تناولنا في مقالات سابقة ظاهرة الدعاية السياسية والدينية ودورها في اغتصاب الجماهير العربية والإستيلاء على رأيها وتوجيهه لفائدة الحكام المتسلطين وحاشيتهم من أصحاب المال المرتشين و الصحافيين ورجال الدين المنتفعين. وتطرقنا لظاهرة الدعاية الدينية عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي التي يبدع فيها اليوم مشايخ السلاطين سعيا منهم لإضفاء الشرعية على الأنظمة الفاشية التي تحكم البلاد العربية. وفي هذا الصدد ضربنا مثال بالعمل الدعائي الكبير الذي يؤديه الداعية السعودي محمد العريفي وقد شبهنا ما يقوم به اليوم من بروباغندا سياسية-دينية لخدمة سياسات آل سعود بما أنجزه جوزيف غوبلز، الذراع الأيمن لأدولف هتلر الذي أبدع في الحرب النفسية والبروباغندا لصالح المشروع النازي الألماني.
وعلى غرار العشرات من مشايخ الوهابية وقادة الرأي الدينيين، يخوض هذا الشيخ – ونحن نعتبره صحافي مختص في البروباغندا الدينية-السياسية قبل أن يكون عالم دين- حربا دعائية شاملة عبر منابر المساجد والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي لحشد الرأي العام المحلي والعربي وراء العمليات العسكرية التي تقوم بها المملكة السعودية بالتعاون مع الولايات المتحدة ضد اليمن سعيا منها لفرض رئيس تابع لهما في البلاد. وعادة ما يبرر المشايخ مساندتهم لسياسات آل سعود بأسباب دينية للتأثير على الجماهير وإخفاء الأسباب السياسية التي تدفعهم لتطويع الدين حسب ما يحقق مصالح الأمراء والملوك. والكل يتذكر فتاوى الشيوخ لتبرير استقبال مماليك الخليج لقوات المارينز على أراضيها وتبرير احتلال العراق (للوقوف ضد صدام البعثي الكافر)، والحث على الجهاد في سوريا (ضد الأسد النصيري الكافر)، و دعم الإنقلاب العسكري في مصر ضد محمد مرسي (لأنه إخواني مبتدع ضال يشكل خطر على الدين، زد على ذلك فالإنتخاب حرام!) ومساندة الحرب على اليمن (لأن الحوثيين شيعة كفار مشركين) …الخ. وكل هذه الحروب تصب دائما في مصلحة الرياض وواشنطن وتل أبيب. وكما ذكرنا في مقالنا السابق عن الرسائل السياسية الخفية في معتقدات تيار السلفية-الوهابية-السعودية فإن الدين الإسلامي يواجه اليوم مشروع “سعودة” أي احتكار رسالته الأخلاقية وتحويله لمجرد إيديولوجية سياسية سعودية تخدم الأسرة المالكة والمشايخ المتحالفين معها وتحافظ على عروشهم.
ولطالما ذكرنا قرائنا الكرام بأن أغلب المشايخ الذين يطيلون اللحى ويحسنون الخطاب على المنابر و الفضائيات ويجيدون التعبير على الفيسبوك وتويتر، بل ويتباكون عند قراءة القرآن للتأثير على عواطف الناس وينشرونها في يوتيوب، هم مجرد قادة رأي ورجال بروباغندا لفائدة أنظمة رجعية تمولهم، تماما كأبطال الدعاية النازية والفاشية الستالينية، وهدفهم الوحيد هو خدمة الأنظمة السياسية التي ينتفعون منها عن طريق التجارة الرائدة وهي الدين. الإنسان العربي اليوم المنهزم الذي يعيش في الماضي لا يملك شيئا يميز وجوده بين الأمم سوى الدين ولهذا يسعى المشايخ، الذين أسميهم الصحفيين المتاجرين بالدين، للسطو على ما تبقى من هوية الإنسان العربي و”اغتصابه” والسيطرة على رأيه وتفكيره وجعله مجرد جثة بلا وعي راكعة أمام المشايخ والأمراء، منفصلة عن الحضارة والرقي ومنغلقة على نفسها بينما يقضي الأمراء والمشايخ حياتهم في قصورهم الفارهة ويمضون عطلاتهم في أوروبا وأمريكا التي طالما نعتوها بأنها كافرة منحلة لا يجوز للناس الذهاب إليها.
