسالة للأغلبية السنية في البلاد وشعور بخطر داهم من السنة الموالين لتنظيم الدولة والذي يلقى حسب بعض المصادر تعاطفا واسعا في الشارع السعودي. هذه الفرضية يدعمها التوجه الأخير لتنظيم الدولة الذي بات يهدد آل سعود عبر عشرات الفيديوهات الدعائية ويتهمهم ليس بمساعدة الأمريكان والأوروبيين الذين يقصفونه في سوريا والعراق فحسب، بل وبموالاة الإيرانيين والشيعة العراقيين الذين يقاتلونه في العراق وسوريا.
الأسرة المالكة في السعودية تتعامل بجدية مع تهديدات داعش وكذلك تفعل حينما تشعر بصعود نجم جماعات إسلامية تنافسها الزعامة على العالم السني التي تشكل التجارة الرابحة لآل سعود منذ عشرات السنين. فإذا كان الملك السعودي الراحل عبد الله قد تمكن من الإطاحة بالتيار الإخواني (السني) في مصر ودافع بالبترودولار وأعلام الوهابية عن شرعية الحكم العسكري في مصر وعن “حرمة” الإنتخاب والديمقراطية في العالم العربي، فإن الملك سلمان يتكفل حاليا بالحرب ضد تنظيم الدولة الذي ينافسه الزعامة على التيار السلفي الوهابي في العالم الإسلامي.
… وكوسيلة لسحب البساط من تحت قدمي تنظيم الدولة
وإذا كان تنظيم الدولة لا يخف رغبته في القضاء على الوجود الشيعي (والأقليات الدينية الأخرى) في الجزيرة العربية منتهجا سياسة التطهير العرقي، فإن النظام السعودي (الراعي الرسمي للوهابية والناطق الرسمي باسم السنة في العالم) يبدو أحوج من أي وقت مضى لتلميع صورته في أوساط الجماهير والظهور كنظام يعول عليه لردع الشيعة وإيران. ويبدو أن الآلة الإعلامية الدعائية السعودية-الخليجية قد نجحت في تمرير هذه الرسالة إذ تناست أكثر من 40 معارض سني تم إعدامهم وركزت على إظهار إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر كدليل على حزم آل سعود ضد الشيعة وإيران لكسب تضامن الجمهور السني المحلي والإقليمي، واصطفافه وراء آل سعود، وسحب البساط من تحت تنظيم الدولة، “بطل” الجهاد ضد الشيعة في المنطقة. وانطلاقا من هذه الرؤية يمكن أيضا رؤية الحرب السعودية في اليمن ضد الحوثيين ودعمها للسلفيين الجهاديين الموالين لها في سوريا ضد الأسد وحليفه حزب الله كأداة لحماية سمعة النظام السعودي الذي يسعى للظهور كبطل المقاومة السنية ضد النفوذ الإيراني الشيعي المتزايد في المنطقة. فإن كان آل سعود في السابق يواجهون عسكريا وإيديولوجيا جناح تنظيم القاعدة الذي لا يواليهم في الجزيرة العربية، فإن لهم اليوم منافس آخر أكثر خطرا وهو تنظيم الدولة ذو الإيديولوجية السلفية-الوهابية الذي لا يعترف بشرعية آل سعود ولا بعلمائهم ومشايخهم ويسعى لإقامة دولة (خلافة) تنهي سيطرة آل سعود على الجزيرة العربية وعلى الأماكن المقدسة. إنه تنافس سعودي-“داعشي” على زعامة العالم الإسلامي وصراع على السلطة بتفعيل تعاليم التيار السلفي-الوهابي الذي يتغذى على الشحن الطائفي لجلب المؤيدين، فمن سيكسب هذه المعركة ؟
المتتبع لخطابات الجهاديين الموالين لتنظيمي القاعدة وداعش اتجاه المسلمين المقيمين في الغرب يكتشف أنها تنطبق في كثيرا من الأحيان مع آراء اليمين الغربي المتطرف الذي يرى في الجاليات المسلمة طابورا خامسا يهدد الديمقراطيات الغربية في عقر دارها. الجهاديون بُخرجون من الملة المسلمين الغربيين الذين لا يوافقونهم الرأي ويرفضون أعمالهم الإرهابية ضد العزل باسم الإسلام ويتهمونهم بالخيانة والردة. بينما يغتنم اليمين المتطرف المعادي للمسلمين الفرصة عند كل عملية إرهابية ليتهم المواطنين المسلمين بعدم الاكتراث لما يرتكبه المتطرفون الجهاديون من جرائم باسمهم وأن ذلك ينم عن “رضى خفي” عما يجري. وبين هذا ذاك يجد المسلم الغربي أو المقيم في الغرب نفسه بين مطرقة داعش وسندان اليمين المتطرف.
عندما تلتقي إيديولوجية الجهاديين بخطاب اليمين المتطرف
تسعى الحركات الجهادية المتطرفة التى ترفع راية داعش كمؤشر لهويتها الإيديولوجية لتأليب الرأي العام الغربي ضد المواطنين المسلمين وخلق بيئة “حرب أهلية” تمكن التنظيم من نقل الحرب الدائرة في سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن، الخ، الى عقر دار الدول الغربية التي يعيش فيها ملايين المسلمين. قد يقول البعض أن ذلك متوقع بسبب انخراط هذه الدول في الحروب الأهلية الدائرة في العالم الإسلامي ودعمها لأطراف ضد أخرى ولأنظمة عربية ديكتاتورية عفى عنها الزمن، لكن ارتكاب جرائم القتل الجماعي للمدنيين في فرنسا وأمريكا باسم الإسلام والمسلمين وباسم “الخليفة” البغدادي وضع الجالية المسلمة في وضع لا تحسد عليه. فأنصار تنظيم داعش هللوا لهذه العمليات الإرهابية الإستعراضية انطلاقا من مبدأ “السن بالسن” وأغتنموا الفرصة لدعوة المسلمين من جديد بمغادرة “ديار الكفر” والهجرة “لدولة الخلافة”. هؤلاء الناس يقسمون العالم إلى ديار كفر وردة وديار خلافة وإسلام ويعتقدون جازمين في عصر العولمة الإقتصادية والثقافية والمالية أنهم بإمكانهم إقامة دولة منغلقة على العالم يتحكم فيها “خليفة” مدى الحياة بالإعتماد على الرؤية السلفية الوهابية لكيفية الوصول للحكم وإدارة الدولة. هم يرددون دائما بان ذلك هو “الإسلام الحقيقي” وغير ذلك بدع وردة. كذلك يفعل أنصار اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا إذ يرون في داعش “الإسلام الحقيقي” الذي يخيف المجتمعات الغربية الليبرالية وأن المسلمين غير الموالين للتنظيمات الجهادية، أو كما يصفونهم “بالمعتدلين”، لا يعرفون هذا “الإسلام الحقيقي” أو يمارسون “التقية”.
سعادة الجهاديين بفوز اليمين المتشدد الفرنسي
ولعل الفوز الأنتخابي الساحق لليمين المتطرف في فرنسا، والذي استفاد كثيرا من موجة الغضب التي عقبت مجازر باريس التي ارتكبها موالون لتنظيم الدولة الشهر الماضي، لأكبر دليل على نجاح استراتيجية داعش اتجاه الدول الديمقراطية والتي تسعى لتأليب الرأي العام الفرنسي ضد المسلمين ودفعهم للتقوقع والإنسحاب من الفضاء العمومي. نعم، هذا غريب لكن أنصار التيار الجهادي يريدون فوز اليمين المتطرف في فرنسا. وقد صرح أحدهم للصحفي الفرنسي دافيد ثومسون المختص في الحركات الجهادية والذي سأله : “لماذا ستكونون سعداء بفوز الجبهة الوطنية (حزب اليمين المتطرف) الفرنسية ؟” فأجاب الجهادي : “لأن ذلك سيشكل إهانة لأشباه المسلمين (الفرنسيين) الذين يدافعون عن مبادئ العلمانية” وأن ذلك “سيدفع المسلمين الحقيقيين للهجرة (لدولة الخلافة التي أعلنها البغدادي)”.
Question à un membre de l'#EI: pourquoi seriez-vous content d'une victoire du FN en France?
وبعد نشر نتائج الإنتخابات في فرنسا والتي أفرزت تقدما ساحقا لليمين المعادي للمهاجرين صرح أحد الجهاديين الموالين لداعش بأنه “مسرور لفوز الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) لأن هذا الحزب هو الأقل نفاقا (بالمقارنة مع الأحزاب الأخرى التي حكمت في فرنسا). إنهم صريحون فيما يعتقدون (بخصوص المسلمين) وأنهم مختلفون عن الحزب الإشتراكي (الحاكم) الذي يقول بأنه يحترم المسلمين وأنه الأقل ضررا على المسلمين (وهذا ما يردده بعض الدعاة في فرنسا) ولكنه يقصف المسلمين في بلادهم (يقصد التدخل الفرنسي في سوريا ومالي) ولذلك فهو أسوء للمسلمين من الأحزاب الأخرى. حزب الجبهة الوطنية هو الأقل ضررا على المسلمين لأنه سيوقظهم من غفلتهم وسيدفعهم لحزم أمتعتهم (والهجرة لدولة الخلافة).”
هذا التصريح الخطير يلخص وجة نظر الجهاديين اتجاه الجالية المسلمة المقيمة في الغرب والتي يراها كعائق للحرب الكونية المزعومة بين الغرب والشرق، بين الإسلام والأديان والأمم الأخرى. المسلمون الغربيون يراهم داعش كخزان بشري بعدم أن تمكن من تجنيد آلاف الشباب الأوروبيين للالتحاق به في سوريا والعراق. الكل يتذكر الغضب الشديد الذي انتاب أنصار تنظيم الدولة على مواقع التواصل وهم يرون مئات الآلاف من السوريين والعراقيين يغادرون بلادهم طالبين اللجوء في الدول الغربية “الكافرة” فكالوا لهم الشتائم بل وهناك من اتهمهم بالخروج من الملة بسبب تركهم لدولة الخلافة المزعومة والتوجه نحو “ديار الكفر”. المواطنون في سوريا والعراق وغيرهم ذاقوا مرارة العيش تحت سلطة الجهاديين السلفيين وأدركوا أن الحياة لا تطاق تحت حكم هذه الجماعة الفاشية ولذلك فضلوا ترك أوطانهم طمعا في حياة أفضل في أوروبا. دولة الخلافة البغدادية” لا تجذب في أوروبا إلا المغفلين من الشباب العربي الضائع والذي يصدق البروباغندا الجهادية على الأنترنيت التي تصور الحياة في الرقة والموصل على أنها أشبه ما تكون بالسياحة في المنتجعات الراقية وبصبغة إسلامية تحت رعاية الخليفة المزعوم.
