عنوان المقال يذكر المختصين في تاريخ البروباغندا السياسية بكتاب الباحث الشهير “سيرج تشاكوتين” (Sergei Chakhotin)، البيولوجي وعالم الإجتماع الألماني من أصول روسية، المناهض للنازية الذي ألف كتابه الشهير حول “اغتصاب الجماهير بالبروباغندا السياسية” قبيل الحرب العالمية الثانية والذي تمت مصادرته على الفور في فرنسا وألمانيا. حاول تشاكوتين في هذا المرجع الكلاسيكي لعلم النفس الاجتماعي تفكيك آليات الدعاية السياسية التي يتم عن طريقها إخضاع الجماهير الأوروبية وتحريضها لاعتناق الأفكار الفاشية وتمجيد القادة والزعماء النازيين رغم إضرارهم بمصالح شعوبهم. بعد أكثر من نصف قرن تحولت شعوب أوروبا من أمم متناحرة مليئة بالكراهية إلى أكثر البلدان تحضرا وانفتاحا وسكت إلى غير رجعة الإعلام الدعائي الذي حشد الجماهير وراء الإيديولوجيات الفاشية. في أيامنا هذه، الشعوب العربية أحوج ما تكون لمن يزيل الستار عن الدعاية الدينية-السياسية التي “أغتصبت” الجماهير وحولتها إلى حشود متخلفة وعنصرية متناحرة، تنتشر فيما بينها خطابات الكراهية والإقصاء والإرهاب ويتحكم فيها رجال الدعاية من العسكر والزعماء و “الكهنة” من رجال الدين المتحالفين معهم.
الفاشية تبدأ عندما يعتقد طرف أنه يملك الحقيقة المطلقة وأنه ينوي “إبادة” خصومه باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للدين أو السياسة. والمجتمعات العربية اليوم تسير في هذا الإتجاه “الإنتحاري” إذ تجند الأنظمة الديكتاتورية جيشا من الإعلاميين المأجورين والمشايخ “الكهنة” الذين يشرعنون الديكتاتورية السياسية والدينية وينشرون الكراهية والإقصاء الديني والسياسي في المجتمع. ولعل ظهور حركات فاشية كتنظيم الدولة “داعش” أو القاعدة لخير دليل على انهيار المجتمعات العربية والإسلامية واستسلامها للدعاية التي ترى في مشروع “الديكتاتورية الدينية”، التي يسمونها “خلافة” لإغراء الجماهير، حلا مثاليا للخروج من التخلف والضياع الذي تعيشه كل المجتمعات العربية. ولو انتصار البروباغندا السلفية الجهادية لما تمكنت الحركات الإرهابية الأصولية من التوغل في أوساط الجماهير وتجنيد أجيال من الجهاديين الذين يموتون في سبيل مشروع سياسي ديكتاتوري مزين بالفتاوى الدينية. بالمقابل تستعمل الأنظمة الشمولية العربية الدعاية السياسية لإقناع الجماهير بضرورة الإنصياع للمستبدين المتبججين بالوطنية والقومية والذين لا يقبلون بمبدأ التداول السلمي على السلطة.
ففي الديكتاتوريات الدينية، كالسعودية مثلا، يتم اغتصاب الجماهير عن طريق الدعاية في وسائل الإعلام التي يحتكرها أل سعود وحلفائهم من مشايخ الوهابية. ولاقتناعهم بتنوع أذواق الجماهير يسعى هؤلاء لتنويع موادهم الدعائية للمتدينين السلفيين وللعلمانيين على حد سواء. فتجد في الإعلام المرئي على سبيل المثال القنوات التلفزيونية الموجهة للجمهور السلفي المتدين، على غرار قنوات صفا و وصال، والتي تنشر الفكر الإنهزامي الإنبطاحي المنادي لطاعة آل سعود وعلمائهم “الربانيين” وإلهاء الناس بفتاوى جانبية لإشغالهم عن السياسة. بينما القنوات الموجهة للجمهور العلماني ذو الثقافة الغربية، على غرار مجموعةMBC ، تعمل على نشر القيم الغربية عن طريق بث المنتوجات الثقافية المستوردة، وبالخصوص منتوجات السينما والموسيقى الأمريكية، لإبعاد الجماهير عن قضاياها المحلية وجعلها تعيش في عالم افتراضي لثنيها عن أية محاولة للمطالبة بنظام ديمقراطي محلي باعتبار أن ذلك معناه انتشار الرذيلة والفساد الأخلاقي. في السعودية كل التيارات العلمانية أو الدينية الوهابية تسعى بإعلامها، رغم اختلافها الإيديولوجي، إلى تثبيت الوضع القائم ومنع أي تهديد فكري لنظام الملكية المطلقة السعودي والذي يستفيد منه آل سعود وحلفائهم الوهابيين والعلمانيين على حد سواء.
