المثقف العربي يتحمل جزءا من المسؤولية فيما يجري اليوم في البلدان العربية أين تنتشر ثقافة الكراهية والعنف والرفض التام للخطاب العقلاني لفائدة نظرية المؤامرة. المثقف العربي يده مغلولة وهو تابع لأميره وزعيمه وشيخه – وغالبا ما يقبل ذلك – ولذلك فهو جزء من المنظومة السياسية الاستبدادية التي أنتجت لنا القاعدة وداعش وغيرها من الحركات المتطرفة. المثقف العربي اليوم لا يدافع عن المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان كحرية التعبير والمشاركة السياسية والعدالة النزيهة الكفيلة بخلق بيئة اجتماعية سليمة ومتماسكة. لا أبدا. هو يدافع عن مصالح الأمير والزعيم والخليفة وبيرر ذلك تارة “بنعمة الأمن والأمان” وتارة أخرى بالدين والقومية وغير ذلك. هذا المثقف – و قد يكون شيخ أو معلم أو مسؤول أو صحفي – يمهد بذلك لنشأة جيل غير قادر على التغيير ولا يؤمن بالخطاب العقلاني الذي يساعده على فهم أسباب تخلفه ويميل لنظريات المؤامرة الخارقة لتبرير وضعة المزري ويحمل الآخرين المسؤولية باعتباره دائما هو الضحية. هذا المثقف هو الحليف الأكبر للأنظمة الديكتاتورية العربية التي فرخت أجيالا من اليائسين الذين امتطوا “سفينة الإرهاب” كوسيلة للتعبير والتغيير.
هؤلاء القتلة اليائسين هم من فجروا البارحة أنفسهم في بيروت واليوم في باريس وهم يعتقدون جازمين أنهم يحسنون صنعا. كيف وصل الحال بالإنسان العربي إلى اقتناعه بأن تفجير الشوارع والأسواق بالأحزمة الناسفة وقتل المارة هو عمل محمود ؟ هل هناك كراهية ويأس أكبر من ذلك ؟ البعض ينظر للجهاديين السلفيين بأنهم ضحايا أنتجتهم الديكتاتوريات العربية المدعومة من الديمقراطيات الغربية. آخرون يعودون للنص الديني السلفي-الوهابي المتزمت الذي لا يقبل التغييرات الحالية التي تفرضها العولمة، فيلجأ للتقوقع على الذات، ويحملونه مسؤولية التطرف الديني. بينما يميل البعض الآخر إلى تفسير ظاهرة الإرهاب إلى الوضع السياسي العربي (الديكتاتورية) وانخراط القوى الغربية في حروب ضد بعض الدول العربية (العراق وليبيا وسوريا) ونشرها “للفوضى الخلاقة” بالإضافة للانقسام الطائفي والعرقي الذي يغذيه التنافس السعودي الإيراني على الزعامة في الشرق الأوسط. فما هي مسؤولية صناع الرأي العرب في هذه الأوقات العصيبة ؟ ما موقفهم من الفظائع التي ارتكبها مؤخرا تنظيم الدولة الإسلامية ضد المدنيين العزل في بيروت وباريس ؟ هل كانت هناك ازدواجية في المواقف بالنظر لانخراط الجهات التي تمولهم في الحروب الدائرة في المنطقة ؟
للإجابة عن هذه التساؤلات أرتأينا أن نعرج على موقع تويتر لكشف موقف بعض الشخصيات الإعلامية العربية من العمليتين الإرهابيتين التي اقترفها تنظيم الدولة وأودت بحياة ما يقرب من 200 مدني في بيروت وباريس.
فهذا أياد أبو شقرا، صحفي بجريدة الشرق الأوسط السعودية الصادرة في لندن، لا يجد حرجا في قبول مجزرة بيروت متمهما الضحايا – وهم مدنيون – بأنهم من أتباع إيران وأجانب ولذلك فهم يستحقون ما حل بهم.
#إيران #العراق #سوريا #لبنان #اليمن#العربي الذي يمحض ولاءه لدولة أجنبية من منطلقات #مذهبية ودينية يستحق ان يعامله عنصريوها كدخيل وتابع..