كذلك فرح المتطرفون الإسلاميون الموالون لداعش والقاعدة بالتصريحات العنيفة التي أطلقها مؤخرا المرشح الجمهوري للانتخابات الأمريكية دونالد ترامب ضد المسلمين والتي دعا فيها إلى منع هؤلاء من الدخول للولايات المتحدة لتفادي الهجمات الإرهابية. وقرأنا على مواقع التواصل دعوات جديدة أطلقها المتعاطفون مع داعش للمسلمين يحثوهم على ضرورة مغادرة أوروبا وأمريكا والإلتحاق بصفوف داعش. والحقيقة أن أستراتيجية هذا التنظيم للتوسع سواء في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والدول الغربية واضحة : نشر الكراهية ضد المسلمين (السنة) بارتكاب أعمال إرهابية باسمهم وتأليب المجتمعات والطوائف التي يعيشون فيها ضدهم لدفعهم للانضمام لجماعة داعش التي تسعى في نهاية المطاف للظهور بمظهر المدافع الشرعي عن العرب والسنة بالتحديد والمحارب الوحيد ضد أعدائهم من الطوائف والقوميات الأخرى (السنة غير الجهاديين، الشيعة، الأكراد، الفرس، الغربيين، الخ). داعش يقسم العالم إلى قسمين : المسلمون العرب السنة ذوي التوجه السلفي الجهادي وبقية العالم، وهذا ما يريده المتطرفون اليمينيون في الغرب الذي يستعملون فزاعة التيار الجهادي لتخويف المجتمعات الغربية من الإسلام والمسلمين لحصد المزيد من الأصوات الإنتخابية.
وهذا ما حدث في فرنسا إذ حصل حزب الجبهة الوطنية (اليمين المتشدد) المعادي للمهاجرين على أكبر فوز انتخابي في تاريخه في الانتخابات المحلية التي جرت هذا الأسبوع بعدما قدم له داعش على طبق من ذهب أصوات ملايين الفرنسيين الغاضبين من العمليات الإرهابية المرتكبة باسم الإسلام والمسلمين في باريس. كما دفعت هذه العمليات الإرهابية إلى تشديد المراقبة على اللاجئين الهاربين من جحيم الحرب في سوريا والعراق وغلق الحدود أمامهم مخافة أن يتمكن داعش من الدفع ببعض أفراده للتسلل لأوروبا بين حشود اللاجئين. وهذا ما يخطط له داعش في الحقيقة إذ يسعى لثني السوريين والعراقيين عن الهروب لأوروبا بالإرهاب والعنف في دول اللجوء بعدما فشلت دعايته حول “الخلافة الفاضلة” في الميدان وأدرك الجميع بأنها ساحة يسود فيها القتل والذبح والسبي والصلب، والمسلمون هم ضحاياه الأوائل، باسم الدين ولأجل الخلافة (السلطة).
مسلمون غربيون ضد المتطرفين و لأجل إسلام الأنوار
المسلمون الفرنسيون سارعوا للنأي بأنفسهم عما ارتكبه المتطرفون باسمهم ونددوا بالإرهاب الذي شوه الدين. وخلف نداء المثقف الفرنسي المسلم محمد شيراني على تلفزيون “إي ثيلي” صدى واسع في الأوساط الإعلامية الفرنسية إذ توجه لداعش مباشرة بالفرنسية والعربية على الشاشة داعيا المسلمين إلى “جهاد الروح والمواطنة” ضد الإرهابيين الذين سرقوا الإسلام المتعايش والمتسامح وحولوه لإيديولوجية عنف وكراهية.
و لم يمر هذا التدخل الشجاع من مسلم فرنسي ألجم المشككين من اليمين المتطرف في وطنيته ومعارضته للإرهاب. فقد انهالت عليه فورا رسائل تضامن من الفرنسيين من مختلف الطوائف من جهة، وخطابات التهديد والوعيد من أنصار داعش الذين يرون في من لا يوافقهم الرأي من المسلمين بأنه خائن بائع لدينه وموالي للكفار من جهة أخرى. فهل ينذر ذلك بأن الحرب ضد إيديولوجية تنظيم الدولة سيقودها مسلمون غربيون ؟ لا شك أن المسلمين في الغرب يتمتعون بهامش حرية تفكير ونقد لا مثيل له في العالم الإسلامي ولذلك فمن الطبيعي أن يتصدوا للحركات الجهادية التي تريد فرض إيديولوجياتهم بالدم وتسعى للعيش في زمن آخر لا يوجد إلا في مخيلاتهم وفي مخيلات المشايخ الذين درسوهم. بالله عليكم، ما هي مصداقية شيخ سعودي عندما يقف ضد تنظيم الدولة والقاعدة ويصفهم بالخوارج؟ ألا يدري بأن الناس كلهم يعلمون أنه مجرد ناطق باسم القصر الملكي وأنه يفتي بما يحقق مصالح هذا الأخير ؟ وكذلك الأمر بالنسبة لكل علماء السلطان في كل مكان. المفكرون والمشايخ في العالم العربي لا يتمتعون بأية استقلالية عن السلطات السياسية التي توظفهم ففقدوا مصداقيتهم عند الرأي العام وفتحوا المجال للتنظيمات الجهادية المتأسلمة للظهور بمظهر الثائر المقاوم ضد الأنظمة العربية الديكتاتورية والغطرسة الغربية في آن واحد. وبالنظر لاحتكاك المسلمين الغربيين بالحداثة وتمتعهم بحرية الفكر والرأي، فذلك سيمكنهم بتشكيل نواة “إسلام الأنوار” – كما سماه المفكر مالك شبال – الذي لا يروق لا للجهاديين السلفيين ولا لليمين المتطرف الذي يتغذى على أعمالهم الإجرامية ؟ ذلك هو السبيل للعودة إلى المبادئ الإسلامية السمحة التي مكنت من تعايش العرب والفرس وغيرهم من الشعوب من إنقاذ وتطوير المعارف اليونانية في بغداد وبناء حضارة فريدة في الأندلس. عندئد سينتقل المسلمون من زمن الظلمات الذي يعيشونه اليوم إلى عصر الأنوار والحداثة.
كثر الحديث في الأعوام الأخيرة عن دور وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز الحريات الفردية في العالم العربي، ومنهم من وصف ثورات الربيع العربي “بثورات الفيسبوك” بالنظر للدور المهم الذي لعبته هذه الوسائط الرقمية في تواصل المعارضين للديكتاتوريات العربية وتنظيمهم للإحتجاجات ضد هذه الأنظمة الشمولية. وسبق ذلك ابتهاج المختصين الغربيين في الإعلام والإتصال “بالثورات الملونة” في جمهوريات الإتحاد السوفياتي البائد في العقد الأول من الألفية الثالثة ضد الأنظمة الموالية لموسكو ثم بعد ذلك في إيران. وانتقلت عدوى الاحتجاجات التي يتم تنظيمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى الدول الديمقراطية نفسها في السنوات الأخيرة كما هو الشأن بالنسبة للحركات المناوئة للسياسات الاقتصادية التقشفية في البرازيل واليونان وإسبانيا. اللجوء لوسائل التواصل الاجتماعي في الدول الغربية الديمقراطية هو تعبير عن رفض المحتجين للطبقة السياسية المحلية وعدم رغبتهم في أن تركب هذه الأخيرة على موجات الإحتجاج لتحقيق مصالح سياسية ضيقة. وبالمقابل فإن اللجوء لفيسبوك وتويتر للتعبير عن الرأي في الدول العربية ذات الأنظمة الشمولية القمعية يعود لسيطرة السلطات على كل وسائل الإعلام التقليدية واحتكارها للكلمة وقمعها لكل أشكال التعبير عن الرأي و التظاهر السلمي.
وليس بالغريب أن تنطلق شرارة الربيع العربي في تونس. فهذا البلد له تاريخ في النضال على الانترنيت لأجل الديمقراطية والحرية منذ السنوات الأولى للألفية الثالثة وقبل ظهور الويب الاجتماعي. لجوء المدونين والناشطين للإعلام الاجتماعي للتعبير عن الرأي أصبح ظاهرة تعم الدول العربية ذات الأنظمة الشمولية وقد تعرض العديد منهم للمحاكمات السياسية والسجن في البلدان المغاربية ومصر ودول الخليج على حد سواء. غير أن دول الخليج العربي الثرية هي التي نالت النصيب الأكبر من سجناء الرأي بسبب انتشار الإعلام الاجتماعي بشكل رهيب في الأوساط الشابة التي ضاقت ذرعا بالأنظمة المتسلطة ومن جيش المثقفين والإعلاميين ورجال الدين الذين يدافعون عنها عبر الجرائد والفضائيات. ولعل المملكة العربية السعودية هي المثال الحي “للحرب الأهلية الالكترونية” التي تدور رحاها اليوم على موقع تويتر بين الناشطين المعارضين للديكتاتورية ولمؤسساتها الإعلامية والدينية الدعائية من جهة، وجيش من الكتاب الصحافيين والمثقفين والمشايخ والأمراء والمباحث (الشرطة السياسية) من جهة أخرى.
وقد يتساءل أحدهم : لماذا السعودية بالذات؟ والجواب هو أن هذه المملكة المنغلقة تتصدر استعمال الأنترنيت في العالم العربي وتحتل المراتب الأولى في العالم في استعمال شبكة تويتر وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي مقارنة بعدد سكانها.