ونحن إذ نؤكد بأن المشايخ هم مجرد أبواق للبروباغندا السياسية وأنهم رجال إعلام لا ينبغي الإنبهار بلحاهم وقمصانهم وتقديس كلامهم فإن لدينا أدلة على ذلك. دعونا نعود للداعية السعودي محمد العريفي وهو أكثر رجال البروباغندا السياسية-الدينية شهرة في العالم العربي بل ونعتبره من أكثر المشايخ الصحفيين الدعائيين تأثيرا في الجماهير العربية لقدرته الفائقة على مزج الخطاب الديني بالتوجهات السياسية للأسرة السعودية الحاكمة وتقديمها في قالب إعلامي دعائي جذاب. ولهذا سميناه غوبلز آل سعود. الكل يعرف براعة هذا الصحفي-الديني، الذي يسمي نفسه شيخ وعالم، في استخدام القوالب الإعلامية المختلفة لتمرير البروباغندا السياسية. ولا ننس موقف هذا الداعية من الحرب الأهلية في سوريا وتشجيعه “للجهاد” ضد النظام السوري الكافر تماشيا مع موقف أمراء آل سعود الذي يسعون للإطاحة بالأسد وإحلال نظام في سوريا مقرب من محور “الإعتدال” السعودي الذي تدعمه الولايات المتحدة. ونتذكر أنه في إحدى الخطب النارية في بداية الحرب الأهلية السورية تحدث هذا الشيخ-الصحفي عن ملائكة تقاتل في سوريا إلى جانب “المجاهدين” لجذب المغفلين للقتال هناك باسم الدين.
وبالإضافة للدعاية السياسية في المساجد والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، ينتقل اليوم الداعية العريفي إلى تجربة الإنتاج السينمائي الدعائي والتي يظهر فيها الرجل كممثل ومعلق صحفي وخطيب في آن واحد، نعم يؤدي جميع الأدوار. فبعد أن قررت القيادة الملكية الجديدة في السعودية تكثيف دعمها لتنظيم القاعدة في سوريا بالتعاون مع قطر وتركيا وبعد الإنتكاسات التي تعرض لها الجيش السوري مؤخرا، أحس رجال الدعاية السعوديين بأن الوقت حان للانتقال إلى مرحلة جديدة من البروباغندا تحضر لسقوط الأسد. و أصدر في هذا الإطار الداعية العريفي فيلم دعائي عن الوضع في سوريا استلهمه على ما يبدوا من أفلام الدعاية التي ينشرها تنظيم “داعش” والتي تمزج الخطاب الديني وتقنيات الخداع السينمائية والمؤثرات الصوتية للتأثير في الرأي العام.
تويت دعائي لفيلم “شام العزة” الذي أدى فيه العريفي دور البطولة
وكما يسوق منتجوا هوليوود أعمالهم السينمائية، بث العريفي قبل يوم من خروج فلمه إعلانا مقتضبا على تويتر سماه “تشويق” فيه لقطات من الفيلم لإحداث ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي في إطار التسويق لمنتوجه الإعلامي.
ومباشرة بعد طرح الفليم على الأنترنيت توجه الصحفي العريفي لجمهوره طالبا منهم أن “ينصحوه ويعطوه انطباعاتهم عن الفيلم” ويحرص على استعمال عبارات ذو خلفيات دينية عاطفية (محبكم، النصح، الخ). وفي الحقيقة هو يخادع جمهوره الديني ويجس نبضه بإجراء دراسة ميدانية للجماهير التي شاهدت الفليم حتى يتمكن من تحسين أفلامه الدعائية في المستقبل. فهو بالإضافة إلى عمله كخطيب وصحفي وممثل ومخرج، يسعى أيضا لدراسة الجمهور والإلمام بفنون التسويق الديني-الإعلامي-السياسي.