— إياد أبو شقرا (@eyad1949) ١٣ نوفمبر ٢٠١٥
لكنه يعاتب داعش فيما يخص مجزرة باريس لأن ذلك يخدم حسبه “أعداء الإسلام”. فهل ما حدث ببيروت عمل محمود يخدم الإسلام ؟ أم انها العنصرية المذهبية المقيتة ؟
هل ثمة منطق باستهداف #فرنسا؟
أليس المستفيد اﻷول من هذا اﻹجرام عتاة العنصريين من اعداء #العرب و #اﻹسلام؟
هذا ليس جهلا بل إجرام فظيع مشبوه..— إياد أبو شقرا (@eyad1949) ١٣ نوفمبر ٢٠١٥
هو لم يغضب مما حدث بباريس لدوافع أخلاقية ترفض قتل العزل في الشوارع والمقاهي، بل لأسباب سياسية خوفا من استثمار إيران (عدو السعودية) للحادث.
لم تتأخر #إيران بحصد ما زرعه إرهابيو #فرنسا!
تطرح "خدماتها" في مكافحة الإرهاب على هتافات "الموت لأميركا"، فيما تشنق أحرارها وتقتل أطفالنا!— إياد أبو شقرا (@eyad1949) ١٤ نوفمبر ٢٠١٥
أما المهرج الجزائري أنور مالك – غوبلز آل سعود الجديد وخادم آلتهم الدعائية والذي يقدم نفسه كناشط حقوقي – فقد توعد اللبنانيين بالمزيد من الدماء مادام حزب الله موجود. وهو بذلك يساند علانية مجزرة داعش في بيروت ويردد وجهة النظر السعودية حول الوضع الداخلي اللبناني.
أيها #اللبنانيون ثأركم عند #إيران فهي التي تقتل ذويكم لذلك سيبقى نزيفكم يتواصل مادام #نصرالله وميليشياته تعبث بأمنكم من أجل مصالح عدو أمتكم!
— أنور مالك (@anwarmalek) ١٢ نوفمبر ٢٠١٥
لن يهنأ لبنان بالأمن والأمان مادامت #إيران لها دولتها داخل الدولة اللبنانية من خلال تنظيم #حزب_الله الإرهابي الذي مهمته زرع خراب الملالي فقط
— أنور مالك (@anwarmalek) ١٢ نوفمبر ٢٠١٥
بالمقابل فإنه يدين بسرعة جريمة داعش في باريس. ما سر هذه الإزدواجية ؟ هو لايملك خيار آخر فهو لاجئ في فرنسا منذ سنوات ويدرك أنه سيخسر إقامته هناك وسيطرد من البلاد بسبب دعمه للإرهاب. زد على ذلك فإن ذلك لا يصب في مصلحة الإيديولوجية الوهابية-السعودية التي كشف داعش حقيقتها.
ندين بشدة ونعزي أهالي ضحايا #تفجيرات_باريس وهي جريمة نكراء بكل المقاييس فإستهداف مدنيين مهما كانت ملتهم وجنسيتهم يتنافى مع كل قيم الإنسانية!
— أنور مالك (@anwarmalek) ١٤ نوفمبر ٢٠١٥
وكسائر المهرجين الذي نراهم في الفضائيات العربية، فهو يلجأ لخطاب المؤامرة لتفسير العملية الإرهابية التي تقف وراءها “جهة ما” (ربما أعداءه في إيران أو سوريا) ويرفض الإعتراف بتورط داعش. هو يدين العملية فقط لأنها لا تخدم الأطراف التي تدعم الجماعات الجهادية في سوريا وعلى رأسهم السعودية.
لا يمكن أبدا أن تكون #اعتداءات_باريس هي عمليات يقف خلفها متعاطفون مع جهة ما بل تقف خلفها دولة بأجهزة استخباراتية لديها تجربة في نشر #الارهاب
— أنور مالك (@anwarmalek) ١٤ نوفمبر ٢٠١٥
المستفيد الأول من العمليات الإرهابية في باريس هو نظام الأسد الذي عمل منذ سنوات بدعم إيراني على تحويل ثورة #سورية الشعبية إلى حرب على الإرهاب
— أنور مالك (@anwarmalek) ١٤ نوفمبر ٢٠١٥
اما صحفي قناة الجزيرة فيصل القاسم فلم يقل شيئا بخصوص مجزرة بيروت ولم يدن داعش بل اتهم بدوره إيران ! بالنسبه له المدنيين الضحايا هم بسبب تدخل إيران لأن – حسب الموالين لمحور الإعتدال القطري السعودي- كل مدني شيعي هو بالضرورة عميل إيراني دمه حلال.