وفي المقابل تأتي في ذيل الترتيب في حرية الإعلام حسب ما نشرته العام الماضي منظمة مراسلون بلا حدود إذ تأتي في المرتبة 164. وتملك المملكة العربية السعودية امبراطورية إعلامية قوية منذ عقود طويلة مكنتها من السيطرة على الرأي العام الداخلي من جهة والتأثير كقوة ناعمة على الرأي العام العربي. وبالإضافة إلى الجرائد الحكومية الصادرة في المملكة وفي لندن منذ سنوات السبعينات ومحطات الراديو تفطنت العائلة الحاكمة لقوة الإعلام التلفزيوني الفضائي في أوائل التسعينات. لذلك تم إطلاق مركز تلفزيون الشرق الأوسط (MBC) سنة 1991 والذي يضم فضائيات تقوم بنشر منتجات الصناعات الثقافية الغربية من أفلام وموسيقى (أمريكية على الخصوص) في المجتمع السعودي والبلدان الأخرى لمقاومة التيارات المحافظة في المجتمعات العربية وتقريب الرأي العام العربي من السياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط تبعا لما تمليه المصالح الأمريكية-السعودية. وفي عام 2003 انطلقت ” العربية” كقناة إخبارية سعودية موجهة للرأي العام العربي تتبنى خطابات “محور الإعتدال” الموالي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط الذي تقوده السعودية بعدما تمكنت قطر من كسر احتكار المملكة للإعلام المؤثر في الرأي العام العربي بإطلاقها لقناة الجزيرة عام 1996.
يذكر محمد الوافي، الباحث في الشؤون السياسية العربية والمحاضر في جامعة السوربون، بأن هناك ثلاث أبعاد للأخبار التي يتشكل عبرها الرأي العام العربي في كل دولة : وسائل الإعلام التقليدية التي تسيطر عليها السلطة، وسائل الإعلام الأجنبية الناطقة بالعربية (كالبي بي سي، فرانس 24، روسيا اليوم، الخ.) وأخيرا القنوات الفضائية العربية العابرة للحدود والتي تدعي بأنها تتجاوز مصالح الدول التي تمولها كقنوات الجزيرة والعربية. وارتأينا بدورنا – وهذا موضوع مقالتنا – أن نضيف بعدا رابعا مؤثرا في الرأي العام العربي ويتعلق بالإعلام الإلكتروني العابر للحدود والخارج عن سيطرة الأنظمة العربية الديكتاتورية. وفي السعودية يشكل الإعلام الإجتماعي أداة حقيقية للتأثير على الرأي العام الذي لا يصدق دائما الرواية الرسمية للأحداث التي ينقلها الإعلام الحكومي. وذكرت مؤخرا مواقع مختصة أن السعودية لا تزال تحتل المرتبة الأولى في استعمال موقع التدوين المصغر تويتر في منطقة الشرق الأوسط. وعلى خلاف المواقع الأخرى يتخصص موقع تويتر في نشر الأخبار وتداول الروابط التي تدل عيها في رسائل لا تتجاوز 140 حرفا. وبالنظر للغياب التام لحرية التعبير والتجمع، بل والحق في الحديث عن الأمور السياسية، فإن الكثير من السعوديين توجهوا لهذا الموقع للتعبير عن آرائهم وانتقاد تصرفات العائلة الحاكمة والمثقفين والمشايخ التابعين لها.
وعند تفحصنا لما ينشره بعض الناشطين المدونين على تويتر على مدى أسابيع، اكتشفنا بدهشة بالغة أن المدونين السعوديين على تويتر لا يطالبون بالديمقراطية كحل للاستبداد الذي تعيشه البلاد كما فعل نظرائهم في تونس ومصر، بل يطالبون فقط ببعض الإصلاحات السياسية التي تكفل حل المشاكل الإجتماعية التي يعيشها المواطن السعودي وهي البطالة وأزمة السكن. سقف المطالب إذا ضعيف بالنظر للقمع الذي يتعرض له المواطن وحرمانه من جميع حقوقه السياسية لصالح أبناء وأحفاد آل سعود وآل الشيخ. كما لا يخفى على الجميع أن ثقافة الإنتخاب غائبة عن المجتمع السعودي الذي تربى على “تحريم” الإنتخاب والديمقراطية من طرف مشايخ الوهابية المتحالفين مع السلطان باعتبارها “شر غربي” لا يجوز تبنيه حتى تضمن العائلة المالكة توارث الحكم للأجيال القادمة. أغلب الناشطين يؤدون دور الصحافي المستقل الذي يحلل مضامين الإعلام التقليدي ثم يعيد صياغتها ونشرها للمتابعين لفضح الدعاية الحكومية والصحافيين الموالين لها ومن ثم إبراز فساد العائلة الحاكمة وتقييدها للحريات.
آخرون يتهكمون أيضا على مشايخ تويتر الموالين للسلطة والمبررين لسياساتها. لكن المغرد “مجتهد” هو بدون شك الأكثر تأثيرا ونفوذا على الإطلاق. وعلى عكس المغردين الآخرين المعارضين للعائلة الحاكمة، فإن مجتهد ينفرد منذ سنوات بنشر مضامين إعلامية تخص الأسرة الحاكمة وتحضى بالكثير من المصداقية.
بدأت تصرفات الملك كمصاب بالزهايمر تتضح أكثر للجمهور يوم أمس حين استقبل مجموعة من الأعيان وشيوخ الهجر والقبائل وحين الصلاة على بندر بن فيصل
وقد نشرت عدة وسائل إعلام دولية أخبارا نقلا عن مجتهد وهذا ما يدل على مصداقية هذه الشخصية غير المعروفة وتأثيرها على الرأي العام المحلي. وتعرض حساب مجتهد لمحاولات اختراق عديدة آخرها كانت في الشهر الماضي. كما حاولت السلطات السعودية أكثر من مرة الضغط على شركة تويتر للحصول على معلومات تمكنها من تعقب المعارضين السياسيين الناشطين على الشبكة لكن دون جدوى. فهل انفلات الإعلام الاجتماعي من قبضة الأنظمة العربية الديكتاتورية، والسعودية نموذجا، سيشكل خطرا داهما عليها ؟ هل سيشهد العالم العربي المزيد مما يسمى “الثورات 2.0” ؟ أم أن قوة الإعلام الإجتماعي في الحياة السياسية مبالغ فيها ؟
المختصون في الإعلام منقسمون في فيما يخص “أوتوبيا الإتصال” الحالية. فمنهم من يبتهج بكل ما هو جديد في تقنيات الإعلام ويعتبر ذلك خطوة حاسمة نحو مجتمع الحريات والعدالة والشفافية الذي سيسود العالم الذي أصبح بفضل ذلك “قرية صغيرة”. ومنهم من يشكك في قدرة الإعلام الجديد على نشر الديمقراطية والحرية باعتبار أن الأنظمة الشمولية تبتكر دائما آليات للالتفاف على كل ما هو جديد وتحويله كبوق لصالحها.
إضافة إلى ذلك فإن التغيرات نحو مجتمعات الديمقراطية والحرية تتحكم فيها عوامل إجتماعية وسياسية وفكرية متشابكة وليس فقط تكنولوجيات الإتصال، والدليل على ذلك أن ثورات الربيع العربي فشلت كلها – باستثناء التجربة التونسية الفتية – في الإطاحة بالديكتاتورية. لسنا متشائمين ولكننا نميل لهذا الرأي الأخير ونعتقد بأن الإعلام الإجتماعي لا يكفي لتغيير الأوضاع رغم أنه مكن المواطنين من إيصال أصواتهم والتعبير عن آرائهم عبر هذا الفضاء الإفتراضي. صحيح أن وسائل التواصل ساهمت في تجاوز التعتيم الحكومي على الخبر والمعلومة لكن ذلك لم يثن السلطة عن مواصلة الدعاية عبر هذه القنوات الجديدة بالإعتماد على المثقفين والمشايخ والشرطة السياسية (المباحث) الناشطين على النت. بالإضافة إلى ذلك فإن مواقع التواصل تشكل حقلا خصبا لجمع المعلومات حول المواطنين وتتبع آثارهم والقبض عليهم. ولا يخف على أحد أن الحكومات العربية القمعية تلجأ لشراء أجهزة متطورة من الشركات الأمنية الغربية لفحض المضامين المنشورة على الأنترنيت وقمع المدونين بحجة “الحرب على الإرهاب”، لكن غالبا ما يتم استهداف الناشطين والمدونين لكشف هوياتهم وإسكاتهم. وللحديث بقية.
المثقف العربي يتحمل جزءا من المسؤولية فيما يجري اليوم في البلدان العربية أين تنتشر ثقافة الكراهية والعنف والرفض التام للخطاب العقلاني لفائدة نظرية المؤامرة. المثقف العربي يده مغلولة وهو تابع لأميره وزعيمه وشيخه – وغالبا ما يقبل ذلك – ولذلك فهو جزء من المنظومة السياسية الاستبدادية التي أنتجت لنا القاعدة وداعش وغيرها من الحركات المتطرفة. المثقف العربي اليوم لا يدافع عن المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان كحرية التعبير والمشاركة السياسية والعدالة النزيهة الكفيلة بخلق بيئة اجتماعية سليمة ومتماسكة. لا أبدا. هو يدافع عن مصالح الأمير والزعيم والخليفة وبيرر ذلك تارة “بنعمة الأمن والأمان” وتارة أخرى بالدين والقومية وغير ذلك. هذا المثقف – و قد يكون شيخ أو معلم أو مسؤول أو صحفي – يمهد بذلك لنشأة جيل غير قادر على التغيير ولا يؤمن بالخطاب العقلاني الذي يساعده على فهم أسباب تخلفه ويميل لنظريات المؤامرة الخارقة لتبرير وضعة المزري ويحمل الآخرين المسؤولية باعتباره دائما هو الضحية. هذا المثقف هو الحليف الأكبر للأنظمة الديكتاتورية العربية التي فرخت أجيالا من اليائسين الذين امتطوا “سفينة الإرهاب” كوسيلة للتعبير والتغيير.