كما يحرص العريفي على ترجمة أعماله الدعائية المختلفة للغة الفارسية وذلك في إطار الصراع السني-الشيعي بين طهران والرياض والذي يستعمله آل سعود والوهابيين المتحالفين معهم لتثبيت حكمهم وتخويف الناس في نجد والحجاز، بل وفي الجزائر وسائر البلاد الإسلامية، من الغزو الإيراني الداهم ونشر خطابات الكراهية التي ذاق ويلاتها المسلمين بمختلف أطيافهم بالإضافة إلى تبرير صفقات السلاح الضخمة التي تنفقها سنويا دول الخليج لفائدة شركات صناعة السلاح الأمريكية.
وعلى الرغم من الحملة الدعائية القوية للفيلم عبر وسائل التواصل الاجتماعي فإنه لم يلق نفس النجاح مقارنة بأفلام داعش الهوليودية الأكثر احترافية. ثم أن فيلم العريفي يحوي على شيء من الموسيقى – كما كانت تفعل الدعاية النازية والستالينية لحشد الرأي العام وتجنيده وراء الزعيم – رغم أن ذلك حرام حسب فتاوى السلفيين أنفسهم. وتكتفي داعش في أفلامها الدعائية ببث الأناشيد الجهادية ومزجها بالمؤثرات الصوتية (وهي حلال حسبهم) لكن يبدو أن العريفي أدرك ما للموسيقى من تأثير في أفلام الدعاية ولم يتمكن من تعويضها بالأناشيد الجهادية التي غالبا ما تنتقد آل سعود وتمجد الخليفة أبو بكر البغدادي الذي كما نعلم يكن العداء لهم في إطار الصراع على زعامة التيار السلفي الوهابي في المنطقة.
ولا ريب أن يغرد أحد زملاء المهنة، يعني شيخ و خطيب وصحافي دعائي وسياسي مدافع عن الأسرة المالكة في نفس الوقت، الشيخ مسعود المحمدي، قائلا بأن فيلم العريفي وغيره من أعمال الدعاية السينمائية التي ينجزها مشايخ الوهابية تمثل تحديا لما سماهم “أعداء الإسلام”، يعني خصوم أمراء آل سعود والوهابيين المتحالفين معهم.
#شام_العزة د #العريفي وقبله #وسم د #العودة يمثلان تجديد في الطرح وإفادة من تقنية الإعلام لمواجهة أعداء الإسلام المتنفذين في الإعلام الجديد
— د.مسعود المحمدي (@MsoudAlmohamadi) ٨ مايو ٢٠١٥
فبعدما شهد شاهد من أهلها واعترف بالوظيفة السياسية الدعائية للشيوخ المتسترين بالدين، لماذا يصر البعض على تقديس هؤلاء الصحفيين المتاجرين بالدين الذين يسمون أنفسهم دعاة ومشايخ وعلماء لا يجوز التعرض لهم بينما هم في الحقيقة رجال إعلام ودعاية لا يختلفون عن فيصل القاسم أو داوود الشريان ؟ هؤلاء لا يمارسون الصحافة فقط لهدي الناس إلى الدين الصحيح و إنقاذهم من الجحيم كما يدعون، بل لحثهم على الإنبطاح وقبول الوضع العريبي المأساوي الراهن ورفض أي تغيير سياسي للنهوض بالأمة والتفكير فقط في الحياة الأخرى. ألم يحن الوقت لرفض بروباغندا المشايخ “الكهنة” الذين يدعون الناس للصمت وترك ملذات الدنيا للأمراء والديكتاتوريين والمشايخ الذين يحتكرون الحكم وأمواله وقصوره ويورثونه لأبنائهم؟
الجزائر نت
تعليق واحد على “البروباغندا الدينية السينمائية : فيلم الداعية العريفي نموذجا”