دلوني على مكان دخلته إيران ولم يخرب
— فيصل القاسم (@kasimf) ١٢ نوفمبر ٢٠١٥
لكن فيما يخص مجزرة باريس فيسارع فيصل القاسم بدوره لتحريك نظرية المؤامرة لتغليط الرأي العام، فهو لا يدين جريمة داعش، بل يتهم “جهات مخابراتية كبيرة” بالتورط فيها !
واجهات جهادية بإدارة مخابراتية
— فيصل القاسم (@kasimf) ١٤ نوفمبر ٢٠١٥
الارهاب لعبة كبيرة. فهل يمكن ان تكون وراءها جماعات صغيرة؟
— فيصل القاسم (@kasimf) ١٤ نوفمبر ٢٠١٥
لكن ما هذه الأطراف المتورطة في مجزرة باريس ؟ بدون شك إيران وسوريا وربما روسيا. دائما يبرئ داعش ويغالط الرأي العام بخطاب المؤامرة. إن لم تستح فقل ما شئت !
داعش خارج اللعبة .
الإرهابيون ألمحوا بأنهم من مؤيدي بشار لأنهم قالوا إنهم يريدون معاقبة فرنسا على تدخلها في سوريا حسب وكالة الانباء الفرنسية— فيصل القاسم (@kasimf) ١٤ نوفمبر ٢٠١٥
لاحظوا توقيت العمليات الإرهابية في بيروت وباريس. قبل مؤتمر فيينا الخاص بسوريا مباشرة. فتش عن المستفيد.بشار وروسيا وإيران يفركون ايديهم فرحا
— فيصل القاسم (@kasimf) ١٤ نوفمبر ٢٠١٥
أعمال إرهابية من العيار الثقيل متتابعة ومتلاحقة.وهذا ليس صدفة.تفجير الطائرة الروسية.تفجيرات بيروت.هجمات فرنسا. من الفاعل (الكبير الحقيقي)؟
— فيصل القاسم (@kasimf) ١٤ نوفمبر ٢٠١٥
أما الصحفي “الدكتور” أحمد موفق زيدان، مدير مكتب الجزيرة في باكستان، فإنه يحمل مجزرة بيروت لمن أشعل الحرب في سوريا. من هم ؟ السعودية ؟ قطر ؟ لا. إنما الأسد وحزب الله وإيران. لذلك فلا داعي لمعاتبة داعش الذي أعترف بجريمته.
القاتل الحقيقي ل #تفجيرات_الضاحية_الجنوبية هو من أشعل الحرب في #سوريا وقتل ويقتل السوريين يومياً ..ما حصل نتيجة وليس سببا
— د ـ أحمد موفق زيدان (@Ahmadmuaffaq) ١٣ نوفمبر ٢٠١٥
لكنه يسارع لإدانة مجزرة باريس رغم عدم رضاه عن التغطية الإعلامية. موفق زيدان مرغم على إدانة عملية باريس خصوصا وأنه سبق وأن صنفته وكالة المخابرات الأمريكية كعضو في تنظيم القاعدة.
مع الادانة الكاملة للعمل الاجرامي في باريس إلا أن التغطية السياسية والإعلامية له تخفي عنصرية واضحة بالاهتمام بدمهم و الاهمال لدمنا
— د ـ أحمد موفق زيدان (@Ahmadmuaffaq) ١٤ نوفمبر ٢٠١٥
أما “المحلحل” السياسي الفلسطيني ياسر الزعاترة الذي تستضيفه دوما الجزيرة وغيرها من القنوات الخليجية للتعليق على أحداث المنطقة فيلوم العالم على تضامنهم مع ضحايا تفجير بيروت. بالنسبة له إيران هي المسؤولة ولا داعي للوم داعش.
لو كان العالم عاقلا، لرد على إيران وحلفها "وعزائها" بالقول إن ما فعلتموه في سوريا والعراق واليمن هو الذي هيّا الأجواء لهذا العنف.. ولكن!!
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) ١٤ نوفمبر ٢٠١٥
ولكنه يغير لهجته ليبدو غير راضي عن مجزرة باريس، لكنه لا يدينها، لأنها – على عكس مجزرة بيروت – لا تخدم ‘فكرة الجهاد”. كيف ذلك ؟ لأن العالم قد يصدق فكرة أن “الدواعش تكفيريين” كما تقول إيران وسوريا وهذا غير مقبول !
مثل هذه العمليات كما في باريس ضد مدنيين لا يمكن أن تخدم قضية عادلة. تشوّه الإسلام وفكرة الجهاد وتضر بالمسلمين. حسبنا الله ونعم الوكيل.