هؤلاء القتلة اليائسين هم من فجروا البارحة أنفسهم في بيروت واليوم في باريس وهم يعتقدون جازمين أنهم يحسنون صنعا. كيف وصل الحال بالإنسان العربي إلى اقتناعه بأن تفجير الشوارع والأسواق بالأحزمة الناسفة وقتل المارة هو عمل محمود ؟ هل هناك كراهية ويأس أكبر من ذلك ؟ البعض ينظر للجهاديين السلفيين بأنهم ضحايا أنتجتهم الديكتاتوريات العربية المدعومة من الديمقراطيات الغربية. آخرون يعودون للنص الديني السلفي-الوهابي المتزمت الذي لا يقبل التغييرات الحالية التي تفرضها العولمة، فيلجأ للتقوقع على الذات، ويحملونه مسؤولية التطرف الديني. بينما يميل البعض الآخر إلى تفسير ظاهرة الإرهاب إلى الوضع السياسي العربي (الديكتاتورية) وانخراط القوى الغربية في حروب ضد بعض الدول العربية (العراق وليبيا وسوريا) ونشرها “للفوضى الخلاقة” بالإضافة للانقسام الطائفي والعرقي الذي يغذيه التنافس السعودي الإيراني على الزعامة في الشرق الأوسط. فما هي مسؤولية صناع الرأي العرب في هذه الأوقات العصيبة ؟ ما موقفهم من الفظائع التي ارتكبها مؤخرا تنظيم الدولة الإسلامية ضد المدنيين العزل في بيروت وباريس ؟ هل كانت هناك ازدواجية في المواقف بالنظر لانخراط الجهات التي تمولهم في الحروب الدائرة في المنطقة ؟ للإجابة عن هذه التساؤلات أرتأينا أن نعرج على موقع تويتر لكشف موقف بعض الشخصيات الإعلامية العربية من العمليتين الإرهابيتين التي اقترفها تنظيم الدولة وأودت بحياة ما يقرب من 200 مدني في بيروت وباريس.
فهذا أياد أبو شقرا، صحفي بجريدة الشرق الأوسط السعودية الصادرة في لندن، لا يجد حرجا في قبول مجزرة بيروت متمهما الضحايا – وهم مدنيون – بأنهم من أتباع إيران وأجانب ولذلك فهم يستحقون ما حل بهم.
أما المهرج الجزائري أنور مالك – غوبلز آل سعود الجديد وخادم آلتهم الدعائية والذي يقدم نفسه كناشط حقوقي – فقد توعد اللبنانيين بالمزيد من الدماء مادام حزب الله موجود. وهو بذلك يساند علانية مجزرة داعش في بيروت ويردد وجهة النظر السعودية حول الوضع الداخلي اللبناني.
أيها #اللبنانيون ثأركم عند #إيران فهي التي تقتل ذويكم لذلك سيبقى نزيفكم يتواصل مادام #نصرالله وميليشياته تعبث بأمنكم من أجل مصالح عدو أمتكم!
بالمقابل فإنه يدين بسرعة جريمة داعش في باريس. ما سر هذه الإزدواجية ؟ هو لايملك خيار آخر فهو لاجئ في فرنسا منذ سنوات ويدرك أنه سيخسر إقامته هناك وسيطرد من البلاد بسبب دعمه للإرهاب. زد على ذلك فإن ذلك لا يصب في مصلحة الإيديولوجية الوهابية-السعودية التي كشف داعش حقيقتها.
ندين بشدة ونعزي أهالي ضحايا #تفجيرات_باريس وهي جريمة نكراء بكل المقاييس فإستهداف مدنيين مهما كانت ملتهم وجنسيتهم يتنافى مع كل قيم الإنسانية!
وكسائر المهرجين الذي نراهم في الفضائيات العربية، فهو يلجأ لخطاب المؤامرة لتفسير العملية الإرهابية التي تقف وراءها “جهة ما” (ربما أعداءه في إيران أو سوريا) ويرفض الإعتراف بتورط داعش. هو يدين العملية فقط لأنها لا تخدم الأطراف التي تدعم الجماعات الجهادية في سوريا وعلى رأسهم السعودية.
لا يمكن أبدا أن تكون #اعتداءات_باريس هي عمليات يقف خلفها متعاطفون مع جهة ما بل تقف خلفها دولة بأجهزة استخباراتية لديها تجربة في نشر #الارهاب
اما صحفي قناة الجزيرة فيصل القاسم فلم يقل شيئا بخصوص مجزرة بيروت ولم يدن داعش بل اتهم بدوره إيران ! بالنسبه له المدنيين الضحايا هم بسبب تدخل إيران لأن – حسب الموالين لمحور الإعتدال القطري السعودي- كل مدني شيعي هو بالضرورة عميل إيراني دمه حلال.
لكن فيما يخص مجزرة باريس فيسارع فيصل القاسم بدوره لتحريك نظرية المؤامرة لتغليط الرأي العام، فهو لا يدين جريمة داعش، بل يتهم “جهات مخابراتية كبيرة” بالتورط فيها !
لكن ما هذه الأطراف المتورطة في مجزرة باريس ؟ بدون شك إيران وسوريا وربما روسيا. دائما يبرئ داعش ويغالط الرأي العام بخطاب المؤامرة. إن لم تستح فقل ما شئت !
داعش خارج اللعبة . الإرهابيون ألمحوا بأنهم من مؤيدي بشار لأنهم قالوا إنهم يريدون معاقبة فرنسا على تدخلها في سوريا حسب وكالة الانباء الفرنسية
أما الصحفي “الدكتور” أحمد موفق زيدان، مدير مكتب الجزيرة في باكستان، فإنه يحمل مجزرة بيروت لمن أشعل الحرب في سوريا. من هم ؟ السعودية ؟ قطر ؟ لا. إنما الأسد وحزب الله وإيران. لذلك فلا داعي لمعاتبة داعش الذي أعترف بجريمته.
أما “المحلحل” السياسي الفلسطيني ياسر الزعاترة الذي تستضيفه دوما الجزيرة وغيرها من القنوات الخليجية للتعليق على أحداث المنطقة فيلوم العالم على تضامنهم مع ضحايا تفجير بيروت. بالنسبة له إيران هي المسؤولة ولا داعي للوم داعش.
لو كان العالم عاقلا، لرد على إيران وحلفها "وعزائها" بالقول إن ما فعلتموه في سوريا والعراق واليمن هو الذي هيّا الأجواء لهذا العنف.. ولكن!!
ولكنه يغير لهجته ليبدو غير راضي عن مجزرة باريس، لكنه لا يدينها، لأنها – على عكس مجزرة بيروت – لا تخدم ‘فكرة الجهاد”. كيف ذلك ؟ لأن العالم قد يصدق فكرة أن “الدواعش تكفيريين” كما تقول إيران وسوريا وهذا غير مقبول !
مثل هذه العمليات كما في باريس ضد مدنيين لا يمكن أن تخدم قضية عادلة. تشوّه الإسلام وفكرة الجهاد وتضر بالمسلمين. حسبنا الله ونعم الوكيل.
وهذا المعارض السوري المقيم في لندن بسام جعارة، والذي تستضيفه دوما الفضائيات الخليجية الداعمة للمعارضة في سوريا، فلا يرى حرجا في قتل المدنيين في بيروت بل ويهاجم “الأوباش” الذين ترحموا على أرواح الضحايا !
بعض الاوباش المنافقين اعلنوا تعاطفهم مع الضاحية على حساب دماء اطفال سوريا .. في الضاحية لايوجد مدنيين بل خزان بشري من المجرمين القتلة
ولأنه يدافع كسائر المرتزقة الذين توظفهم السعودية عن تورط المملكة في نشر الوهابية الجهادية التي تدين بها داعش والقاعدة، فإنه يطلب من “خنازير لبنان” الكف عن اتهام آل سعود بدعم الإرهاب.
خنازير لبنان حصلوا من السعودية على ثلاثة مليارات دولار لدعم الجيش ويتهمون السعودية بدعم الارهاب في لبنان!!
كمنا يرى القارئ فإن الكثير من المثقفين والإعلاميين العرب هم أطراف مشاركة في نشر ثقافة الكراهية وتبرير القتل العشوائي للمدنيين ولو تظاهروا بمعارضتهم لمجازر تنظيم داعش الفاشي في اوروبا. ذلك يفسر عدم اكتراثهم لمئات العمليات الإنتحارية التي يقترفها تنظيم الدولة في سوريا ولبنان والعراق وليبيا باعتبار أن ذلك يصب في مصلحة الجهة التي توظفهم. هؤلاء لا يملكون أي مبادئ أخلاقية ترفض القتل الجماعي للمدنيين في البلدان العربية مهما كانت الدوافع لأنه رغم كل الخلافات العربية-العربية-الإيرانية حول سوريا واليمن والعراق فإنه مبدئيا ينبغي رفض إرهاب داعش التي يقتل الأبرياء قبل غيرهم. كذلك يفعل شيوخ السلاطين الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الفضائيات إذ لا يدينون داعش إلا عندما يرتكب تفجيرات في بلدانهم (السعودية مثلا) أما في لبنان وسوريا والعراق وليبيا فلا بأس إذا كان ذلك يساهم في تأجيج الحرب المذهبية التي تخوضها دول المنطقة. إن إدانة المؤسسات الدينية الرسمية الخليجية لجريمة باريس وسكوتها عن جريمة بيروت لدليل قاطع على الانهيار الأخلاقي الذي تعيشه المجتمعات العربية بعدما فشل مثقفوها في نشر قيم التسامح والتعايش والسلام وانخراطهم في نشر الكراهية والموت التي تخدم في الأساس الأنظمة الديكتاتورية التي توظفهم. وإن انخراطهم في البروباغندا لصالح الأنظمة العربية الديكتاتورية وسعيهم الحثيث لنشر أفكار المؤامرة لتفسير “ظاهرة داعش” لدليل على افتقادهم لروح لمسؤولية ورغبتهم في تظليل للرأي العام. أليس هؤلاء “الأوباش” – كما قال بسام جعارة لمن لا يشاطرونه الرأي – هم المسؤولون عن نشر الفكر الإنهزامي غير العقلاني والمتطرف والمتآمر المتوافق مع رؤى الأنظمة الديكتاتورية العربية والذي فرخ داعش وغيرها من الحركات الفاشية التي تنخر المجتمعات العربية والإسلامية ؟
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أسباب نجاح تنظيم “الدولة الإسلامية” في استقطاب آلاف الشباب المسلمين المتحمسين لإقامة “خلافة إسلامية” وهي نظام سياسي يقول مناصروه بأنه هو السبيل الوحيد لاسترجاع أمجاد العرب والمسلمين والتخلص من التخلف الذي تفرضه الأنظمة غير الشرعية الحاكمة والمتحالفة مع القوى الخارجية.
