وعاظ السلاطين العرب : كهنة وأدوات تسويق وصناع رأي

قد يقول أحدهم، لماذا يتهجم الناس على العلماء و”لحومهم مسمومة” ؟ أليسوا بشرا يصيبون ويخطئون ؟ إذا ما على المواطن سوى حسن الظن فيهم والإصغاء لهم وطاعتهم والدعاء لهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها. هذه هي الرؤية التي يحاول المستفيدون من الوضع الراهن أن يفرضوها على الناس. فالشيخ أعلم منك بدينه وبملكه وبمصلحة عامة الناس الذين لا يفقهون شيئا في شؤون الحياة الدينية والدنيوية. هؤلاء “العلماء” يعتقدون أنهم من صفوة القوم ومن واجبهم الحيلولة دون مشاركة الناس وإبدائهم لآرائهم في الشؤون السياسية والإجتماعية فضلا عن الأمور الدينية. فاحتكار الرأي في جميع المسائل كفيل ليس فقط بحماية “تجارتهم ومناصبهم”، وإنما أيضا حماية الملوك والقادة المستبدين المحتكرين للثروة والسلطة. 

هوس مشايخ السلطان بوسائل الإعلام : من أشرطة الكاسيت إلى وسائل التواصل الاجتماعي

 بعد اختراع الألماني يوهان غوتنبرغ المطبعة في أواسط القرن الـ 15 م وطباعة الإنجيل تنبهت الكنيسة الكاثوليكية لأهمية الاتصال الجماهيري في الدعاية الدينية والسياسية وضرورة توظيفه للسيطرة على عقول الجماهير. وكذلك فعل المناضلون من أجل الحريات وحقوق العمال في أوروبا حتى بزوغ نجم وسائل الإتصال الجماهيرية أي السينما، في أواخر القرن الـ 19 م، ثم الراديو و التلفيزيون في القرن الـ20م. .

كذلك فعل رجال الدين في العالم العربي والإسلامي أسوة بالكتاب والصحافيين العرب بدءا بالصحافة المكتوبة إلى آخر تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي. قد يتساءل القارئ : أليس من حق الدعاة والشيوخ استعمال الوسائل الحديثة لنشر الفضيلة ؟ والإجابة: نعم. لكن المشكلة تكمن في استعمالهم لهذه الوسائل لنشر الجهل وتشويه الرسالة السمحاء للإسلام بفتاويهم “حسب الطلب” ومساندتهم للأنظمة الإستبدادية فضلا عن زجهم بالشباب المحبط في براثين العنف والإرهاب. من منا في الجزائر لا يتذكر في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي الأشرطة المغناطيسية التي تصلنا من السعودية ومصر التي تنشر الخطابات النارية والفتاوى السياسية تحت غطاء الدعوة للدين وللمنهج الصحيح ؟ ألم تتسبب بعضها في نشر الأفكار الهدامة وتحويل الشباب المحبط إلى العنف كوسيلة للتغيير ؟ وبعد أن فتحت الفضائيات السعودية منابرها للمشايخ كقوة ناعمة لنشر منهج المملكة الوهابية في سائر أنحاء العالم وجلب التأييد الشعبي لسياسات ملوك آل سعود وحلفائهم الأمريكان في الشرق الأوسط. من منا لا يتذكر الفتاوى الدينية-السياسية لإضفاء شرعية تحالف آل سعود مع الأمريكان لاحتلال العراق ؟ 

دس الدعاية السياسية في أحشاء التجارة الدينية

الفضائيات التلفزيونية لازالت موجودة إلى يومنا هذا، لكن المشايخ – رجال الدين وصناع الرأي – انتبهوا للإعلام الجديد منذ بداية الألفية الجديدة وفهموا توجه الشعوب للانترنيت كوسيلة اتصال تفاعلية خارجة عن سيطرة الحكومات. فحجز كل شيخ موقع له على الإنترنيت ثم على وسائل التواصل لكن المحتوى والهدف لم يتغير. فكالعادة تقرأ فيه مزيج من الدعوة للفضيلة، وهذا عمل محمود، و الرسائل السياسية المساندة لسياسات الأمراء والملوك الفاسدين، وهذا عمل مذموم. 

الشيخ السعودي العريفي يتملق لملوكه وأمرائه الذين دفعوا الجزية لترامب مقابل حماية عروشهم من سخط شعوبهم

أيعتقد هؤلاء أننا نسينا الفتاوى – والتي جاءت تلبية لرغبات نفس الملوك – الداعية للجهاد المزعوم في سوريا وليبيا واليمن ؟ ألم تتسبب في تدمير البلدان وتشريد الملايين وتجويعهم ؟ أحلال دعم الجهاديين في سوريا وحرام انتقاد السلطان المحلي ؟ أي ازدواجية هذه ؟ وفي ظل الغياب التام للصحافة الحرة، ينفرد هؤلاء بالمنابر ليس فقط لنشر الفضيلة كما يزعمون، وإنما لتبرير سياسات ملوكهم وإن تعارضت مع الدين والأخلاق. 