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) ١٣ نوفمبر ٢٠١٥
التحالف الإيراني سعيد بهجمات باريس. يقول بالفم الملآن وبلسان الحال والمقال: "أنظروا لسنا وحدنا المستهدفين بإرهاب التكفيريين.. ساعدونا"!!يتبع
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) ١٤ نوفمبر ٢٠١٥
وهذا المعارض السوري المقيم في لندن بسام جعارة، والذي تستضيفه دوما الفضائيات الخليجية الداعمة للمعارضة في سوريا، فلا يرى حرجا في قتل المدنيين في بيروت بل ويهاجم “الأوباش” الذين ترحموا على أرواح الضحايا !
بعض الاوباش المنافقين اعلنوا تعاطفهم مع الضاحية على حساب دماء اطفال سوريا .. في الضاحية لايوجد مدنيين بل خزان بشري من المجرمين القتلة
— بسام جعارة (@BassamJaara) ١٢ نوفمبر ٢٠١٥
ولأنه يدافع كسائر المرتزقة الذين توظفهم السعودية عن تورط المملكة في نشر الوهابية الجهادية التي تدين بها داعش والقاعدة، فإنه يطلب من “خنازير لبنان” الكف عن اتهام آل سعود بدعم الإرهاب.
خنازير لبنان حصلوا من السعودية على ثلاثة مليارات دولار لدعم الجيش ويتهمون السعودية بدعم الارهاب في لبنان!!
— بسام جعارة (@BassamJaara) ١٢ نوفمبر ٢٠١٥
وبعد مجزرة باريس، ها هو بسام جعارة يهاجم من جديد “الخنازير” العرب والعجم المترحمين على الضحايا المدنيين في بيروت و باريس !
خنازير مؤتمر فيينا وقفوا دقيقة صمت حدادا على قتلى باريس والضاحية الجنوبية فقط لأنهم يرون ان دماء السوريين رخيصة
— بسام جعارة (@BassamJaara) ١٤ نوفمبر ٢٠١٥
كمنا يرى القارئ فإن الكثير من المثقفين والإعلاميين العرب هم أطراف مشاركة في نشر ثقافة الكراهية وتبرير القتل العشوائي للمدنيين ولو تظاهروا بمعارضتهم لمجازر تنظيم داعش الفاشي في اوروبا. ذلك يفسر عدم اكتراثهم لمئات العمليات الإنتحارية التي يقترفها تنظيم الدولة في سوريا ولبنان والعراق وليبيا باعتبار أن ذلك يصب في مصلحة الجهة التي توظفهم. هؤلاء لا يملكون أي مبادئ أخلاقية ترفض القتل الجماعي للمدنيين في البلدان العربية مهما كانت الدوافع لأنه رغم كل الخلافات العربية-العربية-الإيرانية حول سوريا واليمن والعراق فإنه مبدئيا ينبغي رفض إرهاب داعش التي يقتل الأبرياء قبل غيرهم. كذلك يفعل شيوخ السلاطين الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الفضائيات إذ لا يدينون داعش إلا عندما يرتكب تفجيرات في بلدانهم (السعودية مثلا) أما في لبنان وسوريا والعراق وليبيا فلا بأس إذا كان ذلك يساهم في تأجيج الحرب المذهبية التي تخوضها دول المنطقة. إن إدانة المؤسسات الدينية الرسمية الخليجية لجريمة باريس وسكوتها عن جريمة بيروت لدليل قاطع على الانهيار الأخلاقي الذي تعيشه المجتمعات العربية بعدما فشل مثقفوها في نشر قيم التسامح والتعايش والسلام وانخراطهم في نشر الكراهية والموت التي تخدم في الأساس الأنظمة الديكتاتورية التي توظفهم. وإن انخراطهم في البروباغندا لصالح الأنظمة العربية الديكتاتورية وسعيهم الحثيث لنشر أفكار المؤامرة لتفسير “ظاهرة داعش” لدليل على افتقادهم لروح لمسؤولية ورغبتهم في تظليل للرأي العام. أليس هؤلاء “الأوباش” – كما قال بسام جعارة لمن لا يشاطرونه الرأي – هم المسؤولون عن نشر الفكر الإنهزامي غير العقلاني والمتطرف والمتآمر المتوافق مع رؤى الأنظمة الديكتاتورية العربية والذي فرخ داعش وغيرها من الحركات الفاشية التي تنخر المجتمعات العربية والإسلامية ؟
الجزائر نت