ورغم اختلافهم حول السبيل الأمثل لتحقيق هذا “الحلم” فإنهم متفقون على أنه لا حل للتخلف والضعف الذي يعيشه المسلمون عامة والعرب خاصة إلا بالرجوع للخلافة كنظام سياسي أثبت نجاعته حسب اعتقادهم في توحيد الشعوب وتحرير طاقتها الإبداعية والحضارية. فبالنسبة لهؤلاء، بالإمكان استنساخ نظام حكم الخلافة الذي ساد في القرون الأولى للإسلام وإقامته بحذافيره في القرن الواحد والعشرين وبالقوة إن لزم الأمر باعتبار ذلك واجبا دينيا. لكن آخرون يؤكدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يورث نظاما سياسيا بعينه لإدارة شؤون المسلمين بل ترك الباب مفتوحا لاجتهاداتهم باعتبارهم أعلم بشؤون دنياهم وبأن “أمرهم شورى بينهم”. ومنذ سقوط آخر خلافة قبل 90 عاما، لا يزال الحلم يراود الإسلاميين للعودة إلى هذا النظام بعد فشلت جميع الحكومات العربية القومية و”الإسلاماوية” الإستبدادية في تحقيق الحرية والعدالة وتصاعد شعور الشعوب العربية بالذل والمهانة بعد سلسلة الهزائم التي تكبدها العرب في حروبهم مع إسرائيل وبقائهم تحت الهيمنة الغربية.
ما من شك أن رغبة الشعوب العربية في تغيير أنظمة الحكم الاستبدادية مشروعة وضرورية ولكن ما هو النظام السياسي البديل ؟ الخلافة (بمفهومها السلفي) ؟ أم الديمقراطية ؟ يتفق الجميع على أن الشعوب العربية الثائرة في السنوات الأخيرة في ثونس ومصر وسوريا واليمن كانت تنادي بالحرية وتدعو لإنهاء الإستبداد وانفراد الديكتاتوريين بالسلطة والثروة بينما تعاني الشعوب من الفقر والحرمان. فما الذي دفع بالتنظيمات السلفية الجهادية على غرار القاعدة وداعش – وهي التي ترفع شعار “الخلافة” (غير الديمقراطية) كبديل للديكتاتوريات العربية – إلى الواجهة ؟ ما هو سر نجاحها في استقطاب الثائرين واليائسين من الديكتاتوريات العربية العلمانية والإسلاماوية على حد سواء ؟ كيف سرق السلفيون الجهاديون من القاعدة و”داعش” الثورات الشعبية العربية وحولوها لحرب دينية هدفها إقامة “خلافة إسلاماوية” ذات الحكم الفردي الإستبدادي تشرعن الإستيلاء على الحكم بالقوة وتعد الناس بالعدل والتطور والعزة ؟
التراث السلفي-الوهابي يحرم الديمقراطية
عودة الحديث عن الديمقراطية كحل واقعي لأزمة الشرعية التي تعاني منها الأنظمة العربية الإستبدادية جاء غداة اندلاع شرارة ما يسمى “الربيع العربي” عام 2011 وقد خرجت الجماهير للشوارع منادية بالحرية والديمقراطية للتخلص من الأنظمة القمعية. وسرعان ما اغتنم الإسلاميون الفرصة، وهم الذين عانوا من القمع السياسي على مدى عقود، وانضموا إلى جانب الشعوب مطالبين بحقهم في الحكم عن طريق الإنتخاب. وتمكن تيار الإخوان المسلمين لأول مرة من الوصول للسلطة في تونس ثم مصر عبر صناديق الإقتراع. لكن تجربتهم لم تدم طويلا إذ تراجعت شعبية حركة النهضة في تونس وتمت الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي من طرف العسكر وبمباركة المملكة العربية السعودية “السلفية” التي طالما رفضت قيام أي نظام “إسلاماوي” آخر يهدد احتكارها للزعامة الدينية على المسلمين، خصوصا إذا كان يؤمن بنظام الإنتخاب الذي يعتبر من أشد المحرمات التي قد تهدد نظام الحكم السعودي القائم على الوراثة المطلقة بتزكية من مشايخ السلفية-الوهابية المتحالفين معه.
وعندنا في الجزائر يتبنى أعلام السلفية-الوهابية الذين زاولوا تكوينهم الديني والإيديولوجي في السعودية، على غرار الشيخ فركوس، نفس الموقف ويحرمون الإنتخاب كأداة للإنتقال السلمي للحكم باعتبار الديمقراطية نظام غربي “كفري” من صنع البشر لا يصلح لتداول السلطة عند المسلمين. يقول الشيخ في إحدى فتاواه : “(…) أمَّا المنظور الشرعي للنُّظُم الديمقراطية بمختلف أساليبها فهي مخالِفةٌ لمنهج الإسلام في السياسة والحكم، بل هي معدودة من صور الشرك في التشريع، حيث تقوم هذه النظم بإلغاء سيادة الخالق سبحانه وحقه في التشريع المطلق لتجعله من حقوق المخلوقين (1)”. أما الشيخ السلفي السعودي مقبل بن هادي الوادعي فيقر في إحدى فتاواه بكفر من أعتقد بأن الديمقراطية سبيل حقيقي لتحقيق العدالة : “وإن كانوا يقولون: نحن ديمقراطيون، إذا كان يعتقد أن الديمقراطية حق ويؤمن بها فهو كافر، لكن إذا كان متأولا لأجل مطامع الدنيا فهو ضال” (2). أما الشيخ السلفي السعودي المدخلي فيفتي بأن “الديمقراطية تعني حكم الشعب بالشعب” وأنها تمكن هذا الأخير من جعل الحرام حلالا والعكس وهي غير خاضعة لأمر الله وبذلك فهي حرام ولاتجوز (3). ويحذر بدوره الشيخ السلفي ناصر الدين الألباني من إجراء الإنتخابات والديمقراطية لأن ذلك سيمكن الفاجرين من الوصول للحكم عن طريق الشعب. ويؤكد بأن “الحكم لله وليس للشعب والشعب تابع للحكم الإسلامي، فالديمقراطية تعني ضد الحكم الإسلامي تماما، (أي) الحكم للشعب” (4).
ولعل تغريدة الشيخ الوهابي-السعودي عبد العزيز الطريفي تلخص تماما النظرة السعودية-السلفية المعادية للديمقراطية باعتبارها “صنم” في يد الشعب يهدد الإسلام الوهابي-السعودي، خصوصا إذا أخذنا في الحسبان أن السلفيين – المواليين للملوك الديكتاتوريين الحاكمين أو الجهاديين المبايعين للقاعدة وداعش على حد سواء – يعتبرون أنفسهم الوارثين الحصريين للإسلام الصحيح والمدافعين عنه من خطر الديمقراطية.
احتقار خيارات الشعب والتشكيك في حرصه على الدين
يتبين لنا بعد فحص بعض آراء وفتاوى أعلام السلفية-الوهابية أن عداء هذا التيار للديمقراطية نابع في ظاهره من خوفهم على الإسلام إذا ما أتيحت الفرصة للشعوب لاختيار حكامها. وبحكم وقوف السلفيين غير الجهاديين (تيار السلفية العلمية أو الجامية) إلى جانب الزعماء الديكتاتوريين، والسعودية أحسن مثال على ذلك، فهم لا يخشون على الإسلام تسلط الملوك الفاسدين الذين لم يختارهم الشعب والتابعين للقوى الخارجية والذين يبذرون الأموال ويستقبلون القواعد العسكرية الغربية في بلادهم ويزجون بنشطاء الرأي (المسلمين) في السجون. لا أبدا. بل هم يخشون خيارات الشعوب ويشككون في حرصهم على الإسلام فهم بالنسبة لهم جاهلون ومعادون للدين بطبيعتهم ولو أتيحت للشعب الفرصة لإبداء رأيه كما هو الحال بالنسبة للمجتمعات الديمقراطية فسيتنصل من الدين ويحاربه ! وهذا الحكم السلفي السلبي والمسبق على الشعوب العربية لم يأت صدفة، بل نابع من نظرة السلفية الدونية “للعوام” (عامة الشعب) الذين لا يملكون رأيا صائبا ولا يستحقون المشورة ولذلك لا بد أن تبقى أمور السياسة والدين في يد الأمراء والمشايخ (صفوة القوم) ولا يحق بأي حال من الأحوال للشعب أن يقول كلمته. ولذلك يبرر مشايخ السلفية-الوهابية (الجامية أو الجهادية على حد سواء) إقصاء الشعب واللجوء للحكم الإنفرادي المبرر دينيا بجهل الأخير في أمور الفقه والشريعة بينما حلفائهم الأمراء الديكتاتوريين (سواء كانوا ملوكا أو خلفاء) يبررون تسلطهم بعدم فهم الشعب للسياسة وجهله بمصالحه.
الخلافة الفاضلة كبديل للديمقراطية
ولأن الديمقراطية كآلية سلمية لتبادل السلطة تجنب الشعوب ويلات الحروب الأهلية لا تزال حلما بعيد المنال في جميع البلاد العربية وتفتقد حتى الآن للشرعية عند صناع الرأي (رجال الدين وكذلك المثقفين الليبراليين المتحالفين مع الحكام الديكتاتوريين) فإننا نلاحظ أن أغلب الجماعات الثائرة التي تصارع لأجل التغيير، خصوصا منذ اندلاع “الربيع العربي”، لا تسعى لإقامة نظام ديمقراطي يسمح للشعوب الثائرة بتقرير مصيرها بنفسها بل تنادي بإقامة “حكم إسلامي فردي” (خلافة أخرى ؟) كسبيل أوحد لإقامة دولة العدالة. وبالطبع ففي هذه “المملكة الفاضلة” سيحتكر مشايخ السلفية (حراس الدين) والأمراء (حراس الدنيا) الرأي ولا يسمحون للشعب بقول كلمته خوفا من انتشار الفساد والكفر على حد زعمهم، فالشعب حسبهم بفطرته غير حريص على الدين ولا يفقه شيء من أمور الدنيا.
