نواصل في الجزء الثاني من المقال سرد الرسائل السياسية التي تخفيها الشعارات الدينية لتيار السلفية الذي تقوده المملكة السعودية. اقرأ الجزء الأول من مقال “الرسائل السياسية الخفية في معتقدات تيار السلفية”.
فشعار “التبرؤ من الإخوان المسلمين” يخدم مباشرة هيمنة آل سعود والوهابيين على الإسلام السياسي ورفضهم للفرق السنية الأخرى المنافسة لهم. السلفيون يكنون كراهية عميقة لتيار الإخوان (وكل الفرق الإسلامية الأخرى) ويتهمونهم “شرعيا” بأنهم مبتدعة وأنهم بدلوا الدين واستعملوا العقل وأنهم معتدلين وأنهم يتعايشون مع الفرق الأخرى… الخ، وهذا ما يرفضه مشايخ الوهابية الذي يؤمنون بالتفسير الحرفي (حسب فهمهم) ويرفضون الإجتهاد في القضايا التي تمس طريقة الوصول للحكم و التداول على السلطة.
لكن الرسالة السياسية الخفية لهذا العداء هي رفض آل سعود والوهابيين المتحالفين معهم لأي فرقة إسلامية سنية تنافسهم على قيادة العالم الإسلامي أو التأثير فيه (ولهذا يكرهون الشيعة وإيران أيضا). الإخوان رغم مساوئهم وأخطائهم كما رأينا في مصر وتونس يقبلون مبدئيا بالإنتخاب للوصول للحكم وهذا يهدد طريقة حكم آل سعود والوهابيين الموالين لهم المستمدة من التراث السلفي والذين يؤمنون بالوراثة المطلقة للمناصب الدينية والسياسية لحماية مناصبهم وثرواتهم. والكل يعلم أن السعودية هي أول من حرض ضد الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي ذو التوجه الإخواني ومولت الإنقلاب العسكري ضده خوفا من تنامي نفوذ هذه الفرقة عند المسلمين السنة مما قد يهمش دور الوهابيين وآل سعود الذين نصبوا أنفسهم قادة على العالم الإسلامي. كما وقفت السعودية ضد الإخوان في تونس وفي اليمن وأدرجت حركة حماس الفلسطينية أيضا – كما فعلت إسرائيل – في قائمة الإرهاب لمجرد أنهم غير وهابيين. فكراهية الإخوان التي يعتقد السلفيين البسطاء أنها من الدين لا تعدو سوى استراتيجية سياسية لإبعاد منافسي الوهابيين عن الساحة.
وهنا نصل إلى مبدأ “التبرؤ من الديمقراطية والعلمانية” الذي ينادي به آل سعود والوهابيين التابعين لهم. هم يبررون “دينيا” لأتباعهم رفضهم للعلمانية لأن ذلك يعني فصل الدين عن الدولة وهو مبدأ غربي “سيقضي على الدين” وبما أن آل سعود يريدون الحفاظ على الإسلام فأنهم سيعارضون العلمانية. والحقيقة السياسية المخفية هي أن آل سعود و”كهنتهم” الوهابيين يستمدون مشروعيتهم وتوارثهم للسلطة باستغلالهم للدين وبأنهم “خادمين للحرمين”. هم يستعملون الدين لتسويغ توارثهم للحكم والعلمانية بكل تأكيد ستنزع عنهم ذلك ويصبح كل السعوديين بإمكانهم الوصول للسلطة وهذا ما يخشاه آل سعود والوهابيين المتحالفين معهم الذين يستمتعون بحياتهم الفارهة وينهبون أموال النفط الطائلة بدون محاسبة.
لذات السبب يحرمون أيضا الديمقراطية إذ يفتون لجمهورهم السلفي بأن الديمقراطية حرام لأنها تعني حكم الشعب لنفسه والحكم ينبغي أن يكون لله وحده. وبما أنهم نصبوا أنفسهم حراسا للدين وخلفاء لله في الأرض فإنهم هم الأولى بتطبيق شرعه. وهذه خدعة لا مثيل لها لأن الشعب المسلم إذا أتيحت له فرصة الإختيار لن يكون ضد مبادئ دينه كما يخشى الوهابيون بل سيختار الأفضل لقيادة البلد وتوفير حياة أفضل للناس. ثم هل تضمن ديكتاتورية الملكية المطلقة الحفاظ على الشرع حقا ؟ لا بالطبع، فالكل يعلم فساد آل سعود وسرقتهم للمال العام وتحالفهم مع الدول الغربية ضد مصالح شعوبهم وتمويلهم للحروب ونشرهم للإرهاب وتكميمهم للأفواه واعتقال للمعارضين، الخ. فرفض العلمانية والديمقراطية هدفه سياسي هو عدم المس بشرعية آل سعود والوهابيين في الحكم وأحقيتهم في توارثه والتمتع بخيراته ورفضهم إشراك الشعب (غير المؤهل أصلا للإختيار والذي يُشكل حسبهم خطر على الدين) في تسيير شؤونه واختيار حكامه.