[رسالة دعائية للشيخ السلفي السعودي محمد العريفي المقرب من العائلة الحاكمة تحرض الرأي العام في إطار الحرب الإعلامية ضد إيران وتدعوه لدعم قنوات البروباغندا السعودية. في الصورة المرفقة خارطة تقسم إيران عرقيا لتبيان وجود أقلية عربية يجب دعمها لتفتيت الفسيفساء الإجتماعية لدولة إيران، أكبر منافس للمملكة السعودية في المنطقة]
أما في الأنظمة العسكرية الشمولية، كما في الجزائر مثلا، فاغتصاب الجماهير يتم عن طريق الإعلام الحكومي و”الخاص” على حد سواء. إذ بالرغم من انتشار الفساد وسرقة المال العام وانعدام استراتيجية واضحة للنهوض بالبلد، فإن جل وسائل الإعلام تسعى لتشتيت الرأي العام المحلي وتوجيهه لقضايا جانبية، كأخبار فريق كرة القدم الوطني أو ظاهرة المسيحية أو التشيع مثلا، أو لإشغاله بقضية مصيرية مفبركة أو بعدو خارجي وهمي، كالجار المغربي فيما يخص قضية الصحراء الغربية والتي يستعملها النظام العلوي المغربي بدوره لذات الغرض. ولطالما حذر المسؤولون الحكوميون في الجزائر من وجود “أياد خارجية” تريد العبث بأمن البلاد لمجرد خروج مظاهرة للفقراء أو البطالين المطالبين بحياة أفضل. واستراتيجية تخويف الشعب الجزائري من الأيادي الخارجية تمهد في الحقيقة لتخوين أي معارض سياسي للحكومة ونزع رداء الوطنية عنه باعتبار ان “النظام” يحتكر الوطنية والغيرة على البلاد رغم أن الجميع يقر بمسؤوليته عن الفساد الذي أغرق البلاد في الفقر والإستبداد. وفي الوقت ذاته يتهافت أعوان النظام الشمولي في الجزائر على شراء الفيلات بأموال الشعب في أوروبا تحسبا لانهيار نظامهم وفقدان امتيازاتهم وضمانا لمستقبل أفضل لأبنائهم، لا يزال العديد من الناس الذين تم “اغتصابهم” عن طريق الدعاية السياسية يعتقدون أن البلاد بخير وأن النظام القائم هو الأمثل لحمايتها من “الأيادي الخارجية اللعينة” وأن الجزائر فوق كل اعتبار.
ومما سبق يتبين إذا للقارئ أن الوقت لا يزال مبكرا للحديث عن الديمقراطية في الوطن العربي إذا كان الرأي العام “مغتصب” بالبروباغندا السياسية والدينية التي حولت المواطن إلى شريك للأنظمة الشمولية، يقدس جلاديه من الزعماء المتسترين بالوطنية والقومية ومشايخ الدجل والخنوع الذين جردوا المواطن من آدميته وحولوه إلى إمعة يتحكمون فيه “بالريموت كونترول”. فما الحل إذا أردنا تحرير العقل العربي من تبعات الدعاية السياسية والدينية ؟ هذا ما سنتعرض له في مقالات لاحقة.
الجزائر نت
ما دمنا نعيش نفس الأوضاع بين ثلاث فكوك، أنظمتنا العربية (المغرب والجزائر) و فرنسا، فلماذا لا نتحد كشعب واحد بمطلب واحد وهو توحيد الأرض وإزالة المستعمر والأنظمة، وبدء عهد جديد، وهو عهد “عاش الشعب”.
لكن يجب على الجميع فهم هذه الأمور، أو سنقوم بحملة اعلانية نحن المستضعفون المضطهدون في بيوتنا وبلادنا، وزد على ذلك في تعبيرنا، حتى التعبير ممنوع علينا.
كل من تكلم بحق ارسلوه إلى الظلام بعشرات السنين، كم سيحتاجون من سجن او زنزانة لجمع ملايين المغاربة والجزائريين الذين يعيشون تحت مؤشر الفقر المدقع، والذين تم اغتصابهم بإسم الدين، حيث الولاء لولي الأمر واجب في الدين.
أول شيء يجب البدء به هو الانسلاخ من الفرنسية وفرنسا، لأن النظام الحكومي لكلا البلدين تحت سيطرة فرنسا، وهي من تأمر بتفقير وتكليخ الشعبين، لأن للشعبين خطر على الأنظمة الديكتاتورية، والمشكلة أنهم يريدون ضرب الريف من جديد، ولم تكفهم ما فعلوه به خلال عشرينيات القرن الماضي.