ولو ضربنا مثالا بما يجري في سوريا اليوم فإننا نعاين ما قلناه أعلاه في أرض الواقع. فقد خرج السوريون في مظاهرات شعبية كسائر الشعوب المضطهدة في تونس ومصر واليمن وغيرها مطالبا بالديمقراطية والحرية لطي صفحة الديكتاتورية والحكم الفردي. وها نحن نرى اليوم بعدما تهدمت البلاد وسقط مئات الآلاف من الضحايا العسكريين والمدنيين أن أقوى الفصائل التي تحارب نظام الأسد لا تنادي بالديمقراطية – التي قد تعطي الكلمة للشعب “الغبي غير المتدين” – بل تريد إقامة “دولة إسلاماوية سلفية” ذات حكم فردي (في يد الملك أو “الخليفة”) لا يحق لأحد فيها إبداء رأيه ما عدا المشايخ المقربين والأمراء المتحالفين معهم ! وهي بذلك دولة استبدادية تقصي الشعب مرة أخرى من المشاركة في اتخاذ القرار. فلو كان تنظيم القاعدة أو “داعش” يقاتل لأجل بناء مجتمعات الديمقراطية والحرية لتحولت دول الشرق الأوسط إلى قوى إقليمية نافذة في مدة قصيرة بالنظر لإمكانياتها البشرية والمادية ولتم التخلص من كابوس الإرهاب والفساد الذي أنهك المجتمعات العربية وأرجعها للوراء في الوقت الذي تتنافس فيه الدول العالم بأكمله لتقاسم كعكة العولمة. لكن الديمقراطية – التي لم يتذوقها بعد أي شعب عربي تم تحريمها وتجريمها مسبقا من طرف رجال الدين والمثقفين وحلفائهم الحكام حتى يستمروا في السلطة – تم استبدالها بفكر شمولي يعيش على إنجازات الماضي الغابر والرافض لكل ما توصل الإنسان من سبل لتداول الحكم سلميا بعد قرون من الحروب والصراعات على السلطة.
لذلك ترى الشعوب الثائرة ضد الديكتاتورية والظلم في العراق وسوريا تسقط في فخ “السلفية الجهادية” التي تعدهم بدولة “الخلافة المثالية” كبديل للديكتاتوريات السائدة وكمنافس للحل الديمقراطي. لكنها في واقع الأمر ما هي إلا ديكتاتورية جديدة أكثر عنفا وأكثر استبدادا. ولعل الأنباء الواردة من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” ذو التوجه السلفي الجهادي في العراق وسوريا تثبت ذلك، فهو يسيطر على الناس بالرعب ويجبر السكان على حضور مشاهد الذبح والصلب في الساحات العامة ويجوب رجال الحسبة (الشرطة الدينية) الشوارع ويتدخلون في أبسط شؤون الناس ويسوقونهم بالقوة لأداء الصلاة في المساجد وأضحى “النفاق” أفضل سبيل للحفاظ على الحياة تحت سيطرة دولة الخلافة الفاضلة المزعومة. نظام الخلافة المثالي الذي سوق له السلفيون – و هم الذين أقاموا مملكتهم السعودية في نجد والحجاز ضد الخلافة العثمانية ! – ما هو إلا وسيلة لقطع الطريق أمام أي تغيير للحكم وتهديد لمصالحهم رغم تبججهم بالدين والحرص على مصالح الشعوب المضطهدة. وما يفعله الجهاديون السلفيون في تنظيم “داعش” هو تطبيق لهذه الإيديولوجية المعادية للشعوب وخياراتها والتي بدورها ما إن تتمكن من الحكم حتى تقيم ديكتاتورية جديدة أسوء من سابقاتها. والأدهى أنها تبرر تسلطها وحكمها الإنفرادي بالنص الشرعي ولذلك فإن أي محاولة شعبية للتغيير هي في نظرهم تحد سافر للدين باعتبار أن نظامهم الشمولي – العادل والمثالي حسب زعمهم – هو تحقيق”للإرادة الإلهية”.
ضرورة إصلاح الأفكار لكسر شوكة الإستبداد
يتهمنا معارضونا بأننا علمانيين أو كارهين للدين لوقوفنا ضد النظرة السلفية للحكم التي هي جزء من الدين – حسب فهمهم له – ولكننا نرد عليهم بأننا نرى نتيجة معاداتهم لخيارات الشعوب وللديمقراطية كنظام يعود للشعب لمناقشة مسائله الدنيوية ويسمح له باختيار ممثليه ليس بالنظر للحية والقميص وتزكية المشايخ ولكن حسب الكفاءة وقدرته على تحسين ظروف حياة المواطنين وإقامة دولة القانون. فلو لم يتم تحريم الرجوع للشعوب (الديمقراطية) في الموروث السلفي المعاصر لتجاوز مشكلة الحكم لما رأينا “داعش” أو القاعدة أو بوكو حرام تقاتل لأجل إقامة الديكتاتورية الدينية بل جماعات تناضل لأجل الحرية والديمقراطية وتعطي للشعوب الحق في اختيار “خلفائها” وعزلهم بطريقة حضارية وبدون إراقة للدماء. أليس ذلك من الدين؟ ولو لم يتحالف مشايخ السلطان المنافقين مع الملوك الديكتاتوريين الفاسدين لعقود طويلة لما وقع الشباب اليائس في أحضان كهنة السلفية الجهادية الذين يقودون تنظيمات داعش والقاعدة من اليمن للجزائر ويعدون الناس بالخلافة الفاضلة. وإذا كانت الديمقراطية لا تعارض الدين ولا تهدده كما يزعم مشايخ السلطان المنتفعين فإنها تهدد بدون شك أعداء كثر من الملكيات الإسلاماوية الأوتوقراطية والديكتاتوريات العلمانية إلى القاعدة و “داعش” الساعين بدورهم للحكم الفردي. وبدون أي إصلاح فكري يعري أدبيات السلفية المعارضة للديمقراطية وينسف معتقداتها حول “التكفير المسبق الديمقراطية”، فإن الشباب العربي الثائر لأجل الحرية والكرامة سيفشل في إقامة مجتمع الحريات. فالإيديولوجيات الاستبدادية الرجعية – وإن ارتدت عباءة الدين – تقف عائقا أمام استيعاب الإنسان العربي لحقيقة واقعه المرير الذي هو نتيجة للإستبداد و الصراع الدموي على السلطة بعد تأخر بزوغ شمس الديمقراطية والحرية.
كثيرا ما يُتهم الدعاة الإسلاميين الذين يسكنون الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي بأنهم تجار دين وأنهم يستغلون جهل المجتمعات العربية للسيطرة عليىها واغتصاب حريتها وشرعنة الأنظمة الديكتاتورية الموالية للقوى الغربية بينما ينفي المشايخ وأتباعهم ذلك مؤكدين بأنهم يريدون هداية الناس للطريق الصحيح.
لا أحد ينكر احتلال مشايخ الفضائيات للحقل الإعلامي بتشجيع من الأنظمة الرجعية التي همشت على مدى عقود جميع المثقفين المتنورين أيا كانت توجهاتهم الإيديولوجية خصوصا أولئك الذين ينشدون الحرية والديمقراطية. فشيخ الفضائيات خادم الأنظمة الرجعية يؤدي دور الكاهن “المُنوم” للمجتمع لثنيه عن أي محاولة للتغيير أو انتقاد الذات أو إعادة النظر في فهم الناس للنصوص وللتاريخ. وفي غياب المثقفين والأكاديميين عن الساحة الإعلامية، فالشيخ يؤدي دور الإمام والصحفي والخبير والمستشار في الأمور السياسية والإقتصادية والأستاذ الجامعي والكاهن المدافع عن “ولي أمره” والذي يتوعد العامة بالعقاب الشديد لو فكروا في إصلاح الوضع الراهن أو تغييره.
لكن شيخ الفضائيات والفيسبوك كغيره من نجوم التلفزيون والسينما يحب المال والشهرة رغم أنه لا يجد حرجا في دعوة الناس للزهد وترك ملذات الدنيا. وقد نشرت الصحف أرقاما خيالية عن الأرباح التي يجنيها الشيوخ الأثرياء الذين يملكون -على غرار نجوم موسيقى البوب والفن السابع- قائم بالإعمال يدير “صفقاته الدينية” وحارس شخصي يحميه من جنون المعجبين ومكائد الحاسدين. وما أثار انتباهنا مؤخرا هو لجوء مشايخ الوهابية على الخصوص لمزج الخطب والمواعظ الدينية بالدعاية للعلامات التجارية المختلفة مما يشكل تزاوجا مثيرا بين التيار الديني الأكثر تطرفا (الوهابية) والفكر الإقتصادي الأكثر انفتاحا وتحررا (الليبرالية). فكما هو معلوم فالسلفية الوهابية هي أشد التيارات الإسلاماوية رفضا للحداثة بمفهومها الغربي وللحريات وللديمقراطية. لكنها بالمقابل شديدة الإنفتاح على التيار الليبرالي في شقه الاقتصادي وعلى ملذات المجتمع الإستهلاكي الذي أفرزته الحضارة الغربية.
فإن كان مشايخ الوهابية يدعون الناس للزهد في شهر رمضان باعتباره محطة روحانية مهمة وعدم تحويله لمناسبة استهلاكية، فإنهم بالمقابل لا يترددون في تمرير رسائل إشهارية لبضائع مموليهم في صلب برامجهم التلفزيونية الرمضانية والتسويق للماركات التي تغدق عليهم بالأموال. فالشيوخ نجوم الفضائيات يجنون الأموال الطائلة والهدايا السخية “كغنيمة رمضانية حلال” والشركات المعلنة تحقق المزيد من الأرباح في السوق بالإعتماد على مواعظ الشيوخ باعتبارهم قادة رأي مؤثرين في جماهيرهم. فهذا الشيخ السعودي عائض القرني يتوجه لشركة أوريدو للهاتف المحمول بالإمتنان وهو بنفسه من ينشر الصورة مؤكدا هذه الثورة التسويقية التي أحدثها مشايخ الوهابية بالمزج بين الدعاية الدينية والتجارية.
وفي مناسبة أخرى يظهر الشيخ كمعلن لشركة وصيف التي رعت أحد “مهرجاناته الدينية”.
وفي خرجاته الرمضانية التي يفتي فيها الشيخ والداعية السعودي العريفي للجمهور يستهل مداخلاته بإعلانات لسلسلة المتاجر “سيف غاليري” ولعلامة أرز “الشعلان” المعروفة في المملكة السعودية !
وبدون خجل عندما يتطرق لزكاة الفطر لا يتردد العريفي في تمرير رسالة إشهارية لعلامة الأرز (الشعلان) التي تذر الأموال عليه في برامجه الرمضانية. يا له من استغلال فاحش للدين !