الشيخ العريفي يبرر دينيا العدوان السعودي على اليمن والذي راح ضحيته الآلاف وكأن ذلك من الجهاد

أليس هذا النفاق هو الذي يدفع بعض الشباب الذي الذي تربى على خزعبلات مشايخ الدولار إلى الإرتماء في أحضان الجماعات الإرهابية التي تعدهم بالجنة في الدنيا والآخرة ؟ أو بالعكس دفعهم للإلحاد للتخلص من أدبيات الكهنة التي عفى عنها الزمن ؟ 

مشايخ البترودولار والدعاية التجارية : من بيع الأرز  والدفاع عن شركات التأمين إلى الترويج لتجارة العبيد

 تجارة الدين والسياسة لا تكفي المشايخ، فالمجتمع الذي ينشده هؤلاء هو مجتمع استهلاكي تسود فيه الدعاية التجارية ولو سخرت العواطف الدينية لبيع الأرز والعطور. فالشيخ هو قبل كل شيء رجل أعمال يجني الأموال من الدعاية التجارية الممزوجة بالرسائل الدينية للتأثير على المستهلكين. فهم ليسوا فقط صناع رأي وإنما أدواة تسويق للشركات المحلية (المقربة من السلطان وأعوانه).

الشيخ العريفي يروج لماركة أرز الشعلان السعودية  ويدسها في منشور عن زكاة الفطر

وأيضا أدواة للترويج لمشاريع شركات العقار الأجنبية … هؤلاء المشايخ بارعون في تسويق كل شيء من أكياس الأرز إلى الشقق الفارهة في تركيا.

الشيخ العريفي يروج لمشاريع عقارية في تركيا

بالإضافة لتقديم الخدمات لشركات التأمين السعودية عن طريق تخويف الناس من عواقب الاحتيال على هذه الشركات وهذا بالرغم من أن بعض مشايخ الوهابية حرموا أصلا التعامل مع شركات التأمين وشبهوا التأمين بالميسر ! أي تناقض هذا ؟

الشيخ السعودي عائض القرني في مهمة تخويف الزبائن من مغبة التحايل على شركات التأمين

هل تريدون المزيد ؟ الشيخ العريفي لا يتردد في الترويج لتجارة العبيد، أي العمالة الأجنبية، والتي تعاني من معاملة قاسية في السعودية (نظام الكفيل) لا تمت بصلة لأخلاق الإسلام وقد نددت بها العديد من المنظمات الحقوقية في العالم. هل هناك تشويه للدين  ولمكانة رجل الدين أكبر من هذا؟ 

الشيخ العريفي يروج لاستقدام الخادمات من آسيا وباسعار معقولة !

القائمة لاتزال طويلة ولو كرسنا عشرات المقالات لكذب ونفاق تجار الدين والأرز الذين أساؤوا للدين وحولوه لتجارة دنيوية. ولكن قبل أن ننهي المقال، نود أن ننبه أيضا لمهزلة أخرى ارتكبها كهنة السلطان السعوديين إزاء انتفاضة المقدسيين الأخيرة للدفاع عن المسجد الأقصى والتي أرغمت رئيس الوزراء الإسرائيلي على التراجع عن وضع كاميرات مراقبة في مداخل الحرم القدسي.  فبينما يقضي الملك سلمان وحاشيته الضخمة عطلته في طنجة المغربية، هرول كهنة السلطان لتصوير هذا التراجع الإسرائيلي وكأنه إنجاز لملكهم الفذ المدافع عن حرمات المسلمين !

مشايخ الوهابية السعوديين في أوج حماسهم للسلطان

لكن رد المقدسيين الذين دافعوا لوحدهم عن مقدساتهم لم يطل انتظاره.

وقد صرحت وسائل إعلام إسرائيلية بأن الحكومة الإسرائيلية كانت تتخوف من ازدياد الاحتقان في بعض العواصم العربية المقربة (الرياض، القاهرة، عمان) والتي قد تقود لحراك شعبي قد يهدد هذه الأنظمة الموالية لمحور واشنطن-تل أبيب. بدون شك أن هؤلاء الكهنة يعلمون أن الناس بدأت تتنبه لتجارتهم الخاسرة وهم يفقدون المصداقية شيئا فشيئا. ويبدوا أنهم يجدون صعوبة في تكميم أفواه معارضيهم والدليل على ذلك الانتقادات اللاذعة التي يتعرضون لها على وسائل التواصل، وهذا ما لم يكن ممكنا في وسائل الإعلام التقليدية المملوكة للسلطان. 

بعد كل هذا، دعونا نعود للجملة الأولى في هذا المقال، ألا تزال لحوم العلماء مسمومة ؟ بالنسبة لنا لحوم الشعوب هى الأكثر سما وفتكا. وللحديث بقية.

الجزائر نت

تعليق واحد على “وعاظ السلاطين العرب : كهنة وأدوات تسويق وصناع رأي”

  1. في الواقع ليس فقط وعاظ السلاطين العرب ، كهنة وأدوات تسويق وصناع رأي، و لا اسيادهم و مموليهم ،حكام الانظمة الاستبدادية ،و حدهم يدزسزم كرامة الجماهير العربيةـبل كدلك الغرب المنافق ،الدي يحميهم و الدي يثقن توظيفهم ،من اجل تحقيق اهدافه الدنيئة و الوسخة بكل المقاييس و المتجلية في ،التوسع الجيوسياسي و استنزاف خيرات الشعوب و الاثراء عبر اموال اسلحتهم المتخصصة في قتل السني بيد الشيعي تخت انزار الحاكن المتـسلم الخائن,,,,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *