منذ اندلاع المظاهرات الشعبية في سوريا في غمرة الربيع العربي عام 2011 ثم تحولها إلى حرب أهلية مأساوية لا تزال الديمقراطية هي المصطلح الأكثر غيابا في قاموس المعارضة والنظام المتخاصمين على حد سواء. فالنظام السوري الذي أساء التعامل مع أوائل المتظاهرين واقترف على ما يبدو مجازر في محاولة لإسكات الأصوات المعارضة هو الأكثر معاداة لهذا الشكل من الحكم الذي يستمد مشروعيته من الشعب. فقد عودتنا الأنظمة العربية “الجملوكية” على إضافة مصطلح الديمقراطية في وصفها لنظام الحكم في محاولة لتزيين الوجه القبيح لهذه الديكتاتوريات البائسة. أما المعارضة السورية التي تضم المئات من الجماعات المسلحة المدعومة في الغالب من جهات خارجية متعددة فتطلق في الغالب تسميات “إسلامية” على مشاريع الحكم التي تنوي إقامتها في حال الإطاحة بنظام الأسد.
فجماعة “داعش” الموالية للقاعدة تتبع الإيديولوجية السلفية-الجهادية للوصول للحكم والقائمة على القتال بشراسة حتى الإطاحة بالخصم ثم فرض “أمير المؤمنين” الذي تمت مبايعته مسبقا خليفة على الشعب الذي توجب له الطاعة المطلقة ما دام مسلما ولا يمكن للمواطن البسيط مساءلته. وهذا ما تفعله في سوريا والعراق اليوم إذ تحتول فرض “البغدادي”، وهو شخص مجهول، على عامة الناس وهم لم يروه أو يسمعو شيئا عن “مشروعه الإنتخابي”. ففي هذا النظام يتولى “الخليفة” الحكم مدى الحياة وهو غير مُلزم بتوضيح سياساته للعامة. ورغم الوعود بأن هذا الشكل من الحكم سيكون أكثر عدلا من الأنظمة الحالية فإن الواقع لطالما كذّب هذا الإدعاء. فالجماعات التي تستلهم أفكارها من القراءة المبسطة والسطحية لتاريخ الحكم في القرون الأولى للدولة الإسلامية غالبا ما تقترف بدورها مجازر في حق معارضيها السياسيين بحجة “الردة” أو “الخروج على ولي الأمر” لتثبيت حكمها وسحق معارضيها.
أما الجماعات الإسلامية الأخرى الأكثر “اعتدالا” فتقول بأنها تنوي إقامة حكم إسلامي مبني على الشورى كما كان الأمر عند المسلمين الأوائل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح يخص شكل الشورى التي تنوي إقامتها لاختيار الحاكم. فالمجموعات السلفية الجهادية (مثل داعش والنصرة) تتبنى أيضا “شورتها” الضيقة التي تنحصر في بعض الأعيان وأصحاب النفوذ السياسي و الديني والمالي ولا تقيم وزنا لرأي عامة الناس بحجة أنهم غير مؤهلين لأمور السياسة والدين. ففي السعودية ذات الحكم السلفي التقليدي مثلا هناك مجلس شورى ولكنه مُعين من طرف الملك وليس له صلاحيات تُذكر. هذا المثال يوضح أن مبدأ الشورى فضفاض ويُستعمل من طرف الجماعات المتطرفة خصيصا لإضفاء بعض الشرعية على حكمها الموعود.
فإن كانت المعارضة المعتدلة السورية تعني فتح مبدأ الشورى للشعب كله فهذا يتطلب إجراء انتخابات وهذا هو الطريق إلى الديمقراطية. لهذا وجب على المعارضة السورية أن تتبنى علنا المشروع الديمقراطي الوحيد القادر على تحقيق آمال الشعب السوري وإن كان لا يروق لبعض الجماعات المتطرفة المتحالفة معها التي ترفض مبدأ الديمقراطية رغم قربها من نظام الشورى الموسع الذي يستشير عامة الشعب. فإن كانت المعارضة الأقوى ميدانيا في سوريا اليوم ترفض الديمقراطية، فما الفرق بين ديكتاتورية الأسد الحالية وديكتاتورية الجهاديين السلفيين المستقبلية؟
بل إن الديكتاتورية الدينية أشد قمعا لأنها تستمد مشروعيتها من الاستغلال الفاحش للنصوص الشرعية والقراءة المبسطة لشكل وتاريخ الحكم في الحضارة الإسلامية لتبرير سلطتها السياسية وهذا موضوع مقالنا اللاحق.
الجزائر نت
تعليقان (2) على “الديمقراطية… أو الغائب الأهم في المأساة السورية”