يجوز إخراج زكاة الفطر الخميس القادم فإن كان العيد الجمعة صرت أخرجتها قبله بيوم وإن كان السبت صرت أخرجته قبله بيومين pic.twitter.com/MoJ1VXUAhd
وبدون أدنى حرج يشكر الشيخ لمموليه الذي تولى الإشهار لمنتوجاتهم في مواعظه الرمضانية ..
هؤلاء المشايخ الذين يتهمون أي معارض لهم بالبدعة والضلال ويعتبرون أنفسهم حراس الدين النقي الخالي من البدع والثقافة الغربية المادية، هؤلاء الذين طالما انتقدوا اللليبرالية الغربية لأنها تبيع السيارات والعطور باستغلال صورة المرأة، أليس بالعمل الخسيس أن يبيعوا للناس دينهم مع كيس أرز مقابل حفنة دولارات ؟
لا مجال للمقارنة بين شيوخ الوهابية الرأسماليين الإستهلاكيين الذين استولوا على الرأي العام عن طريق الفضائيات والبترودولار ورجال الماضي الزاهدين الذين نشروا الرسائل الأخلاقية السامية بدون تشدد وتزمت وبدون متاجرة بعواطف الناس. يؤكد الكثير من المختصين بأن تعاظم انتشار التيار الوهابي المتشدد في أنحاء العالم في السنوات الأخيرة يعود للدور الكبير للبترودولار في تسويق هذا التيار الإيديولوجي للناس بالإستثمار في الشيوخ الإعلاميين وعن طريق المساعدات المادية المقترنة بالدعاية المذهبية. وبالنظر لتحالف الإيديولوجية الوهابية مع الرأسمالية الإستهلاكية في إطار استراتيجية تسويقية تخدم الطرفين، فإنه ليس من المستبعد أن تغزو الإعلانات التجارية أماكن العبادة وأن نرى قريبا شعارات في الفضائيات الدينية قائلة ” أعزائي المشاهدين، نقدم لكم خطبة الجمعة برعاية كوكا كولا” ! ولا يخفى على الجميع كيف تم تهديم معظم المعالم الأثرية في مكة المكرمة منذ أن استولى عليها الوهابيون وأمراء آل سعود الذين يرون في المعالم الأثرية “بدع وضلال” وأحجار لاتذر الأموال. وهاهم اليوم بصدد تهديم جميع آثار مكة المكرمة ومحو معالمها التاريخية ليتم بناء ناطحات سحاب و فنادق ومراكز تسوق فارهة لزيادة مداخيل الحج بعدما حولوا هذه الشعيرة الروحية إلى ممارسة شكلية و مناسبة استهلاكية وتجارية. أليس هؤلاء بالفعل “تجار دين” ؟
بعد موجة التفجيرات التي طالت مساجد الطائفة الشيعية في المملكة السعودية والكويت تتوجه الأنظار إلى شيوخ التيار السلفي الذين – تحت ضغط الشارع والسلطات الحاكمة – رفضوا بحياء العمليات الإنتحارية التي تهدد النسيج الاجتماعي في دول الخليج بالخصوص في السعودية والكويت والبحرين. أعمال العنف ضد الطائفة الشيعية وغيرها من الأقليات ليست جديدة في المنطقة، فقد تعرضت الطوائف المسيحية والأزيدية والكردية والدرزية في العراق وسوريا لأعمال العنف التي يقودها تنظيمات القاعدة و “الدولة الإسلامية” ذات الخلفية الإيديولوجية السلفية الجهادية. كل العمليات الإرهابية التي شهدناها في الأيام الأخيرة في الكويت ضد المصلين الشيعة وفي تونس ضد السياح الأجانب وفي فرنسا ضد مصنع للغازات الصناعية ارتكبها متطرفون سلفيون. هذه حقيقة لا جدال فيها. وبغض النظر عن أوضاعهم الاجتماعية فالقاسم المشترك بينهم هو هذه الإيديولوجية الراديكالية التي تدين بها بعض دول الخليج الثرية – التي تنتمي جزافا لما يسمى “محور الإعتدال” الموالي للغرب – و تصدرها لكل انحاء المعمورة عن طريق الشيوخ السلفيين الذين يغزون المنابر والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي.
فهذا الشيخ الوهابي السعودي، الصحفي والنجم التلفزيوني والمدرس، محمد العريفي يتنبأ في إحدى تغريداته بأن “الرافضة” (أبناء الطائفة الشيعية) سيتخلون عند مذهبهم أو سيتم محوهم.
أما “الدكتور” الوهابي السعودي محمد البراك الذي يدرس في إحدى الجامعات السعودية أيضا فيحث على عدم التسامح مع “الرافضة” واستخدام القوة ضدهم.
من ظن أن الإكرام والتسامح ينفع في التعامل مع #الرافضة فقد أخطأ وسيكون ندمه على قدر تسامحه فبقدر تسامحك يهينونك لا ينفع معهم إلا العدل والقوة
ونختم هذا العرض الموجز لتصريحات مشايخ الإيديولوجية السلفية الوهابية بتصريح للشيخ الوهابي السعودي محمد البراك الذي يدعو فيه علنا إلى تدمير مساجد الشيعة وهذا ما طبقه داعش في السعودية والكويت.
لا شك أن هجومات داعش ضد المساجد والكنائس في العراق وسوريا يتوافق حرفيا مع فتاوى هؤلاء الشيوخ الذين يمثلون التيار الوهابي-السعودي الرسمي الذي يُدرس في المساجد والجامعات وينشر عبر الفضائيات والكتب والمطويات “الدعوية” التي توزع مجانا في أنحاء العالم الإسلامي. المثير للإشمئزاز أنه ما إن وصلت موجة التفجيرات الإرهابية إلى مساجد الأقليات الشيعية في السعودية والكويت حتى تهافت هؤلاء الشيوخ المنافقين للتبرؤ من هذه الأعمال البربرية التي تضر “باللحمة الوطنية” كما أمرهم أمراؤهم. بعبارة أخرى، فتاواهم السياسية المتطرفة صالحة للخارج كالعراق وسوريا وباكستان وإيران – خدمة للسياسة الخارجية للملكة السعودية – و غير قابلة للتطبيق في الداخل السعودي لأن ذلك يهدد عرش آل سعود والوهابيين المتحالفين معهم. بالله عليكم، ألا يتحمل هؤلاء جزءا من المسؤولية عن مسلسل التفجيرات الإرهابية الذي تعيشه الدول العربية والإسلامية اليوم من باكستان إلى الجزائر فضلا عن الأعمال الإرهابية في الدول الغربية التي تُرتكب باسم المسلمين؟
نحن لا ننفي وجود خطاب متطرف عند الطوائف الأخرى لكنه ليس بذلك التأثير مقارنة بالخطاب السلفي الذي يتحدث باسم السنة وهم يشكلون الأغلبية من المسلمين. ثم إن الخطاب السلفي لا يكن العداء للشيعة فحسب، بل يقف بقوة ضد جميع الطوائف الأخرى من الصوفيين والإباضيين والإخوان المسلمين وقد لاحظنا تداول لهذه الأفكار المتطرفة أثناء الإشتباكات الطائفية-العرقية التي شهدتها مدينة غرداية في الجنوب الجزائري. وكلنا يتذكر تصريحات الشيخ السلفي الجزائري عبد الفتاح حمداش، قائد جبهة السلفية الحرة غير المعتمدة، الذي أهدر دم الكاتب كمال داوود ثم دعا مؤخرا للإعتراف بدولة “داعش” ومرحبا بسفارة لها في الجزائر. ومن المعلوم أن كل الحركات الجهادية المتطرفة اليوم من القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وحركة الشباب الصومالية وبوكو حرام وطالبان كلها تستلهم مبرراتها الإيديولوجية من الموروث السلفي. وبالإضافة لعدائها ضد جميع الطوائف الإسلامية وغير الإسلامية الأخرى، فهي تتقاتل فيما بينها وتكفر بعضها بعضا في إطار صراعها على السلطة مثل النزاع بين سلفيي القاعدة و سلفيي داعش في سوريا وبين طالبان وداعش في أفغانستان. وإذ نضم صوتنا لصوت الكاتب الفلسطيني عبد الباري عطوان الذي يتساءل عن نفاق الشيوخ السلفيين الخليجييين،
كانوا يقولون عنهم رافضه ومجوس وصفويين وبعد تفجير الكويت يتبارون بالترحم على قتلاهم والتأكيد على اخوتهم كيف تفسرون هذا؟ افيدونا من فضلكم
فنحن نتوجه بالسؤال لمسؤولينا : ألم يحن الوقت للإعتراف بكل شجاعة بمسؤولية الخطاب السلفي-الوهابي-السعودي في نشر العنف والكراهية في مجتمعاتنا واتخاذ التدابير اللازمة للجمه بدلا من الإستمرار في دس الرؤوس في الرمال ؟ إلى متى سيستمر غض الطرف عن خطابات شيوخ الكراهية؟
منذ أن كشفت صحف أمريكية في أوائل الشهر الجاري النقاب عن لقاء سعودي إسرائيلي ضمن ندوة مغلقة لمجلس العلاقات الخارجية في واشنطن شارك فيها أنور عشقي ضابط الاستخبارات السعودي السابق ودوري غولد أحد كبار مساعدي رئيس الحكومة الإسرائيلية بن يامين نتنياهو، حتى عاد الحديث عن التقارب غير المعلن بين أهم حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط : “الدولة الصهيونية” و “المملكة الوهابية”.
والهدف المعلن من ذلك هو الوقوف في وجه النفوذ الإيراني الذي يشكل تهديد لإسرائيل، شرطي الشرق الأوسط الذي لا يقبل بأي دولة قوية منافسة في المنطقة تهدد مصالحه ومصالح حلفائه الغربيين. أما المملكة السعودية فهي مستعدة للتحالف مع الشيطان ليس دفاعا عن مصالح شعب الجزيرة العربية أو دينه كما يشاع -ولو كان الأمر كذلك لتفهمنا الموقف- ولكن للحفاظ على عرش آل سعود الذين يعملون جاهدين لضمان استمرارهم في الحكم بالتعاون أولا مع مشايخ الوهابية الذين يشرعنون سلطانهم ويلبسوه ثوبا إسلاميا شرعيا لا يجوز التفكير في إصلاحه أو تغييره، ثم مع الحلفاء الغربيين بناء على مبدأ “النفط مقابل الحماية” الذي أقرته معاهدة كوينسي (1945) بين مؤسس المملكة عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وأخيرا التقارب الغريب الذي خرج للعيان مع إسرائيل كحليف يمكن التعويل عليه ضد الجارة إيران.