وهنا نفهم جيدا المغزى من شعار “التبرؤ من الثورات والمظاهرات والإعتصامات” الذي يدين به الوهابيون وأتباعهم. فهو مبدأ تم “ابتداعه” خصوصا بعد أحداث الربيع العربي. فتفسيره الديني كما أفتى مشايخ السلطان الوهابيين في السعودية هو أن انتقاد السلطان حرام ولو سرق المال ولو ضرب الناس في الشوارع وزج بهم في السجون. و بما أنه لا يمنع الناس من الصلاة فيجب طاعته هو وأولاده وأحفاده مدى الحياة. نحن نعلم أنه لا يوجد حاكم في العالم (حتى من غير المسلمين) يمنع الصلاة فلا مجال إذا لتهديد عرش الملك وكهنته الإستبداديين. والخروج عن السلطان في أدبيات الوهابية ليس فقط إعلان الحرب عليه كما كان في القدم، لا، بل أن مجرد انتقاده في الصحافة أو سؤاله لماذا يسرق المال العام هو خروج عليه ولا يجوز ويتعرض من اقترف هذا “الذنب” لعقوبات قاسية. والتظاهر أيضا حرام (رغم سلميته) لأنه تقليد للغرب “الكافر” وهو بذلك لا يجوز أيضا. والرسالة السياسية المبطنة لهذا الشعار الإنبطاحي هي منع أي ثورة شعبية أو مظاهرة تهدد سلطة آل سعود والوهابيين الذين لا يقبلون بوجود معارضة، كما لا يقبلون أن يحاسبهم الشعب على ما يفعلون فهم في “خدمة الحرمين” والشعب ما عليه إلا الإنصياع لهم إذا أراد الدخول للجنة. أما شؤون الدنيا فهي ليس من صلاحياته.
وحتى لا نطيل يتبين مما سبق أن شعارات السلفية الستة التي أوردناها والتي يطبل لها السلفيون في الجزائر وغيرها هي في الحقيقة مبادئ سياسية تخدم السلطة السعودية القائمة – تماما كما تحالف كهنة الكنيسة مع ملوك العصور الوسطى في أوروبا – على تحالف بين الملوك ورجال الدين للسطو على الحكم والحفاظ عليه وتخويف الناس من مغبة المساس بقدسيتهم. السلفيون عندنا يؤمنون بالفتاوى السياسية التي تخدم آل سعود وهم يعتقدون أنها جزء من الدين، وكأن الإسلام اصبح مسألة سعودية. ونحن نعتقد أن الدين الإسلامي في أساسه جمهوري وهو قائم على مبدأ الشورى (اي الإختيار) وليس الوراثة وهذا ما لا يحبذه آل سعود وكهنة الوهابية المتحالفين معهم. وكجميع الملوك، عندما استولى آل سعود والوهابيون على نجد والحجاز أفسدوها وتحالفوا مع القوى الغربية لحماية عروشهم وقهر شعوبهم وذلك لا يخفى على أحد. وهذا بالذات ما دفع السلفيين-الوهابيين غير الموالين للآل سعود من أنصار القاعدة وداعش، الذين يريدون بدورهم الحكم والثروة باسم السلفية، إلى حمل السلاح ضد الشعوب والدول المسلمة في محاولة لحكمها. وهم في الحقيقة يريدون تكرار تجربة آل سعود ومشايخهم حسب مبدأ السلفية الجهادية الذي يؤمن بالعنف والإرهاب للوصول للسلطة ثم بعد ذلك يحكمون بيد من حديد لمنع الناس من التغيير ويفرضون طاعة الحاكم وذريته مدى الحياة. وكأن التاريخ يعيد نفسه وللحديث بقية.
الجزائر نت
السلف الصالح هو منهجنا يا نبتدعه..لعنة الله عليكم يا مضللين