أضحى دور “الدعاة” الإسلاميين في زمن الفضائيات العربية العابرة للحدود ووسائل التواصل الاجتماعي أكثر أهمية من أي وقت مضى. قد نُعَرف الدعاة بأنهم رجال الدين الذين يتواصلون مع الجماهير العربية-الإسلامية عبر الفضائيات وفي وسائل الاتصال الاجتماعي لهدف في ظاهره بريء : شرح الدين الإسلامي للناس ونصحهم وإرشادهم لما فيه خير لهم في دينهم ودنياهم. ولهذا فالداعية يلعب دور المربي والأستاذ والإمام والأب والصديق، الخ. فهو رجل سخر على ما يبدو حياته لإرشاد الناس ولذلك ينبغي توقيره واحترامه. ولا ريب أن يصبح الداعية الديني نجما إعلاميا تتخاطفه الكاميرات ويتهافت عليه المعجبون في مجتمع عربي فقد الأمل في الإنعتاق والحرية و تخلى فيه المثقف والباحث عن دوره كفاعل اجتماعي.
لكن ما لا يبديه الداعية الديني أنه إعلامي و رجل سياسي بالدرجة الأولى. فالداعية كفاعل سياسي في العالم العربي يلعب دور الموجه للشعوب وسياسي يستعمل الدين لتوجيه الرأي العام معتمدا على السمعة الطيبة التي يوفرها منصب الداعية الإسلامي الذي يجب الأخذ برأيه وعدم انتقاده باعتبار أن “لحمه مسمومة” حسب أدبياتهم. هذا الدور المزدوج للداعية المقرب من دوائر السلطة والمنتفع بها يظهر بجلاء في أوقات الحرب لحشد الجماهير للإلتفاف حول الزعيم الذي ينبغي طاعته “ولو جلد ظهرك” حسب اعتقادات الإيديولوجية الوهابية-السعودية على وجه الخصوص. فمنذ أن أعلنت السلطات السعودية بدأ هجومها الجوي على الحوثيين في اليمن حتى انهالت الفتاوى والتبريرات الدينية للدعاة والمشايخ داعمين فيها العملية العسكرية لاعتبارات “شرعية” قد تغطي نشاطهم كسياسيين تابعين للأسرة الحاكمة في الرياض.
فشيوخ الإيديولوجية الوهابية-السعودية يقدمون أنفسهم للجماهير بأنهم داعاة للمنهج السلفي الصحيح وأنهم بحكم علمهم حريصون على دينهم ويبتغون تجنيبهم النار وهديهم للدين الصحيح، أي “للسلفية-الوهابية-السعودية” التي تعتمد على الأفكار الدينية لمحمد بن عبد الوهاب والمبادئ السياسية لعائلة آل سعود الحاكمة. ولا ريب أن تكون رسائل هؤلاء الدعاة خليطا من الفتاوى الدينية و الرسائل السياسية الصريحة أحيانا والمبطنة أحيانا أخرى. ولعل شن السعودية للحرب على الحوثيين في اليمن بسبب تقاربهم مع إيران وتهديدهم للنفوذ السعودي-الوهابي بشقيه السياسي والديني أفضل فرصه لتبيان انخراط الدعاة السعوديين-الوهابيين في مهمتهم المزدوجة على الصعيدين الديني والسياسي.
فهذا الداعية العريفي الذي يستخدم ببراعة وسائل التواصل الإجتماعي لتمرير رسائل الإيديولوجية السعودية-الوهابية يهرع في اليوم الأول للحرب بتغريدات تبرر دينيا الحرب التي شنها آل سعود على جزء من مكونات الشعب اليمني قائلا بأن الحرب المعلنة “قرارٌ حكيم من رجل حكيم” (مساندة لقرار الملك السعودي) وداعيا “ربّ انصر جنودنا على الفئة الباغية” (رسالة دينية تطلب الوقوف وراء الجيش السعودي).
كما يدعو في رسالة أخرى “طاعة ولاة الأمر والكفّ عن التخديل وترك الإشاعات” (أي الإنصياع للقرار السياسي وعدم متابعة وسائل الإعلام غير المباركة للقرار الملكي).
أما الشيخ الطريفي فدعا قائلا “اللهم نصرك على أهل الأوثان وعبّاد القبور حوثية اليمن ونصيرية الشام واثني عشرية العراق”، وهو بذلك يشرعن الحرب باعتبار أن الحوثيين “كفار” وجب قتالهم كسائر الشيعة في العراق وسوريا. كما وجه رسائل سياسية تحذر من النفوذ الإيراني. ونفس الرسائل وجهها الدعاة السعوديين-الوهابيين القرني والعرعور.
والمثير للإنتباه أن وسائل الإعلام التقليدية الموالية للطرح الوهابي-السعودي فيما يخص الأزمة اليمنية تتلقف بدورها الفتاوى السياسية الوهابية-السعودية وتعيد بثها لتبرير مساندتها للحرب. وهذا ما يفسر لجوء قناة الجزيرة لبث رسائل الدعاة السعوديين لتوجيه الرأي العام وحشده وراء التحالف الخليجي المنخرط في الحرب اليمنية.
فإن كان دور الداعية التقليدي هو ديني فكري محض ، فهو اليوم اليوم أقرب إلى الدعاية السياسية أو البروباغندا. فالدعاة الوهابيون-السعوديون يؤدون دور الشيخ والصحافي والناشط السياسي في آن واحد. لهذا فمن الخطأ اعتبار الدعاة الوهابيين-السعوديين مجرد رجال دين يسعون لنشر الفضيلة، بل هم رجال سياسة وعلاقات عامة وقادة رأي متحالفون مع السلطات الحاكمة لشرعنة قراراتها وتحالفاتها وحراس للنظام الحاكم المسيطر على منابع النفط في نجد والحجاز والذي يستخدم أفضل أنواع الدعاية السياسية-الدينية للسيطرة على الرأي العام المحلي والإقليمي. فلا ريب إذا إن حرم هؤلاء الدعاة الديمقراطية والإنتخاب واتهموا الناشطين في مجال الحريات السياسية بأنهم “كفار خوارج” لأن تغيير النظام حرام وينبغي الإنصياع “لولي الأمر” وعدم التفكير في إصلاحه. وخلاصة الأمر أنه ينبغي النظر إلى الدعاة المتلبسين بالدين، وقد يعتقد البعض خطأ أن “لحومهم مسمومة” ،بأنهم مجرد موظفين حكوميين ومهمتهم تقتصر على البروباغندا الدينية-السياسية للسيطرة على الرأي العام مثلهم مثل الوزراء والأمراء والصحافيين التابعين للسلطات الحاكمة.
الجزائر نت