والحقيقة أن النظام السعودي الذي يعتمد على إذكاء الحروب ضد جيرانه العرب والفرس على حد سواء، حتى يضمن بقائه بالتنسيق مع القوى الغربية، يجري اتصالات سرية مع إسرائيل منذ زمن ليس بالقصير. فقد تواصل النظام السعودي مع إسرائيل بالتعاون مع البريطانيين إبان ثورة 26 سبتمبر اليمنية (1962-1970) التي قامت ضد المملكة المتوكلية وسخر ثرواته النفطية لتسليح خصومه الجمهوريين المدعومين من بعض القوميين العرب. وهكذا استنزفت مملكة آل سعود الجيش المصري تحت قيادة جمال عبد الناصر الذي زج ب70 ألف جندي لدعم الجمهوريين اليمنيين مما انعكس على أدائه في حرب 1967 ضد إسرائيل.
وفي ثمانينات القرن الماضي أجرى النظام السعودي اتصالات سرية مع المسؤولين الإسرائيليين عن طريق سفير المملكة في الولايات المتحدة سيء الصيت بندر بن سلطان المقرب من المحافظين الجمهوريين وذلك لإجراء محادثات من أجل السلم في الشرق الأوسط. وبعد الثورة الإسلامية الإيرانية (1979) التي أطاحت بنظام الشاه الموالي لإسرائيل والولايات المتحدة، انخرطت السعودية كعادتها وبعض دول الخليج في الحرب غير المباشرة ضد العدو الجديد (إيران) ودعمت النظام العراقي (البعثي !) إبان الحرب العراقية الإيرانية أو حرب الخليج الأولى (1980-1988). وانقلبت السعودية على صدام حسين، الحليف الذي حارب 8 سنوات ضد إيران عدو آل سعود، عندما غزا الكويت واقترب من حدودها. عندئد نادى آل سعود ومشايخهم بضرورة استقبال المارينز الأمريكي على الأراضي المقدسة لتحرير الكويت وتدمير الجيش العراقي كما شاركوا بعدها في الحصار الإقتصادي والذي انتهى بالغزو الأمريكي للعراق سنة 2003. وقبل ذلك بعام واحد في غمرة تداعيات أحداث 11 سبتمبر، أطلق الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز ما يسمى بمبادرة السلام العربية (2002) التي تعرض تطبيع عربي شامل للعلاقات مع الكيان الإسرائيلي مقابل انسحاب إسرائيل لحدود 1967 المعترف بها دوليا والسماح بقيام دولة فلسطينية. وقوبلت هذه المبادرة بتجاهل كلي من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى يومنا هذا.
لكن الإتصالات بين إسرائيل والمملكة السعودية لم تتوقف بل شهدت نقلة نوعية منذ اندلاع ما يسمى “الربيع العربي” وعزوف إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الإنخراط في حرب مباشرة ضد النظام السوري وسعيه لعقد اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي المثير للجدل. وتتقاسم إسرائيل والمملكة السعودية نفس المخاوف من توصل القوى الغربية الكبرى وإيران لاتفاق قد ينهي عقود من العزلة و العقوبات الإقتصادية التي أنهكت الإقتصاد الإيراني. إسرائيل باعتبارها القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط تخشى أن تتمكن الجمهورية الإسلامية من تطوير قدراتها العسكرية غير التقليدية مما سيحدث توازنا في الرعب ويطلق يد إيران في دعم الحركات المعادية لإسرائيل كحزب الله في جنوب لبنان وحماس في قطاع غزة. أما المملكة السعودية فهي في صراع إيديولوجي مع إيران منذ قيام الجمهورية الإسلامية وتخشى أن تصدر إيران ثورتها لبلدان الخليج عن طريق استغلال الأقليات الشيعية الموجودة فيها مما يشكل خطرا على نظام الحكم الملكي المطلق في السعودية المتحالف مع التيار الوهابي المتطرف. كما تخشى المملكة السعودية في إطار صراعها على زعامة العالم الإسلامي (الملك يسمى خادم الحرمين !) أن يؤدي الإتفاق حول البرنامج النووي إلى رفع العقوبات الإقتصادية على إيران وإطلاق يدها في دعم الأقليات الشيعية في المنطقة.
وكنتيجة ليأس النظام السعودي من إمكانية زج الولايات المتحدة لجيشها في حرب جديدة في الشرق الأوسط ضد إيران بالرغم من الصفقات الطائلة لصالح شركات السلاح الأمريكية والدعم المالي لمراكز البحوث السياسية لشراء دعم الهيئات المؤثرة في قرارات واشنطن، فإن أسرة آل سعود اختارت أن تتقرب من اللوبي القوي الموالي لإسرائيل في أمريكا في محاولة لشراء دعمه ضد “الخطر الإيراني المشترك” الذي يهدد السعودية وإسرائيل معا. وأشارت مصادر استخباراتية إلى أن السعودية وفي إطار سعيها لكسب ود اللوبي الإسرائيلي في واشنطن تكون قد أنفقت في الأعوام الأخيرة ما قيمته 16 مليار دولار لدعم البنية التحتية في إسرائيل وقد استخدم جزء منها في بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولاريب أن ترى اليوم الإعلام الدعائي السعودي يسوق بقوة للرأي القائل بأن إيران هي الخطر الداهم على المنطقة (المشروع الصفوي) والذي لقي مساندة من المؤسسة الدينية الوهابية الرسمية التي تحذر من “حملة تشييع” مفترضة للسنة ستقضي على الإسلام الصحيح! إذ أن أغلب الوهابيين يصرحون بأن الشيعة هم في النهاية مشركون وهذا ما يتم تنفيذه على الأرض بالتصفية المذهبية التي تقرها جماعات السلفية الجهادية كالقاعدة و تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق وحتى في السعودية التي شهدت تفجيرات ضد مساجد شيعية. وكنتيجة حتمية للدعاية السياسية والدينية القوية ضد إيران والتي جعلت من إسرائيل حليفا مقبولا، فإن صورة الدولة العبرية تحسنت بشكل لافت في المجتمع السعودي المحافظ مقابل تنامي العداء لإيران والشيعة بشكل لافت. وأشارت عملية سبر للآراء أجراها مؤخرا معهد إسرائيلي بالتعاون مع إحدى الجامعات الأمريكية أن 53% من السعوديون يعتبرون إيران عدوهم الأول، و 22% يرون أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يشكل خطرا على بلادهم. أما إسرائيل فتأتي في المرتبة الأخيرة إذ أن 18% فقط من المستجوبين يعتقدون بأن إسرائيل تشكل خصما للمملكة السعودية.
واللقاء الأخير للجنرال السعودي أنور مع دوري غولد، أحد مساعدي بن يامين نتنياهو، ما هو إلا تحضير للرأي العام لتعاون مستقبلي علني بين المملكة السعودية وإسرائيل في الشرق الأوسط لردع طهران وكل بلد عربي قد يهدد سياسات محور تل أبيب-الرياض-واشنطن. والسعودية كانت دائما ضد الدول التي تهدد مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة : فقد وقفت ضد القوميين العرب بدءا بجمال عبد الناصر إلى صدام حسين، كما وقفت ضد الإسلاميين المعتدلين (الإخوان المسلمين) لما وصلوا للحكم في مصر مؤخرا واعتبرتهم خطرا عليها ودعمت الإنقلاب العسكري ضدهم، إذ انها تخشى فقدان زعامتها للعالم السني وترى وصول إسلاميين للحكم عن طريق الاقتراع تهديدا صريحا لنظام المملكة القائم على الملكية المطلقة بتزكية مشايخ الوهابية. واليوم تسوق السعودية للخطر الشيعي الإيراني الفارسي عن طريق الدعاية الدينية والسياسية وذلك يتقاطع بالطبع مع المشروع الإسرائيلي، فالمملكة ترى القوميين العرب العلمانيين والإسلاميين غيرالتابعين لها والشيعة والفرس كلهم أعداء لها ولإسرائيل.
وقد يسألنا أحدهم قائلا لماذا لا يحق للسعودية أن تتحالف مع إسرائيل إذا كانت دول عربية أخرى كمصر والأردن وغيرها تقيم علاقات سرية أو رسمية معها؟ والجواب هو أن هذه الدول تقيم علاقاتها مع إسرائيل في إطار ثنائي براغماتي (بغض النظر عن إيجابياتها وسلبياتها) ولا تهدف إلى حروب استباقية ضد دول أخرى في المنطقة، أما التقارب السعودي الإسرائيلي فسيكلف شعوب المنطقة حروبا مذهبية وعرقية لأجيال قادمة نظرا لتحكم المملكة في التيار السلفي-الوهابي الذي ينشر الكراهية والتكفير ضد خصوم أسرة آل سعود (تسييس للدين). فالبارحة كان القوميون العرب “شيوعيون ملحدون” بالنسبة للمملكة والإسلاميون المعتدلون “مبتدعة تافهون”. أما اليوم فجاء دور الشيعة إذ يصب علماء آل سعود الوهابيون جام غضبهم على “الروافض” والفرس رغم التكلفة الباهظة للطائفية -وقد بدأت السعودية نفسها في دفع ثمنها (تفجير “داعش” لمساجد الشيعة في المملكة)- لتبرير انخراطهم في حروب سوريا واليمن والعراق. وكل الدعاية الإعلامية والدينية التي نشهدها اليوم ضد الخطر الإيراني الداهم ما هي إلا وسيلة لتحضير الرأي العام المحلي والإسلامي لقبول التحالف بين دولة إسرائيل الصهيونية (الديمقراطية) -التي تسعى للحفاظ على مصالح أجيال الشعب الإسرائيلي الصاعدة- والمملكة السعودية الوهابية (الإستبدادية) التي لا هدف لها سوى الحفاظ على مزايا أحفاد عائلة آل سعود ومشايخ الوهابية المتحالفين معهم وتعزيز سطوتهم على خيرات البقاع المقدسة.